15-03-08, 03:15 PM
|
#2
|
جُهدٌ لا يُنسى
|
القاعدة الثانية والعشرون ::
أن من أسمائه الحسنى ما يكون دالا على عدة صفات ، ويكون ذلك الإسم متناولا لجميعها تناول الاسم الدال على الصفة الواحدة لها
مثل :
الآن مثل الكريم يدل على صفة واحدة وهي الكرم ، الرحيم يدل على صفة الرحمة .
لكن هناك أسماء تدل على مجموعة من صفات الكمال ، من هذه الأسماء ما يدل على ثلاث صفات كمال ومنها ما يدل على أربع ومنها ما يدل خمس ومنها ما يدل على أكثر من ذلك .
فمن أسمائه مثلا التي تدل على مجموعة من الأوصاف العظيم ، المجيد ، الصمد ،
كما قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير (( الصمد )) هو السيد الذي قد كمل في سؤدده ، والشريف الذي قد كمل في شرفه ، والعظيم الذي قد كمل في عظمته ، والحليم الذي قد كمل في حلمه ، والعليم الذي قد كمل في علمه والحكيم الذي قد كمل في حكمته ، وهو الذي قد كمل في أنواع شرفه وسؤدده وهو الله سبحانه وتعالى ، وهذه صفة لا تنبغي إلا له ليس له كفواً احد (( ليس كمثله شيء )) سبحانه وتعالى لا يكافئه شيء ليس له كفوا وليس له نظير . أهـ
فانظروا كيف فسر ابن عباس رضي الله عنهما (( الصمد ))
بهذه المجموعة من الأوصاف الكاملة ، فما تستطيع أن تقول أن الصمد مثلاً مثل صفة الرحيم يدل على صفة الرحمة فقط ، وإنما يدل على مجموعة من الصفات الكاملة .
وقل مثل ذلك بالنسبة للرب : هو السيد الذي قد كمل في سيادته ، والمربي لخلقه ، والمتصرف فيهم ، وما إلى ذلك من المعاني .
بعد ذلك ننتقل إلى قضية أخرى وهي ما يطلق على الله تبارك وتعالى من الصفات أو الأخبار
والمقصود بالصفة : هي تلك الاطلاقات التي وردت بها نصوص شرعية تدل على وصف الله تبارك وتعالى بها
وأما الخبر : فالمقصود به تلك الاطلاقات العامة الكلية التي لم يرد لوصف الله تبارك وتعالى بها دليل لا من الكتاب ولا من السنة وشرط جوازها كما ذكرنا من قبل أنها لا تحمل معاني غير لائقة بالله تبارك وتعالى, لا تشعر بذم ولا بنقص ولا عيب .
فهذه الاطلاقات على الله تبارك وتعالى من جهة الصفة والخبر تنقسم إلى ستة أقسام :
الأشياء التي نطلقها على الله عز وجل
- منها ما يرجع إلى الذات سواء كان ذالك في باب الصفات أو في باب الإخبار الذي هو أوسع من باب الصفات .. مثلا: حينما تقول الله ذات أو الله شيء هذا من باب الخبر ليس من أسماءه تبارك وتعالى ذلك ، لكن هذا من باب الإخبار تقول: الله موجود فهذه الأشياء ترجع إلى الذات .
- منها ما يرجع إلى صفات معنوية مثل: العلم .. القدرة.. السمع ..
- ومنها ما يرجع إلى الأفعال مثل : الخالق.. الرازق ..
- ومنها ما يرجع إلى التنزيه المحض مثل : القدوس ..السلام .. المقدس عن كل عيب ونقص, الطاهر من كل عيب لكن هذه كما قلنا يجب أن تكون متضمنة بثبوت كمال أضدادها فإذا قلت هو المنزه عن كل عيب هذا يقتضي أنه الكامل من كل وجه يعني الذي ثبتت له صفات الكمال .
- النوع الخامس : وهو الاسم الدال على جملة أوصاف متعددة لا تختص بصفة معينه كما مثلنا بالصمد أي مثل الصمد.
- النوع السادس : وهي الصفة الثالثة التي تحصل من اقتران الاسمين كما أشرت قبل قليل .. حينما يقول العزيز الحكيم نخرج بوصف ثالث ’’’ وهذا اتضح.
أيضا من المسائل التي تُذكر في هذا الباب ما يتعلق بأنواع الصفات التي يوصف ربنا تبارك وتعالى بها.
يمكن أن نقسم الصفات باعتبارات مختلفة يعني أنت إذا نظرت إلى الشيء من جانبٍ معين تستطيع أن تقسمه إلى أقسام كما نقول في كثير من الدروس بأننا يمكن أن نقسم
الإنسان مثلا: فنقول بالنسبة إلى الجنس ينقسم إلى ذكر وأنثى ، وبالنسبة للدين ينقسم إلى مؤمن وكافر ، وبالنسبة للصحة والاعتلال ينقسم إلى صحيح وعليل وهكذا ..
فنحن حينما نقسم الشيء ننظر إليه من زوايا متعددة فينقسم باعتبارات مختلفة .
فالصفات يمكن أن تنقسم باعتبارات مختلفة متعددة
مثلاً من حيث الإثبات والنفي :
- هناك عندنا صفات ثبوتيه – وهي ما أثبته الله عز وجل لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم – مثل العزة , العلم , الحكمة , القدرة ، والضحك ، والكلام وما أشبه ذالك .
- وهناك صفات سلبية – وهي ما نفاه الله عز وجل عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم – وهذه أوصاف نقص ينزه عنها تبارك وتعالى مثل : السنة و النوم (( لا تأخذه سنة ولا نوم )) ولكن هذا كما قلنا يقتضي ثبوت كمال ضده ، فإذا قلت (( لا تأخذه سنة ولا نوم )) فهذا يتضمن كمال حياته وقيوميته فالحياة التي تعتريها السِنَة والنوم حياة ناقصة والله تبارك وتعالى منزه عن ذلك ..
النوع الثاني: من حيث التعلق بذات الله وأفعاله:
الاعتبار الثاني الذي يمكن أن نقسم به الصفات نقسمها من حيث التعلق بذات الله وأفعاله :
- فهناك صفات يقال لها الصفات الذاتية وهي التي لم يزل ولا يزال متصفاً بها مثل : العلم و القدر و الحياة والسمع و البصر و الوجه وهكذا اليدين فالله تبارك وتعالى هذه من صفاته الذاتية ..
- وهناك صفات فعليه وهذه تتعلق بمشيئته وإرادته إن شاء فعلها وان شاء لم يفعلها كالمجيء و النزول و الغضب و الفرح و الضحك كل هذا ثبت بالأحاديث وبعضة ثبت في القران وهذه تسمى بالصفات الاختيارية .
وأفعاله تبارك وتعالى نوعان :
نوع لازم – نوع متعدي ..
- فالاستواء على العرش و النزول ينزل ربنا إلى السماء الدنيا وهكذا الإتيان كل ذلك ثابت لله عز وجل وهو في الأفعال اللازمة ..
- وهناك أفعال متعديه مثل : الإعطاء والخلق والرزق .. فهذه تتعدى إلى معطى – إلى مرزوق – إلى مخلوق ، الخلق يقتضي مخلوقا وهكذا .
النوع الثالث: من حيث ثبوت الصفات والأدلة التي ثبتت بها :
الاعتبار الثالث الذي يمكن أن نقسم الصفات بالنظر إليه هو من حيث ثبوت الصفات والأدلة التي ثبتت بها ..
هناك ما يسمى بالصفات الخبرية وهذه التي تكون متوقفة على الخبر ,على الوحي , لا مدخل للعقل في إثباتها,, مثل ماذا ؟؟ حينما يخبرنا الله عز وجل بأن له وجه يليق بجلاله وعظمته – أو بأن له يدين – أو بأن له صفات : كالفرح – الضحك – الغضب ونحو ذلك .. هل يمكن أن نعرف هذا بالعقل ؟ أن الله يضحك مثلا ؟ لا .. هذا متوقف على النقل على السماع من الكتاب والسنة فقط .
وهناك صفات يقال لها سمعيه عقليه بمعنى أن العقل يدركها لكن نحن لا نثبت لله عز وجل صفة لمجرد العقل وإنما طريق ذلك الوحي, لكن من الصفات ما يدركه العقل مثل ماذا ؟؟ الآن الحياة أليس ذلك قد جاء في المنقول وهو أيضا العقل يدل عليه ؟ العقل يدل عليه أن الله متصف بالحياة العلم القدرة الإدارة الخلق الرزق الإعطاء أليس ذلك
كله يعرف بالعقل ؟ ما الذي خلق هذه السموات والأرض والجبال والناس وهذا الخلق العجيب الدقيق بهذه التفاصيل ؟ هو الله تبارك وتعالى فالعقل يدل على ذلك وهو ثابت أيضا في الكتاب والسنة فهذه يقال لها سمعيه عقليه يعني من جهة الدليل الذي عرفت به تنقسم بهذه الاعتبارات ...
والألفاظ لتي يعبر بها عن الله تبارك وتعالى في هذا الباب أيضا أقسام :
1 - منها ما يكون كمال مطلق لا نقص فيه بوجه من الوجوه فهذا يسمى الله به ويوصف به , طبعا لابد أن يكون ثابت في الكتاب أو السنة فهو كامل في ذاته وفي موضوعه ومتعلقه مثل السميع البصير فهذا ثابت في الكتاب والسنة وهي أوصاف كاملة من كل وجه في ذاتها وفي موضوعها ومتعلقها فهذه ثابتة لله تبارك وتعالى ويسمى الله بالسميع والبصير.
2 - وإما أن تدل على كمال في ذات اللفظ لا في موضوعه ومتعلقه لان الموضوع المتعلق منه ما هو محمود ومنه ما هو مذموم فيحتمل النقص بالتقدير فهذا لا يسمى الله به وإنما قد يوصف به أو يخبر به عنه ، فمثلًا الكلام هذا اللفظ من حيث هو يعتبر كمال لكن بالنظر إلى متعلقه قد يكون نقص وقد يكون كمال يتكلم بماذا ؟
الإنسان يوصف بأنه يتكلم ، لكن هذا الكلام قد يكون نقص بالنظر إلى متعلقه يعني ما يقع عليه الكلام ما يتكلم به الموضوع الذي يتحدث عنه قد يكون غيبه قد يكون كذب قد يكون نميمة فالكلام لا يكون كمال بالنظر إلى متعلقه في كل الحالات .
فمثل هذا لا يسمى الله به مثل الإرادة ، الإرادة من حيث هي كمال أليس كذلك ؟ لكن بالنظر إلى متعلقها قد يكون يريد الخير وقد يريد الشر هذا بالنسبة للموصوف بها بإطلاق لا نتحدث عن الله عز وجل ، فإذا كان الوصف بالنظر إلى متعلقه أو موضوعه يكون تارة كمال وتارة نقصا فإن الله لا يسمى به فلا يقال الله من أسمائه المريد .
المشيئة كمال من حيث هي لكن بالنظر إلى متعلقها قد تكون المشيئة للخير وقد تكون المشيئة للشر وقد تكون نقصا وقد تكون كمالا بالنظر إلى موضوعها ولهذا لا نسمى الله عز وجل بالشائي وهكذا ...
وقد تكون دالة على الكمال والنقص في ذاتها فهي تحتمل الكمال والنقص في معناها نفسه فهذا لا يطلق على الله عز وجل وإنما يذكر مقيداً مثل المكر والكيد والاستهزاء والمخادعة (( يخادعون الله وهو خادعهم )) (( يمكرون ويمكر الله ))
(( الله يستهزئ بهم ))
فهذه إنما تكون كمال بما قيدت به فقط ولهذا لا يسمى الله تبارك وتعالى بشيء من ذلك .
انتهينا من القواعد .
******************************************************
ننتقل إلى الخامس عشر وهي لفته وفي ضمنها دعوة إلى التأمل فيما يذكره الله تبارك وتعالى لنا في كتابه مما نجده في كثير من الآيات من تذييل الآيات الأسماء الحسنى وهذا له دلالة ينبغي أن يتدبر الإنسان وان يتفطن لهذا المعنى فإذا تأملت هذه الأسماء التي تختم بها الآيات فانك يمكن أن تستخرج جملة أمور
الأمر الأولأنذلك يكون تارةً للدلالة على أن الشرع والأمر والخلق كله صادر عن أسمائه الحسنى ومرتبط بها وإليكم هذا المثال من سورة الحج من الآية ( من 59 إلى 65 ) انظر ما ذكر الله تبارك وتعالى فيها الله عز وجل يقول لما ذكر الذين هاجروا في سبيله ثم قتلوا أو ماتوا وعد بأنه سيرزقهم رزقا حسنا قال (( ليدخلنهم مدخلا يرضونه وان الله لعليم حليم )) فختم هذه الآية بالعليم الحليم ، وهذا يقتضي علمه بنياتهم الجميلة وأعمالهم الجليلة هؤلاء هاجروا ثم قتلوا أو ماتوا ومقاماتهم العالية الشامخة فيجازيهم على ذلك بالفضل العظيم ويعفوا ويحلم عن سيئاتهم فكأنهم ما فعلوها ، ولهذا قال وان الله لعليم حليم ، عليم بأعمالهم وما خرجوا من اجله وما لاقوا من الشدائد والمشقات والأذى في سبيله ، وهو حليم لا يعاجل عدوهم بالعقوبة وإنما يمهل وهو أيضا يحلم عن سيئاتهم وتقصيرهم وجناياتهم .
ثم قال الله تبارك وتعالى بعدها (( ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب ثم بغي عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور )) هؤلاء الذين أوذوا واُخرجوا من ديارهم وأخذت أموالهم وأصيبوا في أبدانهم إذا حصل منهم انتقام فليس عليهم في ذلك حرج (( لينصرنه الله إن الله لعفو غفور )) فختم بهذين الاسمين فانه أباح المعاقبة بالمثل وندب إلى مقام الفضل وهو العفو وعدم معاقبة المسيء وانه ينبغي لكم أن تعبدوا الله بالاقتداء والعمل بهذين الوصفين لتنالوا عفوه ومغفرته فهو العفو الغفور ، يقول من انتقم لا حرج عليه ثم قال لهم في أسمائه إن الله لعفو غفور يرشدهم إلى العفو الغفر وإنها لمرتبه أعلى .
ثم قال بعدها (( ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير )) وهذا يقتضي سمعه لجميع أصوات ما سكن في الليل والنهار وبصره بحركاتهم على اختلاف الأوقات وتباين الأحوال, ثم قال (( ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير )) وذلك لأن علوه المطلق وكبريائه وعظمته ومجده تضمحل معها جميع المخلوقات ويبطل معها كل ما عبد من دونه وبإثبات كمال علوه وكبريائه يتعين أنه هو الحق و ما سواه هو الباطل هو الكبير العلي وما دونه فزيف أو زيوف لا اعتداد بها من الآلهة المدعاة ما يعبد من دون الله تبارك وتعالى .
ثم قال بعده (( الم ترى أن الله انزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير )) فذكر هذين الاسمين اللطيف و الخبير الدالين على سعة علمه ودقيق خبرته بالبواطن كالظواهر.
ثم قال (( له ما في السموات وما في الأرض وان الله لهو الغني الحميد )) فختم بهذين الاسمين الغني الحميد بعدما ذكر ملكه للسموات والأرض وما فيها من المخلوقات وانه لم يخلقها لحاجة منه فإنه الغني غناً مطلق .. خلقها لا ليتكمل بها سبحانه وتعالى فهو الحميد الكامل ليدل خلقه على أنهم جميعاً فقراء إليه من جميع الوجوه وذلك يستوجب عليهم أن يعرفوه بأنه الحميد في أقداره والحميد في شرعة والحميد في جزاءه فله الحمد المطلق ذاتاً وصفاتا وأيضا وأفعالا, ثم قال (( ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم )) ختم بهذين الإسمين الرؤوف والرحيم فإن من رأفته ورحمته تسخيره المخلوقات لبني آدم وحفظ السموات والأرض وإبقائها وإمساكها لئلا تزول فتختل مصالحهم ..
ومن رأفته ورحمته أن سخر لهم البحار لتجري الفلك في منافعهم ومصالحهم فرحمهم حيث خلق لهم المسكن وأودع لهم فيه كل ما يحتاجونه وحفظه عليهم وأبقاه وهكذا انظر إلى الآيات عموما في كتاب الله عز وجل تجد أشياء من هذا ..
الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في القواعد الحسان ذكر ذلك وتكلم عليه بكلام جميل فليراجع .
أمر آخر مما يمكن أن نستخرجه من النظر والتأمل في ختم الآيات بالأسماء الحسنى :
إن الله يذكر ذلك ليبين أن الحكم المذكور بالآية له تعلق بالاسم فيكون هذا الاسم كالتعليل للحكم انظروا مثلاً لقوله تعالى حينما قال موسى لقومه (( يا قومي إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم )).
وإن هنا تشعر بالتعليل تاب عليكم . كـأنه يقول لأنه هو التواب الرحيم
أمر ثالث :
إن الله قد يذكر الاسم في آخر الآية دون ذكر الحكم والجزاء فيها تنبيهاً لعباده أنهم إذا عرفوا الله بذلك الاسم العظيم عرفوا ما يترتب عليه من أحكام وان ذلك الحكم من آثار هذا الاسم. مثال :
بعدما ذكر الله جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا قال : (( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فأعلموا أن الله غفور رحيم ))ما قال إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاتركوهم أو فأعفوا عنهم ما ذكر الحكم في هؤلاء الذين تابوا قبل التمكن منهم لكنه قال (( فأعلموا أن الله غفور رحيم )) بمعنى اتركوهم.. وهذا ظاهر على كل حال من الآية ..
أمر الرابع : يمكن أن نستنبطه
وهو أن الله قد يختم بعض الآيات بالأسماء الحسنى تعليلا للأمر الوارد في الآية أو تعليلا للنهي الوارد فيها ، مثالا على تعليل الأمر (( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم )) والله عز وجل يقول (( واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود )) لماذا نستغفره ونتوب إليه ؟؟ من اجل أن يرحمنا فختم الآية بهذين الاسمين ليكون ذلك تعليلا للأمر بالاستغفار والتوبة وفيه حث عليهما .
الأمر الخامس :
وهو أن الله قد يختم بعض الآيات التي فيها دعاء باسم واحد أو اسمين يتناسبان مع الدعاء المطلوب وهذا من الأدب في دعاء الله عز وجل بأسمائه الحسنى.. الله يقول
(( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم * ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا انك أنت التواب الرحيم )) وقال تعالى (( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب )) هبنا إنك أنت الوهاب .
الأمر السادس :
إن بعض الآيات تختم باسمين مختلفين تماما في المعنى وذلك لإفادة حكمين مختلفين وردا في الآية فيتعلق مقتضى الاسمين بكل من الحالتين والحكمين المختلفين كل اسم بما يناسبه ، انظر مثلا الله سبحانه وتعالى يقول بعد ما يذكر قصص الأنبياء في سورة الشعراء : (( وإن ربك لهو العزيز الرحيم )) فكل قصة من قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تضمنت نجاة النبي وأتباعه وهذا بلطف الله ورحمته وتضمنت إهلاك المكذبين لهم وذلك من آثار عزته فإذا ذكر قصة نبي قال (( وإن ربك لهو العزيز الرحيم )) بعزته قهر هؤلاء المكذبين وبرحمته نجا المؤمنين فذكر العزة والرحمة مع إن الغالب إن الذي يذكر مع الرحمة المغفرة هنا ذكر معها العزة لان الآيات تضمنت هذا وهذا .
الأمر السابع :
إن بعض الآيات قد تختم أحيانا ببعض الأسماء التي قد يتوهم السامع أنه لا مناسبة بينها وبين موضوع الآية أو الدعاء الوارد فيها إن كان فيها دعاء أو نحو ذلك ، لكن الواقع انه في غاية المناسبة فمثلاً : في سورة المائدة فيما قص الله عز وجل من خبر عيسى صلى الله عليه وسلم في الآخرة ، فعيسى عليه الصلاة والسلام حينما يسأله ربه تبارك وتعالى
(( أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ........ إن تعذبهم فإنهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم )) قد يتبادر إلى كثير من الأذهان أنه هنا يقال الغفور الرحيم فلماذا قال العزيز الحكيم ؟؟ قد أجبنا عن هذا في بعض المناسبات بان هذا المقام مقام يغضب فيه الرب تبارك وتعالى غضباً لم يغضب قبل مثله ولن يغضب بعده مثله وهؤلاء نسبوا له الصاحبة والولد وجاءوا بهذا الإجرام العظيم , فعيسى صلى الله عليه وسلم لا يريد أن يجعل نفسه مدافعا عنهم محاميا عنهم في ذلك المقام ويطلب لهم المغفرة والرحمة وإنما يقول هؤلاء عبادك بين يديك إن غفرت فأنت الغفور الرحيم وان عذبت فانك أنت العزيز الحكيم وهناك معنى آخر وهو أنك إن غفرت فليس ذلك عن عجز بالمؤاخذة و إن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم تغفر وأنت قادر عليهم وعلى معاقبتهم وأخذهم ..
الأمر الثامن والأخير :
وهو أن من ألطف مقامات الرجاء أن يذكر الله أسباب الرحمة وأسباب العقوبة ثم يختمها بما يدل على الرحمة وهذا تجدونه في مواضع كثير في القران الله سبحانه وتعالى يقول (( يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء )) لم يقل مثلا العزيز القوي لا قال (( والله غفور رحيم )) يقول مثلا (( ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما )) فهذا يدل على أن رحمة الله عز وجل قد سبقت غضبه جل جلاله ..
|
|
|