عرض مشاركة واحدة
قديم 17-08-10, 04:37 PM   #25
طالبة الرضوان
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي تصــفيــة القـلــــوب

بسم الله الرحمن الرحيم



قلوب الصائمين



تصــفيــة القـلــــوب



الحمد لله رب العالمين .. أمر المؤمنين بتصفية قلوبهم بحيث تتمنى الخير للآخرين ، وترغب في حصول الجميع على ما ينفعهم في الدنيا والدين .. والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ..



أما بعـــــــــد ...



فقد جاءت الشريعة بأمر المؤمنين بتمنّي الخير لجميع الخلق وخصوصا ًالمؤمنين ، ويدخل في الخير الذي يتمنّاه الإنسان لغيره الهداية لدين الله ، وتمسّكه بشعائر الإسلام والتزام أحكام الدين ، ويدخل في ذلك تمنّي حصول الجميع على منافع الدنيا وثمراتها وخصوصاً مع المؤمنين ،وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه } وفي لفظ { لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير} ، وليس هذا خاصا ً بالمؤمنين فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :{ من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنّة فلتدركه منيّته وهو مؤمن بالله واليوم الآخر وليأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه} فإن قال قائل كيف يقال بأن هذا يشمل الكافرين والشريعة قد أمرتنا بقتالهم وجهادهم ، قيل أن الشريعة قد أمرت بالإحسان إليهم قال تعالى)ولا تَزَالُ تَطّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنهُم إلّا قَلِيلًاً مِنهُم فَعفُوُ عَنهُم واصفَحْ إنَّ اللهَ يُحِبُالمُحسِنِين( وهذا معنى أعظم من تمنّي الخير لهم وقد جاء في الحديث { في كل كبد رطبة أجر} والله تعالى يقول )إنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإحسَان( وهذا عامٌّ مع الجميع ، لكن ليُعلم إن من محبة وصول الخير إليهم أن نتمنى عدم تمكّنهم من الصد عن دين الله ، ومن ذلك أن نتمنى عدم قدرتهم على إيذاء المؤمنين ، فإن هذا يقلل من سيئاتهم ، وكذلك نرى مشروعية جميع الأعمال التي معهم من أجل تقليل شرّهم لتقلّ سيئاتهم ..



وبهذا نعلم الفرق الذي بين المؤمنين وبين غيرهم .. فالمؤمن يتمنى الخير لغيره ، قال تعالى )مَا يَودُّ الّذينَ كَفَرُوا مِن أهَلِ الكِتَابِ ولا المُشرِكِينَ أن يُنَزَّلَ عَلَيكُم مِن خَيرٍ مِن رَبِّكُم واللهُ يَختَصُّ بِرَحمَتِهِ مَن يَشَاء( وقال سبحانه ) ودَّ كَثِيرٌ مِن أهَلِ الكِتَابِ لَو يَرُدُّونَكُم مِن بَعدِ إيمَانِكُم كُفَّارَا حَسَدَاً مِن عِندِ أنفُسِهِم مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقَّ( .

وفي المقابل حذّرت الشريعة من عدم تمني الخير للآخرين أو من تمني الشرّ لهم أو من تمني زوال النعم عنهم فإن هذا هو الحسد الذي جاء في سنن أبي داوود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ إيّاكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب }وفي حديث الزبير مرفوعا{ ـــــــــــ إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء هي الحالقة ، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين } ..



وقد عاب الله تعالى على أهل صفة الحسد فقال )أم يَحسُدُونَ النَّاسَ عَلَىَ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضلِهِ فَقد آتَيِنَا آلَ إبرَاهِيم الكِتَابَ والحِكمَة وآتينَاهُم مُلكَاً عَظِيِمَاً(،وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم { لا تنافسوا ولا تحاسدوا } وفي الصحيح { ولكن أخشى عليكم أن تُبسط الدنيا عليكم كما بُسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتُهلككم كما أهلكتهم } ، وقال تعالى ) ولا تَتَمنَّوا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعضَكم على بَعض لِلرِجَالِ نَصِيبٌ مِمّا اكتَسَبُوا وَلِلنِسَاءِ نَصِيبٌ مِمّا اكتَسَبن واسألُوا اللهَ مِن فَضلِهِ إنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمَا (..



ومن أعظم ما يتمكن المرء به من دفع الحسد عن نفسه ..ومن دفع آثارالحسد السيئة أن يلتجئ إلى ربه جلّ وعلا دعاءً وتضرعاً وسؤالا ، بأن ينجيه من شر الحاسدين كما قال تعالى ) قُل أعُوذُ بِربِّ الفَلق من شَرِّ مَا خَلَق ومِن شَرِّ غاسقٍ إذا وَقَب ومِن شَرِّ النَفَّاثَاتِ في العُقَد ومِن شَرِّ حَاسِدٍ إذَا حَسَد( وكان من رقية النبي صلى الله عليه وسلم { بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك }..



إن المحسود يتمكن من دفع ضرر الحاسد عنه .. بالتعوذ بالله من شرّه وبتقوى الله ، فإن من اتقى الله حفظه الله كما في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يا غلام أحفظ الله يحفظك} ..



ومما يتمكن المحسود من دفع ضرر الحاسد عنه .. أن يقبل على الله عملا ًوإخلاصا ، وأن يتوكّل على الله جل وعلا ، فإن من توكّل على الله فهو حسبه أي كافيه شرور خلقه ..



يتمكن المحسود من دفع ضرر الحاسد عنه ..بالصبر عليه والإعراض عن أذاه وعدم اشتغال القلب بذكره مع التوبة إلى الله من الذنوب التي سُلّط عليه العدو بسببها ..



ومما يتمكن المحسود به من دفع ضرر الحاسد عنه .. أن يُكثر من الصدقة والإحسان وخصوصا ًأن يُحسن على الحاسد لأن ذلك يُطفئ حسده ..



من أعظم ما دُفع به الحسد .. إفراد الله بالعبادة وعدم صرف شيء من العبادات لغير الله ، فإن أهل التوحيد يقيهم الله شرور غيرهم ..



إن الحسد يُفسد الدين ، ويُضعف اليقين ، ويُذهب المروءة ، قال معاوية رضي الله عنه : [ ليس في خصال الشر أعدل من الحسد ، يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود] وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : [ ما أكثر عبد ذكر الموت إلّا قلّ فرحه وقلّ حسده ] وقال الحسن رحمه الله : [ يا ابن آدم لما تحسد أخاك ، فإن كان الذي أعطاه لكرامته عليه فلما تحسد من أكرمه الله ، وإن كان غير ذلك فلما تحسد من مصيره إلى النار ] وقال بعضهم :[ الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له ، بخيل بما لا يملكه ، طالب بما لا يجده ] ..



يا حاسدا ً لي على نعمتي ~ أتدري على من أسأت الأدب

أسأت على الله في حكمه ~ لأنك لم ترضى لي ما وهب



وكذلك نهت الشريعة عن الغل .. وهو إضمار الشرّ للغير وكان من دعاء المؤمنين ( ربنا لا تجعل في قلوبنا غلا ً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ) .

ومما قد يلتبس بالحسد والغل .. الغيــــــرة .. فإن مما له تعلّق بذلك من أعمال القلوب الغيرة التي أصلها الأنفة وفي الاصطلاح الغيرة كراهية النفس مشاركة الآخرين للإنسان فيما يظن اختصاصه به ، وقد النبي صلى الله عليه وسلم :{ إن من الغيرة ما يحب الله عز وجل ومنها ما يبغض سبحانه } ..

أسأل الله جل وعلا أن يرزقنا الإيمان والتقوى .. وأن يجعلنا ممن يحب الخير للآخرين ولا يحسد أحدا ً من خلق الله ..

هذا والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ....



توقيع طالبة الرضوان
سبحان الله،والحمد لله،ولا إله إلا الله،والله أكبر ..
طالبة الرضوان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس