عرض مشاركة واحدة
قديم 10-08-10, 08:15 PM   #17
طالبة الرضوان
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

بسـم اللـه الرحمـن الرحـيـم



قــــلــــوب الصــــائـــمــين



فـضـيــلــة الشــيـخ سعــد بـن نـاصــر الشثري


الـــرضــــــا



أما بعد ...
فإن من الأعمال العظيمة الفائدة ،الكبيرة الأثر ،العميمة الثمرة ،الواسعة النفع ،أن يرضى العباد بقضاء الله ، وأن ترضى القلوب بأمر الله ونهيه ، بحيث تكون القلوب مبتهجة بذلك كله ..راضية به ، فترضى بقضاء الله ، وترضى بأوامر الله ،إذا جاء أمر من أوامر الله أو نهي من نواهيه ، رضيت القلوب بذلك ..



الرضا :سرور القلب بأوامر الله وأقداره ولو كانت مؤلمة ..



الرضا :عدم الجزع مما قضاه الله وقدّره ، فأهل الإيمان يرضون عن الله ، ويرضون بأحكام الله ، فيُسلّمون لها تمام التسليم ، ولا يوجد في قلوبهم أي اعتراض عليها ، سواءً كانت من الأحكام الشرعية أو الأحكام القدرية .



رضا العبد عن الله.. أن لا يكره ما يجري به قضاءه ، وأن لا يسخط شيئاً من أوامره ، كان من دعاء النبي صلّى الله عليه وسلم ( اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء ) ، وقد جاء في الحديث أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم قال : { ذاق طعم الإيمان ،}وقال النبي صلّى الله عليه وسلم :{ من قال حين يسمع النداء: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا، غفرت له ذنوبه } ،وفي سنن ابن ماجه { ما من مسلم أو إنسان أو عبد يقول حين يمسي وحين يصبح رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا الا كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة فهذه الأحاديث عليها مدار عظيم من مقامات الدين ، وإليها ينتهي منزلة عالية من منزلة هذه الشريعة ، فقد تضمنت هذه الأحاديث الرضا بربوبية الله جلَّ وعلا وألوهيته سبحانه ، وتضمنت أيضا الرضا برسول الله صلّى الله عليه وسلم والانقياد له ، وتضمنت أيضا الرضا بدين الله مع التسليم له ،ومن اجتمعت له هذه الأمور ، فهو الصدّيق حقّا ، من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا



فالرضا بإلوهية الله يتضمن:



الرضا بمحبته وحده ، وخوفه ورجاءه ، والإنابة إليه ،، مع امتداد قوى القلب كلها لله وحده ،، ولا يحب الا لله ، وذلك فعل الراضي كل الرضا بمحبوبه ، وهذا يتضمن عبادة الله والإخلاص له وحده والتبتل إليه سبحانه بحيث لا يريد العبد الا الله ..



وأما الرضا بربوبية الله فيتضمن الرضا بتدبيره لعبده ..



ويتضمن أن العبد يرضى بكل ما قدّره الله عليه ، ولو كان من المصائب ، ويتضمن إفراد الله بالتوكّل عليه ، وبالاستعانة به ،، وأن يكون المرء راضيا ً بكل ما يفعله الله به ، فالنوع الأول يتضمن رضا العبد بما يؤمر به، والنوع الثاني يتضمن رضا العبد بما يقدّره الله عليه والثقة به والاعتماد عليه.



وأما الرضا بنبيه رسولا ..



فيتضمن كمال الانقياد له ، والتسليم المطلق إليه ، بحيث يكون أولى به من نفسه ، فلا يتلقّى الهدى الا من مواقع كلماته صلّى الله عليه وسلم ،ولا يحاكم الا إليه وإلى كتاب ربه ، ولا يحّكم غيره ،ولا يكون راضيا ً بحكم غيره ، لا في شيء من أحكامه الظاهرة أو الباطنة ، فإن عجز عن العثور على حكمه ، كان تحكيمه لغيره من باب الاضطرار كالمضطر لا يجد طعاما ً الا الميتة والدم .



وأما الرضا بدين الله ..


فإذا قال شرع الله سلّم له ، ورضي به ، أو حكم الله أو أمر أو نهى .. رضي كل الرضا بذلك ، ولم يبقى في قلبه حرج من حكمه ، وسلّم له تسليما ولو كان مخالفا ً لمراد نفسه أو هواها أو قول مقلّده أو شيخه أو طائفته، وثمرة الرضا بذلك .. الفرح والسرور بالرب تبارك وتعالى .



من كمال عبودية العبد..



علمه بأن وقوع البلّية عليه من تقدير المالك الحكيم ، الذي هو أرحم بك يا أيها العبد منك بنفسك ،فيوجب له ذلك الرضا بالله والشكر له على تدبيره ولو كان مكروها ً له ..قال تعالى ) قُل لَن يُصِيبَنَا الا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَولانَا وَعلَََى اللهِ فَليَتوكّلِ المُؤمِنُون( أي هو متولي أمورنا الدينية و الدنيوية ، ولذلك فهو لا يقدّر لنا الا ما كان أحسن لنا ، فعلينا الرضا بأقداره .



عدم رضا القلب .. يوجب قلق القلب واضطرابه وهمّه وغمّه ، ومن ارتقى إلى الرضا في المصائب ، علم أن الرضا جنّة الدنيا ، ومستراح العابدين ، وباب الله الأعظم ، ورأى ذلك نعمة لما فيه من صلاح قلبه ، ودينه ، وقربه إلى الله ، وتكفير سيئاته ،ومما يجعله يصدّ عن ذنوب تدعوا إليها شياطين الإنس والجن ، قال الله تعالى ) هذا يَومُ يَنفَعُ الصَادِقينَ صِدقهُم لَهُم جَنَّاتٌ تَجِرِي مِن تَحتِهَا الأنهار خَالِدينَ فِيهَا أبَدَا رَضيَ اللهُ عَنهُم ورَضُوا عنه ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيم ( وقال )والسَابِقُونَ الأَوّلُونَ مِن المُهَاجِرِينَ و الأنصَار والّذينَ اتّبَعُوهُم بإحسَان ٍرَضِيَ اللهُ عَنهُم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنّات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ( ، وقال) إنَّ الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَالِحاَت أولَئِكَ هُم خَيرُ البَرِيّة جَزَاءُهُم عِندَ رَبّهِم جَنَّاتُ عَدن ٍتَجرِي مِن تَحتِهَا الأنهَار خَالدِِين فِيهَا أبَدا رَضِيَ اللهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنه ذَلِكَ لِمَن خَشِيَ رَبّه( .



إن الصبر والإكثار من الصلوات والأذكار ، يجعل العبد يشعر بالرضا ، قال تعالى) فاصبر عَلَى مَا يَقُولُون وَسَبّح بِحَمدِ رَبّكَ قَبلَ طُلُوع ِالشَمس وَقبل غُرُوبِهَا وَمِن آنَاءِ الليلِ فَسَبّح وَأطرَاف النّهَار لَعَلّكَ تَرضَى كتب عمر ابن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه (الخير كله في الرضا ، فإن استطعت أن ترضى و الا فاصبروفي حديث علي :{ إن الله يقضي بالقضاء ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط قال الربيع ابن أنس:{علامة الشكر ، الرضا بقدر الله والتسليم لقضائه}.



وليعلم العبد بأنّ دعاءه لله وتضرعه بين يديه ،لا ينافي الرضا ، وأن بذله للأسباب التي تكشف ما يكرهه ، ليس مما ينافي الرضا ..



أسأل الله جلَّ وعلا أن يجعلنا وإياكم ممن رضي بقدر الله وأمره .. هذا والله أعلم ، وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...




توقيع طالبة الرضوان
سبحان الله،والحمد لله،ولا إله إلا الله،والله أكبر ..
طالبة الرضوان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس