عرض مشاركة واحدة
قديم 07-06-11, 07:34 PM   #2
سهام بنت عبد الفتاح
عضوة بفريق العمل الفني
افتراضي






الحـمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن



محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما



بعد"



ففي لحظة من اللحظات الحاسمة في حياة الإنسان يكون اختياره فيها أعظم مرحلة


في حياته كلها، يقف بين ما يشاهده من زينة الدنيا ومتاعها، وما يغيب عنه من نعيم


الجنة ولذائذها، يقف بين ما يقع له في الدنيا من بلاء ونصب وعذاب، وما يتوعد


من عذاب الآخرة ونكال وجحيم لمن كذب وعصى، وأثناء هذه الوقفة يحضره ملك


من الرحمن وشيطان من الجان، ولكل واحد منهما لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد


بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، كما قال الله


تعالى: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا}،


ولقد قص الله علينا خبر سحرة فرعون حين وقفوا هذا الموقف الرهيب، فكانوا بين


عذاب فرعون ونكاله الذي سيقع بهم، وهو يتوعدهم ويتهددهم، ويملك تنفيذ ما


توعد به إن هم عصوه، وما وعدهم به من التقريب لهم ورفع مكانهم إن هم


أطاعوه وانتصروا على موسى، وبين وعد موسى لهم بأن الله يدخلهم الجنة


وينجيهم من النار، فهذا فرعون يقول: {قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ


الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ


وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى }، فكان جوابهم وقد استجابوا الملك، وعلموا أن ما


جاء به موسى حق لا مرية فيه: { ِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ


مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى }، أي نور هذا الذي انبعث في قلوبهم حتى جعلهم


يقولون هذه الكلمات العظيمة؟! أي إيمان وقر قلوبهم وهز جوارحهم حتى جعله


في لحظة واحدة يضعون فرعون وجنده وعذابه ونكاله ووعيده ووعده تحت


أرجلهم؟!! ألم يكونوا قبل قليل يقسمون بعزة فرعون أنهم لهم الغالبون؟! فكيف


انقلبوا في لحظة واحدة فقالوا له: اقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا؟!


يقولون لمن يقسمون بعزته قبل قليل: افعل ما شئت فلن تستطيع أن تفعل أكثر مما


أعطاك الله في هذه الحياة، ولكنها حياة أرضية زهيدة زهيدة، ولن نؤثرك على ما


أشرق في قلوبنا من نور الحق وبرهانه، لن نؤثرك على الله الذي فطرنا وخلقنا


وهدانا، لن نؤثرك مهما كان معك من متاع وزينة على ما عند الله من الدرجات


العلى، والجنات التي تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، لن نؤثرك فنخاف عذابك


لنقع في عذاب الله الذي لا يموت من وقع فيه ولا يحيى، لن نخاف عذابك القليل


الزائل؛ لأنا نخاف عذاب ربنا الطويل الباقي، فالله خير وأبقى، خير منك في عطائه


وجوده، وأبقى لنا منك في وعده ووعيده، وجنته وعذابه، ولقد كانت قصة هؤلاء


السحرة الذين آمنوا بربهم، وصبروا على الأذى في سبيل الله، وكان إيمانهم سببًا


لعذابهم في الدنيا، ولكنه أنجاهم من عذاب أشد، وأوصلهم إلى نعيم لا يزول.


لقد كانت موعظة يعظ الله بها عباده المؤمنين، بل وعظ بها أحب خلقه إليه،


وأكرمهم عليه، فقال الله تعالى لنبيه وخليله في نهاية سورة طه: { وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ


إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى }


، أي لا تمدن عينيك معجبًا، ولا تكرر النظر مستحسنًا إلى أحوال الدنيا والممتعين


بها، من المآكل والمشارب اللذيذة، والملابس الفاخرة، والبيوت المزخرفة، والنساء


المجملة، فإن ذلك كله زهرة الحياة الدنيا، تبتهج بها نفوس المغترين، وتأخذ إعجابًا


بأبصار المعرضين، ويتمتع بها - بقطع النظر عن الآخرة - القوم الظالمون، ثم تذهب


سريعًا، وتمضي جميعا، كما تذبل الزهرة، وتيبس النبتة، وتقتل محبيها وعاشقيها،


فيندمون حيث لا تنفع الندامة، ويعلمون ما هم عليه إذا قدموا في القيامة، وإنما


جعلها الله فتنة واختبارًا، ليعلم من يقف عندها ويغتر بها، ومن هو أحسن عملا، كما


قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا * وَإِنَّا


لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا}، وَرِزْقُ رَبِّكَ العاجل من العلم والإيمان وحقائق


الأعمال الصالحة، والآجل من النعيم المقيم والعيش السليم في جوار الرب الرحيم


خير في ذاته وصفاته مما متعنا به هؤلاء المترفين المنعمين العاصين، وَأَبْقَى لك


لكونه دائم لا ينقطع ولا يفنى، أما هذه الحياة فإنها تفنى وتبلى.


إنها مواعظ الله وآياته، يقصها على عباده لتكون لهم موعظة وعبرة، وليعلموا أن


ما عنده خير لهم وأبقى، ولكن كثيرًا من الناس عن آيات ربهم غافلون.




سهام بنت عبد الفتاح غير متواجد حالياً