العودة   ملتقى طالبات العلم > ๑¤๑ أرشيف الدروات العلمية ๑¤๑ > دورات رياض الجنة (انتهت)

الملاحظات


دورات رياض الجنة (انتهت) إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، رياض الجنة مشروع علمي في استماع أشرطة مختارة

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-11-08, 05:44 PM   #11
أم الشهداء
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي الدرس التاسع .. مجموعة بالعلم نرتقي

بداية المرحلة الثانية للعيش مع القرآن


الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياه نعبد وإياه وحده سبحانه وتعالى نستعين ثم أصلي واسلم على نبينا وحبيبنا ومصطفى ربنا محمد صلى الله عليه وسلم صلاة دائمة مادام الليل والنهار .
أيها الأحبة :
كنا تكلمنا في ما سبق عن المستوى الأول الذي ذكرنا لكم انه موجه إلى عموم المسلمين وان المقصود منه أن نكون من أهل القرآن وان نكون من أهل الله عز وجل لأن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته وان نكون أيضا من طلاب شفاعة القرآن في يوم القيامة بإذن الله جل وعلا ، وتكلمنا عن المرحلة الأولى التي لابد منها لمن أراد أن يكون حقيقا بهذه الأوصاف العظيمة أن يحدد بدءا بماذا يبدأ من كتاب الله عز وجل
قبل أن يدخل في هذا الكتاب العظيم المتين الشديد الكبير لابد وان يحدد بأي شيء يبدأ ؟
هل يبدأ بقصار السور ؟ أم بطوالها ؟
هل يبدأ بالسور التي تكلمت عن مسائل الحلال والحرام ؟ أم يبدأ بالسور التي تكلمت عن الوعد والوعيد ؟
وذكرنا لكم من كلام صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن طرائق أهل العلم بل ومن طريقة القرآن في تنزله على نبينا صلى الله عليه وسلم ما يبين أن الذي ينبغي للمؤمن إذا توجه إلى كتاب الله عز وجل توجها يكون فيه تدبر ويكون فيه تأمل يكون فيه تفكر أي يكون هذا أول ما يكون في سور المفصل لأنها هي التي تكلمت عن الوعد والوعيد عن الجنة والنار عن اليوم الآخر عن ما يترتب على أعمالك في هذه الحياة الدنيا سوءا كانت صالحة أم كانت على الضد من ذلك .

فإذا كان الأمر على هذا النحو فقد أيضا قدمتُ نصيحة من نفسي بحكم تجربة سابقة مع كتاب الله عز وجل في بيانه من نفسي أولا ثم للناس أن مما يناسب أي يطرح على عموم المسلمين بكتاب الله عز وجل أن يكون البدء بجزء عم لان هذا الجزء قد حوا اغلب ما جاءت الشريعة في أول أمرها بتقريره وبيانه و توضيحه بل وتأكيده والنص عليه على انه لابد للمسلم قبل كل شيء أن تتأصل هذه الحقائق التي جاءت في هذا الجزء العظيم قبل أن ينتقل بعد ذلك إلى الحقائق الأخرى وإلى الأوامر والنواهي التي أمر الله عز وجل بها أو نهى عنها سبحانه وتعالى .

إذا كان الأمر كذلك وحصل الاتفاق على هذا الأمر من جهة بأي شيء نبدأ ، عندئذٍ لابد وان ننتقل إلى المرحلة الثانية ، وهذه المرحلة مبنية على المرحلة الأولى ولابد منهما جميعا فإذا قطعنا الشوط الأول سندخل بإذن الله سبحانه وتعالى إلى الأمر الآخر وهو لا يقل أبدا علاوة وشأنا وقدرا وأهمية عن المرحلة الأولى .
لا يقل عن ذلك أبدا ولكن الثاني مترتب على الأول ، فإذا حددت واخترت بماذا تبدأ به في كتاب الله عز وجل إذا فاعلم يقينا أيها المؤمن أيها المبارك أيها الموفق يا من تقرأ كتاب الله سبحانه وتعالى اعلم يقينا أن المرحلة الثانية التي ينبغي لك مع كتاب الله عز وجل هي التأني في القراءة وترك العجلة المذمومة .
نعم التأني في القراءة وترك العجلة المذمومة عند تلاوة القرآن ، إذا اخترت ما اخترت من كتاب الله عز وجل ومن سور المفصل لتكون خليلة لك لتكون صاحبة لك عندئذٍ لابد وان تقرأ ما اخترت ، ولنضرب مثلا " انك اخترت سورة تبارك " فعندئذٍ إذا قرأت هذه السورة فلا تقرأها قراءة عجلة ولا تقرأها قراءة فيها سرعة مذمومة وعجلة لا يريدها الله عز وجل منك في هذا الموطن وإنما لا بد وان تكون القراءة قراءة متأنية قراءة مترفلة قراءة فيها ترتيل وفيها تدبر وفيها تفكر وفيها تكرار للآيات التي تظن أن فيها حياة لقلبك ، لابد من ذلك إذا أردت أن يكون هذا القرآن هو خليلك هو صاحبك هو شفيعك في يوم القيامة .

إذا فالمرحلة الثانية بعنوان التأني في القراءة وترك العجلة المذمومة عند تلاوة القرآن

هذه المرحلة أخذت من عبارة مشهورة ذكرها السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين فأصل هذه المرحلة مأخوذة من كلمة مشهورة جاءت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناولها الأئمة من بعدهم وهذه الكلمة هي " الإيمان قبل القرآن " وهذه العبارة بهذا النص قد جاءت عن عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت عن عبد الله ابن عمر ، وجاءت عن عبد الله ابن جندب رضي الله عنهم أجمعين ونقلها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بل ونقلها من قبله من الأئمة وكذلك ذكرها الإمام السيوطي رحمه الله في عدد من كتبه وغيرهم ذكروها في كتبهم بيانا لأهمية هذه القاعدة العظيمة وهي أن الإيمان يجب أن يستقر في القلوب قبل القرآن وسيأتي شرح هذه العبارة لأنها قد تشكل ، وهل الإيمان شيء مستقل عن القران ؟ لا ليس القرآن غير الإيمان ، ولا الإيمان غير القرآن وإنما هما شيء واحد ولكن أراد السلف رضوان الله عليهم أجمعين أن يبينوا لك الوسيلة لمن أراد أن يستقر الإيمان في قلبه ما هي الوسيلة ماهي الطريقة ؟ ما هو المنهج لمن أراد أن يكون عظيما في إيمانه قويا في يقينه راسخا في اعتقاده بربه لابد وان يكون الإيمان قبل أن يأتي القرآن وسيأتي هذا مبينا من كلامهم رحمهم الله ورضي الله عنهم أجمعين

ولذا قال حذيفة بن اليمان رحمه الله كما في الصحيحين وهو يحكي عن أصحاب رسول الله صلى اله عليه وسلم يقول : إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة

وأنا أريدك أن تنتبه لهذه القضية المهمة التي يحكي فيها حذيفة بن اليمان ما كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يفوتك ولا يغيب عن بالك إننا نتكلم عن مسألة سبقت الإشارة إليها وهي كيف اثر القرآن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف يؤثر فينا كما اثر في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
هذا هو المقصود ، هذا الذي نريده نحن لا نريد أن نعلو فوق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وان ننال درجة لم ينالوها رضوان الله عليهم أجمعين لا وكلا ولا يمكن هذا أن يكون لأحد من الخلق كائنا من كان لأنهم أعلى الناس إيمانا وأقواهم يقينا بربهم وأعلمهم بكتاب الله عز وجل وبما فيه .
ولذا إنما نسعى لأن نسير على دربهم فاسمع إلى حديث حذيفة وهو يحكي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث في الصحيحين " إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال " ما هي الأمانة ؟
فسرها العلماء رحمهم الله فقالوا الأمانة أي الإيمان واليقين
الأمانة المقصود بها هنا في حديث حذيفة هي الإيمان واليقين التام بكتاب الله عز وجل وبصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأمانة أي هذا الإيمان وهذا اليقين وهذا التصديق الكامل نزل في جذر قلوب الرجال بدأ ثم جاء القرآن أي جاءت الأحكام من الحلال والحرام من الأوامر والنواهي في كتاب الله عز وجل فعلموا من القران وعلموا من السنة .


هكذا كان موقف صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعلمهم لكتاب الله عز وجل نزل الإيمان بدأ واستقر اليقين في أول الأمر ثم جاء القرآن بأوامره ونواهيه فكان له اثر عظيم على هؤلاء الناس فكانوا بل خير امة أخرجت للناس
ولذا أخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه قال :" لقد عشت دهرا من عمري وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن " هذا هو منهج صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان أولا ثم القرآن وقد بينت لك ما معنى الإيمان وما مرادهم بالقرآن هنا لقد عشتُ دهراً من عمري وإن أحدنا ليؤتى الأيمان قبل القرآن هذا هو المنهج الحق وهذا هو المنهج الصواب وهذا الذي لا يمكن أن يهتدي إنسان كائن من كان إلا من خلاله وبسلوك دربه وبالسير على منهجه ولذا حكى هذا الصحابي الجليل الفقيه العالم الكبير ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه حكى حال الناس بعد ذلك وكأنه ينظر إلينا في هذا الزمان
نعم والله .كأنه ينظر إلينا من مكان عال ينظر إلى حال الناس مع كتاب الله عز وجل ،ينظر إلى حال الناس مع الأيمان والقرآن ، حال الناس اللذين لهم اهتمام بكتاب الله عز وجل أما من ليس كذلك فليس الخطاب معه هنا
وإنما الكلام عن حال كثير من الناس ممن لهم عناية بكتاب الله ...أي عناية بتلاوة حروفه وقراءة ألفاظه .
حالهم أن أحدهم يريد أن يتعلم القرآن قبل أن يؤتى الإيمان
..فلا يسعى إلى الأيمان حتى يستقر في جذر قلبه ،ثم بعد ذلك يتعلم القرآن أي يتعلم أحكام القرآن ، لا...يعكس هذه المسألة ،وأنظر إلى كلام هذا الصحابي الجليل وهو يبين لنا حال الناس يقول رضي الله عنه وأرضاه ثم لقد رأيت رجالاً!!!! أنظر الحالة العكسية إلى الخطأ في المنهج إلى الخطأ في الطريقة في تعلم العلم وفى معاملة القرآن ( ثم لقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان ) أي يحفظ كتاب الله عز وجل يحسن أن يقيم حروفه وألفاظه .
يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ مابين فاتحة الكتاب إلى خاتمته ما يدرى ما أمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه لما خلط في المنهج لما خلط في الطريقة لما أراد أن يصعد السلم من أعلاه حصل له هذا النكس وحصل له هذا النقص ..بل وحصل له هذا الخلل والخطأ الكبير في طريقته مع كتاب ربه سبحانه وتعالى
يريد أن يؤتى الإيمان ولكن كيف يتعلم القرآن قبل أن يتسبب بالأسباب التي تجعل الإيمان يستقر في قلبه.
وهذا المنهج ليس بصحيح أبدأ مع كتاب الله سبحانه وتعالى ، لا يمكن أبداً أن يستقر الإيمان المقصود والهدف المنشود في قلب امرئ وهو يقبل على القرآن على أحكامه على نواهيه على ما يتعلق بالحلال والحرام منه ونحو ذلك والإيمان لم يستقر في قلبه والإيمان كيف يستقر ؟؟ الإيمان يستقر في القلب بآيات الوعد والوعيد بآيات اليوم الآخر بآيات الزجر والنهى عن اقتراف الكبائر التي لها من الأثر كذا وكذا ولها من العقاب كذا وكذا هذه الآيات التي تبين لك أثر الإحسان وثوابه عند الله عز وجل وأثر الإساءة وعذابها عند الله سبحانه وتعالى هي التي تجعلك لمّا تستقبل الأمر والنهى تستقبله استقبال من يؤمن بالله سبحانه وتعالى إيماناً كاملاً تاماً ، أما إذا غيرت فقد غيرت وإذا بدلت فقد نكست تكون كالكوز مجخياً يأتيك العلم بعد ذلك ..علم القرآن فلا ينفعك ولا يهديك ولا يؤثر فيك بعد ذلك كيف يؤثر في قلب لم يتعمق فيه الإيمان ولم تمتد شجرة الإيمان بجذورها في قلبه هذا لا يكون أبدا ...

لذا تأمل هذا السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين ووعوه وعياً تاماً كاملاً وكان من هؤلاء عدد كبير من الأئمة رحمهم الله سيأتي إلى ذكرهم في حال موقفهم من قراءة كتاب الله كيف كانوا يقرؤون القرآن وكيف كانوا يقفون مع القرآن ولكن هنا أردت أن أقدم لك مقدمة فيما يتعلق بما لابد أن يكون من قراءتك ما فيه تدبر ما فيه
تأنى ما فيه ،ترك العجلة المذمومة في قراءة كتاب الله سبحانه وتعالى .....
لما هذا لأن هذا مأخوذ من القاعدة المشهورة وهى(الأيمان قبل القرآن ) وهى بعبارة أسهل وأوضح في هذا الزمان نشرحها لأنفسنا وللناس غرس الأيمان قبل الإكثار من القرآن .هذا معنى كلامهم رحمهم الله غرس الإيمان قبل الإكثار من القرآن هذا هو مرادهم من قولهم الإيمان قبل القرآن


وقد أشار ابن القيم رحمه الله لهذا المعنى
فتدبر القرآن إن رمت الهدى *** فالعلم تحت تدبر القرآن
وقال الأخر.
وأتلو بفهم كتاب الله فيه أتت *** كل العلوم تدبره ترى العجب


كل العلوم أيها المؤمن إذا أردتها فإنها تكون بتدبر كتاب الله سبحانه وتعالى ولذا أريدك أن تنتبه لهذه المسألة فيما نستقبل من الكلام لأن المرحلة الثانية أكرر لك وأبين وأعيد لأن القرآن ثنى في الكلام كثيراً القرآن مثانى
فنحن لا بد أن نسير على طريقة القرآن في هذه الأمور العضال نثنى فيها ونكررها ونبينها من هنا وهناك حتى تتضح وحتى تنجلي وحتى لا يكون هناك أدنى شك في تقريرها وفى تحقيق أهميتها لكل مؤمن على وجه هذه البسيطة .
إذن أيها المؤمن لابد أن يكون هناك حرص عل غرس الأيمان قبل أن نتناول القرآن
كيف نغرس الإيمان ؟ نقلنا لك ذكرنا أن هذا يكون بالآيات الأولى والسور الأولى التي تنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم في بدء أمره وهذه السور هي التي جاءت في سور المفصل قد اخترنا لكم منها ما يتعلق بجزء عم لهذا الأمر ، لكي نستطيع أن نغرس الإيمان ن في قلوبنا قبل أن نتعلم من القرآن
غرس الإيمان بهذه السور وتعلم القرآن بالسور الطوال التي فيها بيان الأحكام الحلال والحرام ولذا ثبت عن أبى عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه وأرضاه وهذا من أكابر أتباع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (حدثنا من كان يقرأنا القرآن من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يأخذون القرآن عشراً عشرً قال فتعلمنا العلم والعمل معاً) مشكلة كثير من الناس أنه يتعلم العلم لا العمل ولكن من أخذ القرآن على طريقة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين عشراً عشراً أي أن المراد شيئا شيئا وليس المراد الحد
عشر آيات عشر آيات و المقصود أن تأخذ شيئا فشيئا من القرآن حتى ينغرس الإيمان في القلب. ثم بعد ذلك تتعلم أحكام القرآن ، فلما ينزل عليك الحكم من الله سبحانه وتعالى ينزل على قلب قد روضه الإيمان و هيئه اليقين واستعد و رضي بحكم الله سبحانه وتعالى عليه في كل أموره

فاصل قصير

مرحبا بكم أيها الإخوة مرة أخرى في روضة من رياض القرآن
بعد هذا نعيد الكلام ..عن الوسائل التي من خلالها نحقق هذه المرحلة
نحن عندنا الآن المرحلة الثانية ..وهذه المرحلة هي التأني والوقوف مع الآيات وترك العجلة في تدبر كتاب الله سبحانه وتعالى

هذه المرحلة ..هناك وسائل نستعين بها لكي نحقق هذه المرحلة لأنها من أهم ما يكون فلابد أن نتخذ وسائل نستعين بها بعد الله عز وجل في أن نكون من الذين أعانهم الله عز وجل فتجاوزوا هذه المرحلة وتخطوها إلى ما بعدها
هذه المرحلة ،وهي مرحلة التأني والتدبر وترك العجلة ..لابد أن نستعين فيها بوسائل ..أولى هذه الوسائل ..
واهم هذه الوسائل هي أنك أيها المبارك ..أيها المؤمن عند سماع آيات القرآن لابد من إلقاء السمع مع جمع القلب على القرآن ...
لابد من سمع لكنه ليس سمعاً معتاداً كسمع الكلام الذي يقال بين الناس لا..وإنما هو أن تلقي سمعك وأن تجمع قلبك وأنت تتوجه إلى كتاب الله سبحانه وتعالى
لابد من إلقاء السمع وجمع القلب على القرآن عند سماعه ... وهذا الشرط أو وهذه الوسيلة أيضا كذلك قد أشار الله عز وجل إليها في كتابه فقال (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) إن في ذلك- والضمير هنا عائد على القرآن – لمن ؟ قال: لمن كان له قلب ..أي لمن كان له قلب حي ..عندما استمع إلى كتاب الله سبحانه وتعالى جمع قلبه في سماع كتاب ربه (أو ألقى السمع وهو شهيد) ..
كيف ألقى السمع ؟ تأمل كلمة الإلقاء هنا (أو ألقى السمع) الإلقاء معروف في لغة العرب –تأخذ شيء فتلقيه ..ترمي به- فأنت كأنك جعلت سمعك هذا كأنه حجر من الأحجار أخذته ورميته رميا ...فتأخذ سمعك فترمي به إلى كتاب الله سبحانه وتعالى ..ترمي به كأنه لا كلام في الدنيا إلا القرآن ..ولا حديث في الدنيا الآن إلا القرآن ....تلقي سمعك إلى كتاب الله عز وجل
(أو ألقى السمع وهو شهيد )وهو شهيد أي وهو شاهد حاضر يستمع بكل جوارحه من أولها إلى أخرها إلى كتاب ربه
هذا الذي يريد أن يستفيد من سماعه لكتاب ربه ..لابد أن يكون على هذه الصفة ... ولابد وأن يستخدم هذه الوسيلة ..هذه الوسيلة أيها المؤمن بين يديك ..تستطيع أنت أن تقوم بها وأن تعملها ..وأن تتكلفها في أول الأمر ..إن لم تكن نفسك قد أقبلت على كتاب الله فلابد وأن تجاهدها مجاهدة حتى تلقي سمعك إلى كتاب ربك ثم بعد ذلك تحضر هذا القلب وهو يستمع إلى كلام الله عز وجل .
إذاً الله سبحانه وتعالى قد بين لنا أن هذا الكتاب ذكرى ..لكن لمن ؟ لمن كان له قلب
وهل المقصود أن له قلب بمعنى له قلب موجود فقط ؟ لا كل الناس لهم قلوب ما في حي إلا وله قلب ..ما من بشر إلا وله قلب ..ولكن المقصود أن له قلب نافع يستحضره ويشهده عند سماع آيات ربه
ولذا أيها المؤمن لابد من هذين الأمرين ..لابد أن تفتح قلبك وتجمعه في توجهه إلى كتاب الله سبحانه وتعالى ..وتلقي هذا السمع إلى كتاب الله فإذا ألقيت السمع وأحضرت القلب فأبشر بالخير من كتاب ربك ..هذه هي الوسيلة الأولى
وإن أردت زيادة الفائدة في هذه المسألة بعينها فأنظر إلى كلام بن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد ...فقد أطال الكلام جدا عن هذه الآية بعينها بذاتها ..أطال الكلام وتكلم بكلام نفيس ..لولا أني أخشى ألا يفهمه كثير من الناس لذكرته في هذا الموطن ولكن فيه شيء من الصعوبة تركته لمن أراد أن يقف عليه ...أرجع إليه في كتاب الفوائد ستجد فوائد عظيمة جدا كلها مستنبطة من هذه الآية العظيمة
الوسيلة الثانية
لمن أراد أن يجتاز هذه المرحلة هي الترسل والترتيل عند قراءة القرآن
أنت الآن جمعت قلبك وأحضرت سمعك ..بعد ذلك ما الذي ينبغي لك ..إذا كنت تاليا لكتاب الله سبحانه وتعالى فإياك إياك والعجلة ..
إياك إياك والهدرمة إياك وإياك والحدر الزائد الذي لا يكون فيه شيء من التدبر والترسل عند تلاوة آيات الكتاب
لان هذا الأمر الذي هو العجلة والهدرمة وسرعة القراءة لكتاب الله سبحانه وتعالى ..هذا الأمر خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم عند تلاوته لآيات القرآن ..
وهذه الوسيلة أيضا لابد منها لمن أراد أن يكون من أهل القرآن ..لأنها طريقة محمد صلى الله عليه وسلم وطريقة الصحابة وطريقة السلف رضي الله عنهم أجمعين مع كتاب ربهم فقد أخرج مسلم في صحيحة من حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في ليلة من رمضان فقام يقرأ فقرأ بسورة البقرة ثم افتتح سورة آل عمران وفي لفظ أنه قرأ سورة النساء ثم افتتح بعد ذلك بسورة آل عمران كل ذلك في ركعة واحدة ....يقول حذيفة في وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فقرأها مترسلا أي قرأ السور الثلاث (البقرة ، والنساء ، وآل عمران ) قرأها مترسلا ..إذا مر بآية تسبيح سبح ...وإذا مر بسؤال سأل ...وإذا مر بتعوذ تعوذ .
تأمل رجل يقرأ هذه السور الطوال ولكنه مع ذلك إذا مر بآية فيها شيء من ذكر الجنة سأل الله عز وجل ...شيء من ذكر الخير سأل الله سبحانه وتعالى ...مر بآية فيها ذكر النار تعوذ بالله منها ..إذا كان فيها شيء من ذكر الشر تعوذ بالله عز وجل من هذا الشر ...وكذا أيضا التسبيح والتحميد والتهليل لله سبحانه وتعالى ...هذا يبينه صلوات ربي وسلامه عليه إذا قرأ القرآن قرأه قراءة متدبر متأمل متفكر لما يتلوه من الآيات العظيمة .
أيضا هذا أخذه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ...فابن عباس كما حكى عنه بن أبي مليكه يقول : سافرت مع ابن عباس فقام في وسط الليل يقرأ ...ولك أيضا أن تتخيل أن هذه الصلاة في حال سفر...والإنسان عادة في حال السفر يكون متعبا مجهدا ليس في نشاطه الذي يكون عليه في حال الحضر ....فهو الآن مسافر رضي الله عنه وأرضاه ومع ذلك يقوم نصف الليل فيقرأ القرآن حرفا حرفا يبكي حتى نسمع له نشيجا ...
فهذا ابن عباس رضي الله عنه وعن أبيه...يقوم ويصلي من الليل في حال السفر فإذا قرأ القران قرأه حرفا حرفا حتى يسمع له نشيج وبكاء وهو يتلو كتاب الله سبحانه وتعالى

وكذلك غيره أيضا من الأئمة ، فقد حكى عن الفضيل بن عياض رحمه الله رحمة واسعة أنه كان إذا قرأ القرآن قرأه قراءة مترسلة حزينة شجية كأنه يخاطب إنسانا .
أنظر إلى وصف قراءة الفضيل بن عياض رحمه الله رحمة واسعة كان إذا قرأ القرآن كانت قراءته حزينة شجية كأنه يخاطب إنسانا ، وهذه هي قراءة السلف رضوان الله عليهم أجمعين ، يقرءون القرآن قراءة حزينة مترسلة بطيئة شجية على نحو يتلذذ فيها المرء عند تلاوته لآيات الكتاب ولا يكون فيها شيء من الجفاء وشيء من السرعة وشيء من الهذرمة التي لا تليق بكتاب الله سبحانه وتعالى ، هذه الوسيلة الثانية لمن أراد أن يجتاز المرحلة الثانية معنا في هذا المستوى الذي يتعلق بكيف نكون من أهل القرآن وكيف نكون من أصحاب القرآن .

عندنا وسيلة ثالثة
أيضا لابد منها في هذه المرحلة وهذه الوسيلة هي تكرار الآيات عند الحاجة . فتكرار الآيات سنة نبوية ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم وثبتت أيضا عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبتت أيضا عن التابعين وأتباع التابعين وثبتت عن غيرهم من الأئمة إلى زمننا هذا فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي ذر وإسناده صحيح فقد صححه ابن القيم رحمه الله وصحح الحديث الحاكم وكذلك البوصيري وجماعة من أهل العلم .
عدد كبير من أهل العلم صححوا هذا الحديث " أن رسول الله قام بآية يرددها حتى الصباح " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " هذه الآية قام بها صلى الله عليه وسلم يرددها حتى الصباح وهو يبكي صلوات ربي وسلامه عليه لأنه وجد في هذه الآية شيئا وافق ما في نفسه صلى الله عليه وسلم من رحمته بأمته ومن شفقته عليهم فلما قرأ قول الله عز وجل "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " أراد أن يستجلب رحمة الله لأمته لأمة محمد صلى الله عليه وسلم فكرر هذه الآية وأخذ يرددها حتى الصباح .

وكذلك غيره أيضا ممن تلقوا عنه صلى الله عليه وسلم ، فقد حكى عبادة بن حمزة انه دخل على أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها وهي تقرأ " فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم " يقول فجلست عندها وهي تكرر الآية حتى مللت ثم خرجت إلى السوق ثم عدت إليها وهي تكرر الآية " فمن الله علينا ووقانا عذاب ا لسموم "
هذه آية واحدة كان لها أثر في قلب هذه الصحابية الجليلة فأخذت ترددها وترددها زمنا طويلا
كذلك أيضا جاء ذلك عن التابعين ، فعن سعيد بن جبير رضي الله عنه وأرضاه انه قرأ
" واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله " فأخذ يرددها ويرددها ويرددها كثيرا
وجاء ذلك أيضا عن الضحاك بن مزاحم رحمه الله رحمة واسعة وهو يقرأ قول الله سبحانه و تعالى" لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل " فأخذ يرددها كثيرا كثيرا كثيرا ويبكي رحمه الله رحمة واسعة
ولذا جاء عنهم في هذا الباب أشياء كثيرة لا تنتهي ومن تأمل كلامهم في هذا الشأن وجد عجبا حتى أن محمد بن كعب القرضي رحمه الله رحمة واسعة كان يقول لئن أقرأ _ وتأمل كلامه _ يقول لئن اقرأ سورة الزلزلة إذا زلزلت الأرض زلزالها وسورة القارعة " القارعة ما لقارعة " لئن أقرا هاتين السورتين أحب إلي من أن أقرأ القرآن هزا
يقرأ سورتين قصيرتين من كتاب الله عز وجل أحب إليه من أن يقرأ القرآن هزا ، لما؟؟ لأن تكرار هاتين الآيتين أو تكرار أيضا هاتين السورتين أو تكرار آية أثرت في قلبك ووجدت لها نفعا في فؤادك هذا له أثر عظيم على هذا القلب حتى يتحرك وحتى يحيا وحتى ينعصر لكتاب الله عز وجل فيدمع القلب ثم تدمع العين
بعد ذلك من أثر وتأثير كتاب الله سبحانه وتعالى على الإنسان

إذاً أيها المؤمن إذا أردت أن تجتاز هذه المرحلة وترك العجلة فلابد وأن تستعين بشيء من الوسائل وهذه الوسائل هي
أولاً أن تلقي سمعك وأن تحضر قلبك عند قراءة كتاب ربك إذا فعلت ذلك فعند إذ بعدها
فكن أيه المبارك مترسلا في قراءة آيات الكتاب مترسلاً متأنياً في قراءة
آيات الكتاب ثم بعد ذلك إذا مرت بك أيه شعرت أن نفسك بحاجة إليها وأن لها
أثر على هذا القلب حينئذ أيها المؤمن قف عندها وكررها ورددها كثيراً
فإن لهذه الآية في قلبك آثر ليس بالهين ، وقد يحي الله عز وجل قلبك بآية واحده من كتاب ربك قد يحي الله سبحانه وتعالى قلبك حياة لا موت بعدها بإذن الله جل وعلى بآية واحدة من القرآن وهذا جرى لأناس كثر نعم جرى لأناس كثر سمعوا آية من كتاب الله سبحانه وتعالى فعاشوا بها دهراً وتنوروا بها عمرا طويلاً أذكر من ذلك في هذا العصر أن شاباً قد وقع في الفاحشة الكبرى وكان يواقع هذه الفاحشة مرات كثيرة في أزمنة متقاربة يقول فكنت مرة في رمضان فأثرت ألا أسمع الغناء وإنما أسمع كتاب الله سبحانه وتعالى فجعلت شريط للقرآن وأنا أسير في السيارة فأستمع إلى أحد القراء وهو يقرأ سورة يوسف فمر على قول الله سبحانه وتعالى ( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين ) هو أستمع إلى هذه الآية فانتبه إلى أن الله عز وجل علل صرف السوء والفحشاء عن هذا النبي الكريم لأنه من عباد الله المخلصين فأعاد الآية مرة ثانيه ثم أعادها الثالثة فلما عادها الثالثة تبين له أن من كان من عباد الله المخلصين لا يمكن أن يقع في السوء والفحشاء لأن الله عز وجل صرف عن يوسف عليه السلام السوء والفحشاء ، لأي علة ولأي سبب لأنه من عباد الله المخلصين فأخذ يبكي ويردد في نفسه يقول إذاً أنا ليس من عباد الله المخلصين لأني وقعت في السوء والفحشاء أنا لست من عباد الله المخلصين لأني وقعت في السوء والفحشاء أنا لست من عباد الله المخلصين لأني وقعت في السوء والفحشاء ثم أخذ يردد الآية رابعة وخامسة وعاشرة يقول ساعة كاملة وقد أوقفت السيارة جانبا ما استطعت أن أكمل القيادة وأنا استمع إلى الآية وابكي وابكي ساعة كاملة وهو يكرر الآية ويرددها ويبكي بكاء شديدا ، يقول والله الذي لا إله إلا هو أني ما حركت السيارة بعد هذا الموقف إلا قد عاهدت ربي ألا أعود إلى فاحشة أبداً وما عدت إليها إلى ساعتي هذه بآية واحدة من كتاب الله عز وجل رددها و تأملها وتفكر فيها وهذا هو السر الذي نريد أن نصل إليه

في هذا الكلام هذا الذي نريد أن نصل إليه بإذن الله جل في علاه إذاً هذه الوسائل
أيها المؤمن حاول أن تستفيد منها في أن تحدث قلبك لكتاب ربك في أن تتجاوز
هذه المراحل لتكون من أهل القرآن ومن أهل شفاعة هذا القرآن العظيم
لعلنا نقف عند هذا الحد ونواصل بإذن الله سبحانه وتعالى فيما نستقبل

أسال الله عز وجل لي ولكم أن يجعل هذا القرآن هادينا و في الدنيا والآخرة
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى ياذا الجلال والإكرام يا رب العالمين
اللهم أن نسألك برحمتك نسألك بجودك نسألك بكرمك نسألك بواسع فضلك وعطائك
أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور أبصارنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا بجودك وكرمك ياذا الجلال والإكرام
وصلى الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
أم الشهداء غير متواجد حالياً  
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أيهما أولى حفظ القرآن أو طلب العلم الشرعي مسلمة لله روضة آداب طلب العلم 31 02-08-16 12:15 PM
أفلا يتدبرون القرآن؟! /للشيخ عبدالسلام الحصين أم خــالد روضة القرآن وعلومه 15 14-02-10 02:56 AM
نزول القرآن الكريم وتاريخه وما يتعلق به طـريق الشـروق روضة القرآن وعلومه 8 22-12-07 03:50 PM


الساعة الآن 08:31 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .