الموضوع: السيره النبويه
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-03-08, 01:02 AM   #18
ورده الياسيمن
~صديقة الملتقى~
 
تاريخ التسجيل: 22-10-2007
المشاركات: 952
ورده الياسيمن is on a distinguished road
افتراضي

عــام الحـــزن وفاة أبي طالب

ألح المرض بأبي طالب، فلم يلبث أن وافته المنية، وكانت وفاته في رجب سنة عشر من النبوة، بعد الخروج من الشعب بستة أشهر‏.‏ وقيل‏:‏ توفي في رمضان قبل وفاة خديجة رضي الله عنها بثلاثة أيام‏.‏

وفي الصحيح عن المسيب‏:‏ أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل، فقال‏:‏ ‏(‏أي عم، قل‏:‏ لا إله إلا الله ، كلمة أحاج لك بها عند الله ‏)‏ فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية‏:‏ يا أبا طالب، ترغب عن ملة عبد المطلب‏؟‏ فلم يزالا يكلماه حتى قال آخر شيء كلمهم به‏:‏ على ملة عبد المطلب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لأستغفرن لك ما لم أنه عنـه‏)‏، فـنزلت‏:‏‏{‏ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏113‏]‏ ونزلت‏:‏ ‏{‏إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 56‏]‏‏.‏

ولا حاجة إلى بيان ما كان عليه أبو طالب من الحياطة والمنع، فقد كان الحصن الذي احتمت به الدعوة الإسلامية من هجمات الكبراء والسفهاء، ولكنه بقى على ملة الأشياخ من أجداده، فلم يفلح كل الفلاح‏.‏

ففي الصحيح عن العباس بن عبد المطلب، قال للنبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما أغنيت عن عمك، فإنه كان يحوطك ويغضب لك‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏هو في ضَحْضَاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار‏)‏

وعن أبي سعيد الخدرى أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم ـ وذكر عنده عمه ـ فقال‏:‏ ‏(‏لعله تنفعه شفاعتى يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من النار تبلغ كعبيه‏)‏

خديجة إلى رحمة الله

وبعد وفاة أبي طالب بنحو شهرين أو بثلاثة أيام ـ على اختلاف القولين ـ توفيت أم المؤمنين خديجة الكبرى رضي الله عنها وكانت وفاتها في شهر رمضان في السنة العاشرة من النبوة، ولها خمس وستون سنة على أشهر الأقوال، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذاك في الخمسين من عمره‏.‏

إن خديجة كانت من نعم الله الجليلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقيت معه ربع قرن تحن عليه ساعة قلقه، وتؤازره في أحرج أوقاته، وتعينه على إبلاغ رسالته، وتشاركه في مغارم الجهاد المر،وتواسيه بنفسها ومالها، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏آمنت بى حين كفر بى الناس، وصدقتنى حين كذبني الناس، وأشركتنى في مالها حين حرمنى الناس، ورزقنى الله ولدها وحرم ولد غيرها‏)‏

وفي الصحيح عن أبي هريرة قال‏:‏ أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال‏:‏ يا رسول الله ، هـذه خديجة قـد أتت، معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقـرأ عليها السلام من ربها، وبشرها ببيت في الجنة من قَصَبٍ لا صَخَبَ فيه ولا نَصَبَ‏.‏

تراكم الأحزان

وقعت هاتان الحادثتان المؤلمتان خلال أيام معدودة، فاهتزت مشاعر الحزن والألم في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم تزل تتوالى عليه المصائب من قومه‏.‏ فإنهم تجرأوا عليه وكاشفوه بالنكال والأذى بعد موت أبي طالب، فازداد غمًا على غم، حتى يئس منهم، وخرج إلى الطائف رجـاء أن يستجيبوا لدعوتـه، أو يؤووه وينصـروه على قومــه، فلم يـر مـن يؤوى ولم يـر ناصرًا، بل آذوه أشد الأذى، ونالوا منه ما لم ينله قومـه‏.‏

وكما اشتدت وطأة أهل مكة على النبي صلى الله عليه وسلم اشتدت على أصحابه حتى التجأ رفيقه أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى الهجرة عن مكة، فخرج حتى بلغ بَرْك الغِمَاد، يريد الحبشة، فأرجعه ابن الدُّغُنَّة في جواره‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ لما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تطمع به في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابًا، ودخل بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه إحدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها‏:‏ ‏(‏لا تبكى يابنية، فإن الله مانع أباك‏)‏‏.‏ قال‏:‏ ويقول بين ذلك‏:‏ ‏(‏ما نالت منى قريش شيئًا أكرهه حتى مات أبو طالب‏)‏‏.‏

ولأجل توالى مثل هذه الآلام في هذا العام سمى بعام الحزن، وعرف به في السيرة والتاريخ‏.‏

الزواج بسودة رضي الله عنها‏‏

وفي شوال من هذه السنة ـ سنة 10 من النبوة ـ تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة، كانت ممن أسلم قديمًا وهاجرت الهجرة الثانية إلى الحبشة، وكان زوجها السكران بن عمرو، وكان قد أسلم وهاجر معها، فمات بأرض الحبشة، أو بعد الرجوع إلى مكة، فلما حلت خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها، وكانت أول امرأة تزوجها بعد وفاة خديجة، وكانت قد وهبت نوبتها لعائشة رضي الله عنها أخيرًا‏.‏

عوامل الصبر والثبات

وهنا يقف الحليم حيران، ويتساءل عقلاء الرجال فيما بينهم‏:‏ ما هي الأسباب والعوامل التي بلغت بالمسلمين إلى هذه الغاية القصوى، والحد المعجز من الثبات‏؟‏ كيف صبروا على هذه الاضطهادات التي تقشعر لسماعها الجلود، وترجف لها الأفئدة‏؟‏ ونظرًا إلى هذا الذي يتخالج القلوب نرى أن نشير إلى بعض هذه العوامل والأسباب إشارة عابرة بسيطة‏:‏

1 ـ الإيمــان بالله ‏:‏
إن السبب الرئيسي في ذلك أولًا وبالذات هو الإيمان بالله وحده ومعرفته حق المعرفة، فالإيمان الجازم إذا خالطت بشاشته القلوب يزن الجبال ولا يطيش، وإن صاحب هذا الإيمان المحكم وهذا اليقين الجازم يرى متاعب الدنيا مهما كثرت وكبرت وتفاقمت واشتدت ـ يراها في جنب إيمانه ـ طحالب عائمة فوق سَيْل جارف جاء ليكسر السدود المنيعة والقلاع الحصينة، فلا يبالى بشيء من تلك المتاعب أمام ما يجده من حلاوة إيمانه، وطراوة إذعانه، وبشاشة يقينه ‏{‏ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏17‏]‏‏.‏

ويتفرع من هذا السبب الوحيد أسباب أخرى تقوى هذا الثبات والمصابرة وهي‏:‏

2 ـ قيادة تهوى إليها الأفئدة‏:‏
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ـ وهو القائد الأعلى للأمة الإسلامية، بل وللبشرية جمعاء ـ يتمتع من جمال الخلق، وكمال النفس، ومكارم الأخلاق، والشيم النبيلة، والشمائل الكريمة، بما تتجاذب إليه القلوب وتتفإني دونه النفوس، وكانت أنصبته من الكمال الذي يحبَّبُ لم يرزق بمثلها بشر‏.‏ وكان على أعلى قمة من الشرف والنبل والخير والفضل‏.‏ وكان من العفة والأمانة والصدق، ومن جميع سبل الخير على ما لم يتمار ولم يشك فيه أعداؤه فضلًا عن محبيه ورفقائه، لا تصدر منه كلمة إلا ويستيقنون صدقها‏.‏

اجتمع ثلاثة نفر من قريش، وكان قد استمع كل واحد منهم إلى القرآن سرًا عن صاحبيه، ثم انكشف سرهم، فسأل أحدهم أبا جهل ـ وكان من أولئك الثلاثة‏:‏ ما رأيك فيما سمعت من محمد‏؟‏ فقال‏:‏ ماذا سمعت‏؟‏ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف؛ أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا على الركب، وكنا كَفَرَسىْ رِهَان قالوا‏:‏ لنا نبى يأتيه الوحى من السماء، فمتى ندرك هذه‏؟‏ والله لا نؤمن به أبدًا، ولا نصدقه‏.‏

وكان أبو جهل يقول‏:‏ يا محمد، إنا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به، فأنزل الله ‏:‏‏{‏ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ الله ِ يَجْحَدُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏33‏]‏‏.‏

وغمزه صلى الله عليه وسلم الكفار يومًا ثلاث مرات فقال في الثالثة‏:‏ ‏(‏يا معشر قريش، جئتكم بالذبح‏)‏، فأخذتهم تلك الكلمة حتى إن أشدهم عداوة يرفؤه بأحسن ما يجد عنده‏.‏

ولما ألقوا عليه سَلاَ جَزُورٍ وهو ساجد، دعا عليهم، فذهب عنهم الضحك، وساورهم الهم والقلق، وأيقنوا أنهم هالكون‏.‏

ودعا على عتبة بن أبي لهب فلم يزل على يقين من لقاء ما دعا به عليه حتى إنه حين رأي الأسد قال‏:‏ قتلنى والله ـ محمد ـ وهو بمكة‏.‏

وكان أبي بن خلف يتوعده بالقتل‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏بل أنا أقتلك إن شاء الله ‏)‏، فلما طعن أبيًا في عنقه يوم أحد ـ وكان خدشًا غير كبير ـ كان أبي يقول‏:‏ إنه قد كان قال لى بمكة‏:‏ أنا أقتلك، فو الله لو بصق على لقتلني ـ وسيأتي‏.‏

وقال سعد بن معاذ ـ وهو بمكة ـ لأمية بن خلف‏:‏ لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏إنهم ـ أي المسلمين ـ قاتلوك‏)‏ ففزع فزعًا شديدًا، وعهد ألا يخرج عن مكة، ولما ألجأه أبو جهل للخروج يوم بدر اشترى أجود بعير بمكة ليمكنه من الفرار، وقالت له امرأته‏:‏ يا أبا صفوان، وقد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي‏؟‏ قال‏:‏ لا والله ما أريد أن أجوز معهم إلا قريبًا‏.‏




توقيع ورده الياسيمن
[URL="http://www.manhag.net/ola/details.php?file=204"]
[/URL][URL="http://www.manhag.net/ola/details.php?file=204"]
[/URL]

[SIZE=5][COLOR=purple][I]إذا ذبلت رياحين القلب؛ فحتمًا ستجده تواقًا للعودة إلى الحياة. وإذا سئمت من الخلق جفاءهم، وتراكمت عليك الهموم والأحزان؛ لا تتردد في أن تستعيد البهجة؛ فالطريق إلى السعادة يبدأ بكلام الله. [/I][/COLOR][/SIZE]
ورده الياسيمن غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس