عرض مشاركة واحدة
قديم 01-09-07, 08:01 PM   #2
أم هشام
نفع الله بك الأمة
افتراضي

رابعا:طرق تدريس القواعد:
ينطبق هنا ما سبق أن قلناه من حيث عدم وجود طريقة معينة للسير في درس القواعد؛ولذا نقتصر هنا على بعض الطرق الثلاث المتبعة في تدريس القواعد.
إذ بحثنا في الطرق التي اتبعت في نصف القرن الأخير ألفينا أنها انتقلت انتقالات مهمة:ففي بداية القرن كانت الطريقة القياسية والاستقرائية ((الاستنباطية))،ثم ظهرت أخيرا الطريقة المعدلة القائمة على تدريس القواعد من خلال النصوص المتكاملة،

و الآن نبحث كل طريقة من هذه الطرق بغية تعرف الأسس التي تقوم عليها،والخطوات التي تتبعها في تدريس القواعد النحوية مبتدئين بأقدمها وهي الطريقة القياسية.

1-الطريقة القياسية:

وهي أقدم الطرق الثلاث،وقد احتلت مكانة عظيمة في التدريس قديما،وتسير في خطوات ثلاث:يستهل المدرسون الدرس بذكر القاعدة أو التعريف أو المبدأ العام،ثم يوضحون هذه القاعدة بذكر بعض الأمثلة التي تنطبق عليها؛ليعقب ذلك التطبيق على القاعدة.أما الأساس الذي تقوم عليه فهو عملية القياس حيث ينتقل الفكر فيها من الحقيقة العامة إلى الحقائق الجزئية،ومن القانون العام إلى الحالات الخاصة،ومن الكلي إلى الجزئي،ومن المبادئ إلى النتائج،وهي بذلك إحدى طرق التفكير التي يسلكها العقل في الوصول من المعلوم إلى المجهول،ولقد كانت سائدة في تدريس القواعد النحوية في مطلع هذا القرن،
فيعمد المدرس إلى ذكر القاعدة مباشرة موضحا إياها ببعض الأمثلة،ثم يأتي بالتطبيقات والتمرينات عليها،ولقد الفت بعض الكتب النحوية على هذا الأساس،ككتاب قواعد اللغة العربية لحفني ناصف وآخرين معه.
والواقع أن لكل طريقة أنصارا وخصوما،وأنصارها يعتبرونها أفضل الطرق، وخصومها يرون أنها لا تجدي في تدريس القواعد النحوية،فأنصار الطريقة القياسية يرون أنها خير معين لتدريس النحو من ناحية سهولتها أو سرعتها في الأداء((فالطالب الذي يفهم القاعدة أصلا فهما جيدا يستقيم لسانه اكثر كثيرا من الذي يستنبط القاعدة من أمثلة توضع له قبل ذكرها ولا سبيل إلى حفظها حفظا يعين على تذكرها)).في حين يرى خصوم هذه الطريقة أنها ضارة وغير مفيدة؛لأنها ((تبعث في التلميذ الميل إلى الحفظ،وتعوده المحاكاة العمياء والاعتماد على غيره،وتضعف فيه قوة الابتكار في الأفكار والأداء)).كما أنها ((ليست من الطرق الجيدة في إفهام التلاميذ؛لان مفاجأتهم بالحكم العام قد تكون سببا في صعوبته،وذلك يدعو إلى صعوبة التطبيق والخطأ فيه)).
وهي لا تسلك طريقا طبيعيا لكسب المعلومات؛إذ أن المتعارف إن الأحكام العامة في هذه الطريقة تعطى أولا، ثم تتبع بالأمثلة والجزئيات،خلافا لطريق العقل في الوصول إلى إدراك الأمور الكلية بعد مشاهدة جزئياتها.
كما أن تقديم القاعدة والتعريف على الأمثلة والتطبيقات يكون بمثابة تقديم الصعب على السهل،والسير من الصعب إلى السهل مما ينافي قواعد التدريس كل المنافاة.وهي عندما تنقل الحقائق من تفكير خارجي وعن طريق التلقين تجعل هذه الحقائق مزعزعة في ذهنه،ومعرضة للزوال والنسيان؛لان اضعف الحقائق في الذهن هي ما ترد إليه عن هذا الطريق.

2-الطريقة الاستقرائية((الاستنباطية)):

نشأت هذه الطريقة مع مقدم أعضاء البعثات التعليمية من أوروبا ،فقد نشا هؤلاء في ظل الطريقة القياسية،إلا أنهم تأثروا لدى وجودهم في أوربا بالثورة التي قام بها المربي الألماني يوحنا فردريك هربارت في نهاية القرن التاسع عشر ومستهل القرن العشرين،فإذا بهم ينقلون مبادئ هربارت إلى طرق تدريسهم للمواد،ومنها القواعد النحوية،حيث يرتب الدرس إلى عدة نقاط يسميها هربارت((خطوات الدرس))وهي:المقدمة،العرض،الربط، القاعدة أو الاستنباط،التطبيق:ففي المقدمة يهيئ المدرس طلابه لتقبل المادة العلمية الجديدة،وذلك عن طريق القصة والحوار أو بسط الفكرة،بحيث تثير في نفوس الطلاب الذكريات المشتركة،فتشدهم إلى التعلق بالدرس، وهي أساسية؛لأنها واسطة من وسائط النجاح،وسبيل إلى فهم الدرس وتوضيحه،ثم ينتقل المدرس بعد هذه الخطوة إلى العرض.
والعرض هو لب الدرس،وعليه يتحدد الموضوع بحيث يعرض عرضا سريعا الهدف الذي يريد المدرس أن يبلغ بالطلاب إليه،فهو مادة دسمة مغذية تصل ما سبقها بما لحقها،وهو يدل على براعة المدرس،ثم ينتقل بعد ذلك إلى الربط.
والربط هو الموازنة بين ما تعلمه الطالب اليوم،وبين ما تعلمه بالأمس القريب والبعيد،فالهدف منه أن ترتبط المعلومات وتتسلسل في ذهن الطالب،ثم يصل المدرس بطلاقة إلى الاستنتاج.
وهنا يقف المدرس؛ليستنتج من عرضه للموضوع مادة يسجلها الطلاب قاعدة،على أن يفسح المجال أمام الطلاب لاستنتاج هذه القاعدة بأنفسهم،لا أن يلقنهم إياها تلقينا،والاستنتاج زبده ما بلغ إليه السعي من الدرس، ثم تأتي الخطوة الأخيرة وهي التطبيق.
والتطبيق تعلق عليه الأهمية الكبرى؛لان دراسة القواعد لا تؤتي ثمارها إلا بكثرة التطبيق عليها،وتدريب التلاميذ تدريبا كافيا على الأبواب التي يدرسونها،فالإلمام بالقواعد يمثل الجانب النظري من الخصائص اللغوية في حين أن التطبيقات تمثل الجانب العملي الذي تبدو فائدته في القراءة السليمة والتعبير السليم.
والطريقة الاستقرائية من طرق التفكير الطبيعية التي يسلكها العقل في الوصول من الحكم على حقائق مشاهدة أو معلومة إلى حقائق غير مشاهدة أو مجهولة،
وفيها ينتقل الفكر من الجزئي إلى القانون العام،ومن حالات خاصة إلى أحكام عامة،وهي تنطوي على أن يكشف التلاميذ المعلومات والحقائق بأنفسهم،كما أن إتباعها في التدريس يتطلب من المدرس جمع كثير من الأمثلة التي تنطبق عليها القاعدة العامة،ثم الانتقال من مثال إلى آخر ومناقشة،بغية استنباط القاعدة العامة،فيعبر عنها الطلبة بأنفسهم،ولقد الفت بعض الكتب النحوية على هذا الأساس،ككتاب((النحو الواضح))لعلى الجارم ومصطفى أمين.
وأنصار الطريقة الاستقرائية يجدون في طريقتهم خير سبيل لتحقيق أهداف القواعد النحوية؛لأنها تهيج في الطلبة قوة التفكير،وتأخذ بأيديهم قليلا قليلا حتى يصلوا إلى الحقيقة؛لان الكلمات القليلة التي ترشد الحدث إلى الطريق الجادة تعد بذور النبت المستقبل الريان.
وهي طريقة جادة في التربية؛لأنها توصل إلى الحكم العم تدريجيا،وذلك يجعل معناه واضحا جليا،فيصير التطبيق عليه سهلا.كما أنها تقوم على عرض الأمثلة الكثيرة المتنوعة التي تدور حول الحقائق الملموسة،وتتخذ الأساليب والتراكيب أساسا لفهم القاعدة،وتلك هي الطريقة الطبيعية؛لأنها تمزج القواعد بالأساليب.
يضاف إلى هذا أنها ((تحرك الدوافع النفسية لدى المتعلم،فيهتم اهتماما بالغا،فيتنبه ويفكر ويعمل))إلا أن خصوم هذه الطريقة يأخذون عليها البطء في إيصال
المعلومات إلى أذهان الطلبة،والاكتفاء أحيانا بمثال أو مثالين أو ثلاثة لاستنباط القاعدة،وفي هذا من التفريط ما يجعلها غير سليمة؛فهي تختار أمثلتها متقطعة لاتصل بينها صلة فكرية ولا لفظية،إنما هي جمل مبتورة في موضوعات مختلفة ليس فيها خاصة لغوية،إلا أنها تحمل تمثيلا لقاعدة خاصة.وأما أنها تشرح فكرة من الأفكار التي تمتلئ بها عقول الناس،وأما أنها ترتبط برباط لفظي من أدوات الربط الكثيرة في اللغة العربية،فذلك كله وغيره مما تخلو منه هذه الأمثلة،وهي لا ترمي إلى غاية تعبيرية خاصة،ولا تثير في نفس التلاميذ شوقا إليها ولا إلى القاعدة التي سيدرسونها في ظلالها،مع أن كل دروس اللغة العربية ترمي في نهاية أمرها جميعا إلى شيئين:هما الفهم والإفهام،وكل ما تقدم في هذه الدروس وسيلة إليهما،وهي تستخدم التطبيق بشكل تعجيز للطلاب، مع أن المفروض فيه طبع الأساليب السليمة التي تحوى من خصائص اللغة ما هو فطري بعيد عن التكلف))كما أن استنباط القاعدة من أمثلة معينة لا خير فيه ولا غناء،وهي عملية((ثبت أنها مستحيلة وليس لها اصل علمي،ولا وجه للمقارنة بين اللغات والعلوم الطبيعية في الاستنباط؛لان التجربة في العلوم الطبيعية ثابتة مطردة يمكن استخلاص قوانين عامة منها،ولكن هذا لا ينطبق على اللغات.



توقيع أم هشام
من العجائب ، أن البركات التي تنزل على العلم ، تنزل على المجتهد حتى الذي اجتهد في تقليب صفحات الكتاب !!

******************************************
إذا حدّثت ففتش ، وإذا كتبت فقمِّش
******************************************
أم هشام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس