عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-08, 10:58 AM   #1
نفحات بنت محمد الصياد
|طالبة في المستوى الثاني1 |
c8 40 قاعده في قراءة الكتب محاضرة القاه الشيخ رضا احمد صمدي

بسم الله الرحمن الرحيم
الراغبين فيما ينفع حالهم في الدنيا والآخرة:
إذا كان قد تقرر عندهم أن العلم هو أول وأوحد وأفضل طريق لصحة العمل فإننا نقول: إن أول وأوحد طريقة للعلم الصحيح هو الانتفاع بالكتاب، وإثمار القراءة الصحيحة من هذا الكتاب؛ لأن العلم يُتَلقَّى عن طريقين:
إما عن أفواه الأشياخ؛ بمساكنة العلماء، والتَّلَقِي عند رُكَبِهِم "ألفاظهم، وكلماتهم".
وإما بقراءتها وحفظها من بين ثنايا المتون والسطور عبر الكواغد والكتب.
فهذه الطريقة الثانية تُعَدُّ بحق نصف العلم، إن لم تكن أكثر من ذلك..
وخاصةً: في هذا العصر الذي قلَّ فيه الشيوخ، ونَدُرَ فيه العلماء، بل وعزَّت فيه الأزمنة التي نستطيع فيها أن نتلقى عن العلماء.
في الزمان البعيد..
كانت وسيلة الطلبة والمُتَعَلِّمين في طلب العلم أنهم يزاملون، ويجالسون شيوخهم، وأئمتهم، ومدرسيهم السنين الطُّوَال، ولربما لازم شيخًا في النحو خمس سنين، أو في التفسير عشراً، أو في الأصول عشراً..
كل ذلك حتى يتَلقَّى عنه رحيق كل هذه العلوم، ويرضع منه لُبَانَ العلم ارتضاعاً.
ولكن:
الآن متى نوفِّر لأنفسنا أوقاتاً كأوقات أولئك الأقوام الذين كانوا يجلسون مع شيخهم من بعد الفجر إلى الضحى، ثم يتريضون ببعض النوافل في المسجد، ثم يستأنفون القراءة والعلم حتى الزوال، ثم يصلون الظهر، ثم يكملون القراءة والحفظ على شيخهم من الظهر إلى العصر، وهلمَّ جرا.. حتى يأتي المغيب.
مَنْ الذي يَفْرَغ الآن إلى هذا الوقت؟ أو إلى هذه الهمة التي تقتضي صبراً وجَلَداً شديديين؟ حتى رُوِيَ أن الإمام مالك خاطت له أمه في قميصه؛ أي:
في لِبَاسِه، خاطت له مَخَدَّة؛ لطول جلوسه أمام الشيوخ.
وطبعاً الإنسان، يعني: زمان طالب العلم كان لا يجلس كمجلسنا هذا ساعة، ثم يذهب إلى بيته، لا؛ كان يقعد المجلس مثلاً يقرأ على شيخه كتاباً، ربما طال هذا المجلس حتى استمر ثلاث ساعات، أو أربع ساعات، أو خمس ساعات.
ويُرْوَى أن "الحافظ بن حجر" قرأ كتاب "مُعجم الطبراني الصغير" على شيخه ما بين الظهر والعصر، يعني: قُرابة الثلاث ساعات وهو في قراءة مستمرة سريعة على شيخه حتى يفرغ من قراءة هذا الكتاب عليه، وَنَوَالِ السند والإِجَازة منه.
فمَنْ الذي يستطيع أن يوفِّر لنفسه هذا الوقت؟
ولو وُجِدَ الشيخ المُتَفَرِّغ لا يوجد التلميذ، ولو وُجِدَ التلميذ المتفرغ لا يوجد الشيخ المتفرغ؛ لأن الناس الآن قد عافستهم الحياة والمدنية، وفرضت عليهم من أمور السعي، وطلب الرزق والكدح ما يحول بينهم وبين التفرغ التام لطلب العلم، بل إنك تجد حتى أساتذة الجامعات الذين فُرِّغوا للتعليم، أو المُعيدين الذين فُرِّغوا للتعلم لا تجد منهم من تعلو همته، ويستطيع أن يجلس الساعات ذوات العدد في مجالس العلم، أو بين المُدَرَّجات.
الطالب الآن يجلس في المُدَرِّج في المحاضرة، إذا المُحاضِر أطال على "ساعة ونصف" يشتكي ويتذمر، ويوصف هذا المدرس بالتطويل!
لذلك: الآن لا يوجد من المناهج، أو من المدرسين، أو من التلاميذ من يستطيع أن يُنَفِّذ ويُطبِّق منهج السلف الشاق في طلب العلم.
إذن:
ستبقى قضية قراءة الكتاب هي الوسيلة الوحيدة الذاتية الشخصية التي منها يستطيع الإنسان تحصيل العلم، وتوفير الحصيلة الثقافية والعلمية المطلوبة، فإذا كانت هذه الوسيلة ولا تزال وستزال هي الوسيلة الكبيرة، أو الوحيدة في تحصيل أكبر قدر ممكن من المعلومات بالنسبة للإنسان فإننا لابد أن نترقى، وأن نتطور في قراءة الكتاب، وفي تناول هذه القضية؛ بحيث نمارسها بطريقة علمية؛ نقرأ بطريقة علمية..
ومن هنا:
كانت محاضرتنا "أربعون قاعدة في قراءة الكتب والاستفادة منها".
تكلمنا قَبْلُ في "أربعون قاعدة في استغلال الأجازة الصيفية"..
أن الوقت الطويل الذي أمام كثير من الشباب والطلبة أعظم ما يُمكن أن يُستَغَل فيه قراءة الكتاب.
ولكن للأسف كثير منَّا جَرَّب قراءة الكتب، ولكنه يُحِس مع طول الأمد، وطول الزمان، أنه لم يحصل شيئاً، وما ذلك إلا لأنه لم يضع لنفسه منهجاً مستمراً صارماً، ولم يبنِ دراسته وقراءته على طريقة علمية.
وهذا الأمر جربناه منذ زمان؛ عندما كان الإنسان لا يقرأ بطريقة علمية، ولا يُحصِّل بطريقة علمية.
فمثلاً: جرَّبتُ أنا وقرأت مرة في خلال أسبوع، قرأت كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم" للإمام ابن تيمية، جَرَّبتُ أن أقرأه، وقرأته فعلاً، ولكن لم تكن قراءتي لهذا الكتاب بطريقة علمية، لذلك هذا الكتاب الآن لو سألتني فيه على ضَوْء القراءة السابقة لا يمكن أن أجيبك بشيء عنه، ولكن لمَّا بنيتُ قراءته على طريقة علمية حصَّل الإنسان معلومات وفوائد أخرى سنتكلم عنها في سياق كلامنا...
القاعدة الأولى:
أولى هذه القواعد، قواعد الاستفادة من قراءة الكتب:
أن تعلم أيها الرشيد النبيل الأريب! أن قراءة الكتاب فوق كونه خير أنيس وجليس -وهذا لابد أن يكون في قرارة نفسك- أن القراءة مُؤانَسة ومُجالَسة لمن غابوا عنك، ولم تستطع أن تتقرَّب إليهم؛ أنت تحب "أحمد بن حنبل"، وتحب "الحافظ ابن حجر"، وَوُدُّكَ لو رأيت "عبد الوهاب بن واسع"، أو غيرهم من أئمة السلف، ولا تستطيع أن تنظر إليهم، أو أن تتكلَّم معهم، فالوسيلة للمؤانسة معهم ومجالستهم هو:
أن تقرأ عنهم في تَرَاجُمِهِم، أو أن تقرأ كلماتهم وعباراتهم وألفاظهم.
لذلك: فوق كَوْنِ الكتاب خير أنيس وجليس لطالب العلم، ولطالب المعرفة، فوق ذلك يجب أن تعلم أن القراءة عبادة وطاعة ومجاهدة..
وهذا هو المُمَيِّز أو الفارق بين من يطلب العلم للعلم، أو لأجل أي غرض آخر، أو بدون أي غرض أصلاً، وبين من يقوم بالقراءة ويتعلم لأجل أن يطيع الله تبارك وتعالى.
وهذه الشريعة الإسلامية أشارت في نصوصها إلى فضل القراءة والعلم والتعلم، بل ساق الله القراءة والكتابة والقلم مَساقَ المِنَّة على عباده؛ لينبههم إلى فضل هذه الأمور؛
﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ [القلم: 1].
فأقسم بالقلم، وأقسم بما يُكتب به القلم، وهي السطور، أي: العلوم.
وقال الله في أول ما نزل من الوحي المُطَهَّر في السماء الدنيا، وعلى الأرض:
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: 1].
وامْتَنَّ الله على عباده بأن عَلَّمَهُم ما لم يعلموا: ﴿الرَّحْمَنُ % عَلَّمَ الْقُرْآنَ % خَلَقَ الإِنْسَانَ % عَلَّمَهُ البَيَانَ﴾ [الرحمن: 1: 4].
والبيان لا يَحْسُن إلا بالقراءة.
لذلك: لمَّا جبريل قال للرسول صلى الله عليه وسلم: "اقرأ"، قال: ما أنا بقارئ.
"ما أنا بقارئ" ليس معناها: أنا لا أريد أقرأ، لا؛ "ما أنا بقارئ" أي:
لست ممن يجيد القراءة ؛ لأنني لم أتعلم.
فمفهوم اللفظ من الرسول صلى الله عليه وسلم أن البيان والقراءة لا تَحْسُنُ إلا بالتَّعَلُّم..
لذلك: لابد أن يُدرِك الإنسان أن قضية القراءة صَوْبَ كونها أمر يُمدُّك بمدد وعون نفسانِيٍّ يساعدك على تَحمَّل تَبِعات ومشاق هذه الحياة فوق ذلك:
هو أيضاً عبادة، بل هو قبل ذلك -إن صح التعبير- عبادة وطاعة ومجاهدة.
عبادة: كما سيأتي تقتضي النية.
وطاعة: لأنك تتقرب بها إلى الله ؛ لتناول الأجر والثواب.
ومجاهدة: لأنها تحتاج إلى صبر، ومجالدة كما سيأتي..
القاعدة الثانية:
الانتصاب لقراءة الكتاب، استحضار النية، وإنشاؤها، وإصلاحها، ومراقبتها.
إنشاء النية: إذا كانت معدومة عندك، فكثير من الناس يقرأ بدون نية؛ يقرأ مثلاً: يفتح "نزهة النظر"، ثم يقرأ..
ماذا نويت أخي! أيها الأريب! يا طالب العلم! يا من تريد النجاة في هذه الدنيا والآخرة! ماذا نويت قبل أن تقرأ هذا الكتاب؟
وقِسْ على ذلك كل الأفعال، لكن سياق كلامنا عن "القراءة"؛ أي كتاب تقرأه حتى ولو كان صغيراً؟ ماذا نويت؟ وماذا تريد وتنوي من قراءتك لهذا الكتاب؟
هذا في حق عديم النية، لابد أن ينشئها؛ أي: أن يوجِدَها من العدم، ليس عنده نية لابد أن ينشئ نية.
وإذا كان عنده نية، لكن هذه النية مدخولة، فلابد عليه من إصلاحها.
يقرأ الكتاب، لكنه للأسف تختلط عليه نية الطاعة والعبادة والإخلاص، بنية حب الظهور والتفاخر..
فلابد من إصلاح هذه النية؛ بأن يُخَلِّصها من هذه الشوائب.
إذًا: أنا قلت إنشاء النية في حق عديم النية، إنسان ليس عنده نيَّة أصلاً ينشئها من عدم. طيب: واحد عنده نيَّة، لكن نية مدخولة؛ توجد عنده نيَّة القراءة لله، لكن بجانبها نية أخرى:
أنه يقرأ من أجل أن يفاخر مثلاً، فلابد أن يُصلِح النية هذه، لابد من إصلاح هذه النية؛ بأن يُنَقِّيها من هذه الشوائب..
طيب: إنسان مَنَّ الله عليه بأن أنشأ نية وأصلحها من تلك الدواخل ومن تلك الشوائب، ولكنه تَرِدُ عليه العوارض، فلابد من مراقبة هذه النية..
لذلك: نحن قلنا:
إنشاء النية وإصلاحها ومراقبتها؛ لأن أثناء القراءة، يقرأ الكتاب مثلاً بعد أن نوى نية صالحة، وتأتي عليه مسألة مثلاً صعبة، فَيَمُنُّ الله عليه بفهمها، فيفتخر بنفسه، ويقول:
أنه فَهِمَ مسألة لو عُرِضَت على الشيخ "الألباني" نفسه كان سيظل يفكر فيها..
فانظر إلى النية، النية هنا دخل فيها شيء من الشوائب التي تنال من صحتها، فلابد من مراقبة هذه النية، ومدافعة كل دواخل الشيطان التي تَرِدُ وتَعْرِضُ عليك أثناء القراءة.
لذلك نقول: راقب النية أثناء قراءتك للجمل والعبارات.
تعلمت من عبارة، أو من جملة معنى من المعاني، أو فائدة من الفوائد تقول:
ماذا أنوي، وماذا سأستفيد من هذه الجملة؟ من هذه العبارة؟
لابد أن يكون لك موقف مع كل فائدة تستفيدها من الكتابة.
طبعاً هذه الأمور قد تصعب عليك في بداية الطلب، أو القراءة، لكن مع المجاهدة ومع استمرار استحضار النية سَيُيَسِّر الله عليك هذا الأمر.
القاعدة الثالثة:
النَّهَمُ في قراءة الكتاب أو الكتب.
ما معنى النهم؟ النهم في قراءة الكتب؟
الشَّرَاهة، الشَّرَه.
النهم في قراءة الكتب: لابد أن تُولِّد في نفسك هذه الحاجة، وهذا الجوع حتى تستطيع أن تستفيد من الكتاب؛ لأن الذي يترك لنفسه عواهنها في قراءة الكتاب فإنه سيتمادى مع كسله، ومع فتوره، ولن يُحاسِب نفسه في أي كتاب يقرأه، سواءً قرأ الكتاب في "شهر" في "شهرين" في "سنة".
هناك بعض الإخوة أعطي له كتاب يقرأه مثلاً يمكث معه "أسبوع، أسبوعين" أسأله أأنتهيت؟
لا ليس بعد..
هذا دليل على إن نَهَم القراءة عنده ضعيف، أو لِنَقُل:
أن عنده حالة تَشَبُّع، أو لِنَقُل: أنه ليس لديه أصلاً رغبة في القراءة.
لكن في حق طالب العلم، وفي حق من يريد الاستفادة، وتحصيل المعلومة، لابد أن يُولِّد هذا الجوع، لابد أن يولد هذا الجوع في تحصيل العلم، وإلا فإنه لن يستطيع أن يتدارك الأوقات في تحصيل القراءات والكتب.
كيف يُولِّد هذا النهم؟
الأصل أنك تُولد النهم والشره في قراءة الكتاب أو الكتب، كيف تولد هذا النهم؟
تُولِّد هذا النهم بالمنافسة؛ بأن تستحضر معنى المنافسة بينك وبين المؤمنين، بين القراء.
تجد أن فلان مثلاً: قرأ هذا الكتاب في "أسبوع" فتتنافس وتعمل على قراءته مثلاً في "يومين"، وهذه المنافسة بتصحيح النية فيها تكون من صميم العبادة، والله قد ساق في القرآن ثلاثة ألفاظ تدل على هذا المعنى فقال:
﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ [آل عمران: 132].
وقال: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ [الحديد: 21].
وقال: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26].
والمنافسة تقتضي أن الإنسان لابد أن يكون في قلبه حب للسَبْق، وحب للوصول إلى الأمر قبل الآخرين.
الأمر الثاني لتوليد النهم: التَّحسُّر على فوات المعلومة؛ تتحسر أنك بدون نهمك وجوعك وشرهك في قراءة هذا الكتاب لا تُحصُّل ما يعلمه الآخرون..
تعلم أن فلان مثلاً قرأ هذا الكتاب، فعنده هذه المعلومة، وأنت خُلْوٌ منها، تَحَسُّركَ على فوات هذه المعلومة منك..
لِنَضْرِبَ مثلاً بالعلوم الشرعية:
لِنَقُل: أن فلان مثلاً مَنَّ الله عليه، وقرأ تفسير "ابن كثير" كله، فأنت تتحسر على نفسك أن فلان فَهِمَ كلام الله بينما أنت تحفظ القرآن، ولا تستطيع أن تفهم أي آية من الآيات..
لكن: واحد قرأ تفسير كامل فاستطاع أن يفهم كلام الله فتتحسَّر على نفسك من فوات فَهْمِ كلام الله عنك.
الوسيلة الثالثة في توليد النهم: لَحْظِ الهدف باستمرار:
أنت في بداية طلب العلم، لابد أن تضع لنفسك هدفاً واضحاً، أو غايات واضحة صريحة تسعى إليها.
أهم هذه الغايات: إرضاء الله والنجاة، ودخول الجنة.
ومن هذه الغايات: كفاية المسلمين في هذا العلم، أو في هذا الباب.
فبالتالي لو قلنا مثلاً: أنك وضعت لنفسك غاية عند قراءتك للتفسير أن تكون مُفسِّراً يلجأ إليك الناس في شرح وبيان مراد الله ، يَقْبُحُ بك أن يغيب عن ذهنك هذا الخاطر؛ لأنك إذا وضعت هذه الغاية، وهذا الهدف في عقلك وخاطرك باستمرار فإنه سيظل يُلِحُّ عليك، ويُولِّد في قلبك الرغبة في تحصيل أكبر قدر ممكن من المعلومات المُتعلِّقة بالهدف لتصل إليه، بخلاف لو غاب هذا الهدف عنك.
إنسان مثلاً يطلب العلم ليس لأنه يَسُدُّ فرض كفاية..
ومعنى أنه يسد فرض كفاية: أن يسقط بطلبه للعلم هذا الإثم عن الآخرين، ومتى يسقط الإثم على الآخرين؟
إذا سدَّ مَسَدَّ هذا الفرض، فنحن نقول مثلاً:
تَعَلُّم العلوم الشرعية أو غير العلوم الشرعية فرض كفاية، إذا قام به البعض قياماً كافياً سقط الإثم عن الباقين، فلان تصدر لدراسة الفقه لإفتاء الناس، فمتى يكفي الناس ويسقط الإثم عن الآخرين؟
إذا وصل في هذا العلم، في "الفقه" مثلاً، أو في التفسير إلى مقام يكفي فيه الناس، ولا يحتاجون فيه إلى غيره، ومتى يصل الإنسان إلى هذا المستوى إلا إذا أفنى أعماراً مديدة في تحصيل العلم، ومتى يمكنه أن يصل إلى هذا المستوى ما لم يَلْحظْ هذا الهدف، ويجعله بمثابة الدافع الذي يدفعه، بل يجره جراً إلى التحصيل والقراءة.
لكن إنسان يقرأ بلا هدف، اقرأ تفسير ابن كثير، اقرأ تفسير الظلال إلى آخره..
هو يقرأ، لكن ليس له هدف، فليست له مدة معينة يسعى إلى تحصيل معلومة فيها، ويتوانى، ويَتَمهَّل في أمره.
وبالتالي لا يمكن أن يُحَصِّل شيئاً من المعلومات المُعْتَبَرة التي تفيده، أو تصل به إلى المستوى المطلوب.
الوسيلة الرابعة: هذا في حق الكَسَالى:
الرياضة والتعود.
ما معنى الرياضة ؟ يعني تمرينات رياضية؟
الرياضة ترويض النفس، وتعويدها وإدخالها في معمعة هذا الأمر؛ حتى تعتاده، ويصير جِراها ودَيْدَنها، فتكون طبيعة في الإنسان، لا يلقى مشقة من فعلها..
كثير من الناس يأنف القراءة، أو ليس عنده صبر وجلد على القراءة، هذا أمر وارد، لكن طالب العلم وطالب المعرفة ما دام قد وطَّن نفسه على هذا الغرض فلابد أن يسعى إلى تعويد نفسه على هذا الأمر، وكم رأينا من أُناس ما كانوا يطيقون رؤية الكتاب، ولا القراءة فيه، ولكن مع تعويد أنفسهم على القراءة، وملازمة القراءة، والصبر عليها، صارت القراءة في حقهم كالماء والهواء؛ لا يستطيعون أن يعيشوا، أو أن يبقوا يوماً دون أن يقرؤوا، وكان هناك بعض طلبة العلم فرض على نفسه "مائتي" صفحة يقرأها في اليوم، لا يجيز لنفسه أن ينام إلا بعد أن يقرأها..
والإنسان مع التَّعوُّد بهذه الطريقة سيستطيع -وبمعونة من الله - أن يستمر على هذا الأمر، ولكن كما قال العلماء : «على قدر المئونة تأتي المعونة»، المئونة التي هي فعل العبد.
فلابد من العبد أن يُظهر؛ أن يُرِيَ الله من نفسه إرادةً حتى يعينه الله.
« على قدر المئونة تأتي المعونة »، ((إذا تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً)).
إذًا: لابد من بدء العبد بالفعل.
الوسيلة الخامسة: المراوحة.
وهذا في حق المثابرين والمجتهدين، فإن القراءة، والنهم فيها قد يُولِّد في الإنسان مَلَلاً وسئماً، وقد يقطع عليه الطريق؛ كما ورد في الحديث:
((فإن المُنْبتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى)).
فلا يجوز لإنسان أن يجعل وقته كله في القراءة، وهذا نهم صحيح وهذا مطلوب، ولكن النَّهم الشديد قد يحول بينه وبين الاستمرار في المستقبل..
فلابد من المراوحة، يعني: التَّرُوُّح، يعني: أن يُرَوِّح عن نفسه؛ حتى يستمر في المستقبل بنفس الدرجة المطلوبة من النهم، والشره.
القاعدة الرابعة:
اختيار الكتب: وهذا من أعظم الأمور التي تغيب عن أذهان المُتَعَلِّمين والقارئين؛ لأنه ليس كل كتاب يَصْلُح لك، وقد يصلح لك كتاب بعد سنة لا يصلح لك الآن، وقد يصلح لك أن تقرأ في الكتاب، ولا يصلح لك كتاب آخر، وقد يصلح لك أن تقرأ لمؤلف بعينه؛ لأنه سهل العبارة مثلاً، ولا يصلح لك أن تقرأ لغيره..
فلابد إذًا: من اختيار الكتاب أو الكتب.
هذا الاختيار مبني على أي شيء؟ مبني على التَّشَهي؟
مثلاً سمعت مثلاً أن الشيخ الألباني وهو اسم ذائع الصيت في أوساط المُتَعلِّمين، فتسمع أنه مثلاً شرح كتاباً من الكتب، أو ألَّف كتاباً في علم من العلوم، فتشتري هذا الكتاب بناءً على الاسم، مبني على التشهي، أو مبني على اشتهار الكتاب بين طلبة العلم، لا..
لابد أن يكون مبني على أُسُس علمية، نحن نقول:
نريد أن نقرأ بطريقة علمية، اختيار الكتب لابد أن يكون مبنيًا على وِفْقَ منهج علمي تسير عليه.
أنت اخترت علم من العلوم، ما نتكلم فقط على العلوم الشرعية، بل كل العلوم، حتى الدنيوية منها، لا يجوز، أو لا ينبغي لك أن تقرأ في أي علم من العلوم ما لم تكن مُستنيًرا بمنهج علمي يضعه لك مُتخصِّص، عالِم ببواطن أمرك وبإمكانياتك وقدراتك..
هذا المنهج العلمي: لابد أن يَلْحَظ فيه نوعية الكتاب المناسب.
طبعاً! يلحظ فيه أيضاً نفسية القارئ وإمكانياته، ويَلْحَظ فيه الفترات الزمنية المرحلية التي سيوزِّع عليها هذا المنهج.
المنهج لابد أن يكون مؤقتاً، مثلاً:
تريد أن تدرس، أو أن تقرأ في علم التفسير، فَيُوضَع لك منهج مثلاً ابتدائي، مُبْتَدأ يعني، منهج للمبتدئين في علم التفسير مُدَّتُه سنة، وتُقَرَّرُ لك عن طريق المتخصصين كُتب معينة تُوزَّع على هذه المرحلة، وتؤمَّر بقراءة كل كتاب مثلاً في فترة زمنية معينة، وتُناقَش وتُمْتَحن في هذا الكتاب، بأي طريقة كان هذا المنهج.
لكن: لابد من وجود منهج علمي تسير عليه، سواءً كان هذا المنهج بطريق التحصيل الذاتي الشخصي، أو عن طريق القراءة على الشيوخ.
لكن لابد من منهج علمي عند قراءة الكتب.
أيضاً: يكون اختيار الكتاب باستشارة العلماء والمتخصصين؛ فالإنسان قد يكون قد قضى مثلاً شَوْطاً طويلاً في المناهج العلمية، وحَصَّل قِسطاً عظيماً من العلوم الشرعية، ولكنه مع ذلك أثناء رغبته في شراء الكتاب لقراءته، فإنه لابد أن يسأل العلماء عند رغبته في شراء كتاب.
فمثلاً: إنسان تَعلَّم "التفسير والحديث واللغة" إلى آخره، ولكنه غير مُتخصِّص في التاريخ، ويريد أن يشتري كتاباً في التاريخ، فيقوم مثلاً عندما يسمع أن هذا الكتاب جيد جداً فيذهب يشتريه فورًا؟ أم لابد أن يذهب للعلماء المؤرخِّين يسألهم؛ والله أنا أريد
أقرأ في "التاريخ" بهذا المستوى العلمي المعين، وأريد أن أحَصِّل النتائج المعينة هذه، فما هو أصلح كتاب لتحصيل هذه الأمور؟
فيقول لك مثلاً المُتخصِّص: الكتاب الفلاني تتوفر في كل هذه المطلوبات التي تريدها..
قِسْ على ذلك إذا أردت أن تتعلم أي علم شرعي، وتريد مثلاً أن تبدأ بكتاب مُخْتَصر سهل العبارة، فلابد أن تستشير العلماء ليوصوك بالكتاب الذي تبدأ به.
وأيضاً من وسائل اختيار الكتاب أو الكتب: اختيار أفضل المؤلفين؛ بأن تختار المؤلف المتخصص الذي أفنى عمره في هذا العلم، وطبعاً أفضلية المؤلف ليست فقط في عبقريته وقدرته على تأصيل المعلومة بقدر ما يكون أيضاً قدرته على إيصال هذه المعلومة.
يعني مثلاً: الإمام "ابن حجر" من أئمة الحديث، وممن كتبوا في المصطلح والحديث وغيره، هو يَفْضُلُ على كثير من الأئمة والعلماء في أنه ألَّف كتباً سهلة مُتناوَلة، وكذلك الإمام "السيوطي" وغيره من العلماء.
من العلماء المعاصرين مثلاً ممن ألَّفوا في المصطلح، من أفضل العلماء الذين ألَّفوا الكتب في المصطلح للمبتدئين الشيخ الدكتور "محمود الطحان" ألَّف كتاب "تيسير مصطلح الحديث" أصاغ هذا العلم بطريقة تُقَرِّبه لأي قارئ عادي يطلب، أو يَشْدوا الثقافة العامة، فيستطيع أي إنسان بدون أي خلفية أن يقرأ هذا الكتاب، ويفهم شيئاً ما من هذا العلم العويص الذي لو قرأت مثلاً أي كتاب آخر غير هذا الكتاب مثل"تدريب الراوي" أو "شرح ألفية العراقي" فإنك ستجده عبارة عن طلاسم، لا يمكن أن تُفَكَّ بحال، ولكن اختيار المؤلف القادر على إيصال المعلومة، والقادر على جمع شَتَاتِ المعلومات في هذا العلم أمر ضروري عند اختيارك للكتاب.
أيضاً: تختار أفضل المؤلفات في هذا العلم، فلا يجزيك أبداً ولا ينبغي أن تجنح إلى الكتب المُهمَلة، أو البعيدة غير المعتملة في التدريس.
ففي الفقه مثلاً: يعتمد العلماء كتب معينة للتدريس، وللقراءة.
يعني مثلاً: واحد يأتي يريد أن يدرس فقه حَنْبَلي، فيقوم مثلاً يقول: أنا أعرف أن "المغني" كتاب جميل مشهور، فيأتي بـ"المغني" ويفتح "المغني"، يقرأ فيه لا يفهم شيئاً، هذا دليل على أنه لم يختر المؤلف المناسب في حقه ليبدأ به هذا العلم.
الشاهد: أن أي علم وأي مجال لابد فيه من مؤلَّف، يعني: مُصنَّف مناسب، ومؤلِّف مناسب، ومنهج مناسب يتناسب مع مستوى طالب العلم.
الفوائد المهمة أيضاً وهذه تغيب عن كثير من الإخوة:
اختيار الطبعة والورق المناسب، وهذه يعرفها المتخصصون بشراء الكتب، وهذه مسألة يعاني منها مَنْ يشتري بدون استشارة، يشتري الكتاب بدون أن يستشير المتخصصين أو حتى الخبراء في الكتب، فيستشري مثلاً طبعة قديمة، بينما صدرت طبعة جديدة مُحَقَّقة، مُنَقَحة، ذات أسلوب جيد في العرض، وقد يشتري مثلاً طبعة ذات ورق رديء، بينما تتوفر في المكتبات طبعة ذات ورق جيد يَصلُح، أو مفيد للعين أثناء القراءة.
يعني على وجه العموم: بالنسبة للكتاب الذي تريد أن تشتريه، تستشير فيه أولاً المُتخصِّص الذي يدلك على الكتاب المناسب، فإذا قال لك: اشترِ الكتاب الفلاني، تذهب لمتخصص في الكتب، تاجر كتب، وتسأله عن هذا الكتاب وطبعاته، ثم إذا اتسع لك الوقت أن تبحث وترى وتنظر إلى هذه الطبعات، وتنظر في أمرها..
أهم شيء يميز الكتاب الجيد: لابد أن يكون مُحَقَّقاً ؛ لأن التحقيق خدمة جيدة للكتاب يُوفِّر عليك كثير من البحث والمطالعة، كتشكيل وضبط الأعلام والكلمات وتخريج الأحاديث، وعزو المعلومات والفوائد إلى غير ذلك..
إضافة إلى ذلك انتقي الورق المناسب، وأفضل ورق مناسب للنظر؛ يعني: سهل أثناء القراءة، لا يُتعب النظر "الورق الأصفر النباتي" الذي كان يُستعمَل قديماً في "دار المعارف" والذي صار الآن شبه معدوم.
لكن هذا الورق "الأصفر" أريَّح ورق للقراءة بالنسبة للعين.
لو لم يتوفر لك ذلك: تبحث عن أي ورق يناسب هذا الأمر.
طبعاً أحيانًا الإنسان لا يملك إلا أن يشتري هذا الكتاب؛ لأنه هذا هو الموجود، لا يوجد إلا طبعة هذا الكتاب.
ثم تنتقي أيضاً الكتاب الذي تطبعه المكتبات المعروفة بإتقانها في الطبع، هناك مكتبات معروفة بأنها مكتبات مُشَوِّهة للعلم والكتب، ونَخُصُّ من بينها مكتبة "دار الكتب العلمية"، هذه المكتبة يعني نَهَمُها أن تطبع الكتاب وَحَسْب، فيمكن كتاب مثلاً حُقِّق في "سبع" مجلدات "ثمانية" مجلدات فيأتوا يَصُفُّونه صفًّا جديدًا مثلاً في طبعة جديدة، ولكن بطريقة "هميونية" لا يمكن أن يستزيد منها أي طالب علم، قد يلجأ الإنسان أحيانًا إلى طبعات هؤلاء القوم؛ لأنها قد تكون هي الوحيدة، ولكن تعمل جاهداً على أن تتحرى المكتبات المحترمة المرموقة، ومن هذه المكتبات "مؤسسة الرسالة" من أعرق المكتبات التي تعتني بخدمة الكتاب وطَبْعِهِ.
ومن الفوائد المهمة عند شرائك للكتاب: تقييد الاسم، والتاريخ، وبعض المعلومات على طُرَّةِ الكتاب، يعني على صفحة الكتاب الأول، الورق الأبيض الأول، الورقة الأولى تُسجِّل فيه بعض المعلومات..
مثلاً: ثمن الكتاب الذي اشتريته، اسمك على الكتاب، المكتبة التي اشتريت منها لو لم يكن ذلك مكتوباً على الكتاب، قد يكون هذا الكتاب مُهدى لك من أخٍ حبيب، أو له مناسبة طريفة ظريفة حصلتَ بها على الكتاب، فتُسجِّل ذلك؛ حتى يُذَكِّرك في يوم من الأيام فيكون كالذكرى.
وهذه من بعض الفوائد المُتعلِّقة بشراء الكتب.
القاعدة الخامسة:
النهم في شراء الكتب.
وهذه من سمات طالبِ العلم والمعرفة، أنهم يوفِّرُّون من أقواتهم، بل ومن ملابسهم، وأحذيتهم، ومن طعامهم، بل ربما من طعام أولادهم؛ ليشتروا الكتب والعلم، وليس ذلك يعني دعوة لِأَنْ يُهْمِل الإنسان ويُضَيِّع من يقوت، ومن يعول ليشتري الكتب، لا..
لكن نقول: إن دليل حرصك على القراءة، ورغبتك في القراءة وتحصيل المعلومة أن تحرص على شراء كل جديد من الكتب، بل وكل قديم، تحرص على أن تنال كل ما تستطيع من الكتب التي تُعرَض أمامك.
وهناك طبعاً مسألة تُلِحُّ على كثير من الإخوة:
أن كثيرًا من الإخوة يكون عنده القدرة المالية على شراء الكتب، لكنه يقول: أشتري ولا أقرأ..
يشتري كتب كثير ولا يقرأ! نقول له:
اشترِ وإن لم تقرأ، ولكن تشتري بِنِيَّة القراءة، وبنية خدمة الآخرين؛ إعارة هذه الكتب للآخرين، تشتري بنية أن تجعل هذه المكتبة التي تؤسسها مثلاً ميداناً ومجالاً للباحثين؛ حتى ينتفعوا منها، فبهذا تستطيع بوسيلة من الوسائل أن ينتفع الخلق بهذه الكتب التي تشتريها. لكن: إياك إياك أن تزهد في شراء الكتب في وقت من أوقات حياتك؛ لأن أحيانًا بعض الكتب تصدر في طبعة من الطبعات، ولا تُطبع ثانية إلا بعد "ستين، سبعين" سنة، فيضيع عليك أمر هذا الكتاب، ولا تستطيع أن تحصله إلا بالتصوير، فاحرص على هذه الفائدة.
القاعدة السادسة:
في ذكر وسائل توفير المال لشراء وتحصيل الكتب.
طبعاً من يَسَّر الله عليه فليست مشكلة في حقِّه أن يشتري الكتب، ولكن في حق من يعاني ضيقاً مالياً معيناً، كيف يمكن أن يسير في مسيرته العلمية التي تقتضي وتُلْزِمُهُ أن يشتري كتب، وقديماً قالوا: «مَنْ طلب العلم أفلس»؛ لأنه سوف يصرف أمواله في العلم، لن يجد من المال شيئاً إلا وقد صرفه وأنفقه في سبيل العلم.
فلابد من إيجاد الطرق المناسبة لتحصيل الكتب.
من هذه الوسائل: الادخار العادي؛ أن تدخِّر المال يوماً بعد يوم، شهراً بعد شهر؛ لشراء الكتب.
وهذا الادخار يتفاوت؛ بعض الناس، بعض الإخوة قد يدخروا من الأمور الترفيهية، لا يشتري مثلاً "شيكولاتة"، لا يشرب "مياه غازية"؛ في سبيل أن يشتري مثلاً كتاب.
بعض الناس قد يدخروا من أصل أقواتهم، من أصول أقواتهم في سبيل شراء الكتاب.
«وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم».
لكن: لابد أن يكون هذا أمْرُكَ في كل أحوال حياتك، لك مبلغ كل شهر، أو كل سنة تدخِّر مبلغ، وتذهب إلى معرض الكتاب، أو أي معرض من المعارض لتشتري الكتب؛ لتتزود روحك بهذه المعلومات، أو هذه الحصيلة المعرفية.
من وسائل توفير المال أيضاً: الجمعيات، وإن كان يعني حصل فيها بعض الخلاف الفقهي، لكن استقرت الفتوى عند كثير من علماء العصر على جوازها.
الجمعيات: يعني التعاون بين الناس في توفير المال، وهذه يعني مفيدة وسهلة بالنسبة لكثير من الناس.
الوسيلة الثالثة: البحث عن المكتبات التي تبيع الكتب بالتقسيط، هذه وسيلة مريحة أيضاً لتحصيل الكتب.
الوسيلة الرابعة: البحث وإن جاز التعبير: الشم عن المسابقات التي تُوَزَّعُ فيها الكتب، وهذا أمر كنا نفعله قبل ذلك، نبحث عن المسابقات، في أي مسجد، نذهب نجيب عن المسابقة، ونكسب الكتب.
وهذه وسيلة فعلاً مفيدة؛ لأن شعور، أو الطعم الذي تجده عند حصولك على الكتاب يفوق اللذة التي تُحَصِّلُها عند شراء الكتاب بِمَالِكَ مباشرة.
أيضاً من الوسائل: مراسلة الجهات المانحة، كالجامعات، والمعاهد، أو بعض أهل الخير الذين يرعون طلبة العلم، تراسلهم وتطلب منهم المعونة في شراء الكتب، وليس في ذلك أي حرج شرعي.
أيضاً من الوسائل التي تُحَصِّل بها الكتب -كما سنتكلم أيضاً في قاعدة خاصة- الذهاب إلى المكتبات العامة والخاصة.
القاعدة السابعة:
ارتياد المكتبات العامة والخاصة في حق من لم يجد مثلاً المبلغ المناسب لشراء الكتب، المال المناسب، أو الكافي لشراء الكتب، فإن أمامه فرصة، أو قدرة على ارتياد المكتبات العامة والخاصة.
المكتبات العامة: ملك الدولة، أو الهيئات العامة التي تُعنى بإنشاء المكتبات التي يرتادها عامة الناس.
المكتبات الخاصة: مكتبات الأصدقاء القادرين، ترتادها وتطلب من أصحابها أن يعينوك على القراءة منها وفيها.
ولابد أن يُلازِم ذلك آداب عامة تلتزمها أثناء ارتيادك لهذه المكتبات، منها:
أن تحرص على المحافظة على الكتاب، وعلى نظافته، وعدم تشويهه وعدم توسيخه، وأن تحرص أيضاً على عدم إهانة الكتاب؛ بأن تتعامل معه معاملة غير لائقة، يعني الكتاب لابد أن يُعَظَّم ويحترم ويُبَجَّل ويعامل معاملة جيدة حسنة؛ حتى يبقى على مَرِّ الأيام، إلى آخر هذه الآداب التي قد تستفيدها على مَرِّ تَرْدَادِكَ على هذه المكتبات.
القاعدة الثامنة:
من وسائل تحصيل الكتاب: "الاستعارة" سواءً من المكتبات العامة، أو المكتبات الخاصة. هذه الاستعارة لها آداب وهي: أن تتلطف، وأن تتجمل إلى صاحب المكتبة، سواءً كانت عامة أو خاصة حتى يعينك بعد ذلك على الاستمرار في الاستعارة.
خاصةً: في المكتبات العامة؛ لأن الموظفين فيها إذا وجدوا جميل الخُلُق من المستعير فإنهم بعد ذلك يريحونه كثيرًا في مسألة الاستعارة.
وخاصةً:الاستعارة من المكتبات الخاصة؛ لأن في كتاب "الجامع لآداب الراوي والسامع" تقريباً، للخطيب البغدادي تكلَّم عن هذه المسألة، مسألة استعارة الكتب، أو في كتاب "تقييد العلم" له أيضاً، لا أذكر بالضبط، لكن هو في أحد هذين الكتابين تكلَّم على مذاهب السلف في إعارة الكتب، السلف اختلفوا فيها على أمرين، أو على قولين:
فكان بعض السلف لا يُعِيرُ أحداً أبداً أي كتاب من مكتبته؛ وذلك بسبب ما كان يعاني من المستعيرين؛ يستعير مثلاً منه كتاب ويرده بعد عام، أو يرده وقد تقطع، وقد تمزق وقد أُهِين.
وبعض السلف كان يُعيرُ كتبه حتى وإن عانى من هذه الأمور.
وعلى ذلك: أنت إذا أردت أن تستمر في أن يعينك صاحب المكتبة على الاستعارة فإنك لابد أن يظهر منك حُسْنُ تصرف في الكتاب الذي تستعيره، وحسن ملاطفة لدى صاحب المكتبة حتى يستمر في إعارتك للكتب.
القاعدة التاسعة:
من وسائل تحصيل المعلومة من الكتب أيضاً: الاستنساخ والتصوير.
"الاستنساخ" يعني: أنك تنسخ هذه الكتب، وتخيل أن الاستنساخ كانت وسيلة السلف جميعاً في تحصيل الكتب.
يعني مثلاً: كان طالب العلم فيهم إذا أراد أن يُحَصِّل "سير أعلام النبلاء" ولا يملك أموال ليشتري الكتاب، أو "فتح الباري" ماذا كان يفعل؟
كان يأتي بالكتاب وينسخه جزء جزء، وكان هذا حال الإمام ابن تيمية، وابن حجر وغيرهم من العلماء، كان معظم تحصيلهم للكتب عن طريق الاستنساخ؛ عن طريق نسخ الكتاب.
وهذا يدلك على أن هؤلاء العلماء نالوا العلم بتعب حقيقي.
فتخيل واحد مثلاً قرأ "فتح الباري" كله ليس عن طريق التحصيل العادي أنه اشترى الكتاب وقرأه، لا، عن طريق نسخ هذا الكتاب؛ حتى يُحصِّل هذه النسخة!
بل إن بعضهم ممن كان يشتري الكتاب، وهذا يُروى عن الإمام "ابن دقيق العيد"، قيل: أنه لمَّا اشترى كتاب "شرح الرافعي على الوسيط" للغزالي، قيل: إنه كان يكتفي من الصلوات بالفرائض، ولا يتفرغ بين الصلاة والصلاة إلا لقراءة هذا الكتاب.
وقيل: إنه فرغ من قراءته في خمسة أيام، كان يصلي وبعد أن يقول "السلام عليكم ورحمة الله" يذهب فورًا إلى بيته من أجل أن يقرأ الكتاب، يُؤذَّنُ للصلاة يأتي إلى المسجد يصلي الفريضة، هذا من نَهَمِهِ..
لكن للأسف: نحن نشتري الكتاب، ويمكث عندنا سنين ودهور طويلة، ولا نفتح فيه صفحة، هذا هو الفارق بين النَّهَمِ الحقيقي الذي كان عليه سلف هذه الأمة في تحصيل العلم، وفي قراءة الكتب.
التصوير: وهذا الأمر متاح في هذه العصور، ولكن لابد في حق مُستخدِم هذه الطريقة أن يراعي الله في هذا الأمر؛ يعني: لا يجوز له أبداً أن يُهدِرَ حقوق المؤلفين والعلماء الذين صنَّفُوا الكتب؛ بحيث يتاجر في التصوير.
تصوير الكتب وعدم شراء الكتب، والاستعاضة( ) عن شراءها بتصويرها لا يحل، ولا يجوز إلا في حق العاجز عن شراء الكتاب.
وَقِسْ على ذلك أيضاً مذكرات المدرسين، وأساتذة الجامعات وكتبهم التي تُباع بأسعار غالية؛ لأن بعض الإخوة كان يسأل عن تصوير المذكرات والكتب، فبعض المدرسين أو الأساتذة لا يُحِلُّ لأحد من الطلبة أن يُصوِّر..
لكن هذا الأمر ليس بصحيح، يجوز التصوير والاستنساخ، ولكن بشرط أن تكون عاجزاً عن شراء الكتاب؛ لأن العلم في أصل أمره مَشاع، وليس ملكاً محتكراً.
القاعدة العاشرة:
تقسيم الكتاب، ولتوزيع الكتاب وفق مرحلة زمنية معينة.
وهذا المنهج لابد أن يكون واضعه من المتخصصين، وأن تكون مُتابَعاً ومراقباً ممن يعينك ويساعدك على تحصيل المعلومة من الكتاب.
فمثلاً: إذا أردت أن تدرس علماً من العلوم الشرعية، وليكن مثلاً "حفظ القرآن"، حفظ القرآن لابد له من منهج تسير عليه؛ لتستمر وتدوم في تحصيل هذا الحزب..
لابد أن يكون المنهج مُقسَّم على مراحل معينة، وكل مرحلة فيها متابعة وامتحان ومراقبة؛ حتى تدوم وتستمر بهذه الطريقة.
طبعاً وجود المنهج في حد ذاته ليس مشكلة، ولكن المشكلة في التزامك بهذا المنهج..
لذلك نقول: قبل هذا المنهج لابد من وجود الرغبة، والنية، والنَّهَم، والإرادة، والعزيمة، إلى آخر هذه العناصر التي تدفع الإنسان إلى الالتزام بهذا المنهج..
ويضبط ذلك كله وجود المُراقِب والمُتابِع لتنفيذ المنهج.
يعني نحن هناك بعض المناهج طُبِعَت في "التكفير، والعقيدة، والمصطلح، والحديث" ونحو ذلك لمن أراد أن يأخذها أو ينسخها.
نأتي إلى بعض الفوائد المُتعلِّقة بكيفية القراءة العلمية، وكيفية إيجاد الوسيلة المناسبة العلمية المتطورة لتحصيل أكبر قدر ممكن من المعلومات أثناء قراءة الكتاب:



توقيع نفحات بنت محمد الصياد
نفحات بنت محمد الصياد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس