تدبر القرآن .. لماذا .. وكيف ؟
تدبر القرآن .. لماذا .. وكيف ؟
************************
القرآن هادي البشرية ومرشدها ونور الحياة ودستورها ، ما من شيء يحتاجه البشر إلا وبيَّنه الله فيه نصاً أو إشارة أو إيماءاً ، عَلِمه مَنْ عَلِمه ، وجهله من جهله .
ولذا اعتنى به صَحْبُ الرسول صلى الله عليه وسلم وتابعوهم تلاوة وحفظاًوفهماً وتدبراً وعملاً . وعلى ذلك سار سائر السلف . ومع ضعف الأمة في عصورها المتأخرة تراجع الاهتمام بالقرآن وانحسر حتى اقتصر الأمر عند غالب المسلمين على حفظه وتجويده وتلاوته فقط بلا تدبر ولا فهم لمعانيه ومراداته ،
وترتب على ذلك ترك العمل به أو التقصير في ذلك ، ( وقد أنزل الله القرآن وأمرنابتدبره ، وتكفل لنا بحفظه ، فانشغلنا بحفظه وتركنا تدبره )
وليس المقصود الدعوة لترك حفظه وتلاوته وتجويده ؛ ففي ذلك أجر كبير ؛لكن المراد التوازن بين الحفظ والتلاوة والتجويد من جهة وبين الفهم والتدبر . ومن ثم العمل به من جهة أخرى كما كان عليه سلفنا الصالح - رحمهم الله تعالى - .
ولذا فهذه بعض الإشارات الدالة على أهمية التدبر في ضوء الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح .
أما التدبر فهو كما قال ابن القيم : ( تحديق ناظر القلب إلى معانيه ، وجمع الفكر على تدبره وتعقله )
وقيل في معناه : ( هو التفكر الشامل الواصل إلى أواخر دلالات الكلم ومراميها البعيدة )
أولاً : منزلة التدبر في القرآن الكريم :
*************************
1- قال الله - تعالى - : " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكرأولوا الألباب " ص : 29]
في هذه الآية بين الله - تعالى - أن الغرض الأساس من إنزال القرآن هو التدبر والتذكر لا مجردالتلاوة على عظم أجرها .
قال الحسن البصري : ( والله ! ما تدبُّره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده حتىإن أحدهم ليقول : قرأت القرآن كله ، ما يُرى له القرآنُ في خُلُق ولا عمل ) .
2- قال - تعالى - :" أفلا يتدبرون القرآن .... " النساء : 82] .
قال ابن كثير : ( يقول الله تعالى آمراً عباده بتدبر القرآن وناهياً لهم عن الإعراض عنه وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة : أفلا يتدبرون القرآن ) ، فهذا أمر صريح بالتدبر والأمر للوجوب .
3- قال - تعالى - : " الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به"[البقرة : 121] .
روى ابن كثير عن ابن مسعود قال : ( والذي نفسي بيده ! إن حق تلاوته أن يحل حلاله ويحرم حرامه ويقرأه كما أنزله الله ) .
وقال الشوكاني : ( يتلونه : يعملون بما فيه ) ولا يكون العمل به إلا بعد العلم والتدبر .
4 - قال - تعالى - : " ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون " [البقرة : 78] .
قال الشوكاني : ( وقيل : (الأماني : التلاوة) أي : لا علم لهم إلا مجرد التلاوة دون تفهم وتدبر ) ، وقال ابن القيم : ( ذم الله المحرفين لكتابه والأميين الذين لايعلمون منه إلا مجرد التلاوة وهي الأماني ) .
5 - قال الله - تعالى - : " وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذاالقرآن مهجورا" [الفرقان : 30] .
قال ابن كثير : ( وترك تدبره وتفهمه من هجرانه ) .
وقال ابن القيم : ( هجر القرآن أنواع ... الرابع : هجر تدبره وتفهمه ومعرفةما أراد المتكلم به منه ) .
ثانياً : ما ورد في السنة في مسألة التدبر :
***************************
1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلانزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده ) .
فالسكينة والرحمة والذكر مقابل التلاوة المقرونة بالدراسة والتدبر .أما واقعنا فهو تطبيق جزء من الحديث وهو التلاوة أما الدراسة والتدبر فهي- في نظر بعضنا - تؤخر الحفظ وتقلل من عدد الحروف المقروءة فلا داعي لها .
2 - روى حذيفة - رضي الله عنه - : ( أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فكان يقرأ مترسلاً إذا مر بآية فيها تسبيح سبح ، وإذا مر بسؤال سأل ، وإذا مر بتعوذ تعوذ ) .فهذا تطبيق نبوي عملي للتدبر ظهر أثره بالتسبيح والسؤال والتعوذ .
3 - عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسجد بها : " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " ) [المائدة : 118] .فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم التدبر على كثرة التلاوة ، فيقرأ آيةواحدة فقط في ليلة كاملة .
4 - عن ابن مسعود قال : ( كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن )
فهكذا كان منهج النبي صلى الله عليه وسلم في تعليم الصحابة القرآن : تلازم العلم والمعنى والعمل ؛ فلا علم جديد إلا بعد فهم السابق والعمل به .
5 - لما راجع عبد الله بن عمرو بن العاص النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن لم يأذن له في أقل من ثلاث ليالٍ وقال : ( لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث ) فدل على أن فقه القرآن وفهمه هو المقصود بتلاوته لا مجرد التلاوة .
6 - وفي الموطأ عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس صلاة يجهر فيها فأسقط آية فقال : يا فلان ! هل أسقطتةفي هذه السورة من شيء ؟ قال : لا أدري . ثم سأل آخر واثنين وثلاثة كلهم يقول :لا أدري ، حتى قال : ما بال أقوام يتلى عليهم كتاب الله فما يدرون ما تلي منه مماترك ؟ هكذا خرجت عظمة الله من قلوب بني إسرائيل فشهدت أبدانهم وغابت
قلوبهم ؛ ولا يقبل الله من عبد حتى يشهد بقلبه مع بدنه ) .
|