عرض مشاركة واحدة
قديم 27-02-18, 07:05 PM   #4
الإدارة العامة
الإدارة العامة للملتقى
 
تاريخ التسجيل: 23-03-2006
المشاركات: 2,676
الإدارة العامة تم تعطيل التقييم
افتراضي الفتور

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

كلمات في الفتور

الفتور أمر طبعي يصيبنا جميعاً ، والغالب أنه يصيب من يغرق في جانب من جوانب العبادات فيجد فتوراً وقلة في الحماس فيتأثر لذلك خوفاً منه أن يكون ذلك انتكاساً عن طريق الخير ، والأمر ليس كذلك ، بل تعبير عن حاجة النفس للاعتدال لكنها أتت بصورة المصادمة
وحتى مع الاعتدال فقد تصاب النفس ببعض الفتور وهو تعبير عن تعب النفس وإجهادها وأنها حملت ما لا تحتمل
ليس بالأمر السيء تماماً إذا ما استثمر استثماراً إيجابياً ، والصحابة مع قوة إيمانهم كان يصيبهم بعض الفتور ، فشكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك كما في الحديث الصحيح : عن حنظلة بن الربيع الأسيدي قال : لقيني أبو بكر فقال : كيف أنت يا حنظلة ؟ قلت : نافق حنظلة قال : سبحان الله ما تقول ؟ قلت : نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا قال أبو بكر : فو الله إنا لنلقى مثل هذا فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : نافق حنظلة يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما ذاك ؟ " قلت : يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة " ثلاث مرات . رواه مسلم
فلنلاحظ جميعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستنكر الفتور ، ولم يجعله معصية بل جعله أمراً عادياً ، ولذا لم يتفاجأ أو يأمرهم بمراجعة نفوسهم وإيمانهم ، كما لم يأمرهم أن يحاسبوا أنفسهم ، بل ذكر أمراً مهماً وهو ( ساعة وساعة ) ، وهو دليل على أن الترويح عن النفس مطلب شرعي استجابة لطبيعة البشر .
والذي يبدو أن السبب وراء استمرار الفتور هو الحماس الزائد لدى الكثير ممن يملأ وقته بالعبادات والطاعات ولا يجعل لنفسه وقتاً يرتاح فيه ويجدد نشاطه .
والرسول عليه الصلاة والسلام استنكر على الذين أرادوا أن يجعلوا وقتهم كله في عبادات محضة :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أحدهم أما أنا فإني أصلي الليل أبدا وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال : " أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني . متفق عليه
فنلاحظ هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل سنته في عدم الاستغراق في العبادات كل الوقت ، وأن هديه عليه الصلاة والسلام في التوسط والاعتدال .
والسر في هذا كي لا يمل المسلم من العبادات فيتركها أو يتهاون فيها ، وفي الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا أيها الناس ! عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا و إن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه و إن قل . متفق عليه .
وفي طلب العلم يحصل فتور كثير ، وكثير من طلاب وطالبات العلم أصابهم فتور فبعضهم تسبب الفتور بتركه للعلم ، وبعضهم تنبه لنفسه واعتدل ، فكان الفتور الذي أصابه خيراً له ، فكما يقال رب ضارة نافعة .
والسبب في حصول الفتور يمكن إجماله في عدة أمور :
من أسباب الفتور :
1- إجهاد النفس في تحصيل العلم ، ونسيان حقها من الراحة والدعة
2- خوف فوات العلم وتحصيله مما يحفز لإجهادها
3- التنافس الغير صحيح ، فكل أعطاه الله تعالى قدرات وتوجهات محددة
4- عدم التخطيط السليم وضع برنامج محدد للعلم ، والتعامل مع الطلب بصورة عشوائية
5- الازدحام في استغلال الوقت بكثرة الدروس دون تبصر
العلاج :
إذا عرف السبب عرف العلاج ، وخير من العلاج وجود الوقاية قبل البدء في الطلب فمما ينبغي لطالبة العلم قبل البداية في الطلب أن تتعرف على المنهج الصحيح للعلم والذي تعرف فيه قدراتها وإمكانياتها وتوجهاتها
والحلول لعلاج الفتور :
1- التوازن بين الحقوق والواجبات وإعطاء كل ذي حق حقه لأن النفس مطالبة بعدة حقوق فإن أُغرق في جانب أصاب بقية الجوانب جور
عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال : آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال لها ما شأنك ؟ . قالت أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا . فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما فقال كل قال فإني صائم قال ما أنا بآكل حتى تأكل قال فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم قال نم فنام ثم ذهب يقوم فقال نم فلما كان من آخر الليل قال سلمان قم الآن فصليا فقال له سلمان إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( صدق سلمان . رواه البخاري
2- الاستشارة : وهي ما يصحح المسار ، وبالذات إذا كان المستشار من أهل الخبرة والمعرفة ، وممن مر بتجارب فإن هذا مما يعين على حسن الطلب وعلى تجاوز الكثير من الأخطاء
3- إعطاء النفس حقها من الراحة والترفيه كما سبق في حديث ( ساعة وساعة )
4- الاقتصاد في الطلب وعدم تحميل النفس مالا تطيق
عن عائشة قالت : دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي امرأة فقال من هذه ؟ فقلت امرأة لا تنام تصلي قال عليكم من العمل ما تطيقونه فو الله لا يمل الله حتى تملوا وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه . رواه مسلم
5- السير على منهج واضح : وهذا يعني عدم التخبط ، لأن عدم الوضوح في منهج الطلب يغيب الأهداف ، ويضع الطالبة أمام مناهج وطرق كثيرة فتتنقل من طريقة إلى أخرى فتضيع على نفسها حسن المنهج وتفوت على نفسها الفائدة ، وتجد نفسها بعد فترة طويلة أنها لم تستفد شيئاً .


المصدر:
http://ma3had-alredwan.com/vb/t1122/



توقيع الإدارة العامة
(فَمن صحت لَهُ معرفَة ربه وَالْفِقْه فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاته علم يَقِينا أَن المكروهات الَّتِي تصيبه والمحن التي تنزل بِهِ فِيهَا ضروب من الْمصَالح وَالْمَنَافِع التي لَا يحصيها علمه وَلَا فكرته بل مصلحَة العَبْد فِيمَا يكره أعظم مِنْهَا فِيمَا يحب).
من كتاب الفوائد لابن القيم.
الإدارة العامة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس