عرض مشاركة واحدة
قديم 04-08-10, 09:47 PM   #11
طالبة الرضوان
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي الحــــــــــــــــزن

بسمالله الرحمن الرحيم



قــلـــوب الصـــائــميـــن



لفضيلة الشيخ سعد ابن ناصر الشثري



الحــــــــــــــــزن



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..

أما بعد...فإن من الأمور التي ترد إلى القلوب ..الحزن ،



والحزن هو ألم القلب لوقوع مكروه ، أو فوات محبوب في الماضي ، والحزن لا يجلب منفعة ولا يدفع مضرة ، فلا فائدة فيه .. وإذا لم يقترن بالحزن محرم ، فإنه يُعفى عنه لقول النبي صلّى الله وسلم : [ إنّ الله لا يؤاخذ على دمع العين ولا حزن القلب ، ولكن يؤاخذ على هذا أو يرحم ] وأشار إلى لسانه صلّى الله عليه وسلم .



وقد نهى الله المؤمنين عن الحزن ، فقال سبحانه ) ولا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوَنَ إنْ كُنتم مُؤمِنِين ( أي لا تضعف أبدانكم ولا تحزن قلوبكم بسبب ما أصابكم من المصائب ، فإن الحزن زيادة مصيبة .. وسببٌ لاستظهار عدوكم عليكم ، بل تشجعوا واطردوا عن قلوبكم الحزن ، إذ لا يليق بالمؤمن الحزن ، إذ أن المؤمن هو الأعلى الذي يرجو نصر ربه في الدنيا ، وهو الذي يؤمل رفعة الدرجة في الآخرة ، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم لأبي بكر الصدّيق : [لا تحزن إنّ الله معنا ] لما كانوا في الغار في ليلة الهجرة ..



إن الشيطان يحرص على إيقاع الأحزان في قلوب أهل الإيمان ، كما ورد في الحديث ( لو، تفتح عمل الشيطان ) أي تفتح الحزن والجزع ،وهذا يضر ولا ينفع ، قال الله تعالى ) إنّمَا النّجْوَى مِنَ الشَيطَانِ لِيَحزَُنَ الّذِينَ آمَنُوا وَلَيسَ بِضَارِّهِم شَيئَاً الا بإذنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَليَتَوكّل ِالمُؤمِنُون (.


ومن الرؤيا المنامية ما يكون تحزيناً من الشيطان كما ورد ذلك في الصحيحين .

والنهي عن الحزن .. لأن الحزن يُضعف القلب ، ويوهِن العزم ، ويضرّ بالإرادة .



فالحزن مرض للقلب يمنعه من القيام ببعض وظائفه ، وإن كان الحزن ليس من اختيار العبد ، وإنما يقع في قلبه في أحيان كثيرة بدون أن يقصده ، وإنما المراد أن يحاول العبد رفع الحزن الحاصل في قلبه .



والحزن نوع من أنواع المصائب التي يكفّر الله بها الذنوب ، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلم : [ ما يصيب المسلم من نصب "أي تعب " ، أو وصب "أي مرض" ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ،حتى الشوكة يشاكها الا كفّر الله بها من خطاياه .] متفق عليه ، وعلى العبد إذا وقع الحزن في قلبه أن يتجنب التسخّط من أقدار الله .



إن المؤمن حريص على إبعاد الحزن عن قلبه ، ولذلك كان من دعاء النبي صلّى الله عليه وسلم :[ اللهم إنّي أعوذ بك من الهم والحزن ] ، وفي الحديث :[ التلبينة تجمّ فؤاد المريض وتذهب ببعض الحزن ] والتلبينة هي الحساء أو الشوربة من البرّ أو الشعير وربما وضع معهما شيء من العسل أو اللبن .



والحزن فد يعرض لبعض عباد الله الصالحين ، كما قال تعالى ) حَزَنَاً ألاّ يَجدُوا مَا يُنفِقُون ( ولما جاء خبر موت أهل مؤتة ،جلس النبي صلّى الله عليه وسلم يُعرف فيه الحزن ، وقال صلّى الله عليه وسلم :[ إنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون] .

و الأولى بالعبد أن يسعى جهده في إزالة الحزن عنه ، فإن الحزن مضعف للقلب ، موهن للعزيمة ،لا يردّ من قضاء الله شيئا .



وإذا أصاب الحزن قلب المؤمن .. شكاه إلى ربه القادر على كل شيء ، كما قال تعالى عن يعقوب عليه السلام ) إنّمَا أَشكُوا بَثي وَحُزنِي إلى اللهِ وَاعلَمُ مِنَ اللهِ مَا لا تَعلَمُون ( .



ويمتنّ الله تعالى على بعض عباده بإبعاد الحزن عنهم ؛ كما قال سبحانه ) الا إنَّ أولِيَاءَ اللهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلاَ هُم يَحزَنُون الّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتقون لَهُمُ البُشرَى في الحَيَاةِ الدُنيَا وَفي الآخرة ( ، فالإيمان والتقوى من أسباب إبعاد الأحزان عن القلوب ..



ومن طرق إبعاد الحزن عن القلب إتباع هدي الله الوارد في كتابه ، كما قال سبحانه ) فَمَن اتّبَعَ هُدَاي فَلا خَوفٌ عَلَيهم وَلا هُم يَحزَنُون (.



إنّ الدار الخالية من الأحزان هي الجنّة ..كما قال تعالى ) الأخلاءُ يَومَئذٍ بَعْضُهم لِبعض ٍعَدو الا المُتّقِين يَا عِبَادي لا خَوفٌ عَلَيكُم اليَومَ ولا أنتم تَحْزَنُون ( ، وقال تعالى عن أهل الجنّة ) وَقَالُوا الحَمدُ للهِ الّذِي اَذهَبَ عَنّا الحَزَن إنّ رَبّنَا لَغَفُورٌ شَكُور(، وقال ) إنَّ الّذِينَ قَالُوا رَبُنَا الله ثُمّ استَقَاموا تتنزّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَة الا تَخَافُوا ولا تَحزَنُوا وابشِرُوا بِالجَنّةِ الّتِي كُنتم تُوعَدون(..



ومن هنا جاءت الشريعة بالنهي عن الحزن الذي قد يعتري بعض قلوب المؤمنين ، من أجل صدود غير المؤمنين عن دعوة الإسلام ، أو افتراءهم الكذب على المسلمين ، كما قال تعالى) قَد نَعلمُ إنّهُ لَيَحزُنُكَ الّذي يَقُولُون فَإنَهم لا يُكَذِبُونَك وَلَكنَّ الظَالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجحَدُوُن ( وقال ) ولا يَحزَنُكَ قَولُهم إنَّ العِزّةَ للهِ جَمِيعَاً هُوَ السَمِيعُ العَلِيم ( وقال ) يَا أيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحزَنُكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الكُفرِ مِنَ الّذِينَ قَالُوا آمَنّا بِأفوَاهِهِم وَلَم تُؤمِن قُلُوبَهم ( وقال ) واصّبِر وَمَا صَبرُكَ الا باللهِ ولا تَحزَن عَلَيهِم وَلاَ تَكُ في ضَيق ٍمِمّا يَمكُرُون ( وقال ) ومَنْ كَفَرَ فَلا يَحزُنُكَ كُفرُه إليَنَا مَرجِعَهم فَنُنَبِئَهُم بِمَا عَمِلُوا إنّ اللهَ عليمٌ بِذاتِ الصُدُور( ، وقال ) فَلا يَحزُنُكَ قَولُهم إنَّا نَعلَمُ مَا يُسِرّونَ وَمَا يُعلِنُون( وقال ) قُل سِيرُوا فِي الأرضِ فَا انظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُجرِمِين ولا تَحزَن عَلَيهم وَلا تَكُ في ضَيق ٍمِمّا يَمكُرُون ( وقال ) فَلا تَذهَب نَفسُكَ عَلَيهِم حَسَرَات( وقال ) لَعَلّكَ بَاخِعٌ نَفسَكَ الا يَكُونُوا مُؤمِنِين(.

إنّ المؤمنين لا يحزنون إذا حصل انتصار مؤقت لأعدائهم عليهم ، فإن الآخرة خالصة لهم ، وإنّ العاقبة الحميدة في الدنيا تكون لهم ، وما حصل ذلك الانتصار لأعداء الإسلام ، الا لينقّي الله المؤمنين ويُصَفّيهم ، كما قال تعالى ) ولا تَهِنُوا وَلاَ تَحزَنُوا وَأنْثُمُ الأعَلَونَ إن كُنتم مُؤمِنِين* إن يَمسَسكُم قَرحٌ فَقد مَسّ القَومَ قَرحٌ مِثلُه وتِلكَ الأيامُ نُدَاوِلُها بَينَ النّاسِ وَلِيَعلَمَ اللهُ الذين آمَنُوا وَيَتّخِذَ مِنكُم شُهَداء واللهُ لا يُحبُ الظَالِمِين* ولِيُمَحِّصَ اللهُ الّذينَ آمَنُوا وَيَمحَقَ الكَافِرين* أم حَسِبتُم أنْ تَدخُلُوا الجَنَّة وَلَمّا يَعلَم ِاللهُ الّذينَ جَاهَدُوا مِنكُم ويَعلَمَ الصَّابِرِين ( .



لم يرد في الشرع الأمر بالحزن المنافي لتمام الرضا أبداً ، إذ لا فائدة في الحزن ، بل قد يكون فيه مضرّة ، لكنه يُعفى عنه إذا لم يقترن به ما يكرهه الله ..وقد يقترن بالحزن ما يجعل صاحبه يثاب عليه ويحمد عليه ويكون محموداً من تلك الجهة، كمن يحزن على مصيبة في دينه ، أو يحزن بسبب المصائب التي تصيب إخوانه المسلمين .. فهنا يُثاب العبد على هذا الحزن لما فيه من محبة الخير للآخرين وبغض الشرّ لهم ..

أسأل الله جلَّ وعلا أن يوفقنا وإياكم للخير ..أن يبعد عنا وعنكم الحزن ..هذا والله أعلم ..وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين



توقيع طالبة الرضوان
سبحان الله،والحمد لله،ولا إله إلا الله،والله أكبر ..
طالبة الرضوان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس