عرض مشاركة واحدة
قديم 07-10-10, 08:03 PM   #7
لآلئ الدعوة
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

الفصل التاسع

النظرية المادية للحياة ومفاسد هذه النظرية
هناك نظرتان للحياة، نظرة مادية للحياة ونظرة صحيحة، ولكل من النظرتين آثارها.
أ- فالنظرة المادية للحياة معناها:
أن يكون تفكير الإنسان مقصورا في تحصيل ملذاته العاجلة ويكون عمله محصورا في نطاق ذلك، فلا يتجاوز تفكيره ما وراء ذلك من العواقب ولا يعمل له ولا يهتم بشأنه ولا يعلم أن الله جعل هذه الحياة الدنيا مزرعة للآخرة، فجعل الدنيا دار عمل وجعل الآخرة دار جزاء. فمن استغل دنياه بالعمل الصالح ربح الدارين ومن ضيع دنياه ضاعت آخرته: (خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين)
فالله لم يخلق هذه الدنيا عبثا بل خلقها لحكمة عظيمة، قال تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) وقال تعالى: (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا).
أوجد سبحانه في هذه الحياة من المتع العاجلة والزينة الظاهرة من الأموال والأولاد والجاه والسلطان وسائر المستلذات مالا يعلمه إلا الله.
فمن الناس- وهم الأكثر- من قصر نظره على ظاهرها ومفاتنها ومتع نفسه بها ولم يتأمل في سرها، فانشغل بتحصيلها وجمعها والتمتع بها عن العمل لما بعدها. بل أنكر أن يكون هناك حياة غيرها كما قال تعالى (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين). وقد توعد الله تعالى من هذه نظرته للحياة فقال تعالى: (إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون . أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون)
وقال تعالى: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون . أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون).
وهذا الوعيد يشمل أصحاب هذه النظرة سواء كانوا من الذين يعملون عمل الآخرة يريدون به الحياة الدنيا كالمنافقين والمرائين بأعمالهم أو كانوا من الكفار الذين لا يؤمنون ببعث ولا حساب كحال أهل الجاهلية والمذاهب الهدامة من رأسمالية وشيوعية وعلمانية إلحادية، وأولئك لم يعرفوا قدر الحياة ولا تعدو نظرتهم لها أن تكون كنظرة البهائم. بل هم أضل سبيلا، لأنهم ألغوا عقولهم وسخروا طاقاتهم وضيعوا أوقاتهم فيما لا يبقى لهم ولا يبقون له، ولم يعملوا لمصيرهم الذي ينتظرهم ولابد لهم منه.
والبهائم ليس لها مصير ينتظرها وليس لها عقول تفكر بها بخلاف أولئك، ولهذا يقول تعالى فيهم:(أم تحب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا)
وقد وصف الله أهل هذه النظرة بعدم العلم قال تعالى:(ولكن أكثر الناس لا يعلمون . يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) فهم وان كانوا أهل خبرة في المخترعات والصناعات فهم جهال لا يستحقون أن يوصفوا بالعلم لأن علمهم لم يتجاوز ظاهر الحياة الدنيا. وهذا علم ناقص لا يستحق أصحابه أن يطلق عليهم هذا الوصف الشريف فيقال العلماء، وإنما يطلق هذا على أهل معرفة الله وخشيته، كما قال تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)
ومن النظرة المادية للحياة الدنيا ما ذكره الله في قصة قارون وما آتاه الله من الكنوز:
(فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لما مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم)
فتمنوا مثله وغبطوه ووصفوه بالحظ العظيم بناء على نظرتهم المادية، وهذا كما هو الحال الآن في الدول الكافرة وما عندها من تقدم صناعي واقتصادي فان ضعاف الإيمان من المسلمين ينظرون إليهم نظرة إعجاب دون نظر إلى ما هم عليه من الكفر وما ينتظرهم من سوء المصير فتبعثهم هذه النظرة الخاطئة إلى تعظيم الكفار واحترامهم في نفوسهم والتشبه بهم في أخلاقهم وعاداتهم السيئة، ولم يقلدوهم في الجد وإعداد القوة والشيء النافع من المخترعات والصناعات.
ب- النظرة الثانية للحياة ـ النظرة الصحيحة:
وهي أن يعتبر الإنسان ما في هذه الحياة من مال وسلطان وقوى مادية وسيلة يستعان بها لعمل الآخرة.
فالدنيا في الحقيقة لا تذم لذاتها، وإنما يتوجه المدح والذم إلى فعل العبد فيها فهي قنطرة ومعبر للآخرة ومنها زاد الجنة. وخير عيش يناله أهل الجنة إنما حصل لهم بما زرعوه في الدنيا. فهي دار الجهاد والصلاة والصيام والإنفاق في سبيل الله ومضمار التسابق إلى الخيرات. يقول الله تعالى لأهل الجنة: (كلوا واشربوا هنيئا بما اسلفتم في الأيام الخالية) يعني الدنيا.
الفصل العاشر
في الرقى والتمائم
1ـ الرقى
جمع رقية وهي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة كالحمى والصرع وغير ذلك من الآفات ويسمونها العزائم وهي على نوعين:
النوع الأول: ما كان خاليا من الشرك بأن يُقرأ على المريض شيء من القرآن أو يعوذ بأسماء الله وصفاته فهذا مباح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رقى وأمر بالرقية وأجازها، فعن عوف ابن مالك قال: كنا نرقى في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: "اعرضوا على رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا". قال السيوطي: وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن تكون بكلام الله أو بأسماء الله وصفاته. وأن تكون باللسان العربي وما يعرف معناه، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها. بل بتقدير الله تعالى [فتح المجيد 135]. وكيفيتها: أن يقرأ وينفث عل المريض، أو يقرأ في ماء ويسقاه المريض، كما جاء في حديث ثابت بن قيس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ ترابا من بطحان فجعله في قدح ثم نفث عليه بماء وصبه عليه).
النوع الثاني: ما لم يخل من الشرك وهي الرقى التي يستعان فيها بغير الله من دعاء غير الله والاستغاثة والاستعاذة به، كالرقى بأسماء الجن أو بأسماء الملائكة والأنبياء والصالحين.
فهذا دعاء لغير الله وهو شرك أكبر. أو يكون بغير اللسان العربي أو بما لا يعرف معناه لأنه يخشى أن يدخلها كفر أو شرك ولا يعلم عنه فهذا النوع من الرقية ممنوع.
2ـ التمائم
وهي جمع تميمة وهي: ما يعلق بأعناق الصبيان لدفع العين وقد يعلق على الكبار من الرجال والنساء وهو على نوعين:
النوع الأول هن التمائم:
ما كان من القرآن- بأن يكتب آيات من القرآن، أو من أسماء الله وصفاته ويعلقها للاستشفاء بها فهذا النوع قد اختلف العلماء في حكم تعليقه على قولين:
القول الأول: الجواز وهو قول عبد الله بن عمر بن العاص وهو ظاهر ما روي عن عائشة وبه قال أبو جعفر الباقر وأحمد بن حنبل في رواية عنه وحملوا الحديث الوارد في المنع من تعليق التمائم على التمائم التي فيها شرك.
القول الثاني: المنع من ذلك وهو قول ابن مسعود وابن عباس وهو ظاهر قول حذيفة وعقبة بن عامر وابن عكيم، وبه قال جماعة من التابعين منهم أصحاب ابن مسعود وأحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه وجزم بها المتأخرون واحتجوا بما رواه ابن مسعود رضى الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أن في الرقى والتمائم والتولة شرك). التولة: شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل إلى امرأته.
وهذا هو الصحيح لوجوه ثلاثة:
الأول: عموم النهي ولا مخصص للعموم.
الثاني: سد الذريعة فإنها تفضي إلى تعليق ما ليس مباحا.
الثالث: أنه إذا علق شيئا من القرآن فلا بد أن يمتهنه المعلق بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك [فتح المجيد 136].
النوع الثاني من التمائم:
التي تعلق على الأشخاص ما كان من غير القرآن- كالخرز والعظام والودع والخيوط والنعال والمسامير وأسماء الشياطين والجن والطلاسم، فهذا محرم قطعا وهو من الشرك لأنه تعلق على غير الله سبحانه وأسمائه وصفاته وآياته، وفي الحديث: (من تعلق شيئا وكل إليه) أي وكله الله إلى ذلك الشيء الذي تعلقه، فمن تعلق بالله والتجأ إليه وفوض أمره إليه كفاه وقرب إليه كل بعيد وشر له كل عسير، ومن تعلق بغيره من المخلوقين والتمائم والأدوية والقبور وكله الله إلى ذلك الذي لا يغني عنه شيئا ولا يملك له ضرا ولا نفعا فخسر عقيدته وانقطعت صلته بربه وخذله الله.
والواجب على المسلم المحافظة على عقيدته مما يفسدها أو يخل بها فلا يتعاطى مالأ يجوز من الأدوية ولا يذهب إلى المخرفين والمشعوذين ليتعالج عندهم من الأمراض لأنهم يمرضون قلبه وعقيدته، ومن توكل على الله كفاه.
وبعض الناس يعلق هذه الأشياء على نفسه وهو ليس في مرض حسي وإنما فيه مرض وهمي وهو الخوف من العين والحسد، أو يعلقها على سيارته أو دابته أو باب بيته أو دكانه. وهذا كله من ضعف العقيدة وضعف توكله على الله وان ضعف العقيدة هو المرض الحقيقي الذي يجب علاجه بمعرفة التوحيد والعقيدة الصحيحة.

الفصل الحادي عشر

في بيان حكم الحلف بغير الله والتوسل والاستغاثة والاستعانة بالمخلوق
أ- الحلف بغير الله:
الحلف: هو اليمين- وهي توكيد الحكم بذكر معظم على وجه الخصوص. والتعظيم: حق لله تعالى فلا يجوز الحلف بغيره، فقد أجمع العلماء على أن اليمين لا تكون إلا بالته أو بأسمائه وصفاته، وأجمعوا على المنع من الحلف بغيره، والحلف بغير الله شرك لما روى ابن عمر رضى الله تعالى عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " وهو شرك أصغر. إلا إذا كان المحلوف به معظما عند الحالف إلى درجة عبادته له فهذا شرك أكبر. كما هو الحال اليوم عند عباد القبور فانهم يخافون من يعظمون من أصحاب القبور أكثر من خوفهم من الله وتعظيمه بحيث إذا طلب من أحدهم أن يحلف بالولي الذي يعظمه لم يحلف به إلا إذا كان صادقا، وإذا طلب منه أن يحلف بالله حلف به وان كان كاذبا.
فالحلف تعظيم للمحلوف به لا يليق إلا بالله ويجب توقير اليمين بالله فلا يكثر منها- قال تعالى: (ولا تطع كل حلاف مهين) وقال تعالى: (واحفظوا أيمانك) أي لا تحلفوا إلا عند الحاجة وفي حالة الصدق والبر- لأن كثرة الحلف أو الكذب فيها يدلان على الاستخفاف بالله وعدم التعظيم له وهذا ينافي كمال التوحيد، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم " وجاء فيه: "ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه ". فقد شدد الوعيد على كثرة الحلف مما يدل على تحريمه احتراما لاسم الله تعالى وتعظيما له سبحانه.
وكذلك يحرم الحلف بالله كاذبا وهي الغموس [هي التي تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار، وهي التي يحلفها على أمر ماض كاذبا عالما]. وقد وصف الله المنافقين بأنهم يحلفون على الكذب وهم يعلمون.
فتلخص من ذلك:
1- تحريم الحلف بغير الله تعالى كالحلف بالأمانة أو الكعبة أو بالنبي صلى الله عليه وسلم وأن ذلك شرك.
2- تحريم الحلف بالله كاذبا متعمدا وهي الغموس.
3- تحريم كثرة الحلف بالله ولو كان صادقا إذا لم تدع إليه حاجة لأن هذا استخفاف بالله سبحانه.
4- جواز الحلف بالله إذا كان صادقا وعند الحاجة.
ب. التوسل بالمخلوق إلى الله تعالى:
التوسل: هو التقرب إلى الشيء والتوصل إليه، والوسيلة القربة، قال الله تعالى: (وابتغوا إليه الوسيلة) أي القربة إليه سبحانه بطاعته واتباع مرضاته.
والتوسل قسمان:
القسم الأول ـ توسل مشروع وهو أنواع:
ا- النوع الأول: التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته كما أمر الله تعالى بذلك في قوله: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون)
2- النوع الثاني: التوسل إلى الله تعالى بالإيمان والأعمال الصالحة: التي قام بها المتوسل كما قال تعالى عن أهل الإيمان:
(ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار). وكما في حديث الثلاثة انطبقت عليهم الصخرة فسدت عليهم باب الغار فلم يستطيعوا الخروج فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم ففرج الله عنهم فخرجوا يمشون.
النوع الثالث: التوسل إلى الله تعالى بتوحيده كما توسل يونس عليه السلام: (فنادى في الظلمات أن لا له إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)
النوع الرابع: التوسل إلى الله تعالى بإظهار الضعف والحاجة والافتقار إلى الله كما قال أيوب عليه السلام (أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين).
النوع الخامس: التوسل إلى الله بدعاء الصالحين الأحياء وكما كان الصحابة إذا أجدبوا طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم ولما توفي صاروا يطلبون من عمه العباس رضى الله عنه فيدعوا لهم.
النوع السادس: التوسل إلى الله بالاعتراف بالذنب:(قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي).
القسم الثانى. توسل غير مشروع:
وهو التوسل بما عدا الأنواع المذكورة في التوسل المشروع كالتوسل بطلب الدعاء والشفاعة من الأموات، والتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، والتوسل بذوات المخلوقين أو حقهم، وتفصيل ذلك كما يلي:
ا- طلب الدعاء من الأموات لا يجوز:
لأن الميت لا يقدر على الدعاء كما كان يقدر عليه في الحياة، وطلب الشفاعة من الأموات لا يجوز لأن عمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان ومن بحضرتهما من الصحابة والتابعين لهم بإحسان لما أجدبوا استسقوا وتوسلوا واستشفعوا بمن كان حيا كالعباس وكيزيد بن الأسود، ولم يتوسلوا ولم يستشفعوا ولم يستسقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم لا عند قبره ولا عند غيره، بل عدلوا إلى البدل كالعباس وكيزيد، وقد قال عمر: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل بعم نبينا فاسقنا، فجعلوا هذا بدلا من ذلك لما تعذر أن يتوسلوا به على الوجه المشروع الذي كانوا يفعلونه.
وقد كان من الممكن أن يأتوا إلى قبره فيتوسلوا به [مجموع الفتاوى 1/318] يعني لو كان جائزا. فتركهم لذلك دليل على عدم جواز التوسل بالأموات لا بدعائهم ولا بشفاعتهم فلو كان طلب الدعاء منه والاستشفاع به حيا وميتا سواء لم يعدلوا عنه إلى غيره ممن هو دونه.
2- والتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو بجاه غيره لا يجوز:
والحديث الذي فيه: (إذا سألتم الله فأسلوه بجاهي. فان جاهي عند الله عظيم) حديث مكذوب ليس في شيء من كتب المسلمين التي يعتمد عليها. ولا ذكره أحد من أهل العلم بالحديث [مجموع الفتاوى 10/319] ومادام لم يصح فيه دليل فهو لا يجوز لأن العبادات لا تثبت إلا بدليل صحيح صريح.
3- والتوسل بذات المخلوقات لا يجوز:
لأنه ان كانت الباء للقسم فهو إقسام به على الله تعالى، وإذا كان الإقسام بالمخلوق على المخلوق لا يجوز وهو شرك كما في الحديث، فكيف بالإقسام بالمخلوق على الخالق جل وعلا.
وإن كانت الباء للسببية فالله سبحانه لم يجعل السؤال بالمخلوق سببا للإجابة ولم يشرعه لعباده.
4- والتوسل بحق المخلوق لا يجوز لأمرين:
الأول: أن الله سبحانه لا يجب عليه حق لأحد، وإنما هو الذي يتفضل سبحانه على المخلوق بذلك كما قال تعالى: وكان حقا علينا نصر المؤمنين)
فكون المطيع يستحق الجزاء هو استحقاق فضل وإنعام، وليس هو استحقاق مقابلة كما يستحق المخلوق على المخلوق.
الثاني: أن هذا الحق الذي تفضل الله به على عبده هو حق خاص به لا علاقة لغيره به، فإذا توسل به غير مستحقه كان متوسلا بأمر أجنبي لا علاقة له به وهذا لا يجديه شيئا.
وأما الحديث الذي فيه: (أسألك بحق السائلين) فهو حديث لم يثبت لأن في إسناده عطية العوفي وهو ضعيف مجمع على ضعفه كما قال بعض المحدثين. وما كان كذلك فانه لا يحتج به في هذه المسألة المهمة من أمور العقيدة، ثم انه ليس فيه توسل بحق شخص معين وإنما فيه التوسل بحق السائلين عموما وحق السائلين الإجابة كما وعدهم الله بذلك.
وهو حق أوجبه على نفسه لهم لم يوجبه عليه أحد فهو توسل إليه بوعده الصادق لا بحق المخلوق.
ج ـ حكم الاستعانة والاستغاثة بالمخلوق
الاستعانة: طلب العون والمؤازرة في الأمر.
والاستغاثة: طلب الغوث وهو إزالة الشدة.
فالاستغاثة والاستعانة بالمخلوق على نوعين:
النوع الأول: الاستعانة والاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه وهذا جائز. قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى). وقال تعالى في قصة موسى عليه السلام: (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه). وكما يستغيث الرجل بأصحابه في الحرب وغيرها مما يقدر عليه المخلوق.
النوع الثاني: الاستغاثة والاستعانة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله كالاستغاثة والاستعانة بالأموات والاستغاثة بالأحياء والاستعانة بهم فيما لا يقدر عليه إلا الله من شفاء المرضى وتفريج الكربات ودفع الضر- فهذا النوع غير جائز وهو شرك أكبر- وقد " كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين فقال بعضهم قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "انه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله ". كره صلى الله عليه وسلم أن يستعمل هذا اللفظ في حقه. وان كان مما يقدر عليه في حياته حماية لجناب التوحيد وسدا لذرائع الشرك وأدبا وتواضعا لربه وتحذيرا للأمة من وسائل الشرك في الأقوال والأفعال. فإذا كان هذا فيما يقدر عليه النبي صلى الله عليه وسلم في حياته فكيف يستغاث به بعد مماته ويطلب منه أمور لا يقدر عليها إلا الله [فتح المجيد 196]. وإذا كان هذا لا يجوز في حقه صلى الله عليه وسلم فغيره من باب أولى.



يتبع إن شاء الله






توقيع لآلئ الدعوة
[sor2]http://vb.jro7i.net/storeimg/girls-top.net_1338687781_970.jpg[/sor2]
لآلئ الدعوة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس