عرض مشاركة واحدة
قديم 16-02-10, 05:02 PM   #3
أم ايمان
|نتعلم لنعمل|
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


بين يدي التدبر

- القرآن في عمومه ظاهرواضح لا لبس فيه ولا غموض وميسروالكل ممكن أن ينتفع من القرآن{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } (17) سورة القمر
فقط الإنسان يصدق في التوجه، يخلص النية ويفتح كتاب الله وينظرفيه فيهبه الله ما كتبه له من الخير، ولذلك ابن عباس – رضي الله عنه – لما قال التفسير (التفسيرلاينفصل عن التدبر وهو صورة من صور تدبرالقرآن ولا يمكن أن ينفصلا) على أربعة أوجه :
وجه تعرفه العرب من كلامها
وجه لا يعذر أحد بجهالته
وجه تعلمه العلماء والراسخون في العلم
ووجه في القرآن استأثر الله به في علمه وتفرد ولا يعلم هذه المواطن والتراكيب إلا الله جلا وعلا


لو نظرنا في القرآن عامة وجدنا أن عدد أيّ القرآن 6236 آية منها تقربا 500 آية أحكام وتشريعات والبقية يتمثل في القصص والأمثال والأخلاق، عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وآياته الكونية.
وعليه لونظرنا في تقسيم القرآن كما قسمه ابن عباس رضي الله عنه نجد أنَّ أغلب القرآن في القسمين الأولين : القسم الذي تعلمه العرب والقسم الذي لا يعذرأحد بجهالته
أما الذي يعلمه العالمون الراسخون في العلم هذا في كل القرآن وكل عالم يأخذ على قدرعلمه من الآية الظاهرة الواضحة أو الآية التي تحتاج إلى عمق في النظروالتدبر، العالم يأخذ من هذه وتلك مالايستطيع غيره أن يأخذ منها، ولكن في الغالب الناس يستوون في الإستفادة في الأخذ وكل حسب ما عنده من نية وحسب صدقه وسنذكرالأشياء التي تعين على فهم وتدبرآيات القرآن.

النظرفي القرآن ليس حكرعلى العلماء أو صرف من الناس الجميع مدعو إلى النظر في القرآن حتى العصاة والكفرة وأهل النفاق، القرآن مفتوح لهم للقراءة ، فكم من واحد اهتدى بالنظر في القرآن ، فباب القرآن مفتوح للجميع.
نقطة مهمة : انصراف معظم الناس عن التدبربحجة عدم العلم الكافي وعدم ملك أداة التدبر والتفسيروهي في الحقيقة مثبطات ومدخل من مداخل الشيطان تحول بين الإنسان وبين الإستفادة من أنوار القرآن وهداياته لا ينبغي أن تنطلي علينا هذه الحيل، لا أملك الأداة، لا علم لي بالتفسيروأصوله ليس لدي علم لأنظر في القرآن ، أخشى أن أقول على الله بغيرعلم، كل هذه وسائل صرف الناس عن هدايات القرآن ولا ينبغي للإنسان أن يقول مثل هذا بل ينبغي عليه أن يلجأ إلى رحاب القرآن ويأخذ منه ما يستطيع كل حسب حاجته من القرآن

كذلك على العبد أن يتعلق قلبه بالقرآن بياض نهاره وسواد ليله ولا يكتفي بالبرهة أو زمن معين من اليوم بل يجعل له نظر ما استطاع في الليل أوالنهار وأن يعلم يقينا أن كل ما يحتاج إليه من وسائل لصلاح نفسه وطهارة قلبه وسلامة قلبه من الأفات والأمراض وما فيه صلاح لغيره وأنّ السعادة والطمأنينة والراحة والأمن وأنّ الشفاء الحسي والمعنوي لا توجدإلا في القرآن، الإنسان ينبغي أن يكون له يقين بهذه الحقيقة.
قال الله تعالى {مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } الأنعام 37
{ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} النحل: الآية 89
{ إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} الإسراء 9
فكل ما نحتاجه في حياتنا نجده في القرآن الحمد لله رب العالمين.
كذلك إذا نظرنا في حال السلف الصالح كانواعلى صلة وثيقة بالقرآن ، كانوا ينظرون فيه نظر يقين ، نظر إيمان وحب وتدبر ورغبة وشغف وتعظيم للقرآن ويأخذ منه على قدر ما عنده من إيمان ويقين ونية والعمل والقصد...
وبقدر ما يبذل من الجهد والإخلاص فيفتح الله عز وجل عليه من فيوض العلم والنور والهدى
قال سهل بن عبدالله التستري :لوأعطي العبد بكل حرف من القرآن ألف فهم لم يبلغ نهاية ما أودع الله في آية من كتابه لأنه كلام الله وكلامه صفته وكما أنه ليس لله نهاية فكذلك لانهاية لفهم كلامه وإنما يفهم كل عبد بمقدار مايفتح الله عليه وعلى قلبه ، كلام الله تعالى غير مخلوق ولا يبلغ نهاية فهمه فهوم المحدثة.
وهذا يصدقه قوله تعالى{ قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا } الكهف 109
{ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } لقمان :27

وسائل معينة للفهم وتدبر القرآن
- الإيمان بالله وصدق الإيمان وتحقيق التوحيد الخالص ونقاء العقيدة من كل شائبة، صحة التوحيد ونقاء صفاء العقيدة، الإنسان الذي يكون في توحيده شوائب وشرك ما يجد تحلية، الله سبحانه وتعالى لا يفتح عليه، نحتاج إلى إيمان قوي الإيمان الناتج عن علم وعن يقين ليس إيمانا ناتج عن التقليد إيمانا ضعيف ليس له أساس، بل العلم الناتج عن علم ويقين وهذا لايتأتى إلابالنظروالتفكر.
تحقيق التوحيد بأنواعه الثلاث ، فالنجاة معلقة على التوحيد { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ} النساء 48 فمن صحت عقيدته كان أجدر بالفتح أما من علق بإيمانه وعقيدته شوائب فيحال بينه وبين التدبر.
ومن يريد الإستزادة عليه بكتب التوحيد، فالتوحيد هو الركن الركين والأصل الأصيل والذي نعول عليه في فهم القرآن.
- السلامة من البدعة: بحيث لا يتصل بها ولا يعمل بها وكل ما خالف نصوص الشرع، السلامة من البدعة جانب كبير من الأهمية، وأن يخلو القلب من الأمراض كالحسد والرياء والنفاق والشرك والبغضاء....الأمراض التي يَتلبس بها القلب وتؤثرعليه سلبا، تؤثر على طمأنينته، تؤثرعلى الإيمان واليقين.
- السلامة من سجن الشهوات : فالشهوة تحول بينه وبين أن ينطلق إلى رحاب واسعة والنظر والتفكر في آيات الله الشرعية.
- البعد عن الشبهات : ظلمة الشبهات
- الرّان التي تجلبه المعاصي وتسببه السيئات { كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ } المطففين 14. فيجب أن يصفى القلب من الشوائب وما علق به من الرّان بالتوبة النصوح والبعد عن الشبهات والشهوات والبعد عن البدع.
- لزوم الطاعة والحرص على أداء الفرائض والواجبات في أوقاتهاعلى الوجه الذي يحبه الله ويرضى، فأنا أقرأ القرآن ولا أستفيد منه لا أنتفع لا أرى الفتوح ولا أرى الأنوارولاأرى أثرالقرآن على نفسي، فيحال بينك وبين القرآن لأنك مقصر في طاعة الله عز وجل، فعليك بلزوم الطاعات والحرص على أداء الواجبات وهي أحب ما يتقرب به العبد من الله تعالى كما جاء في الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى قال : من عادى لي ولياً ، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني، أعطيته، ولئن استعاذني، لأعيذ نه ) رواه البخاري
فالإنسان يترقى بأداء الواجبات ثم النوافل ويكثر من النوافل كالصدقة ،الصلاة، الصيام ، قيام الليل...
سؤال هل ممكن يقع من الإنسان تقصير؟ طبعا لذلك عند التقصيريجب اتباع السيئة الحسنة كما جاء في الحديث عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اتق الله حيثما كنت. وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" رواه الإمام أحمد والترمذي.
وكما قال الله عز وجل { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ } هود 114

- إفراغ القلب من الشواغل والصوارف فالمشغول بأمورالدنيا تحول بينه وبين أنوار القرآن فلا يجب أن يفتح الإنسان كتاب الله وهو مشغول بأمور الدنيا.
- إخراج الأغيارمن القلب الموحشة المهلكة التي تجلب الوحشة للقلب: فكل ما سوى الله غير إذا لا نجعل في القلب إلا الله وكتاب الله وما يحب الله تعالى من الأقوال والأفعال والأعمال، يستقر في قلبي محبوبات الله، وأطرد من القلب كل ما يبغضه الله وكل ما يصرف العبد عن ربه، مثلا الإنسان الذي يحب الصور، محبوب من محبوبات الدنيا، ويتعلق بمحبوب من دون الله تعالى فتحول بينه وبين أنوار القرآن، يكون في القلب ما يحبه الله فالله يحب التقوى ، الصلاة ، العمل الصالح ولا يكون في قلبه إلا هوولا ينشغل الإنسان بالدنيا وينسى الآخرة.
- الحرص الشديد على الطهارة الحسية والمعنوية : فيكون الإنسان طاهر الثوب حسن الملبس، طاهر المكان، يكون دائما متطهرا فأنا الأن جالس في روضة القرآن أستمع وانتفع والملائكة تحفني من كل جانب فلذا على الإنسان أن يتطهر ثم يأتي إلى هذه الروضة فيكون نظيفا في فمه وملبسه وقلبه وفكره طهارة بكل معنى الكلمة، الطهارة الحسية والمعنوية جانب مهم جدا.

- الجِدُ في العلم : العلم الشرعي أعظم العلوم وأشرفها ( الفقه، الحديث...) والتزود بالعلم النافع.
وعليه بعلوم الألة المعينة : كالصرف والنحو وعلم البلاغة لتوسيع المدارك والمعارف، فالقرآن نزل بلسان عربي مبين، ولا يُفهم أن فاقد علوم الألة لا يستزيد من القرآن ،لا بل القرآن مفتوح للجميع
- الإقبال على القرآن وتدبره بشوق وصدق وحرقة ورغبة وحب واحضارالقلب
- قراءة القرآن بنية التَطَهُر:التطهر من الشوائب والدنايا والأدناس
وبنية القربى والزلفى من الله لأني أناجي الله تعالى وبنية زيادة الإيمان
الإفتقار إلى الله والذل والإنكسار بين يدي الله تعالى، لأنك عندما تقرأ القرآن لا تظن أنك أوتيت علما
- المداومة والكثرة على قراءة وتلاوة القرآن : أفضل الذكر هو قراءة القرآن
- تجويد التلاوة : تحسين القرآن من فم نقي وصوت متخشع فالله تعالى يسمعك ويفتح عليك ، فالقراءة وتردديها والتأني في القراءة ويكررويُنغم ويسمع ويُسمع غيره { ورتل القرآن ترتيلا} ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي إلى الصحابي فيقول اقرأ علي القرآن فيقول كيف اقرأ عليك وعليك نزل فيقول -صلى الله عليه وسلم-:(إني أحب أن أسمعه من غيري ) وكذلك لما سمع قراءة أبي موسى قال له لقد أوتيت مزمارا من مزاميرآل داوود عليه السلام
فتحسين القراءة مطلب شرعي، قال ابن كثيررحمه الله تعالى : المطلوب شرعا إنما تحسين الصوت الباعث على تدبرالقرآن وعلى تفهمه
وقال النووي رحمه الله تعالى: الترتيل مستحب للتدبر
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: لا تهذوا القرآن هذ الشعر ولا تنثروه نثر الدقل وقفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن هم أحدكم آخر السورة.
نعم لا يكون هم أحدنا آخر السورة ، يجب الوقوف على عجائب القرآن ويُثوِرالقرآن في نفسه ، حتى تثور المعاني وتكون بردا وسلاما على قلبه.
قال القرطبي رحمه الله تعالى : لا يصح التدبر مع الهذ
- ومن الأشياء المعينة كذلك على التدبرالإنصات و الإستماع بِأذن القلب لا أذن الرأس من أجل الإنتفاع والعمل فأسمع نفسي وأُسمع غيري فالإستماع من الوسائل المعينة على التدبر، قال الله تعالى
{ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } الأعراف 204

انتهى الدرس الأول

والحمد لله رب العالمين



توقيع أم ايمان
أم ايمان غير متواجد حالياً