عرض مشاركة واحدة
قديم 07-08-10, 02:26 PM   #13
طالبة الرضوان
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

بـــســـم اللـه الــرحــمــن الــرحــيــم


قــــــــلـــــوب الصائــــميـــــــــن


فـضيـلــة الشـــيخ ســعــد ابـن نـاصـر الشـثــري


الــــــــرجــــــــــــاء



الحمد الله الرؤوف الرحيم .. المؤمل بكشف الملمات .. والمرجو برفع الدرجات .. وأشهد أن لا إله إلا الله نرجو رحمته ونخاف من سوء أعمالنا .. وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما ً كثيرا .

أما بعد ..

فإن من عبادات القلوب ..رجاء رحمة علاّم الغيوب ، قال تعالى) أولئكَ الّذينَ يَدعُونَ يَبتَغُونَ إلىَ رَبّهِمُ الوَسِيلَة أيّهُم أقَرَب وَيَرجُونَ رَحمَتَه وَيَخَافُونَ عَذَابَه ( وفي الصحيح يقول النبي صلّى الله عليه وسلم :{ لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه ويقول :{ قال الله عزّ وجل : أنا عند ظن عبدي بي ، فليظن بي ما شاء }.


قال ابن القيم :{ الرجاء حاد يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب وهو الله والدار الآخرة }، أجمع العارفون على أن الرجاء لا يصح إلا مع العمل ، كرجاء المطيع لثواب ربه ، أو رجاء كائد لمغفرته وعفوه .

الرجاء ضروري للمريد السالك ، والعارف لو فارقه لحظة لتلف أو كاد ، فإنه دائر بين ذنب يرجو غفرانه ، وعيب يرجو إصلاحه ، وعمل صالح يرجو قبوله ، واستقامة يرجو حصولها ودوامها ، وقرب من الله وعلو منزلة عنده يرجو وصوله إليها.


الرجاء من الأسباب التي ينال العبد بها ما يرجوه من ربه .. بل هو أقوى الأسباب ، وفي قوله تعالى ) إن الّذينَ آمَنُوا والّذينَ هَاجَرُوا وجَاهَدُوا في سَبيلِ اللهِ أولئكَ يَرجُونَ رَحمَةَ الله ( دليل على أن الرجاء لا يكون إلا بالقيام بالأعمال ، وأما الرجاء المقارن بالكسل فهو غرور وأمن من مكر الله وهو دال على ضعف الهمّة ، ونقص العقل ، وفي الآية دلالة على أن العبد لا يعتمد على عمله ، ولا يعّول عليه ، بل يرجو رحمة ربه .

حسن الظن ..وعظم الرجاء .. أحسن ما تزود به المؤمنون لقدومهم على ربهم جلَّ وعلا .. قوة الرجاء بالله أمان لكل خائف ، ومما يدعو إلى زيادة الرجاء في الله وفي فضله التعرف على أسماء الله ، التي تجعل القلب يرجو رحمة الله جلَّ وعلا فهو سبحانه البر الرحيم ، وهو سبحانه الغفور الرحيم ، وهو سبحانه العفو الكريم ، وهو سبحانه المحسن الحليم ، وهو سبحانه المعطي الجواد ، وهو سبحانه الوهاب الرزاق .


إذا علم العبد أن رحمة الله واسعة ، دعاه ذلك إلى أن يكون قلبه معلّقاً برجاء الله ، قال تعالى) إنَّ رَحمَتِي وَسِعَت كُلّ شَيء ( وفي الحديث الصحيح قال النبي صلّى الله عليه وسلم :{ لما قضى الله الخلق ، كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي }.

إن استشعار العبد لعبوديته لربه ، وفقره إليه ، وحاجته لما يرجوه من ربه ، ويستشرفه من إحسانه ، وأنه لا يستغني عن فضل الله وإحسانه طرفة عين ، يدعوه إلى أن يملئ قلبه من رجاء الله تعالى .

إذا عرف العبد أن الله تعالى يحب العبد متى رجاه وسأله ، فإنه سيكون من الراجين السائلين ..

من أسباب تحصيل الرجاء .. أن يشاهد العبد عظم فضل الله عليه ، وعموم إحسانه في نفسه وعلى غيره ، فكم من نعمة أنعمها عليك ربك أيها العبد ، وكم من خير أوصله إلى غيرك ، قال تعالى )وإمّا تُعرِضنَّ عَنهُم ابتِغَاء رَحمَةٍ مِن رَبّكَ تَرجُوهَا فَقُل لَهُم قَولاً مَيسُورَا( .


ومن أسباب تحصيل رجاء الله تعالى .. أن يستحضر المؤمن وعد الله للمؤمنين بخيري الدنيا والآخرة ، قال تعالى )وبَشّرِ المُؤمِنِينَ بِأنَّ لَهُم مِن اللهِ فَضَلاً كَبِيرَا ( وقال سبحانه ) و الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَالِحَات فِي رَوضَاتِ الجَنّات لَهُم مَا يَشَاءُونَ عِندَ رَبّهِم ذَلِكَ هُوَ الفَضلُ الكَبِير( .


ومن أسباب تحصيل العبد لرجاء الله تعالى .. أن يعلم أن الله تعالى يغفر ذنوب العباد التائبين مهما تعاظمت ، قال تعالى )قُل يَا عِبَادِي الّذينَ أسرَفُوا عَلَى أنفُسِهِم لا تَقنَطُوا مِن رَحمَةِ الله إنَّ اللهَ يَغِفرُ الذُنُوبَ جَمِيعَا (.


إذا لاحظ العبد سنّة الله في الكون، بنصر أولياءه المؤمنين ، ازداد قلبه رجاءاً لله تعالى( أليس الله بكافٍ عبده )،(ومن يتوكل على الله فهو حسبه )، وإذا لاحظنا أن الله تعالى يجيب دعاء الداعين على اختلاف أزمانهم وأماكنهم ، وعلى تنوع لغاتهم وألسنتهم ، زادنا ذلك رجاءاً في الله تعالى ، ثم إن الثمرات العظيمة التي تحصل من رجاء الله تعالى ، تدعونا إلى أن نملئ قلوبنا من رجاء الله .



· فمن ثمرات الرجاء .. أن الرجاء من أسباب مغفرة الذنوب ، كما ورد في الحديث القدسي :{ يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي .}

· الرجاء من أسباب رضا الله عن العبد ومحبته له وقربه منه .


· الرجاء ينشّط النفس على طاعة الله ، فإن من عرف قدر مطلوبه ، هان عليه ما يبذله فيه ، قال تعالى) فَمَن كَانَ يَرجُو لِقَاءَ رَبّهِ فَليَعمَلَ عَمَلاً صَالِحَاً ولا يُشركَ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أحَدا( ، وقال تعالى ) أمّن هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ الّليلِ سَاجِدَا ً وَقَائِمَا يَحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجُوا رَحمَةَ رَبّهِ قُل هَل يَستَوي الّذينَ يَعلَمُونَ والّذِينَ لا يَعلَمُونَ إنّمَا يَتَذَكّرُ أولُوا الألبَابِ ( .


· الرجاء يجعل العبد يتلذذ بأنواع الطاعات ، فكلما طالع القلب ثمرات الطاعات ، وحسن عاقبتها ، إلتذَّ بها.



· الرجاء يبثّ الطمأنينة في النفس ، ويبعد عنها الوساوس والخطرات ، ويهّون عليها المصائب ، إذ النفس ترجو زوال ما حلَّ بها من مصيبة ، وبذلك يقوى العبد على أعداء الله ، قال تعالى ) ولا تَهِنُوا فِي ابتِغَاءِ القَوم إن تَكُونُوا تَألَمُونَ فَإنّهُم يَألَمُونَ كمَا تَألَمُون وَتَرجُونَ مِن اللهِ مَا لا يَرجُون وكَانَ الله عَلِيمَاً حَكِيمَا (.


لولا التعلق بالرجاء تقطعت ~~ نفس المحب تحسّراً وتمزقا
لولا الرجاء يحدو ألمطي لما سرت ~~ يحدو لها لديارهم ــــــــــ اللقاء




رجاء الله ورجاء ثوابه .. يحدو العبد إلى متابعة النبي الكريم صلّى الله عليه وسلّم ، والسير على طريقة عباد الله الصالحين )لَقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُول ِالله ِأسُوَةٌ حَسَنَة لِمَن كَانَ يَرجُو اللهَ واليَومَ الآخِرَ وذَكَرَ اللهَ كَثيرَا( ، لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر .


الرجاء من أكبر أسباب تحصيل الأجور العظيمة ،)إن الّذين يتلُونَ كِتابَ اللهِ وأقَامُوا الصَّلاة وأنفَقُوا ممّا رَزَقنَاهُم سِرّاً وَعَلانِيَة يَرجُونَ تِجَارةً لَن تَبُور لِيُوفيهُم أجورَهُم ويَزيدَهُم مِن فَضلِه إنَّه غَفُورٌ شَكُور(.


الرجاء سبب لتحصيل منافع الدنيا والآخرة .. وفي الحديث{ أن النبي صلّى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت ، قال : كيف تجدك ؟ قال : والله يا رسول الله إني لأرجو الله ، وإني أخاف ذنوبي . فقال صلّى الله عليه وسلم :لا يجتمعان في قلب عبد ، في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمّنه مما يخاف .}


وما أعظم ما ينجز الرجاء.. من انتظار رحمة الله ، وتوقع فضل الله ، الذي يعلّق القلب بالله




توقيع طالبة الرضوان
سبحان الله،والحمد لله،ولا إله إلا الله،والله أكبر ..
طالبة الرضوان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس