عرض مشاركة واحدة
قديم 16-10-06, 08:15 PM   #3
طـريق الشـروق
~مستجدة~
 
تاريخ التسجيل: 13-06-2006
المشاركات: 21
طـريق الشـروق is on a distinguished road
افتراضي


اعلم أيها القارئ الكريم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب هذا إذا كان السبب خاصًّا واللفظ عاما، فالحكم الذي يؤخذ من اللفظ العام يتعدى صورة السبب الخاص إلى نظائرها كآيات اللعان التي نزلت في قذف هلال بن أمية زوجته { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ } ...إلى قوله ... { إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ } (سورة النور 6-9.) فيتناول الحكم المأخوذ من هذا اللفظ العام { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ } غير حادثة هلال دون احتياج إلى دليل، هذا هو الرأي الراجح والأصح وهو الذي يتفق مع عموم أحكام الشريعة والذي سار عليه الصحابة والمجتهدون من هذه الأمة (1) .
_________
(1) مباحث في علوم القرآن 1 / 84، مذكرة الأصول 1 / 372، الشيخ محمد الأمين
أما صيغة سبب النزول فتارة تكون نصا في سبب النزول، وتارة تكون محتملة فتكون نصًا في سبب النزول فيما إذا قال الراوي سبب نزول هذه الآية كذا، أو إذا أتى بفاء تعقيبية داخلة على مادة النزول بعد ذكر الحادثة أو السؤال، كما إذا قال "حدث كذا" أو سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا فنزلت الآية ، فهاتان صيغتان صريحتان في السببية وتكون الصيغة محتملة للسببية ولما تضمنته الآية من الأحكام إذا قال الراوي نزلت هذه الآية في كذا، فذلك يراد به تارة سبب النزول ويراد به تارة أنه داخل في معنى الآية (1) .
هذا: وقد يتعدد السبب والمنزل واحد، وذكر العلماء لذلك أربع حالات:-
1 - إما أن تكون إحدى الروايتين صحيحة والأخرى غير صحيحة فالمعول عليه ما صحت روايته.
2 - أن تكون كلتا الروايتين صحيحة، ولأحدهما مرجح.
3 - وإما أن تكون كل منها صحيحة ولا يمكن الترجيح، وقد يمكن نزول الآية عقبها.
4 - وإما أن تكون كل منهما صحيحة ولا يمكن الترجيح ولا يمكن نزول الآية عقبها.
_________
(1) أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية 1 / 59-61
( 1 ) مثال الحالة الأولى: أن تكون إحدى الروايتين صحيحة والأخرى غير صحيحة فالمعتمد في السبب الصحيحة « أنه صلى الله عليه وسلم اشتكى فلم يقم ليلة أو ليلتين، فجاءت امراة فقالت: ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فأنزل الله { وَالضُّحَى }{ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى }{ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى }» (1) مع ما أخرجه الطبراني وابن أبي شيبة والواحدي وغيرهم بسند فيه من لا يعرف « عن حفص بن ميرة عن أمه عن أمها، وكانت خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جروا دخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فدخل تحت السرير ومات فمكث النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي، فقال: يا خولة ما حدث في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل لا يأتيني فقلت في نفسي لو هيأت البيت وكنسته فأهويت بالمكنسة تحت السرير فأخرجت الجرو، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ترعد لحيته وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته الرعدة فأنزل الله { وَالضُّحَى }» فالمعتمد الرواية الأولى لأنها صحيحة أما الثانية وإن كانت مشهورة لكنها غير صحيحة لوجود الجهالة في سندها.
_________
(1) فتح الباري 8 / 71
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (1) :قصة إبطاء جبريل بسبب الجرو مشهورة لكن كونها سبب نزول الآية غريب بل شاذ مردود وفي إسناده من لا يعرف.
( 2 ) مثال الحالة الثانية: التي هي أن تكون كلتا الروايتن صحيحة ولأحدهما مرجح ما أخرجه البخاري عن ابن مسعود قال: « كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يتوكأ على عسيب فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم لو سألتموه فقالوا حدثنا عن الروح فقام ساعة ورفع رأسه فعرفت أنه يوحى إليه ثم قال { قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا }» (2) .
مع ما أخرجه الترمذي وصححه عن ابن عباس قال: قالت قريش لليهود أعطونا شيئًا نسأل هذا الرجل يريدون النبي صلى الله عليه وسلم (3) .
فالأولى تدل على أن السائل اليهود، وأن نزولها بالمدينة والثانية تدل على أن السائل الكفار وأنها نزلت بمكة، والرواية الأولى أرجح لأمرين:
أ - أنها من رواية البخاري.
ب - أن الراوي في الأولى وهو ابن مسعود حاضر للقصة ومشاهد لها بينما ابن عباس الذي هو الراوي في الثانية لم يثبت أنه كان مشاهدا لها (4) .
_________
(1) البخاري رقم 4950، مسلم برقم 1797 الجهاد
(2) البخاري برقم 125 في كتاب العلم، ومسلم برقم 2794 في صفة القيام
(3) الإتقان 1 / 33
(4) مسلم بشرح النووي 10 / 2120
(4) مسلم بشرح النووي 10 / 2120
مثال الحالة الثالثة: التي هي أن تكون كل من الروايتين صحيحة، ولا يمكن الترجيح لكي يمكن نزول الآيتين عقب السببين لعدم العلم بالتباعد مثاله: ما أخرجه البخاري من طريق عكرمة عن ابن عباس « أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم البينة أو حد في ظهرك فقال يا رسول الله إذا وجد أحدنا مع امرأته رجلًا ينطلق يلتمس البينة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول البينة أو حدّ في ظهرك فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري فأنزل الله { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ } ... الآية » وأخرج الشيخان عن سهل بن سعد قال: « جاء عويمر إلى عاصم بن عدي فقال: اسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع به؟ فسأل عاصم رسول الله فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر عاصم عويمرا فقال: والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأسألنه فقال: إنه قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك القرآن » ... الحديث.
فهاتان الروايتان صحيحتان: ويمكن الجمع بينهما بأن أول من سأل هلال ثم سأل عويمر قبل الإجابة ثم نزلت الآيات (1) .
مثال الحالة الرابعة التي هي استواء الروايتين أو الروايات في الصحة، ولا مرجح مع عدم إمكان نزول الآية عقبها لتباعد الزمان فالحكم أن يحمل الأمر على تكرر النزول. مثال ذلك ما أخرجه البيهقي والبزار عن أبي هريرة « أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حين استشهد، وقد مثل به فقال "لأمثلن بسبعين منهم مكانك" فنزل جبريل بقوله { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ }» مع ما أخرج الترمذي والحاكم عن أبيّ بن كعب قال: لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون ومن المهاجرين ستة منهم حمزة فمثلوا بهم فقالت الأنصار لئن أصبنا منهم يومًا مثل هذا لنربين عليهم فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله سبحانه: وإن عاقبتم فعاقبوا الآية . قال في المدخل:" فالأولى تفيد أن الآيات نزلت عقب أحد والثانية تفيد أنها نزلت يوم الفتح، وبين الفتح وأحد حوالي خمس سنين إلى أن قال فلا مناص من القول بتعدد النزول مرة يوم أحد ومرة يوم الفتح (2) ".
_________
(1) الترمذي برقم 3140 كتاب تفسير القرآن وأحمد رقم 2309
(2) المدخل في علوم القرآن 1 / 138، مباحث في علوم القرآن 1 / 87-90، مناهل العرفان 1 / 106 فما بعدها
أول ما نزل من القرآن مطلقًا
ذكر العلماء في ذلك أربعة أقوال:
( 1 ) أول ما نزل قوله تعالى { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ }{ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ }{ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ }{ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ }{ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } (العلق: 1-5) .
من الأدلة على هذا القول: أ - ما رواه البخاري (1) ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت « أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال "اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق » الخب - روى الحاكم في مستدركه والبيهقي في دلائل النبوة وصححاه عن عائشة أنها قالت أول سورة نزلت من القرآن { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ } ومرادها بالسورة صدرها (2) .
_________
(1) البخاري 1 / 3، ومسلم 1 / 98، البرهان 293-300، والإتقان 1 / 68-76،77،81، وورد في مسند أحمد 6 / 232-233، أسباب النزول للواحدي 1 / 48
(2) الإتقان في علوم القرآن 1 / 68


( 1 ) القول الأول أن آخر ما نزل قوله تعالى في آخر سورة البقرة { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } (البقرة : 281)..
من الأدلة على هذا القول:
أ - ما رواه النسائي من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: آخر ما نزل من القرآن { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ } الآية وروى ابن مردويه بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال آخر آية نزلت من القرآن { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ } الآية وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزولها تسع ليال، ثم مات ليلة الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول.وذكر البغوي في تفسيره (1) عند هذه الآية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: هذه آخر آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جبريل ضعها على رأس مائتين وثمانين آية من سورة البقرة، وعاش بعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا وعشرين يوما.
وروى الألوسي في تفسيره (2) عند هذه الآية روى أنه قال يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم « اجعلوها بين آية الربا وآية الدين » .
_________
(1) البغوي 1 / 347، المدخل 1 / 107، الإتقان 1 / 77، صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 8 / 205، البخاري رقم 4544 كتاب تفسير القرآن
(2) الألوسي 1 / المجلد الأول ج2 / 55
القول الثاني: أن آخر ما نزل هو قوله تعالى في سورة البقرة { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (البقرة : 278) .
ويدل لهذا القول ما أخرجه البخاري عن ابن عباس قال: وآخر آية نزلت آية الربا (1) .
والحق الأول: ويجاب عن هذا القول إما بأنها آخر آية نزلت في شأن الربا وإما أنها من آخر الآيات نزولًا.
_________
(1) البخاري رقم 4544 كتاب تفسير القرآن

القول الثالث: أن آخر آية نزلت آية الدين { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } (البقرة : 282). وهي أطول آية في القرآن. ومن أدلة هذا القول ما أخرجه ابن جرير (1) من طريق بن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه بلغه أن آخر القرآن عهدًا بالعرش آية الدين، مرسل صحيح الإسناد ويجاب عنه بأنها آخرية مقيدة، فهي آخر ما نزل في باب المعاملات.
هذا: وقد جمع السيوطي في الإتقان (2) بين هذه الأقوال الثلاثة فقال: ولا منافاة عندي بين هذه الروايات في آية الربا، وآية واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله، وآية الدين، لأن الظاهر أنها نزلت دفعة واحدة كترتيبها في المصحف لأن موضوعها واحد، فأخبر كل واحد عن بعض ما نزل بأنه آخر، وذلك صحيح.
وقد جمع الحافظ بين القولين (3) بأن هذه الآية هي ختام الآيات المنزلة في الربا إذ هي معطوفة عليهن، كما رجح أن آية واتقوا يوما... هي الأليق بالختام.
_________
(1) ابن جرير الطبري في تفسيره
(2) بواسطة المدخل 1 / 120
(3) البخاري 4364 المغازي، مسلم 1618 الفرائض أحمد 8164
القول الرابع: آخر ما نزل قوله تعالى { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ } وآخر ما نزل من السور براءة، ويدل على هذا ما رواه البخاري ومسلم عن البراء بن عازب أنه قال: آخر سورة نزلت براءة، وآخر آية نزلت { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ } (النساء : 176). يجاب عن هذا بأن سورة براءة آخر ما نزل في شأن القتال والجهاد.

القول الخامس: أن آخر ما نزل قوله تعالى { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } (النساء : 93) ويدل لهذا القول ما رواه البخاري (1) عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا، هي آخر ما نزل، وما نسخها شيء والجواب أنها آخر ما نزل في حكم قتل المؤمن عمدًا، فهي آخرية مقيدة.
_________
(1) البخاري رقم 4590 تفسير القرآن، مسلم رقم 3023 التفسير

القول السادس: أن آخر ما نزل قوله تعالى { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } (براءة : 128). إلى آخر سورة براءة من الأدلة على هذا القول ما رواه الحاكم في المستدرك عن أبيّ بن كعب قال آخر آية نزلت { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ } إلى آخر السورة (1) .
قال في الإتقان "وروى ابن مردويه عن أبيّ أيضًا قال: آخر القرآن عهدا بالله هاتان الآيتان { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ } إلى قوله { وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } ". ويجاب عنه أنهما آخر ما نزل من سورة براءة.
_________
(1) المستدرك 2 / 338، والدر المنثور 3 / 295
القول السابع: آخر ما نزل سورة المائدة من الأدلة على هذا القول ما رواه الترمذي والحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت آخر سورة نزلت المائدة (1) فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه وما وجدتم من حرام فحرموه.
ويجاب عن هذا القول بأنها آخر سورة نزلت في الحلال والحرام.
_________
(1) الترمذي رقم 3063 كتاب التفسير


القول الثامن: آخر سورة نزلت { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } قال في الإتقان رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس، ورواه النسائي أيضًا عنه ويجاب عن هذا القول بأنها آخر سورة نزلت بتمامها.
قال في المدخل: "وقد عرفت أن القول الأول هو الصحيح الراجح وعرفت الإجابة عما ورد مخالفًا له وأن المراد أواخر مقيدة لا مطلقة" (1) .
_________
(1) المدخل 1 / 122، الإتقان 1 / 77، وما بعدها

الأوائل المقيدة والأواخر المقيدة
هذا البحث كثير، ولهذا يكتفى فيه بذكر نماذج من الأوائل المقيدة والأواخر المقيدة: حسب ما ذكره العلماء فأقول: أول آية نزلت في الخمر { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا } (البقرة : 219) .
أول ما نزل في الجهاد قوله تعالى { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } إلى قوله { وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } (الحج : 39) .
أول ما نزل في شأن القتل آية الإسراء وهي قوله تعالى { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا } (الإسراء : 33) . نماذج من الأواخر المقيدة
1 - آخر ما نزل في تحريم الخمر { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } إلى قوله { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } (المائدة:90).
2 - آخر آية نزلت في شأن القتل { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } (النساء: 93).
فوائد معرفة أول ما نزل وآخر ما نزل
اعلم أن هذا المبحث لا مجال للعقل فيه، إلا بالترجيح بين الأدلة وجمع المتعارض إن وجد، والمدار فيه على النقل، ولمعرفته فوائد نلخّص منها بعض الفوائد: فيما يلي:
( 1 ) معرفة الناسخ والمنسوخ فيما إذا وردت آيتان أو أكثر في موضع واحد وحكم إحداهما يغاير الآية الأخرى تغايرًا لا يمكن معه الجمع فنلجأ حينئذ إلى معرفة المتقدم فيعلم أنه منسوخ بالمتأخر.
[ تنبيه ]
قال السيوطي : قد يشكل على ما تقدم في آخر ما نزل مطلقًا قوله تعالى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } فإنها نزلت بعرفة عام حجة الوداع، وظاهرها إكمال جميع الفرائض والأحكام قبلها، وقد صرح بذلك جماعة منهم السدي فقال: لم ينزل بعدها حلال ولا حرام مع أنه وارد في آية الربا والدين والكلالة أنها نزلت بعد ذلك. وقد استشكل ذلك ابن جرير وقال: الأَولى أن يتأول على أنه أكمل لهم دينهم بإفرادهم بالبلد الحرام، وإجلاء المشركين عنه، حتى حَجَّه المسلمون لا يخالطهم المشركون (1) .
قال الشاعر:
فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قَرَّ عينًا بالإياب المسافرُ
وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.
وكان الفراغ من هذا البحث في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم، بتاريخ 25 / 1 / 1421ه من هجرته صلى الله عليه وسلم.
_________
(1) الإتقان 1 / 77 فما بعدها، والمدخل 1 / 101 فما بعدها

الخاتمة
وهي عبارة عن بعض النتائج التي توصل إليها الباحث مع اقتراح يقترحه.
1 - النتيجة الأولى: أن نزول القرآن الكريم من أهم موضوعات علوم القرآن بل كل موضوعاته الأخرى مبنية على نزول القرآن الكريم.
2 - النتيجة الثانية: أن علوم القرآن الكريم كفن مدون مستقل بنفسه بهذا اللقب ما كان معروفًا في العصور الأولى.
3 - النتيجة الثالثة: أن أول ظهور لهذا الفن، مدونًا مستقلًا كان على يد الحوفي المتوفى سنة 430ه في كتابه البرهان في علوم القرآن.
4 - النتيجة الرابعة: أن العلماء اختلفوا في تعريف القرآن وأحسن تعاريفه، كما عرفه في المراقي "أنه اللفظ المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته المعجز بألفاظه ومعانيه".
5 - النتيجة الخامسة: أن القرآن معجز بلفظه ومعناه، وأن النظَّام ومن شايعه القائلين بالصرفة قولهم ضعيف مردود.
6 - النتيجة السادسة: أن القرآن الكريم أنزل مرتين مرة جملة واحدة إلى بيت العزة من سماء الدنيا، ومرة أنزل مفرقًا منجما على حسب الوقائع والأحداث على مدى ثلاث وعشرين سنة.
7 - النتيجة السابعة: أن لنزول القرآن الكريم مفرقًا حكمًا كثيرة كما ذكر بعضها في ثنايا البحث.
- النتيجة الثامنة: أن حديث نزول القرآن على سبعة أحرف ثابت حيث ورد بروايات صحيحة لا مطعن فيها، وأنه يدل على التيسير بهذه الأمة واللطف بها مع أن معنى الحديث من المشكل المختلف فيه بين العلماء.
9 - النتيجة التاسعة: أن القرآن الكريم لم ينزل منه شيء إلا عن طريق جبريل عليه السلام، ولم يأت منه شيء عن تكليم أو إلهام أو منام بل كله أوحي به في اليقظة وحيا جليًّا.
10 - النتيجة العاشرة: أن الكتب السماوية غير القرآن الكريم كالتوراة والإنجيل نزلت جملة واحدة، ولم تنزل مفرقة.
11 - النتيجة الحادية عشرة: أن المعول عليه في أسباب النزول هم الصحابة ومن أخذ عنهم من التابعين، لا غير.
12 - النتيجة الثانية عشرة: أن معرفة سبب النزول طريق قوي ومعين على فهم الآية ، وإزالة الإشكال عنها وله فوائد جمة.
13 - النتيجة الثالثة عشرة: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب عند جماهير العلماء من المحدثين والفقهاء والأصوليين.
14 - النتيجة الرابعة عشرة: أن أوّل ما نزل من القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم صدر سورة { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}
15 - النتيجة الخامسة عشرة: أن آخر ما نزل من القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ } .
أما الاقتراح الذي اقترحه فهو أن يشكل المسلمون هيئة عليا من العلماء والقادة، للدفاع عن القرآن الكريم وحقوقه بحيث يكون للهيئة مقر ثابت في إحدى الدول الإسلامية، كالهيئات العالمية الأخرى



توقيع طـريق الشـروق
[url=http://www.kshcool.com][img]http://www.kshcool.com/Agif/image/021.gif[/img][/url]

[url=http://www.sa66.com/alshorok][img]http://127.0.0.1:6666/1A0764B294E2EA2F0AB32786F8D9FB92F8143385/توقيع%20الشروق.bmp[/img][/url]
طـريق الشـروق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس