عرض مشاركة واحدة
قديم 27-04-23, 11:23 PM   #34
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
Mo

المجلس الثالث والثلاثون

شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل
سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيلأبو الأعور -
من العشرة المبشرين بالجنة

مِن مَناقِبِه شَهادةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لهُ بالجَنَّةِ مَعَ جَماعةٍ مِنَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم.
عشرةٌ في الجنَّةِ : أبو بَكْرٍ في الجنَّةِ ،وعُمرُ في الجنَّةِ ، وعليٌّ وعثمانُ والزُّبَيْرُ وطلحةُ وعبدُ الرَّحمنِ وأبوعُبَيْدةَ وسعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ . قالَ : فعدَّ هؤلاءِ التِّسعةَ وسَكَتَ عنِالعاشرِ ، فقالَ القومُ : ننشدُكَ اللَّهَ يا أبا الأعورِ منِ العاشرُ ؟ قالَ : نشدتُموني باللَّهِ ، أبو الأعوَرِ في الجنَّةِ"الراوي : سعيدبن زيد - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3748 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.

ذكرنا نبذة عن المبشرين بالجنة وبقي أبو الأعور الذي هو - سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل- نعيش مع هذا الصحابي الجليل المبشر بالجنة في هذه السطور:
هو أبو الأعور ،سعيد بن زيد بن عمروبن نفيل نفيل بن عبد العزى بن رباح ابن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي العدوي ،أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، ومن السابقين الأولين ، كان أبوه زيد بن عمرو بن نفيل أحد الحنفاء الذين طلبوا دين الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام قبل أن يبعث النبي عليه الصلاة والسلام ، فقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يعش حتى بُعث. ، وكان لا يذبح للأصنام ولا يأكل الميتة والدم وكان يقول لقومه:يا معشر قريش والله لا آكل ما ذبح لغير الله، والله ما أحد على دين إبراهيم غيري .وأم سعيد بن زيد "فاطمة بنت بعجة بن مليح الخزاعية" كانت من السابقين إلى الإسلام، وهو ابن عم عمر بن الخطاب وصهره ؛كانت تحته فاطمة بنت الخطاب أخت عمر بن الخطاب ،وكانت أخته عاتكة بنت زيد بن عمرو تحت عمر بن الخطاب، أسلم قبل عمر بن الخطاب هو وزوجته فاطمة، وهاجرا، وكان من سادات الصحابة. قال عروة والزهري وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق والواقدي وغير واحد:لم يشهد بدرًا لأنه قد كان بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وطلحة بن عبيد الله بين يديه يتجسسان أخبار قريش، فلم يرجعا حتى فرغ من بدر فضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهميهما وأجرهما، ولم يذكره عمر في أهل الشورى لئلا يُحَابَى بسبب قرابته من عمر فيولَى، فتركه لذلك ولم يتولَ بعده ولاية وما زال كذلكحتى مات. كتاب الموسوعة العقدية - الدرر السنية
أبو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل:
اسم أبيه : زَيْد بن عَمْرِو بن نُفَيْل، كان على دين إبراهيم
"أنَّ زَيْدَ بنَ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إلى الشَّأْمِ يَسْأَلُ عَنِ الدِّينِ، ويَتْبَعُهُ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ اليَهُودِ فَسَأَلَهُ عن دِينِهِمْ، فَقالَ: إنِّي لَعَلِّي أنْ أدِينَ دِينَكُمْ، فأخْبِرْنِي، فَقالَ: لا تَكُونُ علَى دِينِنَا حتَّى تَأْخُذَ بنَصِيبِكَ مِن غَضَبِ اللَّهِ، قالَ زَيْدٌ: ما أفِرُّ إلَّا مِن غَضَبِ اللَّهِ، ولَا أحْمِلُ مِن غَضَبِ اللَّهِ شيئًا أبَدًا، وأنَّى أسْتَطِيعُهُ! فَهلْ تَدُلُّنِي علَى غيرِهِ؟ قالَ: ماأعْلَمُهُ إلَّا أنْ يَكونَ حَنِيفًا، قالَ زَيْدٌ: وما الحَنِيفُ؟ قالَ: دِينُ إبْرَاهِيمَ؛ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا، ولَا نَصْرَانِيًّا، ولَا يَعْبُدُ إلَّا اللَّهَ، فَخَرَجَ زَيْدٌ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ النَّصَارَى فَذَكَرَ مِثْلَهُ،فَقالَ: لَنْ تَكُونَ علَى دِينِنَا حتَّى تَأْخُذَ بنَصِيبِكَ مِن لَعْنَةِ اللَّهِ، قالَ: ما أفِرُّ إلَّا مِن لَعْنَةِ اللَّهِ، ولَا أحْمِلُ مِن لَعْنَةِ اللَّهِ، ولَا مِن غَضَبِهِ شيئًا أبَدًا، وأنَّى أسْتَطِيعُ! فَهلْ تَدُلُّنِي علَى غيرِهِ؟ قالَ: ما أعْلَمُهُ إلَّا أنْ يَكونَ حَنِيفًا، قالَ: وما الحَنِيفُ؟قالَ: دِينُ إبْرَاهِيمَ؛ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا، ولَا نَصْرَانِيًّا، ولَايَعْبُدُ إلَّا اللَّهَ، فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ في إبْرَاهِيمَ عليه السَّلَامُ خَرَجَ، فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أشْهَدُ أنِّي علَى دِينِ إبْرَاهِيمَ."الراوي : عبدالله بن عمر - صحيح البخاري.الدرر .

"أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَقِيَ زَيْدَ بنَ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ بأَسْفَلِبَلْدَحٍ قَبْلَ أنْ يَنْزِلَ علَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الوَحْيُ،فَقُدِّمَتْ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سُفْرَةٌ، فأبَى أنْ يَأْكُلَمنها، ثُمَّ قَالَ زَيْدٌ: إنِّي لَسْتُ آكُلُ ممَّا تَذْبَحُونَ علَىأنْصَابِكُمْ، ولَا آكُلُ إلَّا ما ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عليه، وأنَّ زَيْدَ بنَ عَمْرٍو كانَ يَعِيبُ علَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ، ويقولُ: الشَّاةُ خَلَقَهَا اللَّهُ، وأَنْزَلَ لَهَا مِنَ السَّمَاءِ المَاءَ، وأَنْبَتَ لَهَا مِنَ الأرْضِ،ثُمَّ تَذْبَحُونَهَا علَى غيرِ اسْمِ اللَّهِ! إنْكَارًا لِذلكَ وإعْظَامًا له."الراوي : عبدالله بن عمر - صحيح البخاري
الشرح:
كانَ في الجاهِليَّةِ -وهي حِقْبةُ ما قبْلَ الإسْلامِ- مَن يَعبُدُ اللهَ سُبحانَه وتعالَى وحْدَه، ويَرفُضُ ما تَدْعو إليه هذه الجاهلِيَّةُ مِن عِبادةِ غَيرِ اللهِ والإشْراكِ به، ومِن هؤلاء زَيدُ بنُ عَمرِو بنِ نُفَيلٍ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَرَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّصلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَقيَ زَيدَ بنَ عَمرِو بنِ نُفَيلٍ ببَلْدَحٍ، وهو وادٍ قِبلَ مكَّةَ مِن جِهةِ المَغرِبِ، أو مَكانٌ في طَريقِ التَّنْعيمِ، وزَيدٌ هو ابنُ عَمِّ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ بنِ نُفَيلٍ،وكان ممَّن طلَبَ التَّوْحيدَ وخلَعَ الأوْثانَ، وجانَبَ الشِّركَ، لكنَّه ماتَ قَبْلَ مَبعَثِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان يَقولُ: أنا على دِينِ إبْراهيمَ، وكان إنْكارُه على قُرَيشٍ ما همْ فيه مِن قُوَّةِ يَقَظتِه، وجَوْدةِ فَهمِه، ومَنِ استعَمَلَ عَقلَه وفَهْمَه، دلَّه على الخالِقِ سُبحانَه.
وفي هذا اللِّقاءِ قُدِّمَت إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سُفْرةٌ، أي: طَعامٌ يتَّخِذُه المُسافِرُ ويُحمَلُ في جِلدٍ مُستَديرٍ، فأبَى زَيدُ بنُ عَمرِو بنِنُفَيلٍ أنْ يَأكُلَ منها، ثمَّ خاطَب الَّذين قدَّموا السُّفْرةَ، فقال: إنِّيلَستُ آكُلُ ممَّا تَذبَحونَ على أنْصابِكم، وهي الأحْجارُ الَّتي كانت حَولَالكَعْبةِ يَذبَحونَ عليها للأصْنامِ، ولا آكُلُ إلَّا ما ذُكِرَ اسمُ اللهِ عليه.
وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قبْلَ مَبعثِه لا يَأكُلُ مِن ذَبائِحهم لأصْنامِهم، وكان زَيدٌ يَعيبُ على قُرَيشٍ ذَبائحَهمُ الَّتي يَذبَحونَها لغَيرِ اللهِ،ويَقولُ لهم إنْكارًا لذلك الفِعلِ وإعْظامًا له: الشَّاةُ خلَقَها اللهُ، وأنزَلَ لها منَ السَّماءِ الماءَ لتَشرَبَه، وأنبَتَ لها منَ الأرضِ الكَلَأَ لتَأكُلَه،ثُمَّ تَذبَحونَها على غَيرِ اسمِ اللهِ! فتُشرِكونَ معَه غَيرَه في الذَّبحِ، وهذا مِن كُفرِ النِّعمةِ ومنَ الشِّركِ! الدرر.
- قال ابن بطال – رحمه الله " كانت السفرة لقريش فقدموها للنبي – صلى الله عليه وسلم – فأبى أن يأكل منها ، فقدمها النبي – صلى الله عليه وسلم – لزيد بن عمرو ، فأبى أن يأكل منها ، وقال مخاطبًا لقريش الذين قدموها أولًا : إنا لا نأكل ما ذبح على أنصابكم " عمدة القاري 11/540"

وكان زيد يُحيي الموؤدةَ :
عن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ قالَت : رأيتُ زيدَ بنَ عمرِو بنِ نُفَيْلٍ قائمًا مسنِدًا ظَهْرَهُ إلى الكَعبةِ يقولُ: يا معشر قُرَيْشٍ، واللَّهِ ما مِنكُم علَى دينِ إبراهيمَ علَيهِ السَّلامُ غيري، وَكانَ يُحيي الموؤدةَ ، يقولُ للرَّجلِ إذا أرادَ أن يقتُلَ ابنتَهُ، لا أَنا أَكْفيكَ مؤنتَها، فيأخذُها فإذا ترَعرعَتْ قالَ لأبيها : إن شئتَ دفعتُها إليكَ ، وإن شت كفيتُكَ مؤنتَها"الراوي: أسماء بنت أبي بكر- المحدث : الألباني- المصدر : فقه السيرة-الصفحة أو الرقم- 84- خلاصة حكمالمحدث : صحيح والبخاري إنما خرجه معلقا.
يُبعثُ أمَّةً وحدَه يومَ القيامةِ :
"......ماتَ زيدُ بنُ عمرو بنِ نُفَيْلٍ قَبلَ أن يبعثَ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ:يأتي يومَ القيامةِ أمَّةً واحدة"الراوي :زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم - المحدث : الوادعي - المصدر :الصحيح المسند -الصفحة أو الرقم: 362 - خلاصة حكم المحدث : حسن.
*سَعيد بنَ زَيدٍ بنَ عمرِو بنِ نُفَيْلٍ:
إسلامُه المُبَكِّرُ:
سَمِعْتُ سَعِيدَ بنَ زَيْدٍ، يقولُ لِلْقَوْمِ: لو رَأَيْتُنِي مُوثِقِي عُمَرُ علَى الإسْلَامِ، أنَا وأُخْتُهُ، وما أسْلَمَ، ولو أنَّ أُحُدًا انْقَضَّ لِما صَنَعْتُمْ بعُثْمَانَ، لَكانَ مَحْقُوقًا أنْ يَنْقَضَّ."الراوي : قيس بن أبي حازم-صحيح البخاري.

عن قَيسِ بنِ أبي حازِمٍ قال: سَمِعتُ سَعيدَ بنَ زَيدٍ يَقولُ للقَومِ في مَسجِدِ الكُوفةِ "واللهِ لقَد رَأيتُني وإنَّ عُمَرَ لِمُوثِقي عَلى الإسلامِ قَبلَ أن يُسْلِمَ عُمَرُ، ولو أنَّ أحَدًا ارفَضَّ للَّذي صَنَعتُم بعُثمانَ لكانَ مَحقوقًا أن يَرفَضَّ"صحيح البخاري.
شرح الحديث:
اللهُ سُبحانَه وتعالَى يَهْدي لنُورِه مَن يَشاءُ؛ فقدْ كان عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه مِن أشدِّ النَّاسِ عَداوةً للمُسلِمينَ بادئَ الأمرِ، ثُمَّ منَّ اللهُ تعالَى عليه بالإسْلامِ، فكان إسْلامُه نَصرًا للمُسلِمينَ، ولم يزَلْ مَصدَرَ عِزَّةٍ للإسْلامِ وأهلِه إلى أنْ قُتِلَ رَضيَ اللهُ عنه.
وفي هذا الحَديثِ يَذكُرُ سَعيدُ بنُ زَيدِ بنِ عَمرِو بنِ نُفَيلٍ رَضيَ اللهُ عنه -وكان زَوجَ فاطمةَ بنتِ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنها أُختِ عُمَرَ، وكان يُحدِّثُ بهذا الحَديثِ في مَسجِدِ الكوفةِ: أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه كان يُوثِقُه على الإسْلامِ، أي: يَربِطُه بحَبلٍ ونَحوِه بسبَبِ إسْلامِه؛ إهانةً له، وإلزامًا له للرُّجوعِ عنِ الإسْلامِ.
ثُمَّ يقولُ سَعيدُ بنُ زَيدٍ رَضيَ اللهُ عنه"ولو أنَّ أُحُدًا ارْفَضَّ للَّذي صنَعْتُم بعُثْمانَ لكان!" أي: لو أنَّ أُحُدًا -وهو الجَبَلُ المَعروفُ بالمَدينةِ المُنوَّرةِ- انقَضَّ وزالَ مِن مَكانِه، وتَفرَّقَتْ أجْزاؤُه؛ لِمَا وقَعَ لعُثْمانَ بنِ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه منَ القَتلِ " لَكانَ مَحْقُوقًا أنْ يَنْقَضَّ." أو " لكانَ مَحقوقًا أن يَرفَضَّ "لكان حَقيقًا بهذا الارْفِضاضِ، وإنَّما قال سَعيدٌ رَضيَ اللهُ عنه ذلك؛ لعِظَمِ جَريمةِ قَتلِ عُثْمانَ رَضيَ اللهُ عنه.
وفي ذِكرِ ما فعَل عُمَرُ معَ ما صَنَعوا بعُثْمانَ، وتَعقيبِه بقولِه"ولَو أَنَّ أُحُدًا ارْفَضَّ" إشارةٌ لَطيفةٌ؛ وهي أنَّ الأحْوالَ قد تُفْضِي بالنَّاسِ إلى أنْ يَكونوا على ضَلالةٍ وهُمْ يَحْسَبونَ أنَّهم مُهْتَدونَ، كما أنَّ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه كان قبْلَ إسْلامِه يَرى خَطأَه صَوابًا في ربْطِ أُخْتِه وزَوجِها؛ ليَرُدَّهما إلى الكُفرِ وعنِ الإسْلامِ؛ فكذلك مَن رَأى ما فُعِلَ بعُثْمانَ صَوابًا، كأنَّ سَعيدَ بنَ زَيدٍ رَضيَ اللهُ عنه يَتعجَّبُ مِن انْقِلابِ الزَّمانِ في هذه المُدَّةِ اليَسيرةِ، حيثُ إنَّ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه كان حبَسَه على الإسْلامِ وهو كافرٌ، وأنتمْ قتَلْتُم عُثْمانَ وأنتم مُسلِمونَ، وهو على الإسْلامِ أيضًا، فكيف انقَلَبَ الزَّمانُ على هذا الحالِ!
والمَعنى: أنَّ هذا الَّذي فعَلْتُم بعُثْمانَ -يا مَن رَأيْتُموه صَوابًا- هو مِن ذلك الجِنسِ وذلك الحَيِّزِ، وأنَّه عندَ مَن يُؤمِنُ باللهِ العَظيمِ عظيمٌ وخطيرٌ، حتَّى لو قدْ زالَ وانقَضَّ له جَبلُ أُحُدٍ، لكان جَديرًا به هذا الزَّوالُ؛ لعِظَمِ ما صنَعْتُم وهَولِه.
وفي الحَديثِ: فَضيلةُ سَعيدِ بنِ زَيدٍ رَضيَ اللهُ عنه بثَباتِه على الحقِّ بِدايةَ إسْلامِه، وإنْكارِه على قَتَلةِ عُثْمانَ بنِ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه.الدرر.

من كرامة الله -عز وجل- لسعيد بن زيد أن الله أجاب دعوته لما ظُلِم وشاهدها حيًّا قبل أن يموت:
"أنَّ أَرْوَى بنْتَ أُوَيْسٍ، ادَّعَتْ علَى سَعِيدِ بنِ زَيْدٍ أنَّهُ أَخَذَ شيئًا مِن أَرْضِهَا، فَخَاصَمَتْهُ إلى مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، فَقالَ سَعِيدٌ: أَنَا كُنْتُ آخُذُ مِن أَرْضِهَا شيئًا بَعْدَ الذي سَمِعْتُ مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: وَما سَمِعْتَ مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ؟ قالَ: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: مَن أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأرْضِ ظُلْمًا، طُوِّقَهُ إلى سَبْعِ أَرَضِينَ، فَقالَ له مَرْوَانُ: لا أَسْأَلُكَ بَيِّنَةً بَعْدَ هذا. فَقالَ: اللَّهُمَّ، إنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَعَمِّ بَصَرَهَا، وَاقْتُلْهَا في أَرْضِهَا. قالَ: فَما مَاتَتْ حتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا، ثُمَّ بيْنَا هي تَمْشِي في أَرْضِهَا، إذْ وَقَعَتْ في حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ".الراوي : عروة بن الزبير-صحيح مسلم.

"أنَّ أَرْوَى خَاصَمَتْهُ في بَعْضِ دَارِهِ، فَقالَ: دَعُوهَا وإيَّاهَا، فإنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: مَن أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأرْضِ بغيرِ حَقِّهِ، طُوِّقَهُ في سَبْعِ أَرَضِينَ يَومَ القِيَامَةِ، اللَّهُمَّ، إنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فأعْمِ بَصَرَهَا، وَاجْعَلْ قَبْرَهَا في دَارِهَا. قالَ: فَرَأَيْتُهَا عَمْيَاءَ تَلْتَمِسُ الجُدُرَ تَقُولُ: أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعِيدِ بنِ زَيْدٍ، فَبيْنَما هي تَمْشِي في الدَّارِ مَرَّتْ علَى بئْرٍ في الدَّارِ، فَوَقَعَتْ فِيهَا، فَكَانَتْ قَبْرَهَا." الراوي : سعيد بن زيد/صحيح مسلم.
في الحَديثِ: أنَّ المالَ المُقتَطَعَ مِنَ المُسلِمِ بغَيرِ وَجْهِ حَقٍّ؛ لا يُبارَكُ فيه.
وقَولُه "شِبرٍ" ليسَ المَقصودُ منه المِقدارَ، بلِ المَقصودُ التَّقليلُ؛ فيَشمَلُ ما فَوقَه وما دُونَه.
طُوِّقَهُ في سَبْعِ أَرَضِينَ يَومَ القِيَامَةِ :والمقصود من هذا الحذر من ظلم الأرض والتَّعدي عليها، وأن ذلك مما يؤدي إلى هذه العقوبة العظيمة، طُوِّقَهُ إلى سَبْعِ أَرَضِينَ: قيل: - طُوِّقَه مِن سَبعِ أرَضينَ يَومَ القيامةِ، فيُجعَلُ هذا المِقدارُ مِنَ الأرضِ كالطَّوقِ يُحيطُ به يَومَ القيامةِ؛ عِقابًا له، وقيلَ: يُطوَّقُ ما يَكونُ ثِقَلَ المَغصوبِ مِن سَبْعِ أرَضينَ، وقيلَ: مَعناه: أنَّه يُخسَفُ به الأرضُ؛ فتَصيرُ البُقعةُ المَغصوبةُ في عُنُقِه كالطَّوقِ، وقيلَ: مَعناه: يُطوَّقُ حَمْلَها يَومَ القيامةِ، ويَستَمِرُّ ذلك حتَّى يُفرَغَ مِن حِسابِ النَّاسِ.
ومِن مَناقِبِه رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخبَرَ بأنَّه مِنَ الصِّدِّيقين أوِ الشُّهداءِ.
"أشْهدُ على التِّسعةِ أنَّهم في الجنَّةِ ولو شَهدتُ على العاشرِ لم آثَمْ. قيلَ وَكيفَ ذلِكَ قالَ كنَّا معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وسلم بحِراءَ فقالَ "اثبت حراءُ فإنَّهُ ليسَ عليْكَ إلاَّ نبِيٌّ أو صدِّيقٌ أو شَهيدٌ "قيلَ ومن هم قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وسلم "وأبو بَكرٍ وعمرُ وعثمانُ وعليٌّ وطلحةُ والزُّبيرُ وسعدٌ وعبدُ الرَّحمنِ بنُ عوفٍ." قيلَ فمنِ العاشرُ قالَ أنا .الراوي :سعيد بن زيد-المحدث : الألباني-المصدر :صحيح الترمذي.

ففي هذا فضيلة عظيمة لسعيد بن زيد -رضي الله عنه- حيث شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة وإن مات على فراشه فهو شهيد لخبر الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام بذلك.
أنَّ سَعِيدَ بنَ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ -وكانَ بَدْرِيًّا- مَرِضَ في يَومِ جُمُعَةٍ، فَرَكِبَ إلَيْهِ بَعْدَ أنْ تَعَالَى النَّهَارُ، واقْتَرَبَتِ الجُمُعَةُ، وتَرَكَ الجُمُعَةَ."الراوي : عبدالله بن عمرصحيح البخاري.
شرح الحديث:
حقُّ المُسلِمِ على أخيه المُسلِمِ عَظيمٌ، ويَعظُمُ هذا الحقُّ إذا وقَع المُسلِمُ في ضِيقٍ، أو كَرْبٍ، أوِ اشتَدَّ عليه المرَضُ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي التَّابِعيُّ نافِعٌ مَوْلى عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، أنَّ الصَّحابيَّ سَعيدَ بنَ زَيدٍ رَضيَ اللهُ عنه مرِضَ في يَومِ جُمُعةٍ، وكان بَدْريًّا، وهو مِن العَشَرةِ المُبشَّرينَ بالجَنَّةِ، وإنَّما نُسِبَ إليه كَوْنُه بَدْريًّا معَ أنَّه لم يَشهَدْ بَدرًا؛ لأنَّه كان ممَّن ضَرَب له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بسَهْمِه وأجْرِه؛ وذلك لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَثَه وطَلْحةَ بنَ عُبَيدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما إلى طَريقِ الشَّامِ يتَحَسَّسانِ الأخْبارَ عن عِيرِ وقافِلةِ أهلِ مكَّةَ، ففاتَهما وَقْعةُ بَدرٍ، فضرَبَ لهما النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بسَهْمَيْهما وأجْرَيْهما، فعُدَّا بذلك مِن أهلِ بَدرٍ.
فلمَّا ذُكِرَ لعَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ سَعيدَ بنَ زَيدٍ رَضيَ اللهُ عنه مرِضَ، ركِبَ دابَّتَه ليَعودَه في مرَضِه، وذلك بعْدَ أنْ تَعالَى النَّهارُ، أي: ظهَر وارتَفَعَ، واقتَرَبَ دُخولُ وَقتِ الجُمُعةِ، فترَكَ ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما صَلاةَ الجُمُعةِ، وذهَبَ إليه يَزورُه؛ وذلك لعُذْرٍ، وهو إشْرافُ قَريبِه على الهَلاكِ، ولشدَّةِ حاجةِ الميِّتِ حينَئذٍ إلى مَن يَنظُرُ منه، ويَرفُقُ به، ويَقومُ عليه، وقدْ كان سَعيدٌ ابنَ عمِّ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ، وزَوجَ أُختِه، وقد رُوِيَ ذلك صَريحًا في السُّنَنِ الكُبْرى للبَيْهَقيِّ: أنَّ ابنَ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما دُعيَ إلى سَعيدِ بنِ زَيدٍ رَضيَ اللهُ عنه وهو يَموتُ، وقد كان ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما حينَها يَستَجمِرُ، ويَتطَيَّبُ استِعْدادًا للجُمُعةِ.
وفي الحَديثِ: بَيانُ مَكانةِ سَعيدِ بنِ زَيدٍ ومَنْقَبَتِه.
وفيه: بَيانُ أنَّ القيامَ على الميِّتِ رُخْصةٌ تُبيحُ تَرْكَ الواجِباتِ. الدرر.
وفاة سعيد بن زَيْد بن عَمْرِو بن نُفَيْل:
بعد عُمر عامر بالجهاد والعطاء، وحياة مليئة بالكفاح في دين الله، توفي الصحابي الجليل، وأحد المبشرين بالجنّة، بمكان يدعَى العقيق، وحُمِل على رقاب الرجال، فدفن بالمدينة، ونزل في حفرته سعد ابن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وذلك سنة خمسين أو إحدى وخمسين، وكان يوم مات ابن بضع وسبعين سنة. أخرجه ابن سعد في الطبقات: 3/379..
أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس