عرض مشاركة واحدة
قديم 27-04-23, 04:24 AM   #13
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
Mo

المجلس الثاني عشر
شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل
*المتن"والتَّصْدِيقُ بِالأَحَادِيثِ فِيهِ، وَالإِيمَانُ بِهَا لا يُقَالُ:لِمَ ؟وَلاكَيْفَ؟ إنَّمَا هُوَ التَّصْدِيقُ بِهَا وَالإيمَانُ-بِهَا-."
الشرح:
*والتَّصْدِيقُ بِالأَحَادِيثِ فِيهِ:
التصديق بكل ما ورد في القدر من نصوص.
"أَدْرَكْتُ نَاسًا مِن أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولونَ كُلُّ شيءٍ بقَدَرٍ، قالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ يقولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ:كُلُّ شيءٍ بقَدَرٍ، حتَّى العَجْزِ وَالْكَيْسِ، أَوِ الكَيْسِ وَالْعَجْزِ."الراوي : طاووس بن كيسان اليماني - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم.
يَحكي طاوسٌ أنَّه أَدركَ ناسًا منْ أَصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، ومِنهُم عبدُاللهِ بنُ عُمرَ يَقولون: كُلُّ شيءٍ بقَدَرٍ، أي: لا يَقعُ في الوُجودِ إلَّا وقدْ سَبقَ بِه عِلمُ اللهِ عزَّ وجلَّ ومَشيئتُه وتَقديرُه؛ حتَّى "العَجزُ"، وهوَ عَدمُ القُدرةِ، وقيلَ: هوَ تَركُ ما يَجبُ فِعلُه والتَّسويفُ بِه وتَأخيرُه عنْ وَقتِه؛ "والكَيْسُ"، وهوَ النَّشاطُ والحِذقُ بالأُمورِ؛ أي: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قدْ قدَّرَ العَجزَ والكَيْسَ وكُلَّ شيءٍ- لا يقَعُ في الوُجودِ إلَّا وقدْ سَبقَ بِه عِلمُ اللهِ ومَشيئتُه.
في الحديثِ: ثُبوتُ قَدَرِ اللهِ السَّابقِ لِخلْقِه، وهوَ عِلمُه بالأشياءِ قَبلَ كَونِها، وكِتابتُه لَها قَبلَ بَرئِها.

*وَالإِيمَانُ بِهَا لا يُقَالُ:لِمَ ؟وَلاكَيْفَ؟ إنَّمَا هُوَ التَّصْدِيقُ بِهَا وَالإيمَانُ-بِهَا-
لا يقال لِمَ في الأفعال،وَلاكَيْفَ في الصفات، فلا تقل: لِمَ فعل الله كذا ما تعترض على الله، سَلِّم لقضاءِ اللهِ وقدرِهِ، ما تقول: لِمَ أعطى الله هذا العلم ولم يعط هذا؟ لِمَ كان هذا عالم وهذا جاهل؟ لم هذا فقير وهذا غني؟ لم كان هذا طويل وهذا قصير؟ لم كان هذا عمره يعيش مائة سنة وهذا يموت شابًّا وهذا يموت شيخًا؟
هذا سر الله في القدر، لا تسأل عن هذا بلِمَ؛ ولهذا يقول الطحاوي: والقدر سر الله في خلقه حجبه عن أنامه -حجبه عن الناس- ونهاهم عن مرامه، فمن سأل لِمَ فعل فقد رَدَّ حُكمَ الكتابِ، ومن رد حُكم الكتاب كان من الكافرين قال الله تعالى" لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ" الأنبياء:23. فلا تسأل ؛ هذا سر الله في خلقه. واعلم أن ربك حكيم، جعل هذا طويل وهذا قصير، وهذا غني وهذا فقير، وهذا عالم وهذا جاهل لحكم، هذا سر الله، مبني على الحكمة لكنا لا نعلم.
يعني لا يقال: لِمَ في الأفعال؛ يعني لا يعترض على الله في أفعاله ويقال: لم فعل كذا قال الله تعالى" لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ " الأنبياء:23. لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته، لا لأنه يفعل بالقدرة والمشيئة كما يقول الجبرية، يقولون: لا يُسأل لِمَ يفعل لأنهم أنكروا حكمة الله قالوا: إن الله يفعل بالإرادة، يفعل بالإرادة وليس له حكمة، وهذا باطل، الجبرية ومنهم الأشاعرة والجهمية، أنكروا حكمة الله، وقالوا: إن الله يفعل بالإرادة فقط.
أما أهل السنة والجماعة يقولون: إن الله يفعل بالحِكْمَةِ- أي إرادة بحكمة-، كل شيء بحِكمة، أمره بحكمة، ونهيه بحكمة، وقَدَره بحكمة، وخلقه بحكمة" إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" يوسف:6.فلا يقال: لم، لا يُسأل عما يفعل لم؛ لأنه حكيم سبحانه وتعالى.
*وَلاكَيْفَ؟ إنَّمَا هُوَ التَّصْدِيقُ بِهَا وَالإيمَانُ-بِهَا:
كذلك لا تَسأل عن الكيفية، لا تقل: كيف الصفات، لا تقل:كيف استوى. تؤمن بالاستواء ولا تسأل، والاستواء معناه معلوم لكن لا تسأل عن الكيفية، يجب أن تؤمن بأن الله استوى على العرش وتفوض الكيف لعلمه سبحانه وتعالى، كما قال الإمام مالك -رحمه الله- لما سُئِلَ عن الاستواء قال "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة".
كذلك أيضًا النزول، معلوم في اللغة العربية لكن لا تسأل عن الكيف، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، الصفات معلوم معانيها في اللغة العربية، والإيمان بها واجب ولا يُسأل عن الكيفية والسؤال عنها بدعة، لا تقل: كيف عِلْم اللهِ، كَيفَ سَمْع اللهِ، كيف بصره كيف رؤيته، لا تسأل؛ الكيفية لا يعلمها إلا الله، فالسؤال عنها بدعة، كما أنك لا تعترض على الله في أفعاله، فلا تسأل عن كيفية الصفات، فلا يعلم كيفية صفاته إلا هو كما لا يعلم كيفية ذاته إلا هو سبحانه وتعالى، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: إنَّمَا هُوَ التَّصْدِيقُ بِهَا وَالإيمَانُ بِهَا .
ولهذا روى الخلال في السنة، والدارقطني في الصفات، والآجري في الشريعة عن الوليد بن مسلم أنه قال: سألت سفيان والأوزاعي ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث -أي أحاديث الصفات- فقالوا: مِرُّوها كما جاءت" وهذا سنده صحيح كما قال المحقق.
وروى ابن عبد البر في جامع بيان العلم، من طريق عبد الوهاب بن نجدة، قال: حَدَّثَنا بقية عن الأوزاعي قال، كان مكحول والزهري يقولان "أمِرُّوا هذه الأحاديث كما جاءت" وسنده صحيح، وقال ابن عبد البر وقد روينا عن مالك بن أنس والأوزاعي، وسفيان بن سعيد، وسفيان بن عيينة، ومعبد بن راشد في الأحاديث في الصفات أنهم كلهم قالوا: أمِرُّوها كما جاءت، وروى عبد الله بن الإمام أحمد -رحمه الله- في السنة بسند صحيح عن وكيع بن الجراح قال: نسلم لهذه الأحاديث كما جاءت، ولا نقول: كيف كذا، ولا لم كذا؛ يعني مثل حديث ابن مسعود
"إنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ علَى إصْبَعٍ، وَالأرْضِينَ علَى إصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ وَالثَّرَى علَى إصْبَعٍ، وَالْخَلَائِقَ علَى إصْبَعٍ"الراوي : عبدالله بن مسعود -المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 2786 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر.-
وحديث النبي صلى الله عليه وسلم قال "إنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِن أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا علَى طَاعَتِكَ".الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2654 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.الدرر-
ونحوه من الأحاديث.
وروى اللالكائي بإسناده عن محمد بن الحسن، فقيه العراق قال: اتفق الفقهاء من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاءت بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجل من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه؛ يعني من غير تفسير كتفسير الجهمية، فمن فسر شيئًا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفارق الجماعة، ومن قال بقول جهم، فقد فارق الجماعة؛ فإنه وصفه بصفة لا شيء؛ يعني الجهم نفى الأسماء والصفات، ووصفه بصفة المعدوم.
وروى الدارقطني في الصفات بسند صحيح عن العباس بن محمد الدوري: قال: سمعت أبا القاسم -أبا عبيد القاسم بن سلام- وذكر الباب الذي يروى في الرؤية والكرسي ووضع القدمين، وضحك ربنا من قنوت عباده وقرب غيره، وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء، وأن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك عز وجل قدمه فيها فتقول قط قط،
"يُقالُ لِجَهَنَّمَ: هَلِ امْتَلَأْتِ، وتَقُولُ هلْ مِن مَزِيدٍ، فَيَضَعُ الرَّبُّ تَبارَكَ وتَعالَى قَدَمَهُ عليها، فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ"صحيح البخاري.
وأشباه هذه الأحاديث فقال: هذه الأحاديث صحاح، حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض، وهي عندنا حق لا نشك فيها، ولكن إذا قيل: كيف وضع قدمه وكيف ضحك؟ قلنا: لا يُفَسر هذا، ولا سمعنا أحدًا يفسره.
وكلام السلف في هذا كثير، قال أبو بكر الخلال في السنة: حدثنا أبو بكر المروزي -رحمه الله- قال: سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تَرُدَّها الجهمية في الصفات والرؤية والإسراء، والعرش وصححها أبو عبد الله وقال: قد تلقتها العلماء بالقبول نُسَلِّم بالأخبارِ كما جاءت، قال: فقلت له: إن رجلًا اعترض في بعض هذه الأخبار كما جاءت، فقال: يخفى، وقال: ما اعتراضه في هذا الموضع؟! يُسَلِّم بالأخبار كما جاءت، فأقوال العلماء في هذا كثيرة
ولهذا قال المؤلف رحمه الله "ومن لم يعرف تفسير الأحاديث ويبلغها عقله، فقد كفي ذلك وأحكم له، فعليه الإيمان والتسليم مثل: أحاديث الصادق المصدوق" يعني مقصوده بـ"حديث الصادق المصدوق" هو حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- الذي رواه أصحاب الكتب الستة والإمام أحمد قال:
"حَدَّثَنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو الصَّادِقُ المَصْدُوقُ، قالَ"إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فيُؤْمَرُ بأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، ويُقَالُ له: اكْتُبْ عَمَلَهُ، ورِزْقَهُ، وأَجَلَهُ، وشَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فيه الرُّوحُ، فإنَّ الرَّجُلَ مِنكُم لَيَعْمَلُ حتَّى ما يَكونُ بيْنَهُ وبيْنَ الجَنَّةِ إلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عليه كِتَابُهُ، فَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ النَّارِ، ويَعْمَلُ حتَّى ما يَكونُ بيْنَهُ وبيْنَ النَّارِ إلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عليه الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ."الراوي : عبدالله بن مسعود - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 3208 - خلاصة حكم المحدث : صحيح=الدرر =
يعني الكتاب الذي كُتب عليه وهو في بطن أمه.
"فيَسْبِق عليه كِتَابُه" أي:فيَكون قد كُتِب عليه سابقًا في بَطْنِ أمِّه أنَّه سعيد، فيُختَم له بالسعادة ،فَيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ فيَدخُلها.اللهم اختم لنا بالصالحات في عافية دنيا وأخرى.
*ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر:
-الاعتماد على الله وحده، لأن كل شيء بقدر الله.
-أن الإيمان بالقدر يعصم الإنسان بإذن الله من البطر والطغيان إذا أصابه الخير، ومن الحزن والأسى إذا أصابه الشر؛ لأن ما حدث قد جرت به المقادير وسبق به علم الله. وما أحسن ما قاله إبراهيم الحربي / حين قال "من لم يؤمن بالقدر لم يتهن بعيشه".
-فلا يُعْجَب المرء بنفسه عند حصول مراده؛ لأن حصول ذلك المراد نعمة من الله الذي قدَّر حصولَها، وإعجاب المرء بنفسه ينسيه شكر هذه النعمة.
-القوة والثبات في الحق، لأن الأرزاق والآجال مقدرة، ولا يملك أحد سوى الله تغييرها بالنقص أو الزيادة.
-الإيمان بالقدر يغرس القناعة في نفس المؤمن.
-أن الإيمان بالقدر يقضي على كثير من الأمراض التي تعصف بالمجتمعات وتزرع الأحقاد بين الناس، وذلك مثل رذيلة الحسد؛ فالمؤمن لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله؛ لأنه يدرك أن الله هو الذي رزقهم وقدر لهم ذلك بحكمته وقدرته، وهو يعلم أنه عندما يحسد غيره؛ فإنه يعترض على ما قدره الله.
-الصبر على المصائب، قال صلى الله عليه وسلم "عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له."صحيح مسلم.
- الألوكة-ومصادر أخرى.

*الحذر من الخوض في القدر دون قيود شرعية :
"أَدْرَكْتُ نَاسًا مِن أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولونَ كُلُّ شيءٍ بقَدَرٍ، قالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ يقولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: كُلُّ شيءٍ بقَدَرٍ، حتَّى العَجْزِ وَالْكَيْسِ، أَوِ الكَيْسِ وَالْعَجْزِ."الراوي : طاووس بن كيسان اليماني - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 2655 - خلاصة حكم المحدث :صحيح -الدرر-
شرح الحديث:
يَحكي طاوسٌ أنَّه أَدركَ ناسًا منْ أَصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، ومِنهُم عبدُاللهِ بنُ عُمرَ يَقولون: كُلُّ شيءٍ بقَدَرٍ، أي: لا يَقعُ في الوُجودِ إلَّا وقدْ سَبقَ بِه عِلمُ اللهِ عزَّ وجلَّ ومَشيئتُه وتَقديرُه؛ حتَّى "العَجزُ"، وهوَ عَدمُ القُدرةِ، وقيلَ: هوَ تَركُ ما يَجبُ فِعلُه والتَّسويفُ بِه وتَأخيرُه عنْ وَقتِه؛ "والكَيْسُ"، وهوَ النَّشاطُ والحِذقُ بالأُمورِ؛ أي: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قدْ قدَّرَ العَجزَ والكَيْسَ وكُلَّ شيءٍ- لا يقَعُ في الوُجودِ إلَّا وقدْ سَبقَ بِه عِلمُ اللهِ ومَشيئتُه.
في الحديثِ: ثُبوتُ قَدَرِ اللهِ السَّابقِ لِخلْقِه، وهوَ عِلمُه بالأشياءِ قَبلَ كَونِها، وكِتابتُه لَها قَبلَ بَرئِها. - الدرر -
فلا ينبغي الكلام في القدر إلا بالتزام كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن جميع ذلك متوافق، فلا يضرب كلام الله بكلام الله، ولا بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة.
فالإيمان بالقدر من أركان الإيمان التي يجب على المسلم أن يؤمن بها، ومعلوم أنه لا يتحقق هذا الإيمان الواجب إلا بعد العلم به. وأما الخوض في القضاء والقدر بالظن وعدم العلم ومحاولة علم ما لا تهتدي العقول إلى معرفته فإنه لا يجوز.

"خرجَ رسولُ اللهِ ذاتَ يومٍ والنَّاسُ يتَكلَّمونَ في القَدَرِ قالَ: فكأنَّما تفقَّأَ في وجْهِهِ حبُّ الرُّمَّانِ منَ الغضَبِ قالَ: فقالَ لَهم: ما لَكم تضرِبونَ كتابَ اللهِ بعضَهُ ببعضٍ ؟ بِهذا هلَكَ من كانَ قبلَكم قالَ: فما غَبطتُ نفسي بمجلِسٍ فيهِ رسولُ اللهِ لم أشْهَدْهُ بما غبطتُ نَفسي بذلِكَ المجلِسِ إنِّي لم أشْهدْهُ"الراوي : جد عمرو بن شعيب - المحدث : الألباني - المصدر : شرح الطحاوية -الصفحة أو الرقم: 259 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -
وهذا النهيُ في مُجرَّدِ الجدالِ والاختلافِ فيه، وأمَّا المذاكرةُ والمناقشةُ في تَعليمِ مسائلِ القَدرِ وكيفيَّةِ الإيمانِ الصَّحيحِ به؛ فليس داخلًا في هذا النَّهي، بل هو من العِلمِ المأمورِ بتَعلُّمِه وتَعليمِه.
وفي الحديثِ:التَّحذيرُ مِن التَّنازُعِ في القضاءِ والقدَرِ.
وفيه:الأمرُ بالاتِّباع وعدَمِ الخوضِ فيما فيه الهلاكُ.الدرر=
ومن حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال"إذا ذُكِرَ أصحابي فأمْسكوا ، و إذا ذُكِرتِ النجومُ فأمسكوا ، و إذا ذُكِرَ القدرُ فأمسكوا"الراوي: عبدالله بن مسعود و ثوبان و عمر بن الخطاب -المحدث: الألباني -المصدر: صحيح الجامع-الصفحة أو الرقم:545-خلاصة حكم المحدث: صحيح الدرر -
فمعنى الإمساكِ عن الحديث في القدر، هو النهيُ عن الخوض في القدر بالآراء والأهواء والمنطق والعقل، وإنما يلتزم المؤمن بالآيات والأحاديث فقط، وكذلك عند الحديث عن الصحابة وما حصل بينهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا خضنا بآرائنا وعقولنا في هذه الأمور على وجه الخصوص، ضللنا طريق الهداية.
فالمنهي عنه في هذه الأحاديث هو الخوض فيها بالباطل والظن -كما أسلفنا -. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الخوض في ذلك - أي في القضاء والقدر - بغير علم تام، أوجب ضلال عامة الأمم، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التنازع فيه. وفي الحديث الذي ذكرناه أخيرًا ما يدل على ذلك، ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم: إذا ذُكِرَ أصحابي فأمْسكوا فليس معناه - كما هو معلوم - الإمساك عن ذكر فضائل الصحابة وجهادهم، إنما معناه الإمساك عن ذكرهم بالباطل، وكذلك يقال في القدر. أما ما يؤثر عن بعض العلماء من أن القدر سر الله في خلقه، فهذا صحيح يجب إدراكه لكل من يبحث في القدر، لكن هذا محصور في الجانب الخفي من القدر، ألا وهو كونه سبحانه وتعالى أضل وهدى، وأمات وأحيا، ومنع وأعطى، وقسم ذلك بين عباده بقدرته ومشيئته النافذة، فمحاولة معرفة سر الله في ذلك لا تجوز؛ لأن الله حجب علمها حتى عن أقرب المقربين، أما جوانب القدر الأخرى وحِكَمُه العظيمة ومراتبه ودرجاته وآثاره، فهذا مما يجوز الخوض فيه، وبيان الحق للناس فيه، بل بيانه مما يندب إليه، وينبغي شرحه وإيضاحه للناس؛ إذ الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان التي ينبغي تعلمها ومعرفتها. والله أعلم.
فالقدر سر الله في خلقه فما بينه لنا علمناه وآمنا به وما غاب عنا سلمنا به وآمنا ، وألا ننازع الله في أفعاله وأحكامه بعقولنا القاصرة وأفهامنا الضعيفة بل نؤمن بعدل الله التام وحكمته البالغة وأنه لا يسأل عما يفعل سبحانه وبحمده.
والعقل لا يمكنه الاستقلال بمعرفة القدر فالقدر سر الله في خلقه فما كشفه الله لنا في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم علمناه وصدقناه وآمنا به، وما سكت عنه ربنا آمنا به وبعدله التام وحكمته البالغة ، وأنه سبحانه لا يسأل عما يفعل ، وهم يسألون .
أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس