عرض مشاركة واحدة
قديم 30-07-10, 11:26 PM   #9
طالبة الرضوان
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي الإنــــابـــــة

بســم اللــه الــرحـمــن الـرحــيـم


قــلـــــــــوبـــ الصـائــمــيـن


فـضـــيلـــة الشــيـــخ ســعـــد ابــن ناصــــــر الشــثــري


الإنــــابـــــة



نحمد الله بقلوبنا ،وننيب إليه بأفئدتنا ..ونصلّي ونسّلم على رسول الله المنيب إلى ربه...

أما بعد..

فإن من عبادات القلوب ، الإنابة إلى علاّم الغيوب،

و الإنابة إقبال القلب على الله عزّ وجلّ وحده ، وانجذاب دواعي القلب لمراضي الله .

قال قتادة :{ المنيب هو التائب المقبل على الله} ،

وقال ابن زيد:{ الإنابة هي الرجوع إلى الطاعة والنزوع عمّا يُضادّها من معاصي الله}.

ومن أنواع العبادة .. الإنابة وهي التوجه إلى الله ،وهي التوبة النصوح ، وهي الرجوع إلى الله تعالى ، وفي المسند من حديث جابر رضي الله عنه مرفوعا :{ لا تمنوا الموت ، فإن هول المطلع شديد ، وإن من السعادة أن يطول عمر العبد ويرزقه الله الإنابة}.

إنابة أولياء الله .. هي إنابة لإلهيته ، إنابة عبودية ومحبة ، وتتضمن أربعة أمور :

·محبة الله .

·والخضوع له .

·والإقبال عليه .

·والإعراض عمّا سواه .

فلا يستحق اسم المنيب الا من اجتمعت فيه هذه الأربع الخلال .

الإنابة .. هي عكوف القلب على الله عزّ وجل ، كاعتكاف البدن في المسجد لا يفارقه ، وحقيقة ذلك .. عكوف القلب على محبة الله ، وعلى ذكره بالإجلال والتعظيم له ، مع عكوف الجوارح على طاعته بالإخلاص له والمتابعة .

كثيرا ً ما يتكرر في القرآن ذكر الإنابة والأمر بها ، والإنابة هي الرجوع إلى الله ، وانصراف دواعي القلب ودواعيه إليه ، وهي تتضمن المحبة والخشية ، فإن المنيب محباً لمن أناب إليه .. خاضع إليه ، خاضع له ، خاشع ذليل.

وقد أمر الله عزّ وجل بالإنابة ..وحثّ عليها ، كما قال سبحانه ) وأنِيبُوا إلىَ رَبِّكُم وَأسلِمُوا لَه مِن قَبلِ أن يَأتِيَكُمُ العَذاب ثُمَّ لا تُنصَرُون (.

الإنابة إلى الله : صفة أولياء الله وأنبياءه وأصفياءه ..قال تعالى)إنَّ إبرَاهِيمَ لَحَلِيم ٌأوّاهٌ مُنِيب ( ،)وَقَالَ شُعَيب إن أُرِيدُ الا الإصلاحَ مَا استَطَعت ومَا تَوفِيقِي الا بِالله عَلَيهِ تَوكلّتُ وإليهِ أُنِيب (.

الإنابة إلى الله : سبب من أسباب صفاء الذهن , وقدرته على الاعتبار والتفكّر ، فإن الله تعالى لما ذكر الآيات الكونية في سورة ق ، ذكر منها ) أفَلَم يَنظُرُوا إلىَ السَمَاءِ كَيفَ بَنينَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوج ( إلى قوله سبحانه )تبصِرَة ً وذِكرَى لكلِّ عَبدٍ مُنِيب ( ، فالعبد المنيب ينفعه الله ـ جلّ وعلا ـ بالذكرى ، وقال سبحانه ) هُوَ الذِي يُرِيِكُم آياتِهِِ وَيُنَزّلُ لَكُم مِن السَمَاء ِرِزقَا وَمَا يَتَذَكّرُ إلا مَن يُنِيب ( ، وقال) أفَلَم يَرَوا إلى مَا بَينَ أيدِيهِم وَمَا خَلفَهُم مِنَ السَمَاء ِوالأرض إن نَشَاء نَخسِف بهُمُ الأرض أو نُسقِط عَلَيهِم كِسَفَاً مِنَ السَمَاء ِإنَّ في ذَلِكَ لآيةً لِكلِّ عَبدٍ مُنِيب(.

الإنابة إلى الله : من أسباب دخول الجنّة ، قال تعالى) وأُزلِفَتِ الجَنّةُ لِلمُتقِينَ غَيرَ بَعِيد* هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُل ِأوَّابٍ حَفِيظ* مَن خَشِيَ الرَّحمَنَ بِالغَيبِ وَجَاءَ بِقَلبٍ مُنيِب* ادخُلُوهَا بِسَلام ٍذَلِكَ يَومُ الخُلُود (.

الإنابة إلى الله .. سبب للهداية ..وطريق من طرق الاستقامة ..قال تعالى) قل إن الله يُظّلُ مَن يَشَاء ويَهدِي إليهِ مَن أَنَاب (، وقال سبحانه)اللهُ يَجتَبِي إليهِ مَن يَشَاء وَيهدِي إليهِ مَن يُنيِب (.

صلاح القلب وفلاحه وسعادته معلّق بالإنابة إلى الله ..الإنابة إلى الله ، سبب لخيري الدنيا و الآخرة ، وقد بشّر الله تعالى أصحاب الإنابة فقال سبحانه ) والّذينَ اجتَنَبُوا الطَاغُوتَ أن يَعبُدُوهَا وَأنَابُوا إلى الله لَهُم ُالبُشرَى فَبَشّر عِبَاد (.

وقد ذكر الله في كتابه العظيم في غير موضع ، أن من تمام نعمة الله على عباده المؤمنين .. أن ينزل بهم الشدّة والضر مما يلجأهم إلى توحيده ، فيدعون الله مخلصين له الدين ، ويرجون الله ـ جلَّ وعلا ـ لا يرجون أحداً سواه ، وتتعلق قلوبهم بالله وحده لا بغيره ، وحينئذ ٍ ، يحصل لهم من التوكل عليه ، ومن الإنابة إليه ، ومن حلاوة الإيمان وذوق طعمه ، والبراءة من الشرك ما هو أعظم نعمة عليهم من زوال المرض أو الخوف أو الجذب ، أو حصول اليسر وزوال العسر في المعيشة ، فإن تلك الأمور لذّات بدنية ، ونعم دنيوية قد يحصل للكافر منها ، أعظم مما يحصل للمؤمن .

وأما ما يحصل لأهل التوحيد المخلصين في دينهم ، فأعظم من أن يتمكن مرء من الحديث عن وصفه ، أو أن يعبّر عن كنهه مقال ، أو يستحضر تفصيله بال ، وكل مؤمن له من ذلك نصيب بقدر إيمانه .

وأصل الإنابة .. محبة القلب وخضوعه وذله للمحبوب المراد .. وكمال الإنابة يكون بالفرح والسرور بالقرب منه جلّ وعلا .

الإنابة إلى الله من أحب أنواع العبودية لله .. وإنما تتحقق الإنابة إلى الله ببذل النفس لله.. وتقديم محبة الله على كل ما سواه .

والعلم يورث الخشية ..والزهد يورث الراحة ..والمعرفة تورث الإنابة ..

ومن أعظم أسباب انشراح الصدر..أن ينيب العبد إلى ربه سبحانه وتعالى ، وأن يقبل عليه ، فحينئذٍ لا شيء أشرح لصدر العبد من ذلك .

والناس في إنابتهم إلى الله على درجات متفاوتة ...* فمنهم المنيب إلى الله بالرجوع إليه من المخالفات والمعاصي ، وهذه الإنابة مصدرها مطالعات الوعيد .. والحامل عليها العلم والخشية والحذر.

*ومن الناس من يكون منيبا إلى الله بالدخول في أنواع العبادات والقربات.. فهو ساع ٍ فيها بجهده ، قد حبب إليه فعل الطاعات وأنواع القربات ، وهذه الإنابة مصدرها الرجاء ومطالعة الوعد ..ومصدرها استحضار الإنسان للثواب ، ومحبة الكرامة من الله ، وهذا القسم ابسط نفوساً من أهل القسم الأول ، وأشرح صدورا .. وجانب الرجاء ومطالعة الرحمة والمنّة أغلب عليهم ، و الا فكلّ واحد من الفريقين منيب بالأمرين جميعا .

*ومن العباد من يكون منيب إلى الله بالتضرع والدعاء والافتقار إلى الله ، والرغبة إليه سبحانه ، وسؤال الحاجات كلها منه .. ومصدر هذه الإنابة هو شهود الفضل والمنّة والغنى التام والكرم والقدرة الكاملة .

فمن كان عارفاً بأن الله ـ جلَّ وعلا ـ متصف بذلك ، فإنه سينزل بالله حوائجه ، ويعلّق به آماله ، فإنابة هذا القسم من هذه الجهة مع قيامهم بالأمر .

ولكن إنابتهم من هذه الجهة قاصرة ،لأن الإنابة ينبغي أن تكون من جهة الخوف ، و من جهة الرجاء ، ومن جهة التضرع ، ومن جهة المحبة .

ولذلك فإن من ينيب إلى الله في وقت الشدائد .. فإنه لم يرزق الإنابة الخاصة ..وحينئذٍ تكون إنابة هذا القسم إنابة اضطرار لا اختيار .

* وأما أعلى أنواع الإنابة ..فإنابة الروح بجملتها إلى الله في جميع الأوقات ، بحيث يكون العبد دائم الاتصال بالله ، دائم الرجوع إليه سبحانه ..اعترافاً بنعمه ، وأملاً في فضله ،وخوفاً من عقابه ، ورجاءاً لكرمه ، مع تضرعه بإزالة ما يحصل لديه من المصائب ، ومن أنواع المكروهات ..



أسأل الله جلَّ وعلا أن يجعلنا و إياكم منيبين إليه سبحانه .. ممن يستحضر نعمة الله عليه ..ويستحضر قدرة الله عليه في جميع أوقاته .

هذا والله أعلم .. وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..



توقيع طالبة الرضوان
سبحان الله،والحمد لله،ولا إله إلا الله،والله أكبر ..
طالبة الرضوان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس