عرض مشاركة واحدة
قديم 13-03-10, 07:53 PM   #15
أم ايمان
|نتعلم لنعمل|
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


تفريغ الشريط الثالث

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على على محمد .السلام عليكم ورحمة الله
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات,وأسأله وهو الجواد الكريم أن يتولانا جميعا بواسع فضله ورحمته وأن يفتح علينا أبواب العلم وأن يهدينا جميعا سواء السبيل وأن يربط علينا برباط الحق حتى نلقاه .
اللهم علمنا ماينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما.
رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي

حياكم الله أخواتي الكريمات في هذه الروضة الطيبة المباركة ، روضة القرآن,أسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك لنا في هذه الساعة وأن يكتبها في ميزان حسناتنا يوم نلقاه
كما وعدتكن في الدرس الماضي ، اليوم إن شاء الله تعالى كما اتفقنا سننظر في سورة الجاثية ونطبق عليها بعض القواعد التي ذكرناها في التدبر.
أريد أن نتفق على الخطوات هل أتكلم وتعلقن أو أسمع منكن ثم أعلق على نظر الأخوات في الآيات الكريمات وفق الخطوات التي ذكرناها آنفا في الدرس الأول والثاني.
فأريد أن أسمع رأي الأخوات أولا
نفتح سورة الجاثية ثم ننظر فيها بصفة عامة أبرز الموضوعات والمحاور التي تتكلم عن السورة ثم بعد ذلك نتكلم عن المقاطع التي سارت عليها السورة ثم بعد ذلك نحاول ننظر في صدر السورة وفي عجز السورة ثم ننظر في الآيات آية آية لنستظهر أبرز الهدايات والعضات والعبر والفوائد منها حتى إن شاء الله ننتفع بها في الحياة الدنيا وتكون لنا نورا وهدى يوم القيامة.
فما رأي الأخوات الكريمات ؟
الآن أريد من الأخوات الكريمات أن ينظرن في سورة الجاثية ويتأملن هذه السورة من أولها إلى آخرها حتى نقف على محاور السورة أو أبرز الموضوعات التي تكلمت عنها السورة والسورة كما تعلمن :هل هي مكية أو مدنية؟ سورة مكية كما تعلمن جميعا.
والقرآن المكي له صفات ، يدور حول محاور معينة أو موضوعات معينة محددة ،غالبا ما تتكرر في معظم السور المكية .
فهل هذا ينطبق على هذه السورة؟
الآن ننظر أبرز موضوعات السورة والمحاور التي قامت عليها السورة ،ننظر فيها جميعا ثم نسمع من الأخوات الكريمات نتعلم جميعا أسلوب التدبر وننتفع به ونعلم به غيرنا إن شاء الله تعالى.
ما أبرز موضوعات السورة أو المحاور التي قامت عليها السورة والمقاصد العامة منها؟ وهي لم تخرج كما قلنا عن مقاصد المكي في العموم.
نعم تقرير الربوبية ، ماذا أيضا.
طبعا نحتاج إلى لأن نقرأ السورة بتأن ونتأملها سويا حتى نقف على هذه الموضوعات
طبعا تقرير الربوبية كما تعلمن جميعا ، الكفار، لما نزل نزل الكتاب الكريم عليه الصلاة والسلام,كانوا يقرون توحيد الربوبية {وإذا سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله } فتقرير توحيد الربوبية ليس هو المقصد الأساس في الجملة، المقصد الأساس تقرير توحيد الألوهية فهم يقرون توحيد الربوبية ولا يجادلون فيه.
إذا القرآن المكي في العموم يدور حول قضية كبيرة مهمة جدا وهي ما يتعلق بتقرير عقيدة ماهي الألوهية ، أن الله سبحانه وتعالى موجود وأنه صاحب الكمالات والصفات المطلقة الكاملة، وأنه المستحق وحده للعبادة دون سواه، لما نصب من الآيات الشاهدة على وجوده وعلى كماله ، كمال قدرته وحكمته جل وعلا، ولذلك الله سبحانه وتعالى يأمر بتوحيد الألوهية ، أن نخلص الله سبحانه وتعالى بالعبادة، ونصب الأدلة في الآفاق وفي الأنفس على كماله وعلى استحقاقه للألوهية.
فالقضية الأولى الكبيرة تحدث عنها القرآن المكي، تقرير عقيدة الألوهية أو توحيد الألوهية أو ما يتعلق بالله سبحانه وتعالى ، بأسماءه وصفاته واستحقاقه للعبادة دون ما سواه، هذه القضية الأولى.

القضية الثانية التي اشتملت عليها السورة
كما قلت أخواتي الكريمات هل نسمع من الأخوات يكتبن ما يرين في الآيات يعلقن عليها أو أتكلم ثم تكون مداخلات، أريد من الأخوات أن يقترحن علي الطريقة المناسبة حتى نصل للمراد.
نعم أخواتي الكريمات ، أريد أن أسمع منكن جميعا، الطريقة المثلى التي ترينها مناسبة لعرض التدبر.
هل أترك التدبر للأخوات ثم أعلق وأستدرك ونسمع من الأخوات طبعا آراءهن فيما يكتبنه ، أو أتكلم ثم بعد ذلك تكون مداخلات للأخوات الكريمات ، ماالمناسب؟ أبدأ بمفردي، حسنا
إذا أردنا أن نبدأ سويا وتسمعنني.
سورة الجاثية سورة مكية، من السور العظيمة تتحدث في أولها عن الكتاب الكريم وأنه من الله تبارك وتعالى وأن هذا الكتاب يشتمل على كل خير، فيه الهداية وفيه النور
وفيه الآيات البينات الظاهرات التي تقود الإنسان إلى معرفة الله تبارك وتعالى وإلى الخضوع والذل والانكسار له جل وعلا .
{ تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّـهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }
السورة في أولها تنوه بهذا الكتاب العظيم، ومما اشتمل عليه من الآيات البينات والدلائل والمعجزات على أن هذا الكتاب من الله تبارك وتعالى، وعلى وجوب النظر فيه والتدبر فيه والإننتفاع بالهدايات والعبر والعظات التي فيه.
ثم الله سبحانه وتعالى بعد ذلك لما ذكر الكتاب الكريم وبدأ جل وعلا في إشارة إلى الآيات التي خلقها ونصبها للأعيان ، للناس جميعا لينظروا ويتفكروا فيها، في الآيات الكونية المنصوبة في الآفاق وفي الأنفس، في الآفاق البعيدة في السماوات وفي الأرض التي أعدها الله سبحانه وتعالى سكنى للمكلفين من الجن والإنس .
{ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ } وهذه الآيات التي بثها الله سبحانه وتعالى في هذا الكون العظيم الذي ينطق بوحدانية الله سبحانه وتعالى وبكمال قدرته وعلى استحقاقه بالعبادة دون سواه.
آيات متنوعة { إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ } من سينتفع بهذه الآيات؟
الذي سينتفع بها هم أهل الإيمان فقط ، من فتح قلبه لأنوار القرآن والمعجزات الكاملة في كل خلق الله تبارك وتعالى، نظر فيها نظر معتبر ومتفكر ومتدبر تقوده هذه الآيات حتما إلى الله تبارك وتعالى ، إيمانا وخضوعا وانكسارا وذلا له جل وعلا:{ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ}

إذا نفكر في هذه الآيات المنصوبة في الآفاق وفي الأنفس فهي على أنواع,لو نظرنا في الكتاب الكريم نجد الآيات على أربعة أنواع:
النوع الأول: -آيات الذكر الحكيم - الآيات المعجزات التي بين دفتي المصحف المقروءة التي نزلت على محمد عليه الصلاة والسلام المكتوبة في المصحف والمحفوظة في الصدور.
وهذه الآيات الله سبحانه وتعالى تكلم بها ولها صفة الديمومة والبقاء والقدم، وهذه الآيات لا يأتيها الباطل من يديها ولا من خلفها { لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }[فصلت:42] وتشتمل على كل خير.
هذه الآيات التي نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم، التي بين دفتي المصحف ، هذه مما يجب النظر فيها { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا }[النساء:82]
بنياتي، قلنا الآيات على الأربعة أنواع التي ينبغي النظر فيها والتأمل فيها حتى يزداد المؤمن إيمانا ويقينا بالله تبارك وتعالى.
وكم قلنا هذه الآيات العظيمة لا ينتفع بها إلا أهل الإيمان الذين أخلوا قلوبهم مما يدنسها من الآثام والذنوب والمعاصي، وكبائر الذنوب والمعاصي كالشرك والنفاق والكفر والأخلاق الرديئة والأمراض، واستقر فيها الإيمان والخير فتنتفع بالآية الكريمة نظرا وتدبرا.
إذا الآيات الأربع:
الآيات الشرعية التي في كتاب الله عز وجل، التي في المصحف الذي نقرأه ونتلوه.
الآيات الكونية المنصوبة في الآفاق والأنفس.
والآيات المعجزات التي أجراها على أيدي الرسل والأنبياء ، وقد أشار الله سبحانه وتعالى في عدد من كتابه الكريم، وهي كثيرة في عهد محمد صلى الله عليه وسلم.
والآية الرابعة التي ينبغي النظر فيها في الكون، آيات التدمير والعذاب التي نزلت بالكافرين.
والله سبحانه وتعالى أشار لذلك في عدد من المواطن من كتابه الكريم كما قال عز وجل { وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ ﴿١٣٧﴾ وَبِاللَّيْلِ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ }[الصافات]
وكما قال الله عز وجل (وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ ﴿٧٦﴾ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴿٧٧﴾) [ الحجر]
إذا آيات التدمير والعذاب التي وقعت بالكافر مثل أصحاب الأحقاف وأصحاب الرس وثمود أصحاب الأيكة ومثلا قرى قوم لوط كيف أن الله سبحانه وتعالى خسف بها، حتى أن العلماء اكتشفوا أن أخفض منطقة في العالم هي تلك المنطقة التي تم فيها التدمير في قوم لوط الذين كذبوا رسولهم وأتوا بالفواحش الكبيرة.
إذن هذه الآيات التي ينبغي أن ينظرفيها المؤمن ليعتبر ويتدبر{إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ} عظيمة وكبيرة جدا لمن؟ للمؤمنين، إذن شروط الإنتفاع بالآيات هو الإيمان
ثم بعد ذلك الله سبحانه وتعالى بعد هذا التعميم جاء بنوع من التفصيل لبعض هذه الآيات فقال { وَفِي خَلْقِكُمْ }
بدأ بخلقنا، بالآيات التي في نفوسنا، وفي خلقكم أيها المكلفون
ثم انتقل بعد ذلك إلى الدواب، وفي قوله جل وعلا { وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ } يعني والذي يبثه من الدواب الصغيرة والكبيرة ، الظاهرة والباطنة، التي نراها والتي لا نراها، كل ما يتحرك في الأرض يطلق عليه اسم دابة، سواءا كان من خلق الله ابتداءا أوحتى من صنع الإنسان في ثقل الله تبارك وتعالى بنعمه، بفضله وإحسانه وتعليمه للخلق ، كل هذا يدخل في هذا.
{وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون} إذا الآن حتى يتلقى الإنسان درجة الإيمان حتى درجة اليقين، يمكن له ذلك من خلال التدبر في التفكير فيما حوله من خلق الله تبارك وتعالى.

طبعا في قوله جل وعلا { وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ } هنا عبر بفعل مضارع { وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ } هذا دليل على أن الخلق متجدد ومستمر في الدوام ويدخل في ذلك حتى في ظني، الخلايا في داخل جسم الإنسان ، فهي تتحرك في حركة دائمة، والخلايا تموت وتحيا بقدرة من الله تبارك وتعالى.
فالبث لفظة تحتمل معان كثيرة { وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ } في كل مكان في ما كان فوق الأرض وما كان تحت الأرض وما كان في أعماق المحيطات و الأنهار كل هذا يدخل في هذا المعنى { وَفِي خَلْقِكُمْ }
{ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ } طبعا التفكر في الدواب ليس فقط في الشكل والهيئة، أيضا في الوظيفة ، فالشكل والهيئة معجز ، أشكال مختلفة متلونة متنوعة، تشكيلا وألوانا ، شيء معجز، ولذلك لو تأملنا في الأفلام الوثائقية التي تصور لنا خلق الله سبحانه وتعالى سواء في البحار أو في الغابات، في خلق الحشرات في خلق الطيور في خلق الأسماك في خلق الزواحف ، سنجد معجزات في الخلق، كما قلنا في الشكل والهيئة والوظيفة وطبيعة الحياة والنظام الذي يحكم كل مملكة من ممالك الحيوان ، آيات معجزات تدل على قدرة الله تبارك وتعالى ، ولذلك هذا من النظر الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى به يجب أن ننظر في حياة هذه الكائنات حتى نأخذ العبرة والعبر ، إذا كانت هذه الكائنات مهدية لقدرة الله عز وجل ، تسير وفق سنن رتبها الله سبحانه وتعالى تحكم حياة هذه الممالك: مملكة النمل ومملكة النحل ومملكة الأسماك وهكذا...لها نظام يحكم حياتها، فكيف بحياة الإنسان .
الله سبحانه وتعالى وضع هذا المنهج الرباني العظيم ، الإسلام ، الدين الخاتم، دين الأنبياء والرسل جميعا لينظم الحياة، ولذلك الإسلام مهيمن على كل شأن من شؤون الحياة صغيرها وكبيرها ، والإسلام ماترك شيئا ولاشأنا من شؤون الحياة إلا نظمه ووضع له القواعد، حتى يعيش الإنسان في سعادة وفي أمن وأمان ويحقق وظيفته في الأرض، عمارة وبناءا وفق المنهج الرباني، حتى يسعد الإنسان في الدنيا ويسعد برحمة الله في الآخرة { لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ }
{ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ } التعبير بفعل مضارع يدل على أن هذا البث مستمر ومتجدد عبر العصور وعبر الأزمان وفي كل مكان وهذا كله يدل على كمال قدرة الله تبارك وتعالى { وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }
إذا طريق اليقين هو النظر والتفكر والتدبر، ويلزم منه بعد العلم العمل، لابد من العمل، ولذلك الله تبارك وتعالى يقول { وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ } أيضا يذكر لنا بعض الآيات العظيمة الدالة على كمال قدرته وعلى استحقاقه للعبودية دون سواه وفي اختلاف الليل والنهار كيف يتعاقبان وكيف يدخل هذا في هذا ويأخذ هذا من هذا بقدرة الله تبارك وتعالى، في استمرار وعدم انقطاع، من القائم على ذلك؟ إنّه الله تبارك وتعالى
{ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ }
طولا قصرا حرارة وبرودة ، كما قلنا كل هذه الآيات العظيمة نورا وضياءا وظلاما ، معاشا وسكنا ، هيئة وشكلا ووظيفة ، بالليل والنهار ، كل ذلك آيات عظيمة تستحق من النظر والتفكر لذلك قال الله { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّـهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ اللَّـهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ } [القصص:72] { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّـهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ } فالله عز وجل يثير العقول أن تنظر في هذه الآية العظيمة تتفكر فيها حتى تنتفع هذه العقول من هذه الآيات.
بسبب الإلف والعادة ، آيات الليل والنهار مكرورة كل يوم بسبب الألف والعادة ، ألفها الإنسان واعتادها فلا يشعر بعظمتها وإلا لو وقف وتفكر وتدبر لعلم عظمة من خلقها، العظمة ، لو تفكرنا مثلا في آية الليل والنهار بعمق، لوجدنا على سبيل المثال أن النهار بضيائه ونوره وبياضه لا يكون إلا على جزء بسيط جدا من الكون الكبير الفسيح الواسع العظيم الذي لا يعلم مداه إلا الله تبارك وتعالى.
في جزء يسير جدا من سطح الأرض، فقط الجزء المقابل للشمس يوجد فيه النهار وهذا الضياء وهذا البيان، الجزء المقابل للشمس فقط ولا يكاد يتجاوز حوالي أكثر من 360 كلم ، يعني حجم الغلاف الجوي من الأرض إلى نهاية الغلاف الجوي تقريبا في هذه المنطقة من الكون المحدودة هو الذي يوجد فيه النور والضياء والبياض أما إذا تجاوزنا ذلك بعدها سنجد ظلمة، قرص الشمس قرص أحمر لا ضياء له، فتلتقي ظلمة الأرض بظلمة الكون ، فالكون كله مظلم ، شديد الظلمة ، من الذي نوَّره؟ الله سبحانه وتعالى بقدرته، فالكون الفسيح الواسع الكبير العظيم كله مظلم نوَّره الله وجمله وحسنه وزينه بهذه النجوم، بهذه المصابيح وقال { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ﴿٦﴾ وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ } [الصافات: 6-7] نحن الآن نرى هذه الزينة وهذا الجمال إلا إذا كنا على الأرض، إذا جاوزنا الأرض إلى ما بعد ذلك سنجد الأجرام ، هذه مجرد قطع حمراء، بعيدا عن الغلاف الجوي، فسبحان من خلق هذا الكون فأحكمه.
ولذلك في الليل، إذا جاء الليل التقت ظلمة الأرض بظلمة السماء، فنرى النجوم البعيدة التي تبعد عنا بملايين السنوات الضوئية، وهذه النجوم التي فارقت مكانها كما يقول العلماء، ليست في مكانها، فالكون في اتساع دائم وهذا كله يزيد الإنسان إيمانا وخضوعا لله تبارك وتعالى { وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِنَ السَّمَاءِ } يعني العلو سمى الله سبحانه وتعالى هذا الخير النازل من السماء، الماء المبارك الطيب الفرات الذي يجريه الله سبحانه وتعالى أنهارا في الأرض و يسلكه وينابيع في الأرض ينتفع بها الناس، ما أنزل ماءا عذبا برحمته وفضله وإحسانه، تحمله السحاب بقدرة الله ويسوقه الله كيف يشاء، متى شاء إلى من شاء بقدرته جل وعلا، وسماه الله سبحانه وتعالى رزقا، نعم هو سبب الرزق في الأرض، هذا الرزق من الأسباب المهمة للحياة للكائنات جميعا، ينزل هذا الماء الزلال الفرات الطيب المبارك على الأرض فتنتفع به الحيوانات والطيور، كيف يخرج الله سبحانه وتعالى الزرع مختلفا أكله، يخرج به الله سبحانه وتعالى النبات الأخضر البهيج، الأزهار والأشجار، يخرج بعد ذلك منه الثمر من الأشجار، طيبا مباركا بأنواع شتى بطعم شتى بقدرة الله سبحانه وتعالى وفضل إحسانه، كل هذا لمن؟ للمؤمنين { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [المؤمنون: 51] الله يخرج الطيبات لمن؟
{ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ ﴿٢٤﴾ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ﴿٢٥﴾ ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا ﴿٢٦﴾ فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا ﴿٢٧﴾ وَعِنَبًا وَقَضْبًا ﴿٢٨﴾ وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا ﴿٢٩﴾ وَحَدَائِقَ غُلْبًا ﴿٣٠﴾ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ﴿٣١﴾ مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ } [عبس ]
سبحان الله أخرجه الله سبحانه وتعالى متاعا وبركة وخيرا لنا وصحة وعافية لأبداننا ومتاعا إلى حين ، فالحمد لله رب العالمين.
سبحان الله ! أخرجه الله سبحانه وتعالى متاعًا وبركةً وخيرًا لنا ، وصحةً وعافيةً لأبداننا ، ومتاعًا إلى حين، والحمد لله رب العالمين ،هذا فضل من الله سبحانه وتعالى، قال: (وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ..) يستحق الإنسان أن يقف عند هذا الرزق النازل من السماء ، كيف يرفعه الله بقدرته ، ملايين الأطنان من الماء بخار يحمله الله سبحانه وتعالى بقدرته في السحاب ، ويكون السحاب كالجبال في السماء ، السحاب الركام كالجبال في السماء ، ثم بعد ذلك ينزله الله مطرًا وغيثًا هنيئًا مريئًا سحًا غدقا ، فينفع الله به العباد والبلاد فضلا منه ورحمة ، وذلك الماء إذا نزل مصحوبا بالبركة خرجت الأرزاق.
هذا الماء النازل من السماء ، ينبغي للإنسان المسلم أن يتفكر فيه وينظر ، إذا حبس عن الناس عاشوا في ضنك من العيش وفي قلق وفي تعب وفي حسرة وفي ألم وفي قحط ، ولذلك ليس لهم ملجأ من الله إلا إليه ، يجأرون إليه بالدعاء أن ينزل عليهم الغيث ، فالماء المبارك إذا نزل مصحوبا بالبركة نفع الله سبحانه وتعالى به العباد والبلاد ، وربما ينزل آية من آيات الله ، آية تدمير : (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا...) [سورة الأحقاف] إذن الماء الذي ينبغي أن نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعطينا هو الماء المبارك الماء الطيب الهنيء المريء ، فهذا رزق من الله تبارك وتعالى ، فإذا نزل نحمد الله سبحانه وتعالى على فضله وإحسانه ، ونتفكر كيف أن الله تعالى رفع هذا الماء بقدرته وأنزله بقدرته على العباد متى شاء ، كيف شاء ، أين شاء ، يهبه لمن يشاء ويصرفه عمن يشاء (يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) [النور : 43] .
قال: (فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ) وهناك علاقة وثيقة بين السحاب وبين الرياح ، الرياح بقدرة الله تسوق السحاب ، فهذه الرياح أيضا آية من آيات الله العظيمة ، فاختلاف المناطق في الأرض حرارة وبرودة ، هدوءً وحركة يؤثر على حركة الرياح في الأرض بقدرة الله تبارك وتعالى ، فهي محل تفكر وتدبر ، هذه الرياح في هدوئها وفي عصفها الشديد تستحق لوقفة وتدبر وتفكر حتى نعلم قدرة الله سبحانه تعالى في الخلق وتكوين هذا الكون ، لذلك الله عز وجل قال: (آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) إذن من هذه الآيات الكريمة نستفيد الآتي:
أنّ الإنسان المؤمن ينبغي عليه أن يستخدم جميع ملكاته ، وجميع قدراته العقلية في التفكر والنظر في آيات الله الشرعية وآيات الله الكونية ، لماذا؟ حتى يزداد يقينا وإيمانا وخضوعًا وذلا وانكسارًا لله .
وأن طريق زيادة الإيمان وزيادة اليقين والطمأنينة والأمن الذي يسكن القلب ، طريقه: النظر والتفكر ، عبادة التفكر من أعظم العبادات المورثة للإيمان الحق ، الإيمان الحقيقي الذي يظهر أثره على الإنسان خضوعًا وانكسارًا وذلًا وخشيةً لله تبارك وتعالى ؛ ولذلك أهل العلم أشد الناس خشية لله تبارك وتعالى ، كما قال الله عز وجل : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر : 28] .
وقد ذكر هذه الآية في حديثه جل وعلا عن الآيات الكونية ، هذه الطرق المتنوعة في أشكالها وصورها في الأرض والجبال ، وفي خلق الناس والدواب في أشكل مختلفة وصور مختلفة ، بعد ذلك قال: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر : 28] فهؤلاء الذين ينظرون ويتفكرون في خلق الله وفي سنن الله هم أشد الناس خشية وخوفًا من الله تبارك وتعالى ، فهذا طريق اليقين وطريق الإيمان هو طريق التفكر والتدبر في آيات الله الكونية وآياته الشرعية ، لذلك قال الله عز وجل : (تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ) يا محمد وعلى كل من يفهم ويعقل هذا الخطاب (بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) إذن مطلع السورة يركز على جانب مهم، هو أن الواجب على المؤمن أن يستخدم عقله وأن يتفكر في آيات الله على اختلاف صورها ، سواءً كانت الآيات المبثوثة في الكون ، والآيات التي بين دفتي المصحف ، الآيات الشرعية ، وكما قلنا الآيات التي أجراها على أيدي الرسل ، معجزات على أيدي الرسل ، وآيات التدمير التي وقعت بالكافرين ، وأيضا: آيات النصرة والتمكين لعباد الله المؤمنين من الرسل والأنبياء والأولياء ، كل هذه محل اعتبار وتفكر للمؤمن حتى يزداد يقينا وإيمانا بالله تبارك وتعالى.
إذن بعدما ذكر الله الكتاب الكريم نصب الأدلة على صدق هذا الكتاب الكريم (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) أن هذا الكتاب هو الحق (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت : 53] ، قال الله عز وجل عز وجل (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) [ص : 88] ولذلك الله عز وجل بعد ذلك توعد هؤلاء الذين يصدون عن آيات الله وينكرونها ويكذبونها (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8)) هؤلاء الذين قامت عليهم حجة ، الذين نظروا وتفكروا وعلموا أن هذه الآيات المنصوبة دالة على وجود الخالق ، وأن هذا الخالق هذا موجود، وأنه كامل الصفات جل وعلا وأنه القادر الحكيم المدبر ، وأن هذا الكون لم يكن موجودا هكذا عبثا ولا صدفة ، هؤلاء الذين علموا هذه الحقيقة فلم يعملوا بموجبها لهم عذاب شديد عند الله تبارك وتعالى ، قامت عليهم الحجة ، ولذلك المؤمن إذا علم وأيقن عليه أن يباشر بالعمل ، العمل الموصل إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى والفوز بوعده جل وعلا بالفوز بالنعيم المقيم في الدنيا والآخرة. (يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9)) هذا الاستكبار عن الآيات والغرور كان جزاؤه عند الله تبارك وتعالى من جنس عمله ، هذا الاستكبار وهذا العلو جعل الله سبحانه وتعالى له عذابه يهينه (لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) مصحوب بذلة شديدة لهم في الدنيا والآخرة ، جزاء مكرهم واستكبارهم وعلوهم في الأرض بغير الحق
(مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا) إذن هؤلاء لهم ذلة ولهم الخزي ولهم العار في الدنيا والآخرة جزاء استكبارهم عن آيات الله تبارك وتعالى ، وفي الآخرة عذاب شديد وأشد من عذاب الدنيا ، (وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا) من الأموال والأولاد والتجارات وما جمعوا من حطام الدنيا (وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ..) من الأصنام والأوثان والأنداد من غير الله تبارك وتعالى لن يغني عنهم من الله شيئا (وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) .
فانظرن كيف أن الله سبحانه وتعالى وهو يتوعد هؤلاء المستكبرين من العذاب الأليم في الدنيا والآخرة ، تدرج في وعيدهم ، أولا قال: (فَبَشِّرْهُ) طبعا تهكمًا بهم (فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) و (لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) ثم (وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) نسأل الله سبحان وتعالى أن يعافينا جميعا من عذاب الله في الدنيا والآخرة.

يتبع بإذن الله



توقيع أم ايمان
أم ايمان غير متواجد حالياً