عرض مشاركة واحدة
قديم 03-05-10, 03:31 PM   #6
أم أســامة
~ كن لله كما يُريد ~
افتراضي

بحث للمسألة للأخ ( أبو محمد) في موقع شبهات وبيان :

اقتباس:
الشبهة:
انتشرت فتوى في الشبكة وتناقلها محبوا الخير من المسلمين وفيها النهي المؤكد عن بعض الألفاظ ومنها استعمال لفظ : (الثقة بالنفس) ، وعُلِلَ النهي بكون الثقة لا تكون إلا بالله وصرفها لغيره مناقض للتوكل على الله عز وجل ..وقد قامت الفتوى على عدد من أهل العلم والتقى والفضل ، يتناقل قولهم فيها.



الجـواب:
إعداد: أبو محمد (أحمر العين) -لمنتدى شبهات وبيان



أفتى بعض أهل العلم والفضل في هذه اللفظة اعتباراً منهم بتوجيه اللفظة إلى معنى الاعتماد الذي هو قِوَامُ التوكل ، ولا يكون هذا إلا بالله عز وجل .


إلا أن المتدبر في هذه اللفظة يرى أن لها استعمالاً آخراً غير ما تم توجيهها إليه .


وعليه نقول :
إنْ كان المعنى منها ما ذُكِرَ فقد تم توجيه الفتوى بالتحريم إليه وهذا واضح ولله الحمد.


ولكن لهذه الكلمة استعمالاً آخر كما أسلفنا ،فإنها تأتي بمعنى : إدراك قدرات النفس.
وهذا المعنى صحيح لا غبار عليه ، وقد استعمل هذه الكلمة في هذا الموضع العلماء والفقهاء وأفاضل الناس من مختلف العصور إلى عصرنا هذا من غير نكير ، وسوف أسوق نماذج من نصوصهم فيها إن شاء الله تعالى لاحقاً ..


----------
-----
فالثقة بالنفس إذاً لها توجيهان :
أحدهما يأتي بمعنى (الاعتماد) .
فيقال فيه :
-/ مطلقه – أعني الاعتماد - لا يجوز أن يكون بغير الله .
-/ أما مقيده فمطلوبٌ شرعي ،
فكما يجوز الثقة بالغير ، والاعتماد عليهم في جزئيات من الأمور المقدور عليها في الحياة المعيشية ..
ولا يجوز عقلاً أن تثق بشخص لا يثق هو بأمانته وقوته وصدقه ..
فالثقة بالغير إذاً فرع عن الثقة بالنفس ،
ولذلك نراك اعتمدت على فلان من الناس في تأدية الأمانة عنك ، ووكلته في أمرك أو فوضته وجعلته رسولاً لك عند خصمك ، ثقة منك بفصاحته ورجاحة عقله .. وما كان ذاك إلا لعلمك أنه شخص يعتمد عليه .


فهل يوجد من يعتمد عليه ولا يكون في نفسه واثقاً من قدرته ؟!


ولو لم تكن لهذه الأمور أهمية لما اعتنى الناس بها في أمور حياتهم ولكان الشخص لا ينتقي في معاملاته الأمين والصادق والقوي ومن تناسب صفاته
((يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ))


فإذا صح هذا الأمر كان الأولى الاعتماد على النفس في تحقيق مطالبها وفعل أمورها ..


إذ الاعتماد على الغير في جزئيات الأمور الخاصة بها من جنس السؤال الذي ترفع عنه الكمل من الرجال كمن بايع النبي صلى الله عليه وسلم على ألا يسأل الناس شيئاً ... وفي الديوان المنسوب للشافعي :
ما حك جلدك مثل ظفرك ... فتول أنت جميع أمرك
وإذا قصدت لحاجة ... فاقصد لمعترف بقدرك


والله تعالى أعلم وأحكم


----


والتوجيه الآخر كما ذكرنا هو : إدراك قدرات النفس ومعرفة قدرها.
وهذا يقابل العجز والتردد ،،
واستعمال هذا المعنى جائز شرعاً ، بل ينبغي أن يكون المسلم واثقاً بنفسه من هذه الحيثية حتى يكون جندياً مقاتلاً قوياً شجاعاً مهيباً أو عالماً ذكياً ومناظراً سنياً أو نافعاً لدينه بأي أمر من أمور الدنيا والدين .


فالثقة بالنفس عامل أساسي في طاعة الله إذ هي من مقومات التوكل عليه سبحانه ،
والشخص المتوكل على الله المعتمد عليه لا تجده ممن لا يثق بنفسه ،
فمن وثق بقدراته ونفسه توكل على الله ودخل في الأمر المراد . إذ المتردد والجبان ضعيف التوكل كما هو معروف .


فالمجاهد القوي الذي يعرف عن نفسه القوة والخبرة يتوكل ويقدم..
أما الرعديد أو قليل الخبرة أو الضعيف إن أقدم على مالا يحسن متوكلاً على الله فهذا قد يكون – في بعض الحالات - منتحراً متواكلاً لم يعمل بالسبب المطلوب شرعاً .. وترك العمل بالسبب قدح في الشرع كما قاله أهل العلم .


فكثير التردد ضعيف الهمة كثير الشكوك هذا لا يخرج منه توكل أو اعتماد حقيقي على الله عز وجل ، والله تعالى أعلم وأحكم .


وكثير ما نشاهد هذه الثقة في سير الصالحين وجهاد الصحابة وخروجهم للبراز بين الصفين ، وفي صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخذ سيفاً يوم أحد فقال من يأخذ مني هذا ؟
فبسطوا أيديهم كل إنسان منهم يقول أنا أنا
قال فمن يأخذه بحقه ؟
قال فأحجم القوم فقال سماك بن خرشة أبو دجانة أنا آخذه بحقه
قال فأخذه ففلق به هام المشركين..
فهذا ما نسميه معرفة قدرات النفس ...
والإحجام ليس فقداً للثقة بل روية وتأني ودراسة لقدرات النفس .
---


ولذا إذا أردنا الربط بين الثقة والتوكل بأمثلة نقول :
إذا قال شخص أنا ما أستطيع أن أدخل الامتحان أو أقاتل أو أنجز هذا الأمر ..
لا نقل له : توكل على الله .. وحسب .
بل نقول : ثق بقدرتك واعمل بالسبب وأقدم متوكلاً على الله.
((فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ))
((أي بعد المشاورة اعتمد على حول الله وقوته ، متبرئاً من حولك وقوتك)) .كما في تفسير السعدي .
فلا يكن التوكل هنا إلا مصاحباً للإقدام في العمل ، بينما الثقة في النفس تكون قبل هذه المرحلة والله تعالى أعلم .


ولذا نقول : أن الثقة بالنفس توافق التوكل ولا تعارضه أو تناقضه ..


ومن الأمثلة التوضيحية لهذا المعنى :
قولهم في المسافر الذي لا يشق عليه الصيام
قالوا فيه : إن وثق بنفسه في يسر القضاء فله أفضلية التعبد بالإفطار .


وقيل للزوج الصائم : إن ملك نفسه - أي وثق بها - فلا بأس بالتقبيل والمباشرة ، أما من غير أن يثق أو يملك نفسه فلا ..


وفي المرأة المفرطة في الغيرة : هذا نتاج ضعف في ثقتها بنفسها ، فلا تستطيع أن تكسب ود زوجها وتستميل قلبه ، لأنها لم تفكر إلا في سلبياتها ، ولم تذكر من إيجابياتها شيء .. ولو وثقت بنفسها وقدراتها ومميزاتها ومواهبها لوثقت بمشاعر زوجها ، وعرفت كيف تعوض هذا من ذاك ..


فمن وثق بنفسه قدم ما عنده من قدرات مستمداً العون من الله متوكلاً عليه في النجاح والنتيجة وإتقان العمل ..


ومن لم يثق بها فشل ولم يستطع التوكل لعدم تقديمه الأسباب لذلك ..
----
بين الإفراط والتفريط الثقة وفقدانها


يقولون : أن فقدان الثقة بالنفس معناه الاضطراب النفسي والقلق والشعور بالنقص ، واتهام الآخرين ، وينتج عنه الخوف من الخطأ والتزام التقليد لاعتقاد النفس أنها دائما على خطأ ، ومنه كثرة اليأس وضعف الحيلة وقلة المحاولة ..


كما أن فاقد الثقة لا يرى نفسه أهلاً للقيام بالأعمال الكبيرة ، وإذا أخفق في أمر ما أصيب بالإحباط النفسي .
وما أحسن قول أبي الطيب المتنبي :
إذا كانت النفوس كباراً ... تعبت في مرادها الأجسام


بينما الثقة بالنفس مهمة في مواجهة المصائب وتوجيها للإيمان بالقضاء والقدر ، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن . وعدم القنوط واليأس من رحمة الله وتوفيقه واستمرار بذل السبب ،
وكذا نجدها مهمة في اكتساب الخبرات وتطوير المهارات ، وعلو الهمم .



وفي التعامل مع الطرفين قالوا :
النقد مفيد مع الواثق من نفسه إذ أنه يعينه على التقدم ،
بينما التشجيع والتوجيه هو المفيد مع غير الواثق من نفسه .
---
وعليه فإن هذا المعنى من الثقة بالنفس ، إذا زادت فخرجت عن حدها ، فإنها لا تبلغ إلى ترك التوكل على الله والشرك بالتوكل على النفس ..


بل الغلو والإفراط فيها يؤدي للخروج إلى الغرور والكبر والغطرسة على الخلق وتفضيل النفس على الغير ، وتزكية النفس وإيمانها بنفسها ، وأمنها من الفتن ، وكذا العجب وهي من الصفات المذمومة إذ كل ما طغى وزاد عن حده ذم ..


إلا أن هذا ليس ذريعة لتحريم المعتدل منها ، فقد تقلب صفات الكمال إذا زادت عن حدها إلى نقص وهذا أمر معروف ، كالشجاعة المحمودة إلى التهور المذموم ، والجود للسرف ، والتورية للكذب ، والحذر للجبن ، والاقتصاد للبخل ، والحياء لترك الواجب ، وقد يجر الذكاء المفرط إلى الاغترار بالمادية ومنه إلى الكفر والعياذ بالله وهلم جرا ..


والله المستعان ..


إضافات
--/1/-- نبغ قوم في عصرنا يوجهون النفس للثقة بذاتها فقط من غير الإشارة إلى أهمية ربطها بالثقة بالله والتوكل عليه ، ويدعون الشخص لإبراز قدراته والاعتماد عليها والثقة بها كلياً لإيقاظ العملاق بداخله – كما يقولون - إلى غير ما يُذكر مما يفيد اعتمادهم على النفس بتطويرها استقلالا

فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ،
قال صلى الله عليه وسلم
( ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)
ولا شك أن هذا إن صح عنهم فإنهم على شفا جرف هار قد ينهار ، والله أسأل السلامة في الدين .


--/2/-- من الأساليب الشرعية للمسلم في ترقية النفس إلى مراتب الكمال المطالب بها ، الاعتراف الدائم في ذاته بالعجز والضعف والذل والفقر ، وطلب القوة من الباري واستمدادها من اليقين والتوكل والإيمان بالقضاء والقدر .




--/3/-- ومن شعر بزيادة منسوب الثقة بنفسه ، وظهور الزهو فيها فليسارع بالعلاج قبل أن يستشري الأمر ويخرج عن سيطرته ،
وليعلم أن العلاج هو تحقيرها وتهميشها وإقناعها بعجزها وقلة حيلتها وأن من وهبه ميزاتها قادر على أن يسلبها بين عشية وضحاها .


فلقد روي عن بعض الصحابة أنه كان يهذب نفسه بقهر الشعور بالزهو وتنمية التواضع فيه ، وقد رؤيَّ يحمل أغراض الناس وهو أمير المنطقة وواليها ..






إذاً فالثقة بالنفس عامل نجاح وفشل في أمور الحياة
إلا أن هذه الثقة ينبغي الاحتراز منها في مواطن الشبهات والشهوات عموماً من أمور الدين ، ومنها باب سد الذرائع .


فالثقة المطلقة لا تجوز بلا شك بغير الله ،
لكن المقيدة هي إحدى صفات النفس المحمودة إذ أنها تقابل النفس المترددة والمتزعزعة والتي لا ينتظر منها نتاج بسبب ضعفها في نفسها ..


ولذلك فإن الثقة بالنفس قد تدخل في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة : ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)) إذ أنها ثقة النفس بما وهبها فاطرها من صفات .


فتدبر في نص قوله صلى الله عليه وسلم السابق ففيه تلخيص لكل ما تم ذكره آنفاً بكلمة من جوامع الكلم إذ يقول بأبي هو وأمي :
((المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفى كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا. ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان))

 
 





توقيع أم أســامة
:

قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِى صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا »
سنن ابن ماجه .


قـال ابـن رجب ـ رحمـه الله ـ: «من مشى في طاعة الله على التسديد والمقاربة فـليبشر، فإنه يصل ويسبق الدائب المجتهد في الأعمال، فليست الفضائل بكثـرة الأعمـال البدنية، لكن بكونها خالصة لله ـ عز وجل ـ صواباً على متابعة السنة، وبكثرة معارف القلوب وأعمالها. فمن كان بالله أعلم، وبدينه وأحكامه وشرائعه، وله أخوف وأحب وأرجى؛ فهو أفضل ممن ليس كذلك وإن كان أكثر منه عملاً بالجوارح».


" لا يعرف حقيقة الصبر إلا من ذاق مرارة التطبيق في العمل , ولا يشعر بأهمية الصبر إلا أهل التطبيق والامتثال والجهاد والتضحية "

:
أم أســامة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس