عرض مشاركة واحدة
قديم 13-02-09, 12:55 AM   #17
إيمان مصطفى عمر
|مديرة معهد العلوم الشرعية|
Icon59 تابع تفريع الشريط الخامس ....

المتن :


القرآن محكم ومتشابه



يتنوع القرآن الكريم باعتبار الإحكام والتشابه إلى ثلاثة أنواع :



النوع الأول : الإحكام العام الذي وصف به القرآن كله ،


مثل قوله تعالى : ( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)(هود: الآية 1)


وقوله (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) (يونس:1)


وقوله (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) (الزخرف:4) .



ومعنى هذا الإحكام الإتقان والجودة في ألفاظه ومعانيه فهو في غاية الفصاحة والبلاغة ، أخباره كلها صدق نافعة ، ليس فيها كذب ، ولا تناقض ، ولا لغو لا خير فيه ، وأحكامه كلها عدل وحكمه , ليس فيها جور ولا تعارض ولا حكم سفيه .



شرح الشيخ :



القرآن محكم ومتشابه :


النوع الاول :


احكام عام : بمعنى انه وصف به كل القرآن , مثل قوله تعالى :


-( الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير )- [هود/1]


احكمت : أتقنت , أجملت, بدليل قوله : (( ثم فصلت ))


والتفصيل جعله الله تعالى مقابلا للاحكام ,


ولكن مع ذلك حق على هذا الرأي لا يمنع ان يكون المحكم..... فيكون محكما على سبيل الاجمال , والاتقان ومفصل ايضا .


من لدن حكيم خبير : وهو الله عز وجل


حكيم : ذو حكمة بالغة


خبير : اي ذو علم ببواطن الأمور , والعالم ببواطن الامور عالم بظواهرها .


وقوله تعالى :


-( تلك آيات الكتاب الحكيم )- [لقمان/2]


اي المحكم , وهذا واضح انه عام لكل القرآن


وهنا بحث في (( الر )) هذه الحروف هجائية , هل لها معنى في ذاتها ؟ لا , لان القرآن بلسان عربي , لا يرون للحروف الهجائية معنى بذاتها , لكن لها مغزى, وهوان هذا القرآن الذي أعجز العرب لم يأت بجديد عليهم بل أتى بما يركبون منه كلامهم , وهي الحروف , ومع هذا عجزوا ان يأتوا بمثله .


حتى ان مسيلمة الكذاب وغيره ممن ادعوا النبوة ارادوا ان يأتوا بمثله فأتوا بضحكة مجانية , كل من قرأ ما زعموا انه قرآنا , فانه يضحك منهم .


يقول عز وجل :


-( وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم )- [الزخرف/4]


اي عندنا , علي : ذو علو وارتفاع , وكل من أخذ بهذا القرىن فسيكون له علو ,


حكيم : ذو حكم .


فهو جامع بين العلو وبين الحكم والسلطان .


الشاهد قوله : حكيم : اي محكم , وحكيم : بمعنى حاكم اي عال على غيره .


ومعنى هذا الاحكام : الاتقان والجودة في ألفاظه ومعانيه , بدون استثناء .


فهو في غاية الفصاحة والبلاغة ,اخباره كلها صدق نافعة ليس فيها كذب , ولا تناقض , ولا لغو لا خير فيه .


وهذا يشمل كل آيات القرآن , واحكامه كلها عدل وحكمة ليس فيها جور ولا تعارض ولا حكم سفيه.


ولهذا قال تعالى :


-( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم )- [الأنعام/115]


صدقا بالاخبار


وعدلا في الاحكام


هذا لا اشكال فيه , القرآن كله محكم متقن في غاية ما يكون من الجودة والفصاحة .



المتن :



النوع الثاني : التشابه العام الذي وصف به القرآن كله ، مثل قوله تعالى : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) (الزمر:23) ومعنى هذا التشابه ، أن القرآن كله يشبه بعضه بعضا في الكمال والجودة والغايات الحميدة ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)(النساء: الآية 82)

شرح الشيخ :



التشابه العام الذي وصف به القرآن كله ، مثل قوله تعالى:


-( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد )- [الزمر/23]



وهو القرآن , لان القرآن احسن الحديث في صدقه وفصاحته وعدله وغير ذلك .


كتابا متشابها : هذا بدل من أحسن .


مثاني : اي تثنى فيه المعاني والأحكام , مثلا تجد الله عز وجل في كتابه العزيز , اذا ذكر ثواب المؤمنين ذكر عقاب المجرمين , وأقرأ المطففين :


كتاب الفجار - كتاب الأبرار .


ثواب هؤلاء وثواب هؤلاء .


ايضا مثاني بالنسبة لصفات الخلق :


-( هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير )- [التغابن/2]


وقس على هذا .


تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم : اي تقشعر خوفا وتعظيما , ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله .


ومعنى هذا التشابه : اي ان القرآن كله يشبه بعضه بعضا في الكمال والجودة والغايات الحميدة . ولو كان من عند غير اللع لوجدوا فيه اختلافا كثيرا .


وهذان القسمان : الاحكام العام والاحكام الخاص : لا اشكال فيهما ولا منازعة , قد اتفق الناس عليه ,


النوع الثالث هو المعترك .



المتن :


النوع الثالث : الإحكام الخاص ببعضه ، والتشابه الخاص ببعضه ، مثل قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (آل عمران:7) .



ومعنى هذا الإحكام أن يكون معنى الآية واضحا جليا ، لا خفاء فيه ، مثل قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات:13)، وقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:21) وقوله : ( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ)(البقرة: الآية 275) وقوله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ )(المائدة: الآية 3) وأمثال ذلك كثيرة .



ومعنى هذا التشابه : أن يكون معنى الآية مشتبها خفيا بحيث يتوهم منه الواهم ما لا يليق بالله تعالى ، أو كتابه أو رسوله ، ويفهم منه العالم الراسخ في العلم خلاف ذلك .



مثاله : فيما يتعلق بالله تعالى ، أن يتوهم واهم من قوله تعالى : (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ)(المائدة: الآية 64) أن لله يدين مماثلتين لأيدي المخلوقين .



ومثاله فيما يتعلق بكتاب الله تعالى ، أن يتوهم واهم تناقض القرآن وتكذيب بعضه بعضا حين يقول : (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ )(النساء: الآية 79) ويقول في موضع آخر : ( وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)(النساء: الآية 78)



ومثاله فيما يتعلق برسول الله ، أن يتوهم واهم من قوله تعالى (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (يونس:94) ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان شاكا فيما أنزل إليه .



شرح الشيخ :



هذا النوع الاحكام الخاص في بعضه والتشابه الخاص في بعضه , يعني ان بعضه متشابه وبعضه محكم , مثل قوله تعالى :


-( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات )- [آل عمران/7]


منه : من هنا معناها التبين .


وأخر متشابها : تختلف غير واضحة



-( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب )- [آل عمران/7]


فاما الذين في قلوبهم زيغ : نحن نعلم ان (اما ) حرف تفصيل , فأين المفصل ؟


الذين في قلوبهم زيغ , والراسخون في العلم ثانيا , ولهذا قدره بعض الناس فقالوا : واما الراسخون في العلم .


اذا انقسم الناس بهذا الى قسمين :


قسم في قلوبهم زيغ : اي ميل عن الهدى والحق , فيتبعون ما تشابه منه : اي يتطلبون الآيات المتشابهة ويلقونها ليشبهوا على الناس , ابتغاء الفتنة : اي ابتغاء رد الناس عن الحق , والفتنة تاتي بمعان منها : الصد عن سبيل الله , قال تعالى :


-( إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق )- [البروج/10]


ايضا في ابتغاء تأويله : اي طلب تأويله اي تفسيره على ما يريدون , لا على ما يريده الله عز وجل .


وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم : في هذه الجملة اختلف السلف والخلف على انه هل يوقف على (الا الله ) او نوصل ويقال ( الا الله والراسخون في العلم )


فيها قراءتان , وأكثر السلف على قراءة الفصل , يعني نقول : ( وما يعلم تأويله الا الله ) نقف , ثم نقول والراسخون في العلم تكون مبتدأ , وجمله يقولون خبر , وبعض السلف يصل , يعني وما يعلم تأويله الا الله والراسخون : ايضا يعلمون , وتكونجمله يقولون حالا من الراسخين في العلم , اي في موضع النصب , ( كل من عند الله) وما يكون من عند الله فلن يكون فيه اختلاف , ويحمل المتشابه على المحكم فيقضي به الجميع محكما .


قال تعالى :


-( يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب )- [البقرة/269]



لا يتذكر بالقرآن ومواعظه الا اصحاب العقول , لقوله تعالى


-( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب )- [ص/29]


ومعنى هذا الاحكام , ان يكون معنى الآية واضحا جليا لا خفاء فيه , اذن الاحكام هنا غير الاحكام السابق , الاحكام هنا يعني الوضوح والبيان الذي لا اشكال فيه , مثل قوله تعالى :


-( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير )- [الحجرات/13]


وقوله :


-( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون )- [البقرة/21]


وقوله :


-( وأحل الله البيع وحرم الربا )- [البقرة/275]


والأمثلة كثيرة .


هذا نسميه محكما واضح المعنى , هذا الاحكام الخاص يعني الذي يختص ببعض القرآن .


ومعنى هذا التشابه ان يكون معنى الآية مشتبها خفيا , بحيث يتوهم منه الواهم ما لا يليق بالله تعالى او كتابه او رسوله , ويفهم منع العالم الراسخ في العلم خلاف ذلك .


يكون المعنى خفيا فيفهم منه الذي في قلبه زيغ معنى , ويفهم الراسخ في العلم معنى آخر ,


فان قال قائل : ما الحكمة من وجود هذا في القرآن الكريم ؟


قيل الحكمة : الامتحان واختبار العباد , هل يردون المتشابه الى المحكم , او بالعكس , ولهذا يحصل النزاع بين العلماء في معنى هذه الآيات المتشابهة . فهذه الحكمة من كون بعضه متشابها وبعضه محكما .


مثاله فيما يتعلق بالله تعالى ان يتوهم واهم من قوله تعالى :


-( بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء )- [المائدة/64]


ان لله يدين مماثلتين لأيدي الخلوقين , هذا من المتشابه , من قال انه متشابه , الممثلة .


بعض الناس قال بالعكس , قال ان ليس لله يدين حقيقيتين , ولكن المراد باليدين النعمة , اي لله نعمتين , مبسوطتين . كيف نعمتين ؟ ان الله يقول :


-( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم )- [النحل/18]


قالوا : نعمتان باعتبار الجنس , اي نعمة الدين ونعمة الدنيا , وان كان كانت لا تعد , فيقال هذا من المتشابه .


ولهذا انقسم الناس فيه الى ثلاث اقسام , قسم مثل وقسم عطل وقسم اثبت مع نفي التنفيذ .


ايهم أخذ بالدلي ؟ الثالث , لان الذي اخبرنا ان له يدان هو الله عز وجل , وهو اعلم بنفسه وبغيره , وهو اعلمنا انه لا ند له , ولهذا ضل من ضل من الخلق بهذا .


مثال آخر بما يتعلق بكتاب الله , ان يتوهم واهم تناقض القرآن وتكذيب بعضه بعضا , حين يقول :


-( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك )- [النساء/79]


اذن قسم الله عز وجل المصائب الى حسنة وسيئة


الحسنة من الله والسيئة من الانسان ,


وقوله تعالى :


-( وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا )- [النساء/78]


الحسنة والسيئة كل من عند الله


يقول القائل : هذا تناقض ,ويرد.


ولهذا أمثلة كثيرة


ذكر الله ان يوم القيامة تسود وجوه وتبيض وجوه , وذكر ان المجرمين يحشرون زرق ,


يقول قائل : اسود وازرق , كيف ؟ تناقض .


نقول :


اما الآية الاولى :فالمراد من قوله وما اصابك من سيئة فمن نفسك : يعني انك انت السبب , ويدل لهذا قوله تعالى :


-( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير )- [الشورى/30]


واما الحسنة فهي فضل من الله عز وجل , تفضل بها عليك , وليس لك حق على ربك ان يتفضل عليك .


الآن هل حصل تناقض او لا ؟ لا طبعا , فما اصابك من حسنة فمن الله باعتبار ايجادها , والتفضل بها


وما اصابك من سيئة فمن نفسك فباعتبار السبب , يعني انك انت السبب .


وفي المثال الذي ذكرنا يوم القيامة وجوه سود وزرق ,


نقول :


كم يوم القيامة من وقت ؟ خمسون ألف سنة , تتغير الأمور في هذه الخمسين , تتغير , من زرقة الى سواد او من سواد الى زرقة , وبعضهم قال , ان الأزرق الشديد الزرقة يميل الى السواد .


والله أعلم .



ومثاله فيما يتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم ان يتوهم واهم من قوله تعالى :


-( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين )- [يونس/94]


يتوهم ان النبي كان شاكا فيما أنزل اليه , وهذه وصمة عظيمة , ان كنت في شك فاسأل ...


ومن المعلوم ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يشك ولا يمكن ان يشك وقد شهد الله له بالايمان , في قوله تعالى :


-( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير )- [البقرة/285]



ما موقف الزائغين من هذه الآيات ؟


انهم يتبعون المهلكات , فيقولون في المثال الاول , ان الله تعالى له يدان مماثلتان لأيدي المخلوقين , وفي الثاني يقولون ان القرآن متناقض وفي الثالث يقولون ان محمدا شاك ....


فيطعنون بالله والقرآن وفي الرسول ,


إن موقف الراسخين في العلم من المتشابه وموقف الزائغين منه بينه الله تعالى فقال في الزائغين : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ)(آل عمران: الآية 7)


ابتغاء : اي طلب


الفتنة : الصد عن الحق ,


التأويل : التفسير على ما يريدون ,



وقال في الراسخين في العلم :


( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)(آل عمران: الآية 7)


فالزائغون يتخذون من هذه الآيات المشتبهات وسيلة للطعن في كتاب الله ، وفتنة الناس عنه ، وتأويله لغير ما أراد الله تعالى به ، فيَضِلُون ، ويُضِلُون


وأما الراسخون في العلم يؤمنون بأن ما جاء في كتاب الله تعالى فهو حق وليس فيه اختلاف ولا تناقض لأنه من عند الله


(وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)(النساء: الآية82)


وما جاء مشتبهاً ردوه إلى المحكم ليكون الجميع محكماً.


ويقولون في المثال الأول : إن لله تعالى يدين حقيقيتين على ما يليق بجلاله وعظمته ، لا تماثلان أيدي المخلوقين ، كما أن له ذات لا تماثل ذوات المخلوقين ، لأن الله تعالى يقول :


(ليس كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: الآية 11) .



ويقولون في المثال الثاني : إن الحسنة والسيئة كلتاهما بتقدير الله عز وجل ، لكن الحسنة سببها التفضل من الله تعالى على عباده ، أما السيئة فسببها فعل العبد


كما قال تعالى


(وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى:30)


فإضافة السيئة إلى العبد من إضافة الشيء إلى سببه ، لا من إضافته إلى مُقَدِّرِهِ ،


أما إضافة الحسنة والسيئة إلى الله تعالى فمن باب إضافة الشيء إلى مُقَدِّرِهِ ،


وبهذا يزول ما يوهم الاختلاف بين الآيتين لإنفكاك الجهة .



ويقولون في المثال الثالث :


أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقع منه شك فيما أنزل إليه ، بل هو أعلم الناس به ، وأقواهم يقينا


كما قال الله تعالى في نفس السورة :


( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ )(يونس: الآية 104)


المعنى إن كنت في شك منه فأنا على يقين منه ، ولهذا لا أعبد الذين تعبدون من دون الله ، بل أكفر بهم وأعبد الله .


وكذلك كما ذكرنا ان الله تعالى شهد له بالايمان بقوله تعالى :


-( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير )- [البقرة/285]



ولا يلزم من قوله :


(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ)(يونس: الآية 94)


أن يكون الشك جائزا على الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو واقعا منه .


لان ان تدخل عل المستحيل وتدخل على الممكن .



ألا ترى قوله تعالى :


(قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) (الزخرف:81)



هل يلزم منه أن يكون الولد جائزا على الله تعالى أو حاصلا ؟ كلا ، فهذا لم يكن حاصلا، ولا جائزا على الله تعالى ،


قال الله تعالى :


( وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) (مريم:92)


(إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً) (مريم:93)



ولا يلزم من قوله تعالى :


(فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)(البقرة: الآية 147)


أن يكون الامتراء واقعا من الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأن النهي عن الشيء قد يوجه إلى من لم يقع منه ،


ألا ترى قوله تعالى :


(وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (القصص:87)


ومن المعلوم أنهم لم يصدون النبي صلى الله عليه وسلم عن آيات الله ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقع منه شرك.


والغرض من توجيه النهي إلى من لا يقع منه : التنديد بمن وقع منهم والتحذير من منهاجهم ،


وبهذا يزول الاشتباه ، وظن ما لا يليق بالرسول صلى الله عليه وسلم .


اذن : لا تكونن من المشركين ليس معناه ان يكون مشركا , بل فيه التنديد بمن وقع منه , والتحذير منه .

يتبع <<<<<<<<<<
إيمان مصطفى عمر غير متواجد حالياً