عرض مشاركة واحدة
قديم 16-08-09, 06:16 PM   #2
زياد عوض
حفظه الله تعالى
 
تاريخ التسجيل: 15-02-2009
المشاركات: 152
زياد عوض is on a distinguished road
افتراضي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،
ثبت عند مسلم ، وغيره من حديث ابن عمر : أنَّ حَفْصَةَ بَكَتْ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ : مَهْلاً يَا بُنَيَّةُ أَلَمْ تَعْلَمِى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :"إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ". وثبت أنَّ النَّبي بكى عند موته ابنه إبراهيم فعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : " دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ ، وَكَانَ ظِئْرًا لإِبْرَاهِيمَ ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبْرَاهِيمَ ، فَقَبَّلهُ وَشَمَّهُ ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذْرُفَانِ ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ : وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ : يا ابن عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى ، فَقَالَ : إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ ، وَلا نَقُولُ إِلا مَا يَرْضَى رَبُّنَا ، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُنُونَ ". مُتَّفَقٌ عَلَيه، وثبت بكاؤه عند وفاة ابن بنته عَنْ أُسَامَةَ ، قَالَ : حُضِرَ ابنٌ لِبِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أَنْ يَجِيءَ ، قَالَ : إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَمَا أَعْطَى ، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ إِلَى أجَلٍ مُسَمًّى ، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ ، فَرَدَّتْ إِلَيْهِ الرَّسُولَ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَمَا جَاءَ ، قَالَ : فَقَامَ وَقُمْنَا وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَحْسِبُهُ ، فَرُفِعَ الصَّبِيُّ إِلَى حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ ، قَالَ : فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ، فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ : مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : هَذِهِ الرَّحْمَةُ يَضَعُهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ ". مُتَّفَقٌ عَلَيه
وقد اختلف أهل العلم في كيفية الجمع بين هذه الأحاديث ، قال النووي في شرحه على مسلم:
أنَّ سعدا ظنَّ أنَّ جميع أنواع البكاء حرام ، وأنَّ دمع العين حرام ، وظنَّ أنَّ النَّبي صلَّى الله عليه و سلم نسي فذكره ، فأعلمه النَّبي صلى الله عليه و سلم أنَّ مجرد البكاء ، ودمع بعين ليس بحرام ، ولا مكروه بل هو رحمة وفضيلة ، وإنما المحرم النوح والندب والبكاء المقرون بهما أو بأحدهما ، كما سيأتي في الأحاديث إنَّ الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا أو يرحم وأشار إلى لسانه ، وفي الحديث الآخر العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول ما يسخط الله ، وفي الحديث الآخر ما لم يكن لقع أو لقلقة ، انتهى كلامه .
وقال ابو حعفر الطحاوي في شرح معاني الآثار عند حديث بكاء النبي على ابنه ابراهيم:
فَأَخْبَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ , بِالْبُكَاءِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ فِي الْأَحَادِيثِ الْأُوَلِ , وَأَنَّهُ الْبُكَاءُ الَّذِي مَعَهُ الصَّوْتُ الشَّدِيدُ , وَلَطْمُ الْوُجُوهِ , وَشَقُّ الْجُيُوبِ . وَبَيَّنَ أَنَّ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْبُكَاءِ , فَمَا فُعِلَ مِنْ جِهَةِ الرَّحْمَةِ , أَنَّهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ الْبُكَاءِ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ ، انتهى كلامه .
وفي حديث ابن عمر أنَّ الميت يعذب ببكاء أهله عليه، وقد ذكر العلماء أجوبة عن كون الميت يُعذب ببكاء أهله عليه، والله عز وجل قد قال: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، وأنَّ الإنسان لا يعذب بجريرة غيره، وبذنب غيره، وإنما يُعذب بعمله، فمن الأجوبة التي أجاب بها العلماء ما ذكره ابن القيم في تهذيب السنن فقال: ثُمَّ سَلَكُوا فِي ذَلِكَ طُرُقًا .
أَحَدهَا : أَنَّ ذَلِكَ خَاصّ بِمَنْ أَوْصَى أَنْ يُنَاح عَلَيْهِ , فَيَكُون النَّوْح بِسَبَبِ فِعْله , وَيَكُون هَذَا جَارِيًا عَلَى الْمُتَعَارَف مِنْ عَادَة الْجَاهِلِيَّة , كَمَا قَالَ قَائِلهمْ : إِذَا مُتّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْله ..... وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْب يَا اِبْنَة مَعْبَد، وَهُوَ كَثِير فِي شِعْرهمْ . وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَتَسَبَّب إِلَى ذَلِكَ بِوَصِيَّةٍ وَلَا غَيْرهَا فَلَا يَتَنَاوَلهُ الْحَدِيث . وَهَذَا ضَعِيف مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّ اللَّفْظ عَامّ . الثَّانِي : أَنَّ عُمَر وَالصَّحَابَة فَهِمُوا مِنْهُ حُصُول ذَلِكَ , وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ . وَمِنْ وَجْه آخَر : وَهُوَ أَنَّ الْوَصِيَّة بِذَلِكَ حَرَام يَسْتَحِقّ بِهَا التَّعْذِيب نِيحَ عَلَيْهِ أَمْ لَا . وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا عَلَّقَ التَّعْذِيب بِالنِّيَاحَةِ لَا بِالْوَصِيَّةِ .
الْمَسْلَك الثَّانِي : أَنَّ ذَلِكَ خَاصّ بِمَنْ كَانَ النَّوْح مِنْ عَادَته وَعَادَة قَوْمه وَأَهْله , وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُمْ يَنُوحُونَ عَلَيْهِ إِذَا مَاتَ . فَإِذَا لَمْ يَنْهَهُمْ كَانَ ذَلِكَ رِضًا مِنْهُ بِفِعْلِهِمْ , وَذَلِكَ سَبَب عَذَابه وَهَذَا مَسْلَك الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه , فَإِنَّهُ تَرْجَمَ عَلَيْهِ وَقَالَ " إِذَا كَانَ النَّوْح مِنْ سُنَنه " وَهُوَ قَرِيب مِنْ الْأَوَّل .
الْمَسْلَك الثَّالِث : أَنَّ الْبَاء لَيْسَتْ بَاء السَّبَبِيَّة , وَإِنَّمَا هِيَ بَاء الْمُصَاحَبَة . وَالْمَعْنَى : يُعَذَّب مَعَ بُكَاء أَهْله عَلَيْهِ , أَيْ يَجْتَمِع بُكَاء أَهْله وَعَذَابه , كَقَوْلِهِ : خَرَجَ زَيْد بِسِلَاحِهِ . قَالَ تَعَالَى { وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ } . وَهَذَا الْمَسْلَك بَاطِل قَطْعًا , فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلّ مَيِّت يُعَذَّب , وَلِأَنَّ هَذَا اللَّفْظ لَا يَدُلّ إِلَّا عَلَى السَّبَبِيَّة , كَمَا فَهِمَهُ أَعْظَم النَّاس فَهْمًا وَلِهَذَا رَدَّتْهُ عَائِشَة لَمَّا فَهِمَتْ مِنْهُ السَّبَبِيَّة , لِأَنَّ اللَّفْظ الْآخَر الصَّحِيح الَّذِي رَوَاهُ الْمُغِيرَةِ يُبْطِل هَذَا التَّأْوِيل , وَلِأَنَّ الْإِخْبَار بِمُقَارَنَةِ عَذَاب الْمَيِّت الْمُسْتَحِقّ لِلْعَذَابِ لِبُكَاءِ أَهْله لَا فَائِدَة فِيهِ .
الْمَسْلَك الرَّابِع : أَنَّ الْمُرَاد بِالْحَدِيثِ : مَا يَتَأَلَّم بِهِ الْمَيِّت , وَيَتَعَذَّب بِهِ , مِنْ بُكَاء الْحَيّ عَلَيْهِ . وَلَيْسَ الْمُرَاد : أَنَّ اللَّه تَعَالَى يُعَاقِبهُ بِبُكَاءِ الْحَيّ عَلَيْهِ , فَإِنَّ التَّعْذِيب هُوَ مِنْ جِنْس الْأَلَم الَّذِي يَنَالهُ بِمَنْ يُجَاوِرهُ مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ وَنَحْوه . قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " : السَّفَر قِطْعَة مِنْ الْعَذَاب " وَلَيْسَ هَذَا عِقَابًا عَلَى ذَنْب , وَإِنَّمَا هُوَ تَعْذِيب وَتَأَلُّم , فَإِذَا وُبِّخَ الْمَيِّت عَلَى مَا يُنَاح بِهِ عَلَيْهِ لَحِقَهُ مِنْ ذَلِكَ تَأَلُّم وَتَعْذِيب . وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ : مَا رَوَى الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير قَالَ : " أُغْمِيَ عَلَى عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة , فَجَعَلَتْ أُخْته عَمْرَة تَبْكِي : وَاجَبَلَاه وَاكَذَا , وَاكَذَا , تُعَدِّد عَلَيْهِ , فَقَالَ حِين أَفَاقَ : مَا قُلْت شَيْئًا إِلَّا قِيلَ لَهُ لِي : أَأَنْت كَذَلِكَ ؟ " . وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن ثَابِت : " فَإِذَا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَة " . وَهَذَا أَصَحّ مَا قِيلَ فِي الْحَدِيث ، انتهى كلامه .
زياد عوض غير متواجد حالياً