عرض مشاركة واحدة
قديم 06-07-08, 08:19 PM   #3
أم الفوارس
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 05-07-2006
الدولة: أرض الشيشان...
المشاركات: 1,534
أم الفوارس is on a distinguished road
افتراضي

*
*
*



4- دَوامَ الْمُراقَبَةِ:
التَّحَلي بِدَوامِ الْمَراقَبَةِ لله تَعالى في السِّرِ وَالْعَلَنِ؛ سائِراً إِلى رَبِّكَ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجاءِ، فَإِنَّهُما لِلْمُسْلِمِ كَالجناحَيْنِ لِلطَّائِرِ، فَأَقْبِلْ عَلى الله بِكُلِّيََتِكَ، وَليَمْتَلِئ قَلْبَكَ بِمَحَبَّتِهِ، وَلِسانَكَ بِذِكْرِهِ، وَالاسْتِبْشارِ وَالْفَرَحِ وَالسُّرورِ بِأَحْكامِهِ وَحِكَمهِ سُبْحانَهُ.

الشرح:

هذا من المهم؛ دوام المراقبة لله، وهذا من ثمرات الخشية أن الإنسان يكون مع الله دائماً يعبد الله كأنه يراه.
يقوم للصلاة فيتوضأ وكأنه ينفذ قوله تعالى
:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ"

[ المائدة: 6]

يقوم يتوضأ وكأنه ينظر إلى رسول الله صلى اله عليه وسلم وهو يتوضأ، ويقول: (من توضأ نحو وضوئي هذا)، كمال المراقبة.. وهذا أمر مهم.

وقوله: (يكون سائراً بين الخوف والرجاء فإنهما للمسلم كالجناحين للطائر) هذا أحد الأقوال في هذه المسألة، وهي: هل الأولى للإنسان أن يسير إلى الله بين الخوف والرجاء؟ أو يغلِّب جانب الخوف؟ أو يغلِّب جانب الرجاء؟

الإمام أحمد رحمه الله يقول: ينبغي أن يكون خوفه ورجاه واحداً فأيهما غلب هلك صاحبه.
ومن العلماء من يفصٍّل ويقول: إذا هممت بطاعة فغلب جانب الرجاء، فإنك إذا فعلتها قبلها الله منك ورفعك بها درجات-من أجل أن تقوى -، وإذا هممت بمعصية فغلب جانب الخوف حتى لا تقع فيها، فعلى ذلك يكون التغليب لأحدهما بحسب حال الإنسان.


ومنهم من قال: بحسب الحال على وجه آخر، فقال: أما في المرض فيغلب جانب الرجاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه).

ولأنه إذا غلب في حالة المرض جانب الخوف فربما يدفعه ذلك إلى القنوط من رحمة الله، في حال الصحة يغلب جانب الخوف لأن الصحة مدعاة للفساد كما قال الشاعر الحكيم:

إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة

والذي أرى: أن الإنسان يجب أن يعامل حاله بما تقتضيه الحال، وأن أقرب الأقوال في ذلك: أنه إذا عمل خيراً فيغلب جانب الرجاء، وإذا همَّ بسيئة فليغلب جانب الخوف، هذا أحسن ما أراه في هذه المسألة الخطيرة العظيمة.
إذا قال قائل: تغليب جانب الرجاء هل يجب أن يكون مبنياً على سبب صالح للرجاء، أو يكون رجاء المفلسين، الإجابة: الأولى.
إنسان مثلاً يعصي الله دائماً وأبداً ويقول: رحمة الله واسعة، هذا غلط، لأن إحسان الظن بالله ورجاء الله لا بد أن يكون هناك سبباً ينبني عليه الرجاء وإحسان الظن، وإلا كان مجرد أمنية، والتمني كما يقول عامة أهل نجد: التمني رأس مال المفاليس- الي ماعندهم شيء-.


* * *




5- خَفْضُ الْجَناحِ وَنَبْذُ الخُيَلاءِ وَالْكِبْرِياء:
تَحَلَّ بِآدابِ النَّفْسِ؛ مِنَ الْعَفافِ، وَالْحِلْمِ، وَالصَّبْرِ، وَالتَّواضُعِ لِلْحَقِّ، وَسُكونِ الْطائِرِ؛ مِنَ الْوَقارِ، وَالرَّزانَةِ، وَخَفْضِ الْجَناحِ، مُتَحَمِّلاً ذُلَّ التَّعَلُّمِ لِعَزَّةِ الْعِلْمِ، ذَليلاً لِلْحَقِّ.


الشرح:

قوله: (تحلَّ بآداب النفس..) لأن المقام يقتضي هكذا أن يكون عند طالب العلم عفة عما في أيدي الناس، وعفة عما يتعلق بالنظر المحرم، وحلم لا يُعاجل بالعقوبة إذا أساء إليه أحد، وصبر على ما يحصل من الأذى مما يسمعه إما من عامة الناس وإما من أقرانه وإما من معلمه فليصبر وليحتسب، والتواضع للحق وكذلك للخلق، يتواضع للحق بمعنى: أنه متى بان له الحق خضع له ولم يبغ سواه بديلاً، وكذلك للخلق فكم من طالب فتح على معلمه أبواباً ليست على بالٍ منه، ولا تحقرنَّ شيئاً.
وقوله: (سكون الطائر، من الوقار..) هذه أيضاً ينبغي لطالب العلم أن يبتعد عن الخفة سواء في مشيته أو في معاملته للناس وألا يكثر من القهقهة التي تُميت القلب وتذهب الوقار، بل يكون خافضاً للجناح متحلياً بالآداب التي تليق بطالب العلم,

وقوله: (متحملاً ذل التعلم لعزة العلم) هذا جيد، يعني أنك لو أذللت نفسك للتعلم، فإنما تطلب عزَّ هذا العلم، فيكون تذليلها بالتعلم؛ لأنه ينتج ثمرة طيبة.

* * *




وَعَلَيْهِ؛ فَاحْذَرْ نَواقِضَ هذِهِ الآداب، فَإِنَّها مَعَ الإِثْمِ تُقيمُ عَلى نَفْسِكَ شاهِداً عَلى أَنَّ في الْعَقْلِ عِلَّةً، وَعَلى حِرْمانٍ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ بِهِ، فَإِيّاكَ وَالْخُيَلاءِ؛ فَإِنَّهُ نِفاقٌ وَكِبْرِياءٌ، وَقَدْ بَلَغَ مِنْ شِدَّةِ التَّوَقّي مِنْهُ عِنْدَ السَّلَفِ مَبْلَغاً

الشرح:

الخيلاء هذه تحدث للإنسان طالب العلم، وللإنسان كثير المال، وللإنسان سديد الرأي، وكذلك في كل نعمة أنعم الله بها على العبد، ربما يحدث له فيها خيلاء.
والخيلاء هي: إعجاب بالنفس مع ظهور ذلك على هيئة البدن، كما جاء في الحديث: (من جرَّ ثوبه خيلاء...)
فالإعجاب يكون بالقلب فقط. فإن ظهرت آثاره فهو خيلاء.

وقوله: (فإنه نفاق وكبرياء) أما كونه (كبرياء) فواضح، وأما كونه: (نفاق) فلأن الإنسان يُظهربمظهر أكبر من حجمه الحقيقي، وهكذا المنافق يظهر بمظهر المخلص المناصح وهو ليس كذلك.

* * *




وَمِنْ دَقيقِهِ ما أَسْنَدَهُ الذَّهْبِيِّ في تَرْجَمْةِ عَمْرو بن الأَسْوَدِ الْعَنْسِّي الْمُتَوَفّى في خِلافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بنِ مَرْوان- رَحِمَهُ الله تَعالى- أَنَّهُ كانَ إِذا خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ قَبَضَ بِيَمينِهِ عَلى شِمالِهِ، فَسَئُلِ عَنْ ذلكَ؟ فَقالَ: مَخافَةَ أَنْ تُنافِقَ يَدي.
قُلْتُ: يُمْسِكُها خَوْفاً مِنْ أَنْ يَخْطُرَ بِيَدِهِ في مَشْيِتهِ؛ فَإِنَّ ذلِكَ مِنَ الْخُيَلاءِ، وَهذا الْعارِضُ عَرض لِلْعَنْسِيِّ- َرحِمَهُ الله تَعالى-.
وَاحْذَرْ داءَ الْجَبابِرَةَ: (الْكِبر)؛ فَإِنَّ الْكِبْرَ وَالْحِرْصَ وَالْحَسَدَ أَوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ الله بِهِ، فَتَطاوُلُكَ عَلى مُعَلِّمِكَ كِبْرِياء، وَاسْتِنْكافُكَ عَمَّنْ يُفيدُكَ مِمَّنْ هُوَ دونَكَ كِبْرِياء، وَتَقْصيرُكَ عَنِ الْعَمَلِ بِالْعِلْمِ حَمْأَةَ كِبرٍ، وَعُنْوانُ حِرْمانٍ.


الْعِلْمُ حَرْبٌ لِلْفَتِيِّ الْمُتَعالي كَالسَّيْلِ حَرْبٌ لِلْمَكانِ الْعالي



الشرح:

داء الجبابرة وهو (الكبر) وقد فسَّره النبي صلى الله عليه وسلم بأجمع تفسير وأبينه وأوضحه فقال: (الكبر بطر الحق، وغمط الناس). وبطر الحق: هو ردُّ الحق، وغمط الناس: يعني احتقارهم وازدرائهم.

وقوله: (إن الكبر والحرص والحسد أول ذنب عُصى الله به) يريد فيما نعلم لأننا نعلم أن أول من عصى الله عزوجل هو الشيطان حين أمره الله تبارك وتعالى أن يسجد لآدم لكن منعه الكبرياء، أبى واستكبر وقال: "أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا"
[ الإسراء: 611]

وقال: "هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ"

[ الإسراء: 62]

وقال: "أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ"

[ الأعراف: 12]

فقوله: (أول ذنب عُصى الله به) يعني باعتبار ما نعلم، وإلا فإن الله تعالى قال للملائكة:" إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ"

[ البقرة: 30]

قال أهل العلم: إنما قال الملائكة ذلك لأنه كان على الأرض أمة من قبل آدم وبنيه، وكانوا يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء.

ثم ذكر أمثلة، قال: (تطاولك على معلمك كبرياء) التطاول يكون باللسان ويكون أيضاً بالانفعال، قد يمشي مع معلمه وهو يتبختر، ويقول فعلت وفعلت، وكذلك أيضاً استكبارك عما يفيدك من علوم كبرياء، وهذا يقع أيضاً لبعض الطلبة إذا أخبره أحد بشيء وهو دونه في العلم يستكبر ولا يقبل.

وقوله: (تقصيرك عن العمل بالعلم حمأة كبر، وعنوان حرمان) نسأل الله العافية، هذا نوع من الكبر، ألاّ تعمل بالعلم.

وقوله: ( العلم حرب للفتى المتعالي) يعني أن الفتى المتعالي لا يمكن أن يُدرك العلم، لأن العلم حرب له، (كالسيل حرب للمكان العاليصحيح؟ نعم، المكان العالي ينفض عنه السيل يميناً وشمالاً ولا يستقر عليه.

* * *



فَالزَمْ – رَحِمَكَ الله- اللُّصوقَ إِلى الأَرْضِ، وَالإِزْراءَ عَلى نَفْسِكَ، وَهَضْمِها، وَمُراغَمَتِها عِنْدَ الاسْتِشْرافِ لِكِبْرياءٍ أَوْ غَطْرَسَةٍ، أَوْ حُبِّ ظُهورٍ، أَوْ عُجُبٍ.. وَنَحْوِ ذلكَ مِنْ آفاتِ الْعِلْمِ الْقاتِلَةِ لَهُ، الْمُذْهِبَةِ لِهَيْبَتِهِ، الْمُطْفِئَةِ لنِورِهِ، وَكُلَّما ازْدَدَتْ عِلْماً أَوْ رِفْعَةً في وِلايَةٍ، فَالزَمْ ذلكِ؛ تَحْرُزْ سَعادَةً عُظْمى، وَمَقاماً يُغْبِطُكَ عَلَيْهِ النّاسُ، وَعَنْ عَبْدِ الله بن الإِمام الْحُجَّة الرّاوِيَةِ في الْكُتُبِ السِّتَةِ بَكْرٍ بن عَبْدِ الله الْمُزْنّي- رَحِمَهُما الله تَعالى- قال:
سَمِعْتُ إنْساناً يُحدِّث عَنْ أَبي، أَنَّهُ كانَ واقِفاً بِعَرَفَةَ، فَرَقَّ، فَقال
: (لَوْلا أَنّي فيهمْ؛ لَقُلْتُ: قَدْ غُفِرَ لَهُمْخَرَّجَهُ الذَّهْبِيِّ، ثُمَّ قال:
(قُلْتُ: كَذلِكَ يَنْبَغي لِلْعَبْدِ أَنْ يُزْري عَلى نَفْسِهِ وَيَهْضُمُها).


الشرح:

وهذه العبارات التي تطلق عن السلف، مثل هذا يريدون به التواضع، وليسوا يريدون أنهم يُغَلِّبون جانب سوء الظن بالله عزوجل أبداً، لكنهم إذا رأوا ما هم عليه خافوا وحذروا وجرت منهم هذه الكلمات، وإلا فإن الأولى للإنسان أن يُحسن الظن بالله ولا سيما في هذا المقام، في مقام عرفة الذي هو مقام تضرع إلى الله عزوجل ومقام استغفار، ويقول مثلاً: إن الله لم ييسر لي الوصول إلى هذا المكان إلا من أجل أن يغفر لي لأني أسأله المغفرة، والله تعالى يقول:

" وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ"
[غافر: 60]

لكن تظهر هذه العبارات من السلف من باب التواضع وسوء الظن بالنفس لا بالله عزَّ وجل.

* * *



6- الْقَناعَةُ وَالزَّهادَة:

التَّحَلي بِالقَّناعَةِ وَالزَّهادَة، وَحَقيقَةُ الزّهُدْ: (الزُّهْد بِالحَرامِ، وَالابْتِعادِ عَنِ حِماه؛ بِالكَفِّ عَنِ الْمُشْتَبَهاتِ وَعَنِ التَّطَلُّعِ إِلى مافي أَيْدي النّاس"


الشرح:

التحلي بالقناعة من أهم خصال طالب العلم، يعني أن يقتنع بما اتاه الله عز وجل ولا يطلب أن يكون من الأغنياء والمترفين، لأن بعض طلبة العلم وغيرهم تجد يريد أن يكون في مصاف الأغنياء والمترفين، فيتكلف النفقات في المأكل والمشرب والملبس والمفرش ثم يثقل كاهله من الديون، وهذا خطا؛ لكن عليك بالقناعة فهي خير زاد للمسلم.

قال: (وحقيقة الزهد...) كأنه أراد بالزهد هنا الورع، لأن هناك ورعاً وزهداً.
والزهد أعلى مقاماً من الورع، لأن الورع ترك ما يضر في الآخرة والزهد ترك مالا ينفع في الآخرة، بينهما فرق.
الفرق الذي بينهما: المرتبة التي ليس فيها ضرر وليس فيها نفع، فالوَرِع لا يتحاشاها، والزاهِد يتحاشاها ويتركها، لأنه لا يريد إلا ما ينفعه في الآخرة.


* * *



وَيُؤْثرُ عَنِ الإِمامِ الشّافِعّي- رَحِمَهُ الله تَعالى- :
لَوْ أَوْصى إِنْسانٌ لأَعْقَلِ النّاسِ؛ صُرِفَ إِلى الزُّهادِ.


الشرح:

الله أكبر !! يعني في الوصية لو قال: أوصيت لأعقل الناس،يُصرف لمن؟ إلى الزهاد، لأن الزهاد هم أعقل الناس، حيث تجنبوا مالا ينفعهم في الآخرة، وهذا الذي قاله رحمه الله ليس على إطلاقه، لأن الوصايا والأوقاف والهبات والرهون وغيرها ترجع إلى معناها في العُرف، فإذا كان أعقل الناس في عرفنا الزهاد صُرف لهم ما أوصى به الزهاد، وإذا كان أعقل الناس هم ذوو المروءة والوقار والكرم بالمال والنفس صُرف إليهم.

* * *





*
*
*



توقيع أم الفوارس
أولئكَ [ آبائِي ] فجئني بمثلهم ..}

إذا جمعتنا [ يا جريرُ ] المجامعُ ..{
أم الفوارس غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس