الموضوع: مشكلة
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-08-15, 11:52 AM   #2
إشراف الأقسام العامة
|تواصي بالحق والصبر|
 
تاريخ التسجيل: 19-09-2006
المشاركات: 924
إشراف الأقسام العامة is on a distinguished road
افتراضي

جواب الشيخ عبد السلام الحصين:

وعليك السلام ورحمة الله وبركاته
فإن الموازين التي توزن بها الأمور في هذه الحياة تختلف، بحسب اختلاف الثقافات، والعادات، والأديان، والاعتقادات، والاهتمامات.
ولنضرب لذلك مثلا بما ذكره الله عن قوم نوح، من أنهم استنكفوا من اتباع نوح؛ لأن الذين آمنوا به فقراء أراذل، ليس لهم رأي يسمع له.
وهذا التفكير منعهم من النظر إلى حقيقة الدعوة، وما توصل إليه، ومنعهم من النظر في الدلائل الحقيقية، وانشغلوا بهذه المشكلة، وصارت في أذهانهم أكبر من قضيته التي يدعو إليها.
ومثله ما حصل لقوم صالح، حيث قال الملأ الذين استكبروا من قومه لمن استضعف منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه، قالوا: إنا بما أرسل به مؤمنون، فما كان جواب المستكبرين إلا: إنا الذي آمنتم به كافرون، فكان كفرهم بسبب أنهم آمنوا به، لا لكونه غير مرسل، ولا لكون ما يدعو إليه ليس بصحيح، ولا لأن الدلائل تدل على عدم صحة قوله.
هذه النظرة السطحية للأمور، والتي تشكل رأي الإنسان في قضايا مصيرية، من الممكن أن تكون سبب هلاكه.
والعاقل ينظر إلى المشكلة من جهات مختلفة، ويزنها بجميع الأوزان الصحيحة، ثم يرى بعد ذلك أي شيء هو أرجح، من حيث قوة الدلائل على حقيقة الشيء، ومن حيث الآثار.
والقرآن يهدي في هذا الباب لأكمل الطرق وأحسنها، فهو يأمر بأن يتفكر الإنسان في حقيقة الشيء قبل المبادرة إلى إنكاره، {قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا}، وأن لا يكثر من الجدال حول الشيء الذي استبانت الدلائل على صحته، وأنه حق لا مرية فيه، {يجادلونك في الحق بعدما تبين}، وأن يكون نظره إلى الآثار المترتبة على الشيء داخلا في المؤثرات على حكمه {أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم}.
والقرآن العظيم مع كونه حق لا مرية فيه، وصدق لا شك فيه، إلا أنه يأمرنا بأن لا نقبل منه شيئًا إلا وقد استبان لنا وجه الحسن فيه، فقال تعالى: {فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه}، ولا شك أنهم لم يتبعوا الأحسن إلا بعد فهمه، ومعرفة أنه حسن.
والمؤمن حين يقبل كل شيء عن ربه، فهو يقبل عن بصيرة وهدى، لا عن ضلالة وعمى؛ لأنه يعلم أن ربه حكيم عليم، وله درجة الكمال في الحكمة والعلم، فمقتضى هذين الاسمين العظيمين ألا يكون ما صدر عن الرب جل وعلا إلا هو عين الحكمة والعلم.
وإذا علم المؤمن أن ربه رحيم رؤوف ودود، وله درجة الكمال في ذلك كله، فإنه سيقطع يقينًا أن كل قضاء قضاه هو تمام الرحمة والرأفة والود.
ومع هذا الإيمان المطلق إلا أنه سبحانه وبحمده يأمرنا بأن نبذل الأسباب المادية، ويأمرنا مع ذلك أن نتوكل عليه، ثم نرضى بقسمه وحكمه.
قال عليه الصلاة والسلام: ((احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، فإن أصابك شيء فلا تقل: لو كان كذا لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل)).
وحين نحاول أن ننظر إلى حالتك مع أختك: فأظن أن الموازين المادية كان لها أثر كبير في هذه المشكلة التي تعيشينها، فانحصر نظرك في المتقدم إلى منصب الزوج، ومكانته الاجتماعية، وانحصر نظرك في نفسك إلى جمالك.
ولو وسعنا الدائرة قليلا، ونظرنا بمنظار الشرع والواقع، ومنظار القدر، لكان الأمر مختلفًا نوعا ما.
فمنظار الشرع يقتضي أن يكون النظر في القبول للمتقدم: هو الخلق والدين، وفي الرد هو انعدام هذين.
وهنا ينبه الإسلام إلى أن هذه النظرة الشرعية لا تعني إلغاء بقية الأمور الأخرى، ولا يثرب الشرع على المرأة أن ترد الرجل لكراهية شكله، أو قلة ماله، ولكنه ينبه إلى أن هذه الأمور هي في الغالب وقتية، ومعرضة للزوال، وأما الدين والخلق فهي صفات ثابتة في الغالب.
كما أن آثار الدين والخلق على النفس، والبدن، والولد أعظم بكثير من آثار جمال المظهر، وكثرة المال,
وكم من أناس يمتكلون هذين العنصرين -الجمال، والمال- وهم من أشقى خلق الله بهما.
ومنظار الواقع يقتضي أن يكون الحكم على الزواج بالنظر إلى آثاره المختلفة، من حيث صفات المتقدم من جميع المؤثرات الأخرى، وصفاتكما أيضًا.
زوج أختك مثلا مهندس، وابوه في المباحث: ما ذا يعني هذا غير المنصب، ووفرة المال؟
ماذا عن خلقه؟ ماذا عن حسن تعامله مع الناس؟ ماذا عن تربيته؟ ماذا عن قدرته على مواجهة المشاكل الزوجية؟ ماذا عن كرمه وإنفاقه؟ ماذا عن علاقته بالنساء....إلى آخر القائمة الطويلة؟
وماذا عن أهله؟ وكيف هي أخلاقهم، وطبيعة تعاملهم مع غيرهم؟
ويقال مثل هذا عن المتقدم لك.
وأنا هنا لن أعطيك قرارا بالقبول أو عدمه، ولكني أفتح لك مجال التفكير في مؤثرات أخرى كثيرة، يبنى عليها القرار.
وأما نظر القدر؛ فإني أخشى أن يكون تصرفك من الحسد المذموم، ومن كراهية قدر الله تبارك وتعالى، ومن الظن بالله الظن السيء، حيث أرسل لك الدنيء، وخص غيرك بالرفيع!!!
في اعتقادي أن تغيير بوصلة التفكير، سوف تساعدك في حل هذه المشكلة.
وفقك الله لكل خير، وأعانك على كل بر، وهداك لما فيه صلاح دينك ودنياك.
إشراف الأقسام العامة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس