عرض مشاركة واحدة
قديم 08-03-15, 02:28 PM   #15
سارة عبد الله
|طالبة في المستوى الاول |
 
تاريخ التسجيل: 26-07-2011
المشاركات: 102
سارة عبد الله is on a distinguished road
افتراضي


5/ خفض الجناح ونبذ الخيلاء والكبر:

وهذا الأدب الخامس الذي ذكره المؤلف، لأنه لابد لطالب العلم من التواضع لله ولخلقه، فيخفض جناحه لمن حوله فيُحسن إليهم ويعاملهم بكل تواضع ، فلايرى نفسه أفضل من غيره ،ولا يزدري من حوله مهما كانت أحوالهم،فمن علم أن كل نعمة وفضل هو فيه إنما من فضل الله وحده عزوجل وبتوفيقه لما ازدرى أحدا ولا ترفع.

النبذ بمعنى الطرح و الترك ، لكنه مع الإهانة و الاستغناء عنه ، ومنه قوله تعالى :" فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ "يعني طرحوه إستهانة منهم .


فعلى طالب العلم أن ينبذ الخيلاء والكبر ويتجنبهما .
فالخيلاء هي رؤية النفس على أنها أرفع وأعظم من غيرها ،فيختال بمشيته وتصرفاته،فقد قال صلى الله عليه وسلم :" من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله له يوم القيامة."
_ والفرق بين الخيلاء و الفخر أن :
الفخر: يُغلب فيه جانب القول فيظهر إعجابه بنفسه بكلامه وقوله .
والخيلاء: يغلب فيه جانب الفعل فيظهر إعجابه بنفسه ببدنه وفعله.


قال : فإنه نفاق وكبرياء : نفاق لأنه خلاف الحقيقة و لذلك الخيلاء في الأصل مشتق من الخيال صورة مجردة لاحقيقة لها بل مجرد تصنع .

وأما الكبر: فهو جحد الحق واحتقار الخلق،ومن دخل الكبر قلبه حُرم الجنة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر،قالوا :يا رسول الله :إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا ،فقال النبي صلى الله عليه وسلم :الكبر بطَرُ الحق وغمْط الناس". بطر الحق:جحده ورده، غمْط الناس: احتقارهم.


وقال المؤلف أنه على طالب العلم أن يتحلى بآداب النفس من :

*العفاف: وهو ترَفُّع النفس عما لايليق بها، فتترفع عن مافي أيدي الناس وعن الفواحش عن ما يخدش مروءة المرء.

*الحلم: وهو الأناة والتجاوز عمن ظلمه فلا يعاجل بالعقوبة.

*الصبر: وهو تحمل مايواجهه ،فعليه أن يصبر على أذى الناس، ويصبر على مشاق العلم، ويصبر على جفاء بعض معلميه، ويصبر على طاعة الله وعن معصيته.

*التواضع للحق: بأن يقبل الحق ويرضخ له، فلا يستكبر ولايترفع عن قبوله من أي أحد كان،مهما كنت منزلته.


*وأن يسكن كسكون الطائر من الوقار والرزانة: والرزانة أعم ،فعلى طالب العلم أن لايكون خفيفا سريعا ثائرا ،ولا طائشا متهورا ،ولا كثير الضحك والقهقهة أو كثير الكلام فيما لايعني ويتجنب كثرة القيل والقال، بل يجب عليه أن يجعل لنفسه ولعلمه هيبة في قلوب من حوله ليقبلوا منه الحق فيكون رزينا ذا وقار لأن توقير طالب العلم لنفسه إنما هو توقير لعلمه وللحق الذي يحمله بصدره.



*خفض الجناح: فيتواضع لمن حوله ويتواضع للحق ولمن قال به ،متحملا ذلة التعلم رجاء نيل عزة العلم.


لماذا قال المصنف تحلى بأداب النفس مع العفاف والحلم ..... مع الوقار و الرزانة ؟
لأنه أراد أن يدفع فهما خاطئا و توهما قد يتوهمه القارئ فقد يظن أن معنى تواضع و إهضم نفسك وإلتصق بالأرض بمعنى أن يكون ذليلا مهينا ،ينظر إلى سفاسف الأمور، ويتشوق لما في أيدي الناس ، فنفى هذا التوهم فقال مع العفاف والحلم والصبر و ذكر الوقار و الرزانة ،



*** و هذه الآداب تورث المتصف بها إذا نوى بها التقرب إلى الله أجرا عظيما ،وتوفيقا في العلم والعمل ومحبة الله ثم الناس له وقبولهم الحق منه، ومن أتى بنواقضها فإنه :
*يأثم *ويمقته الله *ويمقته الناس *يحرم العلم والعمل به.



*-*-* وقد بلغت شدة توقي السلف للكبر والخيلاء مبلغا، فقد كان الأسود العنسي إذا خرج من بيته أمسك شماله بيمينه مخافة أن تتحركا بطريقة فيها خيلاء،وهذا تطبيقا للنصوص المُحذِّرة من الخيلاء، والمرغبة في التواضع وخفض الجناح.


*والأمر يختلف من منطقة إلى أخرى فقد يكون أمر ما شائعا في منطقة وزمان معين فيكون لا بأس به ،ولايكون شائعا في زمن آخر بل يصير خاصا بالعلماء أو الوجهاء فيصير فعله من الخيلاء .


*وحذر المؤلف –رحمه الله – طالب العلم من :
- داء الجبابرة: وهو الكبر
- ومن الحرص:وهوالرغبة الشديدة و الإسراع بالنفس من أجل الطمع.
- ومن الحسد :وهو تمني زوال النعم التي أنعم الله بها على الغير.
وهذه الأمور هي أول ماعُصي اللهُ به كما قرره طائفة من العلماء،فإبليس حسد آدم وأبى أن يسجد له تكبرا لأنه خُلِق من نار وآدم من تراب.

ومن امثلة الكِبر المذمومة شرعا :
* تطاول طالب العلم على شيخه ومعلمه ،والتطاول :هوالترفع ورفع الصوت والتحقير من شأنه بكلام أو فعل.
*استنكاف طالب العلم عن قبول الحق ممن هو دونه تكبرا وترفعا.
*التقصير عن العمل بالعلم ،فقد يترك سنة ما أو واجبا لأن من حوله لا يفعلونه أو ينظرون بعين النقص لمن فعله كاللحية وغيرها فهذا من الكبر.

** ثم استشهد المؤلف ببيت شعري:

فالعلم حرب للفتى المتعالي كالسيل حرب للمكان العالي
المتعالي:المتكبر، ومعناه أن السيل لا يرد مكانا عاليا كذلك العلم لايناله متكبر.



*-*ثم نصح المؤلف طالب العلم باللصوق إلى الأرض وإزرائها، فالنفس محبة للعُجب وللظهور فراقبها فإن رأيت منها استشرافا للكبرياء والتغطرس فالجمها وعودها على التواضع، فالنفس كالطفل إن فطمته انفطم وإن لم تفطمه شب على حب الرضاع،فالنفس قابلة للتعود والتطبع، وربما يكون في ذلك مجاهدة عظيمة،لكن على طالب العلم أن ينشغل بإصلاح نفسه، لأن مدار الأمر عليها،فإن ترك لها الحبل تمادت وتكبرت وتجبرت دونما حق،فالتكبر محبط العمل مُضيعٌ للبركة، مبعد عن الحق.




*-*-*فإن من آفات النفس المُهلِكة الكبر والغطرسة وحب الظهور والإعجاب بالنفس، وكلما ترقى الإنسان فعليه مداومة ردع نفسه وترويضها وتعويدها على التواضع ،فمن تواضع لله رفعه، ولاتُنال الرفعة بالتكبر والتغطرس،بل ذلك يجعلها ذليلة خسيسة لا يُقام لها وزن.ومن لزم التواضع رفعه الله وحاز على السعادة والفلاح.


فعن عبد الله بن بكر بن عبد الله المزني قال كان أبي واقفا بعرفة فرق( أي رقت نفسه)"" فقال: لولا أني فيهم لقلت قد غُفر لهم ""
وقد خرجه الذهبي وقال:كذلك العبد ينبغي أن يزري على نفسه.اه أي بتنقصها.


هذا كلام بكر بن عبد الله المزني رحمه الله وهو العالم الإمام الحجة، قد نشر العلم وبثه ورغم ذلك يخاف أن لا يُغفر للحجيج لأنه بينهم.فسبحان الله، شتان بين قوم عرفوا حقيقة الدين والدنيا وبين قوم يظنون أنهم على حق والواقع يقول خلاف ذلك.
نسأل الله أن يوفقنا ويزيننا بالتواضع والحلم والعفاف وأن يجعلنا مخلصين له عالمين عاملين داعين إلى طريق الهدى إنه ولي ذلك والقادر عليه.

سارة عبد الله غير متواجد حالياً