عرض مشاركة واحدة
قديم 04-12-07, 04:09 PM   #3
أم خــالد
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 18-05-2006
المشاركات: 956
أم خــالد is on a distinguished road
افتراضي



المقصود من ذلك أن طالب العلم إذا أراد أن يبحث مسألة من مسائل الأصول فليعلم طرائق الأصوليين في بحث المسائل حتى تكون عبارته دقيقة فيما إذا بحث يعرف مدار الأصول وكتب الأصول ومميزاتها إلى غير ذلك.
تقسيم الأصول أصول الفقه كيف قسموه، تقسم الفقه، كل هذه مهمة لطالب العلم وهو يبحث.
تنبني لنا مسألة كلية أخرى في بحثك إذا أراد أن يبحث مثلا اللغة، كتب اللغة معلوم أن بعضها ينقل عن بعض، بعضها مختصر لبعض، وبعضها يجمع كتبا متعددة، فمثلا يأتي طالب العلم -مثل ما نشوف في كتب ورسائل إلى آخره- يقول مثلا قال في لسان العرب كذا، وقال الجوهري في صحاح اللغة كذا؛ يعني جاب نفس العبارة في اللسان كذا وفي الصحاح العربية، طبعا صاحب الصحاح متقدم في القرن الرابع الهجري وصاحب اللسان متأخِّر صاحب اللسان جمع خمسة كتب ابن منظور ليس له كلام في لسان العرب، ولذلك يأتي طالب العلم ويقول قال ابن منظور في لسان العرب كذا، هذا كلام لا معنى له، هذا الكلام لا معنى له للعلم الذين يفهمون اللغة، أن يقول قال ابن منظور في لسان العرب معنى كذا هو كذا هذا ليس له مانع لماذا؟ لأن ابن منظور ذكر في مقدمته....خمسة كتب أو ستة فرتبها في هذا الكتاب فلم يؤلف تأليفا مستقلا خلافا لفيروز آبادي في القاموس المحيط الذي جمع كتبا لكن صاغها بصياغته وثَم أشياء تفرد فيها ورد فيها على من سبقه ورد عليه واستدرك وأُستدرك عليه إلى غير ذلك مما هو معروف.
إذن طالب العلم مثلا يعرف تسلسل كتب اللغة والكتاب الذي دخل في غيره والكتاب الذي استقل به صاحبه، يعرف من أين أُستقي ذلك حتى يكون دقيقا، هذا لا يتأتى لك إلا بمعرفة مدارس اللغة وكيف نشأت الكتب وصنفت وأشباه ذلك، منزلة كتب اللغة؛ هل كل كتاب لغة معتمد؟ لا، هل إذا قال فلان وقال صاحب الكتاب الفلاني يعني انتهى في المسألة؟ لا، لأن صاحب اللغة أيضا يحتاج إلى دليل له يدل على أن ما نقله صواب، وإلا فيكون الاحتجاج غير مستقيم.
خذ مثلا الجوهري في كتابه صحاح اللغة العربية ذكر أنه ألَّف كتابه هذا بعد أن مكث في البادية نحو من أربعين يتلقف اللغة، فهو كتب على أن كل كلمة أوردها في كتابه معناه أنه سمعها من العرب الأقحاح بعد أن خالطهم في البوادي.
هل يعني ذلك أن العرب لم يدخل إليهم اللحن البتة؟ هذا واحد.
الثاني هل يعني كلامه هذا أنه ليس ثم مادة أوردها إلا وهي مسموعة له من كلام العرب؟
ولذلك جاءنا كتاب الجوهري وهو معروف سماه الصحاح وهو عند أهل اللغة بمنزلة كتب الصحاح في الحديث؛ لكن ثم فيه أشياء لا مستند لها عند الباحث اللغوي الصحيح، وثَم مسألة من مسائل العقيدة المشهورة عندكم هي مسألة الاستواء المعروفة قال استوى بمعنى استولى، قال الشاعر:
قد استوى بشر على العراق
يعني استولى، وهذا غلط والشعر لا يصح إلى آخره، إذن فليس معنى ورود كلمة في كتاب من كتب اللغة أنها في اللغة كذلك؛ لكن هذا متى يؤول إليه الباحث إذا تطور في بحثه وفي تطبيقه وعلم أننا كلما رجعنا إلى الزمن الأول كلما كنا في سعة؛ يعني في معلومات واسعة وتبدأ تضيق تضيق إلى أن نصل إلى الصواب في العلوم كلها.
يأتي آتٍ ويقول قال الشاعر يحتج بمسألة يقول قال الشاعر كذا، طيب هذا الشاعر من هو؟ يقول هذا بيت لا يعرف قائله، طيب كيف عرف أن هذا البيت محفوظ؟ أولا وأن هذه الكلمة التي أحتج بها حفظت ورويت على هذا النحو من الذي رواها؟ وهل هو من حفاظ العربية أم لا؟ ثم هل خولف فيها أم لا؟ ثم هل القافية واحدة أم تعددت القافية؛ لأن من علامات الشعر الملحون أن تتعدد القافية في البيت الواحد إلى غير ذلك.
إذن فالبحث إذا أردته على حقيقته فإنه متوسِّع جدا؛ يعني ليس ثم مسألة إلا وراءها مسألة، وراءها مسألة حتى يصل الباحث في تحقيق العلم إلى أهله، فلا يمكن أن تحقق مسائل في العربية حتى تحكم العربية وتُحكم المؤلفات وتحكم أصول الاستدلال، وثَم مصطلح للغة أليس كذلك؟ ألف السيوطي الاقتراح في أصول النحو وثَم البلغة في أصول اللغة، وثم في التاريخ مصطلح التاريخ، وثم في الأصول أصول الفقه، وفي التفسير أصول التفسير. وفي الحديث أصول الحديث.
إذن ليس ثم علم إلا وله أصول هذه قوانين تضبط بها.
إذن الباحث لابد أن يكون متئدا في بحثه متريثا، فالعلم واسع جدا جدّا أكبر مما تتصور ولهذا لابد أن يكون ثم بلوغ في البحث وفي أخذ العلم، وأن يتحرى طالب العلم الصواب المختصر، ولا يظن أنه إذا نقل نقلا معناه انتهى، انتهى الأمر وانتهت المسألة؟ لا، فالعلم واسع ومدارسه كبيرة متنوعة.
إذا أراد طالب العلم أن يبحث مسألة تاريخية، التأريخ يرد لك، إما في كتب أهل العلم موضع من التاريخ أو من السيرة أو تَرِد عليك شبهة أو إيراد أن الصحابة كانوا كذا أو حصل في وقعة كذا، تريد أن تحقق المسائل، طبعا كتب التاريخ المتأخرة أخذت كما قلنا [....]، كتب المتقدمين في التاريخ كانت بالأسانيد ما قبل الطبري من الكتب كتب ابن أبي إسحاق؛ بل ما قبله كتاب عروة بن الزبير، وكتب التابعين في السيرة والتاريخ وكتب وهب بن منبه في التاريخ وكتب ابن جرير وكتب بن أبي خيتمة إلى آخره، ثَم كتب كثيرة في التاريخ كانت تروى بأسانيدها ما ثم واقعة إلا بأسانيدها، فتأتي فتنظر في كتب المتأخرين فتجد أن ثَم وقائع بلا إسناد، تبدأ من ابن الجوزي بل ما قبله ابن الجوزي في [المبتغي] إلى ابن الأثير في الكامل إلى ابن كثير في البداية والنهاية إلى آخره، مع أن ابن كثير حافظ من حفاظ الأحاديث تحرّى ودقق لكنه أيضا اعتمد على ما ساقه من قبله.
إذن التاريخ يروى هكذا؛ لكن إذا أردت أن تبحث مسألة فهل تبحثها بوجودها في البداية والنهاية، يقول لك قائل ذكرها في البداية والنهاية هل معناه انتهى، إذن ثم كتب قبل البداية والنهاية عرض فيها للمسألة إلى أن تصل إلى مصدر هذه القصة أين هو، فإذا بحثت وبحثت ستجد المصدر، فإذن مسائل التاريخ تروى هكذا فإذا أتينا إلى قضية في محك وأردنا أن نبحث فيها لابد من التدقيق وإلى الرجوع في التاريخ أول ما طَبعوا طبعوا التاريخ للطبري، وطبعوا كتب في التاريخ متنوعة مثل سير ابن هشام أول من طبعها، وتواريخ مختلفة تاريخ مكة والمدينة وتاريخ بغداد وتاريخ مصر وتواريخ المغرب إلى آخره، تواريخ فارس هم الذين طبعوها، أخذوا من هذه الكتب أشياء وقالوا هذا الموجود في تاريخ المسلمين.
فإذن الباحث لا يقول هذا ذكره الطبري هذا غير مستقيم في أصول البحث؛ بل لابد أن ينظر إلى استقامة ما أورد إذا كان مستقيما، فقصص التاريخ تذكر للعبرة؛ لكن إذا كان فيه ثم إشكال لابد أن يحقق المسألة ويبحث هذه القضية إلى أن يصل إلى الزمن الأول.
لم يكتب للتاريخ مصطلح وأصول في بحث التاريخ، إلا من أحد الباحثين في الزمن الحاضر، وسمَّى كتابه مصطلح التاريخ واعتمد في كتابه على أصول أهل الحديث أصول الحديث ومصطلح الحديث الدراسات التاريخية يعني مع النظر في الدراسات التاريخية يعني مع إضافات وهذا لاشك مهم لأن التاريخ نقل بالأسانيد، نعم أسانيد التاريخ لا ينظر إليها نظرنا إلى الحلال والحرام والعقيدة؛ لكن إذا كان المقام مقام استدلال فلا بد أن يبحث الباحث. ( )
خذ مثلا علما آخر فيما يبحث طالب العلم وما يبحثه -في مسائل التوحيد ذكرنا لكم في ذلك لكن نعيدها- في مسائل التوحيد سيبحث مذهب السلف في مسألة هل يبحثها في كتب السنة المتقدمة مباشرة أم يرتب البحث؟ نقول: لابد أن يرتب البحث كما ذكرنا من مختصرات الأئمة من مختصرات كتب أئمتنا أئمة الدعوة كابن تيمية وابن القيم أين ذكروها؟ كيف عرضوا المسألة؛ صوروها؟ ثم بعد ذلك تبدأ تنتقل إلى الكتب المطولة حتى تصل إلى كتب السنة المتقدمة بالأسانيد، هذا يعطي ثراء في تصور المسألة، ثم تبدأ تتوسع؛ لأن المتأخر من أئمة السنة يسَّر لك عرض المسألة وأعطاكها في قالب قاعدة منتهية، وفي كتب السلف قد تجد نقلا عن إمام يمثِّل بعض القاعدة عقدية ونقل عن آخر يكملها إلى آخره فمجموع كلام السلف صاغه الأئمة المتأخرون.
فإذن طالب العلم يرتب بحثه بالتوسع في ذلك إذا أراد أن يبحث في مسألة من مسائل اعتقاد أهل البدع مثلا في كتب الأشاعرة من مسائل الأشاعرة ينظر أين ذكرت المسالة كيف صوروها أولا ترجع إلى كتب الأئمة تنظر كيف عرضوا للمسألة، كيف صوروا مذهب أهل السنة وكيف صوروا المخالفين من الأشاعرة والمعتزلة والخوارج إلى آخره.
ثم تنتقل منها إلى كتب القوم ولابد للباحث المتخصص في العقيدة ليس كل طالب علم أن يعرف هذه الكتب ومميزاتها إلى آخره، ثم بعد ذلك يرجع إلى الرد عليها عند شيخ الإسلام وابن القيم والأئمة رحمهم الله تعالى.
كتب الحديث وهي آخر المطاف كثيرة جدا ومناهج علماء الحديث في الشروح مختلف، وكما ذكرت لك في كلمة سبقت يظن الظان أن المسألة إذا ذكرها شراح الحديث معناه أنها هي مذهب أهل الحديث أو أن هذا القول هو الأحق بأن يلقى وهذا ليس على إطلاقه.
فإذا نظرت إلى بداية شرح كتب السنة، شرح البخاري من أول من شرحه الحافظ الخطّابي محمد بن سليمان بن محمد رحمه الله، وكذلك سنن أبي داوود شرحه الخطابي أيضا في كتاب معالم السنن، وكل من الكتابين مختصر جدا ومطبوع، بدأ العلماء يفرِّعون على هذه النواة الأولى شرح كل بحسب ما يفهم من الفقه على مذهبه، ولهذا تميَّز الحافظ بن حجر في كتابه فتح الباري بأنه جمع ما قاله العلماء في الحديث: سواء علماء اللغة أو علماء الإسناد أو علماء الفقه، فإذا مثلا جاءت كلمة في حديث رواه البخاري تجد أن هذه الكلمة يفسرها من تقدم بكلمة، هذه ليس معناها أنها مسلَّمة، تجد أن الخطابي قال هذه الكلمة معناها كذا؛ لكن عند ابن حجر تجد أنه توسَّع نقل عدة نقول عن السلف يعني السلف اللغويين.
مثلا أتينا إلى حديث أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب، طيب جزيرة العرب عند الحنابلة لها حد وعند الشافعية لها حد، وعند المالكية لها حد، عند علماء اللغة لها حد، اختلفوا فيها وطوَّلوا، يأتي شارح الحديث يقول جزيرة العرب هي كذا وكذا، فهل عند الباحث انتهى الحد عند هذه المسألة يعني خلاص، ذكر الشراح يقول ذكر الشراح أنها كذا يعني انتهى؟ لا؛ لأنه لابد البحث جزيرة العرب في أصل بحثها هل هو فقهي أم لغوي؟ لابد تسأل نفسك هذا السؤال، فإذا كان فقهيا المرجع عند أهل الفقه، وإذا كان لغويا فمرجعه عند أهل اللغة.
إذن أصل البحث هو بحث لغوي؛ يعني جزيرة العرب هذه كلمة موجودة معروفة عند العرب في استعمالاتهم وجاء استعمالها في النص في الأحاديث إلى آخره.
فإذن تعرف مأخذ هذا البحث الذي تبحثه، فيكون إذن كتاب شرح الحديث هو مثل الهادي لك لتعرف مداخل البحث، فإذا قرأت للشارح ونقل عن الفقهاء تذهب إلى كتب الفقهاء وتتوسع، نقل الشارح عن اللغويين تذهب إلى كتب اللغة وتتوسع، ثم بعد ذلك يكون العلم عندك ثريا متوسعا في هذه المسألة.
مثلا هذا حد جزيرة العرب في شرح المُفَضَّليات المعروف اختيارات المفضَّل ثَم فصل طويل جدا فصل فيه أقوال العلماء والأشعار وما يتعلق بذلك في حد جزيرة العرب، هذا بحث موجود في شرح من شروح أشعار العرب كتاب أدبي وهو متقدم في الزمان في القرن [الثالث] نقل عن الفقهاء ونقل عن التابعين عن الشعبي ونقل عن غيره في حد جزيرة العرب ونقل عن اللغويين وعن الأئمة وقول الإمام مالك إلى آخره.
فإذن ثم مصادر للبحوث موجودة في كتب الحديث، فطالب العلم إذا اقتصر في مسألة ما على ما هو موجود في كتب الشروح المتأخرة وقال خلاص هذه هي كلمة الفصل يضعف بقدر ذلك، طيب إذا كان العالم هو الذي استدلَّ بما هو موجود عند الحافظ، بما هو موجود عند النووي، فهذه لها مزيتها؛ لأن العالم الأصل فيه أنه اطلع على أشياء كثيرة جدا ثم اختار كلام الحافظ ابن حجر ثم اختار كلام النووي، فيكون هذا الاختيار دلَّ على أن هذا الكلام هو أحسن ما وجد، فإذا كان العلام متبحرا في العلم ثم اختار من كلام العلماء بعضه فيدل ذلك على نفاسة هذا الكلام وعلى أنه هو الصحيح عنده.
فإذن نأتي إلى مسائل الرجال يأتي باحث ويقول هذا الحديث إسناده حسن؛ لأن فيه فلان قال الحافظ ابن حجر فيه صدوق، هذا الكلام في الحقيقة لا معنى له، الحافظ ابن حجر ألف التقريب ليكون كاشفا معك في اليد في أسفارك؛ يعني تعرف تقريبه ليس الحكم على الرجل، نعم يدل هذا على أن الحكم هو اختيار الحافظ والحافظ حافظ وله جلالته في العلم؛ لكن المسألة لم تنته عند هذا الحد، لابد أن تتطلع على كلام الأئمة المتقدمين، من قال ثقة لماذا قال ثقة؟ ومن قال ضعيف لماذا قال؟ هل ضُعِّفَ مطلقا أو ضُعِّفَ في زمن دون زمن يعني اختلط أو في بلد دون بلد أو في حضرة كتبه أو في غير حضرة كتبه أو هل هو مقبول في كل العلوم؟ أو يعني ثَم أشياء كثيرة تأتي.
فإذن الباحث لابد أن يكون دقيقا وكلما صار أدق كلما صار أحرى بالصواب في العلم.
نأتي إلى المتأخرين في شروح الحديث خاصة علماء الهند، علماء الهند شرحوا البخاري [شرحوا مسلما] وشرحوا أبا داوود، وشرحوا جامع الترمذي، وشرحوا النسائي، وشرحوا ابن ماجه، شرحوا الجميع، ومسند الإمام أحمد شرحه الشيخ أحمد البنا رحمه الله، هذه الشروحات للأحاديث من أين استقيت؟ لابد للمؤلف مراجع، فإذا أراد الباحث أن يقتصر عليها فإنه يضعف بقدر ذلك، تبحث تكشف سريعا هذا حسن، لكن إذا أردت أن تبحث بحثا مدقق وتنشره ويكون لك فائدة بشيء تقتنع به لابد أن تتوسع في البحث مرة وتصل إلى أقصى الموجود، هذه الطبقة من الشروح تجد أن اعتمادهم على أربعة أنواع من الكتب:
• في اللغة اعتمدوا على القاموس دون غيره.
• وفي شروح الأحاديث اعتمدوا على شرح المشكاة الذي هو مرقاة المصابيح لعلي القاري وفتح الباري ونيل الأوطار، هذا الثاني.
• الثالث في نقلهم للمذاهب الفقهية اعتمد بعضهم على بعض، السلسلة تدور، هذا يأخذ من هذا، وهذا سبق هذا، وإلى آخره.
• الرابع في مسألة التحقيق والتحريم إذا قال الراجح فهو يرجِّح بحسب ما تاح له في ذلك الوقت بحسب وضعه، تارة تجد أنه يقول أن هذا واجب تارة يقول أنه مستحب، وكلما كان أقوى في الأصول وفي الاستدلال وفي الاجتهاد كلما كان نظره أدق، من لم يدرك علم الأصول مثل من أدرك علم أصول الفقه كالشوكاني، ليس بمنزلة من أدرك علم الإسناد والصحيح من الضعيف مثل من لم يدرك ذلك في الشروح.
فإذن ليس كل ما قيل في شروح الأحاديث هذه المتأخرة مسلم بل لابد للباحث لا يقتصر عليها ليصل إلى كلام المتقدمين.
أغرب من ذلك أن يقتصر الباحث على كلام بعض المعاصرين في نصوصهم، سواء في اللغة أو في العلوم المختلفة، لاشك أن هذا ضعف لأنه من حيث أخذوا فخذ، ومن حيث نقلوا فانقل، والحمد لله الآن ثورة علمية كبيرة بوجود هذه الكتب بينا، فلابد للباحث أن يصل إلى أوائل المسائل.
هذه الكلمات لعلها تفتح مجالا في إقبالة هذه الدروس على تنشيط كل واحد منكم وممن يسمع هذا الكلام في البحث، فطالب العلم ما يشتاق للعلم يتحرك فيتفاعل معه إلا بالبحث، لابد أن يقسم أمره على هذه الأقسام الثلاثة:
• لابد من طلب العلم على الأشياخ.
• لابد من المطالعة والقراءة لتستفيد.
• لابد من بحث مسائل تتنقح عندك وتتضح الصورة ويكون عندك شغف بالعلم.
وكلما كنت أرغب في البحث كلما كان رغبك في العلم وصلة بالكتب أعظم.
أسأل الله جل وعلا أن يقويني وإياكم في العلم والتحصيل، وأن يذكِّرنا منه ما نسينا إنه سبحانه جواد كريم.
أسأله جل وعلا أن يثبت العلم في قلوبنا، وأن يعلمنا ما جهلنا، وأن يذكِّرنا بالعلم والعمل جميعا وأن يختم لنا بالرضا إنه جواد كريم.
سبحانه نسأله وهو مجيب بدعوة الداعي إذا دعاه.
كما أسأله جل وعلا أن يبارك في أعمار علمائنا الذين عن طريقهم فهمنا العلم ونبت لنا أجنحة طرنا بها في سماء العلم، وأسأله سبحانه أن يرحم المتقدمين من علمائنا الذين أفادون بمصنفاتهم وبعلومهم فبيننا وبينهم سبب وثيق وصلة عظيمة ألا وهي صلة العلم ولهم منا الدعاء دائما: ربما اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

[الأسئلة]
س1/ نرى هناك من كبار علماء الإسلام في القديم والحديث من لهم قدم راسخة في العلم وقد فقدوا البصر منذ الصغر، فكيف حصلوا هذا العلم دون الإطلاع على الكتب؟
ج/ الجواب مختصر، المعروف الذي شرح الجلالين الشرح في فقه الشافعية كان في الليل كان أعمى البصر كان في الليل تقرأ له زوجته، لابد أن يقرأ عليه، الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله الجد ورفع درجته كان يقرأ عليه من الشباب الشيخ عبد العزيز بن مرشد كانا متزاملين يقرأ عليه الكتب، في دروسه يقرأ عليه خاصته من الطلبة يحضرون بعد العشاء هو يعرف مظان البحث؛ لأنه مر عليه كتب كثيرة يقول هات بالكتاب الفلاني ابحث فيه، فمن فقد البصر فبالعلم يكون من أولوا البصيرة فهم أولوا الأبصار إذا كانوا علماء.
س2/ ما صحة قوله صَلَّى الله عليه وسلم نهى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أن يبرك أحدكم كما يبرك البعير؟
ج/ هذا ليس على هذا اللفظ هو هذا الحديث مشهور معروف يعني مشهور التداول لا مشهور المعنى الاصطلاحي «لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير» هذا هو القدر المحفوظ، ثم اختلفت الرواية في بقية الحديث «وليضع يديه قبل ركبتيه» ورويت «وليضع ركبتيه قبل يديه» والعلماء اختلفوا أي هذه الروايات هو الصحيح.
والصواب عندي أن كل هذه الروايات فيها اضطراب لا يصح منها شيء؛ بل الزيادات هذه كلها مضطربة، والثابت «لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير»، وإذا تقرر ذلك فإن النهي في هذا الحديث عن مشابهة البعير في هيئة البروك، في هيئة البروك؛ لأنه نهى عن بروك كبروك البعير (لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير) فظاهر من الحديث أنَّ النهي عن أن يبرك المصلي بروكا كبروك البعير، وبروك البعير له هيئة، وهذه الهيئة قد تكون بتقديم اليدين على الركبتين، وقد تكون بتقديم الركبتين على اليدين.
والهيئة: أن يكون الأعلى المؤخرة، وأن يكون الرأس منخفضا.
هذه هي الهيئة المنهي عنها؛ يعني إذا سجد أحدكم فلا يبرك بروك البعير يعني لا يجعل رأسه منخفض يصل إلى الأرض هكذا مثل البعير إذا أراد أن يبرك ويبقى ظهره عالي؛ يعني هكذا هذه صفة بروك البعير، فيها إضرار بالمصلي.
وهذا داخل تحت قاعدة عامة وهي أن: المصلي لا يشابه الحيوانات ولا يماثلها في هيئة الصلاة.
فنهى عن إقعاء كإقعاء الكلب، وعن نقر كنقر الغراب، الغراب ينقر بإيش؟ ينقر بمنقاره، هل نقول إن المنقار هو الأنف هو أشبه شيء بالمنقار ونقول إن معناه أن لا يجعل أنفه على الأرض؟ لا، العلماء فهموا من نقرة الغراب هذه من السرعة، الغراب السرعة ويرفع رأسه، وافتراش الكلب وأشباه ذلك؛ يعني ينهى في هذا الحديث عن الهيئة.
والهيئة هذه قد تحصل بتقديم اليدين على الركبتين؛ يعني في ابن آدم، وقد تحصل بالعكس.
فإذن المقصود من السنة في ذلك أن لا تشابه البعير في هيئة البروك، إن قدمت يديك على رجليك ولم تشابه فالأمر واسع، وإن قدمت الركبتين ولم تشابه فالأمر واسع؛ لكن لا تشابه البعير في هيئة البروك.
لهذا ذكر الترمذي في جامعه حينما ساق الحديث قال: وقال بعض أهل العلم يقدم يديه على ركبتيه، وقال آخرون يقدم ركبتيه على يديه، والأمر في ذلك واسع عندنا. كأنه [أشار] إلى ما ذكرنا.
هناك بحث لغوي بحثه بعضهم هل ركبتا البعير في رجليه أم في يديه؟ وهذا في الحقيقة بحث مفيد لغوي؛ لكن هو خارج عن محل الفقه عند التدقيق؛ لأن المقصود الهيئة، الرُّكَب إذا كانت في يدي البعير أو كانت في رجليه هيئة البعير واحدة وهو أن الرأس منخفض والأعلى مرتفع.
س3/ قول ونسأله عن سؤال عن حديث أخرجه الحاكم في مستدركه وصححه الألباني وهو في ما معناه إن القرآن يأتي يوم القيامة ويقول لصاحبه مخاطبا له يا ربّ ألبسه به حلة في الآخرة.
ج/ الحديث صحيح وله شواهد متعددة في معناه.
ويسأل هل هذا يدل على أن القرآن مخلوق؟
والجواب أن هذا لا يدل على أن القرآن مخلوق إن الله جل وعلا يجعل القرآن ممثلا في هذا الشيء، وهذا ليس المقصود منه إن القرآن مخلوق وأنه يتكلم لأنه مخلوق وبمثل هذا احتج المعتزلة بمثل هذا الحديث والحديث الآخر «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه تقدمه سورة البقرة وآل عمران كأنهما غيايتان أو غيابتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما» هذه الحاجة هذه بلسان المقال لكن الله جل وعلا يجعل القرآن كذلك يعني عمل صاحب القرآن تلاوة صاحب القرآن يجعلها كذلك، مثل العمل الصالح يأتي الإنسان في قبره، لهذا له نظائر، مثل الوزن العمل الصالح يوزن في الميزان.
س4/ هل معنى الإطلاع على الكتاب قراءته كلِّه أم معرفة منهج المؤلف فيه؟
ج/ قراءة كل كتاب صعب؛ لكن تعرف الكتاب إيش فيه، تعرف منهج المؤلف، تعرف البحوث التي فيه، بحث بحوثه متميزة غير متميزة، إذا كان كتاب في الفقه من أين درسه هو، هل هو متأخر متوسط متقدم، هذا من شروح الأحاديث هل هو مطول يطول في الأمثلة ما يطول، هل هو يميل إلى العقليات يعني تعرف منهج المؤلف.
س5/ كيف يجمع طالب العلم بين فهم وإدراك أصول العلوم وهي فيما يبدو أنها كثيرة ومتشعبة ومعظمها اجتهادات كتّاب وبين العلوم، نرجو ذكر النمرة المرجوة؟
ج/ لاشك أن طالب العلم يتجه إلى العلوم نفسها، لكن إن كان عنده قدرة للبحث، البحث على ما ذكرنا والذي ذكرناه على هذا التوسع لا يناسب الأكثرين لكن لابد من ومعرفتها، المقصود العلم نفسه كما عند الإنسان قدرة على البحث ليس معناه أن البحث فرض؛ لكن البحث مساعد إن استطاعه أو يجاوزه إلى ما يستطيعه.
س6/ كيف السبيل إلى العلم الذي يورث الخشية من الله عز وجل؟
ج/ لقد سألت عن عظيم العلم الموروث عن المصطفى عليه الصلاة والسلام يورث الخشية كما قال جل وعلا ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾[فاطر:28]، فمن أخذ العلم الموروث عن النبي عليه الصلاة والسلام وهو العلم بالقرآن وبحديثه عليه الصلاة والسلام وتأمَّل في ذلك فإنه يورثه الخشية، فقد قال بعض السلف: طلبينا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله. يعني طلبناه في زحمة الشباب والتنافس ثم لما طلبوه وعلِمُوا ما أنزل الله جل وعلا على رسوله وعلموا ميراث المصطفى عليه الصلاة والسلام الذي هو العلم جاءتهم الخشية، وجاءهم الإخلاص وجاءهم الإخبات، وهذا معنى قول آخر: طلبنا العلم وليس لنا فيه نية ثم جاءت النية بعد، والنية والإخلاص هي أن يرفع الجهل عن نفسه، رفع الجهل بحق الله جل وعلا أو الجهل بسنة النبي عليه الصلاة والسلام أو الجهل بكيفية عبادته ربه جل وعلا، إذا نويت وقصدت رفع الجهل عن نفسك فهذا هو معنى الإخلاص في العلم، معنى النية «إنما الأعمال بالنيات» النية الصالحة في العلم أن تنوي رفع الجهل عن نفسك، لا تريد الترفع زيادة المعارف، تنوي به الشهادة، تنوي به الوظيفة، هذه كلها نيات للدنيا، النية الصالحة تنوي رفع الجهل عن نفسك، فإذا آنست من نفسك رشدا وأنك ستحصل إن شاء الله فتنوي مع ذلك رفع الجهل عن غيرك، وبثّ ميراث النبي عليه الصلاة والسلام وتبليغ العلم؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قال بلغوا عني ولو آية، فرُبَّ مبلغ أوعى له من سامع وقال أيضا عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داوود وغيره «نضر الله أمرؤا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى له من سامع» وهو حديث صحيح، وهكذا فإذن النية الصالحة لطلب العلم أن ينوي المرء رفع الجهل عن غيره، أهله في البيت الذين يخالطونه، ولذلك العالم يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في جوف الماء، لم؟ لأنه لا يتصرف إلا بعلم إن أصاب بعلم وإن خالف فهو يخالف بعلم، يعرف معنى الاستغفار إذا استغفر، ويعرف معنى الطاعة إذا أطاع والصواب في هذا وهذا، ولذلك أكثر الناس خشية العلماء، جعلني الله وأياكم منهم ووقانا شرور أنفسنا وسيئات أعملنا.
س7/ رجل توضأ وأكل طعاما ثم صلى المغرب، ولما حان وقت صلاة العشاء تبين أن في الطعام الذي أكله لحم إبل فما ذا عليه؟
ج/ يعني صلى المغرب وهو قد أكل لحم إبل يتوضأ ويعيد الصلاة؛ لأن لحم الإبل ناقض من نواقض الوضوء على الصحيح لقوله عليه الصلاة والسلام «من أكل لحم جزور فليتوضأ».
وهل يلزم السؤال عن نوع اللحم قبل الأكل منه؟
إذا شك يسال والمرء إذا كان حَاطِتْ للناس لحم إبل يقول لهم بطريقة مهذبة؛ فيقول لهم لحم الإبل مفيد فقدمناه لكم وأشباه ذلك.
س8/ هل يدخل من فاتته الصلاة مع من يقضي أو من يصلي النافلة؟
ج/ من فاتته الصلاة يصلي وحده، أو يتصدق عليه أحد فيصلي معه، فإن صلى مع من يصلي النافلة أو مع من يقضي ممن لم ينوي الإمامة فالصلاة صحيحة؛ لكن تركها أولى لعدم مجيئها في السنة.
نكتفي بهذا القدر، ونلتقي إن شاء الله الأسبوع القادم، والدروس إن شاء الله تبدأ والخميس بعد الفجر عندنا، والسبت إن شاء الله نبتدئ في الطحاوية وفقني الله وإياكم لما فيه رضاه.

أعدّ هذه المادة: سالم الجزائري.



توقيع أم خــالد
قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ: "اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام
إلا كلاماً ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في مصلحة، فالسنة الإمساك عنه
لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء.
************
قيل للإمام مالك رحمه الله: ما تقول في طلب العلم؟ قال: حسن جميل..
ولكن انظر إلى الذي يلزمك من حين تصبح إلى حين تمسي فالزمه.

أم خــالد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس