عرض مشاركة واحدة
قديم 12-08-08, 02:50 PM   #3
إيمان مصطفى عمر
|مديرة معهد العلوم الشرعية|
افتراضي


المتن :


8" - تحل بالمروءة[4]:


التحلي بـ (المروءة)، وما يحمل إليها، من مكارم الأخلاق، وطلاقة الوجه، وإفشاء السلام، وتحمل الناس، والأنفة من غير كبرياء، والعزة في غير جبروت، والشهامة في غير عصبية، والحمية في غير جاهلية.




شرح الشيخ :



نعم . يقول التحلي بالمروءة , فما هي المروءة ؟


حتى الفقهاء رحمهم الله , في كتاب الشهادات , قالوا :


هي فعل ما يجمله ويزينه , واجتناب ما يجلسه ويشينه .



كل شي يجملك عند الناس ويزينك ويكون سببا للثناء عليك , فهو مروءة , وان لم يكن من العبادات , وكل شئ بالعكس فهو خلاف المروءة .


ثم ضرب لهذا مثلا ,فقال من مكارم الأخلاق , فما هو كرم الخلق ؟


ان يكون الانسان دائما متسامحا , او ان يتسامح في موضع التسامح , ويأخذ بالعزم في موضع العزيمة .


ولهذا جاء دين الاسلام وسطا بين التسامح الذي تضيع فيه الحقوق , وبين العزيمة التي ربما تحمل على الجور ,


فنضرب مثلا بالقصاص : وهو قتل النفس بالنفس , يذكر ان بني اسرائيل انقسمت شرائعهم بالقصاص الى قسمين :


** قسم أوجب القتل ,ولا خيار لأولياء المقتول فيه , وهي شريعة التوراة .


لان شريعة التوراة تميل الى الغلظة والشدة .


** وقسم آخر أوجب العفو ,وقالوا انه اذا قتل الانسان عمدا فالواجب على أولياؤه التسامح .


هكذا نقرأ بالكتب المنقولة , والا فالأصل ان الشريعة هي شريعة التوراة ,


وقد قال الله تعالى :


وقد كتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس .


لكن هذا فيما ينقل عن بني اسرائيل نسمع هذا .


فجاء دين الاسلام وسطا وجعل الخيار لأولياء المقتول , ان شاؤوا اقتصوا ولهم الحق , وان شاؤوا عفوا مجانا , وان شاؤوا أخذوا الدية .


ومعلوم ان كل عاقل يخير في مثل هذه الأمور , سيختار ما فيه المصلحة العامة , يقدمها على كل شئ .


مثلا اذا كان هذا الرجل شريرا وأولياء المقتول يحبون المال وطلبوا الدية , نقول ان هذا ليس من الحكمة , انظر الى المصلحة العامة , وانتم اذا تركتم شيئا لله عوضكم الله خير منه .


اقتلوا هذا القاتل .


ولهذا اوجب شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تبعا للامام مالك , اوجب قتل القاتل غيلة , حتى لو عفا اولياء المقتول , حتى لو كان له صغار , فانه يجب أن يقتل ,


لان قتل غيلة لا يمكن التخلص منه . الانسان في قتل الغيلة لا يمكن ان يدافع عن نفسه ,


والمغتال مفسد في الارض ,


( وانما جزاء من يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الارض ....9



إذن , مكارم الاخلاق ما هي ؟؟؟


هي ان يتخلق الانسان بالاخلاق الفاضلة الجامعة بين العدل والاحسان , فيأخذ بالحزم في موضع الحزم , وباللين واليسر في موضع اللين .




** أيضا طلاقة الوجه : من مكارم الاخلاق , ولكن هل أطلق وجهي لأي انسان حتى لو كان من أجرم المجرمين ؟؟


طبعا على حسب الحال , اطلق الوجه في ستة من تسعة : أي ثلثين الى ثلث .


لتكن سيمتك طلاقة الوجه , هذه أحسن شئ , تجذب الناس الى نفسك , ويحبوك , ويفضوا اليك ما يستطيعون من أسرارهم .


لكن اذا كنت عبوسا , تعض على شفتك السفلى , فإن الناس يهابونك , ولا يستطيعون التكلم معك .


لكن اذا اقتضت الحال الى ان لا تطلق الوجه , فافعل . ولهذا لا يلام الانسان على العبوسة ذم مطلقا , ولا على اطلاق الوجه مدحا مطلقا .




** افشاء السلام : أي نشره وإدخاله على كل من يستحق ان يسلم عليه , على كل مسلم وان كان عاصيا , او زانيا او شاربا للخمر او مرابيا ....., فإنه مسلم .


لقول النبي عليه الصلاة والسلام :


لا يحل لمؤمن ان يهجر أخاه المؤمن فوق ثلاث ........وخيرهما الذي يبدأ بالسلام .



فإن فعل المسلم منكرا ,ولاسيما ان يكون منكرا عظيما يخشى منه ان يتفكك المجتمع الاسلامي , فهذا واجب هجره ان نفع, وانما أقول لقصة كعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلف في غزوة تبوك , فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بهجره , فهجره الناس وصاروا لا يتكلمون معه , حتى انه ذات يوم تسور حديقة ابي قتادة رضي الله عنه , وهو ابن عمه وأحب الناس اليه , فسلم على ابي قتادة فلم يرد عليه السلام , سلم ثانية فلم يرد عليه , سلم ثالثة فلم يرد عليه , فقال : أنشدك الله , هل تعلم اني احب ظهر رسولك ,


( يعني كيف تهجرني وان احب الله ورسوله ) ألم تعلم ؟؟؟... فلم يرد عليه .


قال : الله ورسوله أعلم .


لان النبي عليه الصلاة والسلام أمره بذلك , ولو أمرهم أن يفعلوا اكبر من ذلك لفعلوا .


تصوروا يا إخوان انه يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم ويلقي عليه السلام فيقول : لا أدري أحرك شفتيه برد السلام أو لا .


الا أن الرسول الكريم يحب كعبا , لانه اذا قام يصلي فان الرسول ينظر اليه .



فهل هذا الهجر الذي وقع من الصحابة لكعب بن مالك أثر أم لا ؟


نعم أثر ... رجوعا عظيما الى الله عز وجل , حتى اذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم , وظنوا ان لا ملجأ من الله الا اليه , وظنوا أي أيقنوا ,


لجؤوا الى الله , ففرج عنهم .


فهذا الهجر اثر تأثيرا عظيما , حصل فيه مصلحة عظيمة , تتلى قصتهم في كتاب الله عز وجل , يقرؤها المسلمون كلهم في صلواتهم وخلواتهم .


وفيها ايضا محنة عظيمة لكعب , جاءهم كتاب من الملك غسان , قال له :


انه بلغنا أن صاحبك قد قلاك , فالحق بنا نواسك , ( يعني تعال الينا نجعلك مثلنا )


(وكأنه يشير الى ان يجعله ملك )



فماذا فعل الصحابي كعب ؟؟؟


انظر الى هذه الفتنة العظيمة , ذهب بالورقة فسجَّر بها التنور , يعني أحرقها , كراهة لها ولما تضمنته , ولئلا تغلبه نفسه بالمستقبل حتى يجيب لهذا الطلب .



<<<<<<يتبع الوجه الثاني .



[1] -”الجامع”(1/156).

[2] -”سير أعلام النبلاء”(4/94).

[3] -”إعلام الموقعين". (2/161-162).

[4] - فيها مؤلفات مفردة، انظر:”معجم الموضوعات المطروقة”(ص392).



توقيع إيمان مصطفى عمر
إيمان مصطفى عمر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس