العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . أقسام العلوم الشرعية . ~ . > روضة العلوم الشرعية العامة > روضة الفقه وأصوله

الملاحظات


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-06-12, 01:29 PM   #1
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي كلمات يسيرة تتعلق بشهر شعبان

كلمات يسيرة تتعلق بشهر شعبان





في الصحيحين عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان» البخاري (1969)، ومسلم (1156).



بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين المعتدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً .. أما بعد: فهذه كلمات يسيرة في أمور تتعلق بشهر شعبان.

الأمر الأول: في فضل صيامه.


ففي الصحيحين عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت:
«ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان» البخاري (1969)، ومسلم (1156). وفي البخاري (1970) في رواية: «كان يصوم شعبان كله» . وفي مسلم في رواية: «كان يصوم شعبان إلا قليلاً» . وروى الإمام أحمد (21753)، والنسائي (2357) من حديث أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما ـ قال: " لم يكن - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - يصوم من الشهر ما يصوم من شعبان "، فقال له: لم أرك تصوم من الشهر ما تصوم من شعبان قال: «ذاك شهر يغفل النّاس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين عز وجل فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» قال في الفروع (ص 120 ج 3 ط آل ثاني): والإسناد جيد.

الأمر الثاني: في صيام يوم النصف منه


فقد ذكر ابن رجب - رحمه الله تعالى - في كتاب
(اللطائف) (ص 341 ط دار إحياء الكتب العربية) أن في سنن ابن ماجة (1388) بإسناد ضعيف عن علي ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها، وصوموا نهارها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول: ألا من مستغفر لي فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا، ألا كذا حتى يطلع الفجر».

قلت: وهذا الحديث حكم عليه صاحب المنار بالوضع، حيث قال (ص 226 في المجلد الخامس من مجموع فتاويه): " والصواب أنه موضوع، فإن في إسناده أبا بكر بن عبد الله بن محمد، المعروف بابن أبي سبرة، قال فيه الإمام أحمد ويحيى بن معين: إنه كان يضع الحديث ".

وبناء على ذلك فإن صيام يوم النصف من شعبان بخصوصه ليس بسنة، لأن الأحكام الشرعية لا تثبت بأخبار دائرة بين الضعف والوضع باتفاق علماء الحديث، اللّهم إلاّ أن يكون ضعفها مما ينجبر بكثرة الطرق والشواهد، حتى يرتقي الخبر بها إلى درجة الحسن لغيره، فيعمل به إن لم يكن متنه منكراً أو شاذًّا.


وإذا لم يكن صومه سنة كان بدعة، لأن الصوم عبادة فإذا لم تثبت مشروعيته كان بدعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«كل بدعة ضلالة» [أخرجه مسلم] (867) من حديث جابر - رضي الله عنه - .

الأمر الثالث: في فضل ليلة النصف منه


وقد وردت فيه أخبار قال عنها ابن رجب في اللطائف بعد ذكر حديث علي السابق: إنّه قد اختلف فيها، فضعفها الأكثرون، وصحح ابن حبان بعضها وخرجها في صحيحه. ومن أمثلتها حديث عائشة - رضي الله عنها - وفيه: "أن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب". خرجه الإمام أحمد (26018) والترمذي (739) وابن ماجة (1389)، وذكر الترمذي أن البخاري ضعَّفه، ثم ذكر ابن رجب أحاديث بهذا المعنى وقال: وفي الباب أحاديث أخر فيها ضعف. اهـ

وذكر الشوكاني أن في حديث عائشة المذكور ضعفاً وانقطاعاً.

وذكر الشيخ عبدالعزيز بن باز ـ رحمه الله تعالى ـ أنه ورد في فضلها أحاديث ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها، وقد حاول بعض المتأخرين أن يصححها لكثرة طرقها ولم يحصل على طائل، فإن الأحاديث الضعيفة إذا قدر أن ينجبر بعضها ببعض فإن أعلى مراتبها أن تصل إلى درجة الحسن لغيره، ولا يمكن أن تصل إلى درجة الصحيح كما هو معلوم من قواعد مصطلح الحديث.


الأمر الرابع: في قيام ليلة النصف من شعبان وله ثلاث مراتب:


المرتبة الأولى:
أن يصلى فيها ما يصليه في غيرها، مثل أن يكون له عادة في قيام الليل فيفعل في ليلة النصف ما يفعله في غيرها من غير أن يخصها بزيادة، معتقداً أن لذلك مزية فيها على غيرها، فهذا أمر لا بأس به، لأنه لم يحدث في دين الله ما ليس منه.

المرتبة الثانية:
أن يصلى في هذه الليلة، أعني ليلة النصف من شعبان دون غيرها من الليالي، فهذا بدعة، لأنّه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه أمر به، ولا فعله هو ولا أصحابه.

وأما حديث علي ـ رضي الله عنه ـ الذي رواه ابن ماجة:
«إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها». فقد سبق عن ابن رجب أنه ضعَّفه، وأن محمد رشيد رضا قال: " إنّه موضوع، ومثل هذا لا يجوز إثبات حكم شرعي به، وما رخص فيه بعض أهل العلم من العمل بالخبر الضعيف في الفضائل، فإنه مشروط بشروط لا تتحقق في هذه المسألة، فإن من شروطه أن لا يكون الضعف شديداً، وهذا الخبر ضعفه شديد، فإن فيه من كان يضع الحديث ، كما نقلناه عن محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى.

الشرط الثاني: أن يكون وارداً فيما ثبت أصله، وذلك أنه إذا ثبت أصله ووردت فيه أحاديث ضعفها غير شديد كان في ذلك تنشيط للنفس على العمل به، رجاء للثواب المذكور دون القطع به، وهو إن ثبت كان كسباً للعامل، وإن لم يثبت لم يكن قد ضره بشيء لثبوت أصل طلب الفعل ". ومن المعلوم أن الأمر بالصلاة ليلة النصف من شعبان لا يتحقق فيه هذا الشرط، إذ ليس لها أصل ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكره ابن رجب وغيره.
قال ابن رجب في اللطائف (ص 541): " فكذلك قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه شيء ". وقال الشيخ محمد رشيد رضا (ص 857 في المجلد الخامس): " إن الله تعالى لم يشرع للمؤمنين في كتابه ولا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ولا في سنته عملاً خاصًّا بهذه الليلة " اهـ.

وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز:
" ما ورد في فضل الصلاة في تلك الليلة فكله موضوع ". اهـ

وغاية ما جاء في هذه الصلاة ما فعله بعض التابعين،
كما قال ابن رجب في اللطائف (ص 441) : " وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ النّاس فضلها وتعظيمها، وقد قيل: إنّهم بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك: فمنهم من قبله ووافقهم على تعظيمها، وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز، وقالوا: ذلك كله بدعة ". اهـ

ولا ريب أنّ ما ذهب إليه علماء الحجاز هو الحق الذي لا ريب فيه، وذلك لأن الله تعالى يقول:
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِيناً} [المائدة:3] ولو كانت الصلاة في تلك الليلة من دين الله تعالى لبيَّنها الله تعالى في كتابه، أو بيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله أو فعله، فلمّا لم يكن ذلك علم أنها ليست من دين الله، وما لم يكن منه فهو بدعة، وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل بدعة ضلالة» .

المرتبة الثالثة:
أن يصلى في تلك الليلة صلوات ذات عدد معلوم، يكرر كل عام، فهذه المرتبة أشد ابتداعاً من المرتبة الثانية وأبعد عن السنة. والأحاديث الواردة فيها أحاديث موضوعة، قال الشوكاني في الفوائد المجموعة (ص 15 ط ورثة الشيخ نصيف): " وقد رويت صلاة هذه الليلة، أعني ليلة النصف من شعبان على أنحاء مختلفة كلها باطلة وموضوعة ".

الأمر الخامس: أنه اشتهر عند كثير من الناس أن ليلة النصف من شعبان يقدر فيها ما يكون في العام


وهذا باطل، فإن الليلة التي يقدر فيها ما يكون في العام هي ليلة القدر، كما قال الله تعالى:
{حم(1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(6)} [الدخان:1-6] وهذه الليلة التي أنزل فيها القرآن هي ليلة القدر، كما قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:1] وهي في رمضان، لأن الله تعالى أنزل القرآن فيه، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185] فمن زعم أن ليلة النصف من شعبان يقدر فيها ما يكون في العام، فقد خالف ما دل عليه القرآن في هذه الآيات.

الأمر السادس:


أن بعض الناس يصنعون أطعمة في يوم النصف يوزعونها على الفقراء ويسمونها عشيات الوالدين.

وهذا أيضاً لا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون تخصيص هذا اليوم به من البدع التي حذَّر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال فيها: «كل بدعة ضلالة» .

وليعلم أنّ من ابتدع في دين الله ما ليس منه فإنّه يقع في عدة محاذير منها:


المحذور الأول:
أن فعله يتضمن تكذيب ما دل عليه قول الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3]، لأنّ هذا الذي أحدثه واعتقده ديناً لم يكن من الدين حين نزول الآية، فيكون الدين لم يكمل على مقتضى بدعته.

المحذور الثاني:
أن ابتداعه يتضمن التقدم بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه و سلم، حيث أدخل في دين الله تعالى ما ليس منه. والله سبحانه قد شرع الشرائع وحدّ الحدود وحذَّر من تعديها، ولا ريب أن من أحدث في الشريعة ما ليس منها فقد تقدم بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه و سلم، وتعدى حدود الله، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون.

المحذور الثالث:
أن ابتداعه يستلزم جعل نفسه شريكاً مع الله تعالى في الحكم بين عباده، كما قال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21].

المحذور الرابع:
أنّ ابتداعه يستلزم واحداً من أمرين، وهما:
إمّا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم جاهلاً بكون هذا العمل من الدين، وإمّا أن يكون عالماً بذلك ولكن كتمه، وكلاهما قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، أمّا الأول فقد رماه بالجهل بأحكام الشريعة، وأمّا الثاني فقد رماه بكتمان ما يعلمه من دين الله تعالى.

المحذور الخامس:
أنّ ابتداعه يؤدي إلى تطاول النّاس على شريعة الله تعالى، وإدخالهم فيها ما ليس منها، في العقيدة والقول والعمل، وهذا من أعظم العدوان الذي نهى الله عنه.

المحذور السادس:
أنّ ابتداعه يؤدي إلى تفريق الأمة وتشتيتها واتخاذ كل واحد أو طائفة منهجاً يسلكه ويتهم غيره بالقصور، أو التقصير، فتقع الأمة فيما نهى الله عنه بقوله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105]، وفيما حذر منه بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [الأنعام: 159].

المحذور السابع:
أن ابتداعه يؤدي إلى انشغاله ببدعته عما هو مشروع، فإنّه ما ابتدع قوم بدعة إلاّ هدموا من الشرع ما يقابلها.

وإن فيما جاء في كتاب الله تعالى، أو صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم من الشريعة لكفاية لمن هداه الله تعالى إليه واستغنى به عن غيره، قال الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ(57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)َ} [يونس57-58]. وقال الله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاي فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى} [طه:123].

أسأل الله تعالى أن يهدينا وإخواننا المسلمين صراطه المستقيم، وأن يتولانا في الدنيا والاۤخرة إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين.


الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله -



توقيع رقية مبارك بوداني

الحمد لله أن رزقتني عمرة هذا العام ،فاللهم ارزقني حجة ، اللهم لا تحرمني فضلك ، وارزقني من حيث لا أحتسب ..


رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-06-12, 01:34 PM   #2
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي استقبال شهر شعبان

استقبال شهر شعبان



«كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم يصوم، حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان»

الحمد لله الذى امتن على عباده بمواسم يرجعون فيها إليه، ويقبلون بقلوبهم عليه، فسبحان من أنعم علينا وتفضل، وأسبغ عطاياه وأسبل، وله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم، وإليه ترجعون، وأشهد أن لا إله إلا الله، فاطر السماوات العلى، ومنشئ الأرضين والثرى، وأشهد أن محمدا عبده المجتبى، ورسوله المرتضى، صلوات الله وسلامه عليه، ما دار في السماء فلك، وما سبح في الملكوت ملك، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وبعد ..

إي والله ما هي إلا ساعة، ثم تنقضي بآلامها وأحزانها، وتبقى الحسرات والتبعات، وهكذا شأن الدنيا، قال تعالى: {
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم:من الآية 55].


والعبد العاقل، هو الذي يأخذ من حياته لمماته، ومن دنياه لأخراه، فالدنيا مزرعة الآخرة، وهي ساعة، فاجعلها طاعة، والنفس طماعة، فألزمها القناعة، وإلا فإن الأنفاس تعد، والرحال تشد، والتراب من بعد ذلك ينتظر الخد، وما عقبى الباقي غير اللحاق بالماضي، وعلى أثر من سلف يمشي من خلف، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من وعظ بنفسه، ومن رحمة الله تعالى علينا أن جعل لنا مواسم، فيها نفحات لمن يتعرض لها ويغتنمها، يفرح بها المؤمنون ويتسابق فيها الصالحون، ويرجع فيها المذنبون، ويتوب الله على من تاب، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، لسان حالهم يقول : {
وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ} [طه:من الآية 84].


وهذه المواسم منها ما هو شهر، ومنها ما هو يوم أو أيام، ومنها ما هو ساعة، وقد أظلنا شهر من تلكم النفحات، ألا وهو شهر شعبان، وقد قال عنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «ذاك شهر يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يُرفعَ عملى وأنا صائم». رواه النسائى وأحمد بإسناد صحيح.



وروى البخاري ومسلم عن عائشة، رضى الله عنها قالت: «
كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم يصوم، حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان».

وفي سبب تسميته، قال ابن حجر، رحمه الله،: "إن الناس بعد شهر رجب المحرم كانوا يتشعبون في طلب الغارات، ومن ثمَّ سُمي شعبان".




ولقد ذكر النبي، صلى الله عليه وسلم، معنيين لتفضيل الصيام في شهر شعبان:


المعنى الأول:

غفلة الناس عن هذا الشهر، لمَّا اكتنفه شهران عظيمان: الشهر الحرام رجب، وشهرالصيام رمضان، وفي هذا دليل على استحباب إعمار أوقات غفلة الناس بطاعة الله، وأن هذا محبوب لله عز وجل، ولذلك كان بعض السلف يستحبون إحياء ما بين العشاءين بالصلاة، ويقولون: "هي ساعة غفلة".


وفى ذلك فوائد منها:

• إن هذا يكون يكون أخفى للعمل، وأستر، وأكثر تحقيقا للإخلاص، لا سيما لو كان هذا العمل صياما، فإنه سر بين العبد وربه، وقد صام بعض السلف، رحمهم الله، أربعين يوما، لا يعلم به أحد، كان إذا خرج من بيته أخذ معه رغيفين، فتصدق بهما، فيظن أهله أنه أكلهما، ويظن أهل سوقه أنه أكل في بيته.

فسبحان الله، كم ستر الصادقون أحوالهم مع الله عز وجل، وريح الصدق تَنُمُّ عليهم! قالوا : ما أَسَرَّ عبد سريرةً، إلا أَلْبَسَهُ الله ردائها علانية.



• ومنها أن طاعة الله وقت غفلة الناس تكون أشق على العبد الصالح، وأفضل الأعمال أشقها، فإذا كانت الناس في طاعة الله عز وجل تيسرت الأعمال الصالحة على العباد، وأما إذا كان الناس في غفلة ومعصية تعسرت الطاعة على المستيقظين، وهذا معنى قول النبي، صلى الله عليه وسلم،: «
إنكم تجدون على الخير أعوانا وهم لا يجدون»، وذلك لما أخبرَ الصحابةَ أن الواحد ممن بعدهم بأجر خمسين منهم.

• ومنها أن المنفرد بالطاعة بين أهل الغفلة والمعاصي، قد يُدفع به البلاء عن الناس كلهم، فكأنه يحميهم ويدافع عنهم، وصدق من قال :


لــــولا عباد للإله رُكَّع *** وصــــــــبية يتامى رُضَّع
ومهملات في الفلاة رُتَّع *** لَصُبَّ عليكم عذاب بلقع

المعنى الثانى :
(فضل الصيام في شهر شعبان) هو ما ذكره النبي، صلى الله عليه وسلم، بقوله: «هو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملى وأنا صائم».

ولا شك أن من حَرَصَ على الصيام في مثل هذه الأوقات، هو أشد حرصا على سائر الطاعات والأعمال الصالحات، من صلوات مفروضة، ونوافل مسنونة، وأذكار موظفة، وقراءة للقرآن، وصلة للرحم، وإنفاق في وجوه الخير، وغير ذلك.


وقيل في فضل الصيام في هذا الشهر إنه استعداد وتمرين لشهر رمضان، فلا يجد المرء مشقة وكلفة في صيامه، وكذلك الحال في بقية الأعمال، فيسن للمرء أن يجتهد في شهر شعبان، حتى إذا أتى رمضان، كان أكثر اجتهادا، وأكثر قدرة على طاعة الله عز وجل.


مضى رجب وما أحسنت فيه *** وهـــــــذا شهر شعبان المبارك
يا مضيع الأوقات جــــهلا بحر *** مـــــــــتها أفق واحذر بوارك
فسوف تفارق اللذات قــــــسرا *** ويخلي الموت كرها منك دارك
تدارك ما استطعت من الخطــــايا *** بتوبة مخلص واجعل مدارك
على طلب السلامة من جحـــــيم *** فخير ذوي الجرائم من تدارك


قال تعالى: {
فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَاز} [آل عمران:من الآية 185].



رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-06-12, 01:39 PM   #3
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي س: ما الفرق بين شعبان العام وشعبان العام الماضي؟س: ما الفرق بين شعبان


س: ما الفرق بين شعبان العام وشعبان العام الماضي؟



لك شأن وللناس شأن فلا تقلدن في دينك الرجال، وإن المؤمن أسير في هذه الحياة الدنيا يسعى في فكاك رقبته من النار، ويعلم أنه مؤاخذ عليه في سمعه وبصره ولسانه، وسائر جوارحه، فارفق بنفسك؛ فالأمر إما جنة وإما نار...


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد بدأت مقالي بهذا السؤال والذي قد يتلعثم في الإجابة عليه كثيرون! فهل هو فعلاً سؤال صعب؟ لتجرب أنت الأن أن تجيب.


هل جربت أم استعجلت واستسهلت فجرت عيناك الأسطر لترى الإجابة؟


إن الفرق أحبتي بين شعبان العام 1430هـ، وشعبان الماضي 1429هـ هو عام مر من أعمارنا!!


عام كامل ستجده حتمًا ولابد مسطرًا في صحيفتك يوم القيامة... عام هجري كامل أي: ما يزيد على الثلاثمائة يوم بكل ساعاتها، بل بكل دقائقها وثوانيها! وإذا كان ابن رجب -رحمه الله- نقل في لطائفه أن إبراهيم النخعي -رحمه الله- كان يبكي إلى امرأته يوم الخميس وتبكي إليه ويقول: "اليوم تعرض أعمالنا على الله -عز وجل-!" فكيف بأعمال عام كامل؟!



يا الله! ما أشد غفلتنا عما يراد بنا!! يا ترى ماذا صعد في هذا العام من أعمالنا؟!


كيف هي مكانتنا عند الله من خلال هذه الأيام؟


ترى من المقرب السعيد، ومن المبعد التعيس؟


من ذا الذي تقرب إلى الله في هذا العام بالفرائض فأحسنها وأتقنها، وأتبعها بما أمكنه من النوافل؟


من غض فيها بصره عن المحارم؟ من صان سمعه عن الغيبة والنميمة؟ من حفظ يده أن تمتد إلى حرام.. ورجله أن تمشي إلى حرام؟


هل من أكلة استجلب بها عبد غضب ربه عليه طوال هذه الثلاثمائة؟


هل من كلمة استوجب بها عبد الهوي في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب خلال هذه الثلاثمائة يوم؟


هل من خلوة سها فيها عبد وغفل عن نظر الله إليه، واطلاعه عليه فأفسح لنفسه في المعاصي فعصى ربه وهو ينظر إليه ومطلع عليه؟


عباد استوجبوا الجنة في هذه الثلاثمائة.. وآخرون استوجبوا النار في خلال هذه الثلاثمائة أيضًا، أناس طويت صحائفهم وختمت بالإحسان فهم يتقلبون في درجات الجنان، وآخرون طويت صحائفهم وختمت بالعصيان فهم يكبكبون في دركات النيران.. وكل هذه في الثلاثمائة يوم!


طاعات الخلوات تعطرت بها نسمات الهواء وهي ترفع إلى فاطر الأرض والسماء..



دمعات الأسحار زادت الوجوه نورًا وإشراقـًا.. والقلوب لذة ومحبة..


صدقات الإسرار تقبلت من لدن الكريم الرحيم الغفار..


عطش الهواجر وظمأها استحال ريًا لدى الكريم المنان..


جلسات الذكر ختمت بالثناء في الملأ الأعلى لأصحابها..


قلوب تعلقت بكلام ربها وعكفت على تلاوته آناء الليل وأطراف النهار.. ختمات وختمات.. وتلاوات عاطرات.. وتدبر وعظات، ودروس حاضرات..


درجات راقيات.. ومنازل شريفات حازها وفد الرحمن ومحبو القرآن.. ومديمو الصيام.. والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات، والمعلقة قلوبهم بالمساجد والجماعات.. وطالبوا العلم في الحلقات؛ ترى: لو اطلعت على لما أعد الله لهم في الجنة الآن كم يكون شوقك للحاق بهم.. وحسرتك على ما فاتك وحصلوا؟!



وكيف لو كان العبد في المقابل قد أتى في العام نفسه بما أسقطه من عين مولاه.. وأبعده عن قربه وصفاه؟!


كم هي السيئات في هذه الثلاثمائة، بل في دقائقها ولحظاتها؟ كم تكون؟ كم في اليوم؟ كم في الساعة؟ كيف يكون اللقاء؟


كم يكون الحمل ثقيلاً؟! كم يكون الوزر مسيئًا؟!


كيف يكون الحال عند الميزان؟ كم هو قدر هذا العام في الميزان؟؟


كيف يكون السير على الصراط؟


كيف إذا ذكَّر الرب -جل جلاله- عبده بذنوب الثلاثمائة يوم؟! أتذكر ذنب كذا؟ أتذكر ذنب كذا؟


أتذكر تلك الكلمات الآثمة التي نلت بها من ديني وشرعي؟


أتذكر تلك العبارات التي استهزأت بها من أوليائي؟


أتذكر تلك النظرات الفاجرة إلى محارمي؟


أتذكر تلك الخطوات إلى ما فيه غضبي؟


أتذكر تلك الكتابات التي تسببت بها في ظلم خلقي؟


ترى كم ذنب تذكر به أخي؟!


يا الله.. رحمتك رحمتك.. عفوك عفوك..


يا حسرتنا على ما فرطنا في جنب الله.. كم كنا غافلين.. كم كنا متكاسلين.. كم وكم.. في هذه الثلاثمائة يوم ويزيد، ولكن بعد هذا كله ماذا تريد؟


نعم لعلك تسألني هذا السؤال، وعليك أجيب فأقول: حان وقت المراجعة.. جاء وقت الحساب.. جاء الشهر الذي ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، ومرة أخرى أنت مازلت على قيد الحياة، ولم توسد في التراب دفينـًا خلال هذه الثلاثمائة، بل أبقاك حيًا، وقرأت هذه الذكرى أليس لأنه يحبك؟


فماذا أنت فاعل إذن؟؟


تجد الإجابة -إن شاء الله- في المقال التالي بعنوان: "لماذا شعبان؟؟".



وأختم فأقول: "أحبتي في الله: اعلموا أنكم لن تروا من الخير إلا أسبابه، ولن تروا من الشر إلا أسبابه، والخير بحذافيره في الجنة، والشر بحذافيره في النار، والدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر، والآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قاهر، ولكل دار بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا.


لك شأن وللناس شأن فلا تقلدن في دينك الرجال، وإن المؤمن أسير في هذه الحياة الدنيا يسعى في فكاك رقبته من النار، ويعلم أنه مؤاخذ عليه في سمعه وبصره ولسانه، وسائر جوارحه، فارفق بنفسك؛ فالأمر إما جنة وإما نار، والصبر على طاعة الله أهون من الصبر على عذابه، وكانت هذه التذكرة؛ ليهون موقفنا بين يدي الله -عز وجل-، ويقصر ولا يطول، وحتى إذا وقع التقرير بالذنوب أتذكر... فإنا لنطمع في لطيف الخطاب بعدها: "عبدي: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم".


فأري الله من نفسك خيرًا فقد أتي شعبان... نعم أتى شعبان، يقول الشاعر:




مـضى رجب وما أحـسنـت فـيه وهـذا شـهـر شـعـبـان المبارك

فـيا مـن ضـيع الأوقـات جـهـلاً بحـرمتها أفـق واحــذر بـوارك


فـسوف تـفـارق اللـذات قـسـرًا ويخلي الموت كرهًا منك دارك


تدارك ما استطعت من الخطايا بـتـوبة مـخـلص واجعل مدارك


على طـلب السلامة مـن جحـيم فخير ذوي الجـرائم من تـدارك


اللهم اغفر لنا، وارحمنا، واهدنا، وعافنا، وارزقنا.


7-شعبان-1430هـ 29-يوليو-2009 م


المصدر: - موقع صوت السلف
رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-06-12, 01:41 PM   #4
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي شعبان والاستعداد لرمضان

شعبان والاستعداد لرمضان



اعلم أن الأوقات التي يغفل الناس عنها معظمة عند الله -تبارك وتعالى- لاشتغال الناس بالعاداتِ والشهواتِ، وإذا ثابر عليها طالب الفلاح دل على حرصهِ على الخيرِ، قال -صلى الله عليه وسلم-:«عبادة في الهرج كهجرة إليّ» (رواه مسلم)، أي: وقت غفلات الناس.


الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله. أمابعد،


أخي الحبيب: اعلم أن الأوقات التي يغفل الناس عنها معظمة عند الله -تبارك وتعالى- لاشتغال الناس بالعاداتِ والشهواتِ، وإذا ثابر عليها طالب الفلاح دل على حرصهِ على الخيرِ، قال -صلى الله عليه وسلم-:«
عبادة في الهرج كهجرة إليّ » (رواه مسلم)، أي: وقت غفلات الناس.

وقال -صلى لله عليه وسلم-: «
أفضل الصلاة بعد المكتوبة الصلاة بالليل»، لأنهُ وقت نزول الرب -تعالى-، وغالب الناس عن هذا الوقت غافلون.


وقد كان سلف الأمة -رضي الله عنهم- يستعدون لشعبان كما يستعدون لرمضان، فعن لؤلؤة -مولاة عمار- قال: "كان عمار -رضي الله عنه- يتهيأُ لصوم شعبان كما يتهيأ لصوم رمضان."


وكان عمرو بن قيس الملائي -رحمه الله- إذا دخل شعبان أغلق حانوته، وتفرغ لقراءة القرآن في شعبان ورمضان.



أخي: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقوم الليل حتى تتورم قدماه، وهو الذي غفر ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكان الصحابة يصبحون شعثًا غبرًا صفرًا، قد باتوا سجدًا وقيامًا.


وكان الواحد من سلف الأمة يقيم الليل، ولا يستطيع أن يأتي فراشه إلا حبوًا ويقول: سبقني العابدون.



كان سفيان الثوري -رحمه الله- ينام أول الليل، ثم يقوم فزعًا، وينادي: النار،النار، شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات، ثم يتوضأ ويصلي، ويقول: إلهي إنك علام بحاجتي غير معلم، ما أطلب إلا فكاك رقبتي من النار‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍.


قالت امرأة لعامر بن عبد قيس -رحمه الله-: ما لي أرى الناس ينامون، وأنت لا تنام؟


قال: ذكر النار لا يدعني أنام.‍‍


كان الأحنف بن قيس شيخًا كبيرًا، وكان يصوم، فقيل له: إنك شيخ كبير، وإن الصيام يضعفك.


قال: إني أعده لسفر طويل.


قالت ابنة الربيع بن خيثم لأبيها: يا أبتاه، ألا تنام؟


قال: يا بنية، كيف ينام من يخاف البيات؟


ولما احتضر عبد الرحمن بن الأسود بكى، فقيل: ما يبكيك؟


قال: أسفًا على الصلاة والصوم، ولم يزل يقرأ القرآن، حتى مات.



كان العلاء بن زياد يصوم حتى يخضر، ويصلي حتى يسقط، فدخل عليه أنس والحسن فقالا: إن الله لم يأمرك بهذا كله، فقال كلمات تستحق أن تكتب بماء الذهب، وتنقش في قلب كل مؤمن:


"إنما أنا عبد مملوك، لا أدع من الاستكانة شيئاً إلا جئته"


وتعبد وبالغ، فكلم في ذلك، فقال: إنما أتذلل لله لعله يرحمني.


والأخبار عنهم -رحمهم الله- كثيرة طيبة، ولا يظنن ظانٌّ أن هؤلاء قوم مضوا، لا بل ما زالت قافلة الصالحين تسير بخير، والحمد الله، فلست وحدك، بل على الدرب كثيرون.



فنسأل الله أن يرحمنا، وأن يحشرنا في زمرة الصالحين، وأن يعيننا على طاعته، وذكره، وشكره، وحسن عبادته.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



23-شعبان-1427هـ/ 16-سبتمبر-2006 م

المصدر: عصام حسنين - موقع صوت السلف
رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-06-12, 01:49 PM   #5
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي

السنة والبدعة في شعبان



يقول ربُّنا تبارك وتعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم}..


إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شُرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسوله؛ {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71].

أمَّا بعدُ:

فََإِِنَّ خيرَ الحَديث كِتابُ اللَّه، وخيرَ الهُدَى هُدَى محمَّد، وشَرَّ الأُمورِ مُحْدَثاتُها، وكلَّ بِدعةٍ ضَلالة.


عباد الله:

يقول ربُّنا تبارك وتعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيم } [آل عمران: 31]، فالعمل لا يكون مقبولاً تُرفع به الدَّرجات، وتُكفَّر به السيِّئات؛ إلاَّ إذا كان خالصًا لله، قد شَرَعه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لأمَّته بقوله أو فِعله، فكلُّ ما يُقرِّبنا إلى ربِّنا بيَّنه لنا نبيُّنا صلَّى الله عليه وسلَّم.

ومِن ذلك الصيام في شهر شعبان، فمِن سُنَّة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم صيام ما تيسَّر من شعبان؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يصوم حتى نقولَ: لا يُفطر، ويُفطر حتى نقول: لا يَصوم، فما رأيتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم استكملَ صِيامَ شهرٍ إلاَّ رمضان، وما رأيتُه أكثرَ صيامًا منه في شعبان"؛ (رواه البخاري (1969) ومسلم (1156)).


فالصِّيام في شعبانَ وشوال بمنزلة السُّنَّة الراتبة التي قبلَ الصلاة وبعدها، يَسُدُّ الخلل الواقع في الفرْض، وفي صيام شعبان تمرينٌ للبدن على الصيام، فيدخل رمضان وقد اعتاد المسلمُ الصيامَ، فتطيقه النفس، فيدخل في صيام رمضانَ بقوَّة ونشاط.


لكن يحرُم تَقدُّم رمضان بالصيام بيوم أو يومين، بنية الاحتياط، فهو من التقدُّم بين يَدي الله ورسوله، فإذا لم يرَ الهلال، سواء كانت السماء صَحوًا أم غيمًا، فلا يُصام إلاَّ برؤية هلال رمضان، أو إكمال عدَّة شعبان ثلاثين يومًا، فصوم يوم الشَّكِّ تَقدُّم رمضان، وقد نهى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عن ذلك؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «
لا يَتَقَدَّمنَّ أحدُكم رمضانَ بصوم يوم أو يومين، إلاَّ أن يكون رجلٌ كان يصوم صومَه، فليصمْ ذلك اليوم»؛ (رواه البخاري (1914) ومسلم (1082))، فليس داخلاً في التحريم مَن كان له عادةُ صومٍ، فصادف قبلَ رمضان بيوم أو يومين، أو صام قضاءً.

وبذلك يتبيَّن لنا ضعفُ النهْي عن الصيام بعد انتصاف شعبان، فما يُروى عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «
إذا انتصف شعبانُ، فلا تصوموا حتَّى رمضان »، فهو حديث شاذٌّ عند الحُفَّاظ؛ عبدالرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، وغيرهما[1]، فهو يخالف أحاديثَ الصحيحين السابقة التي فيها الصِّيام بعد انتصاف شعبان.


إخوتي:

المسلم بحاجة لمعرفة ما يُخالف هَديَ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من البِدع المحدَثة؛ حتى لا يقع فيها، وقد تفطَّن لذلك حذيفةُ بن اليمان، حيث قال: "كان الناس يسألون رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- عن الخير، وكنت أسأله عن الشرِّ مخافةَ أن يُدركني" (رواه البخاري، ومسلم).

ويتأكَّد الأمر في هذا الزَّمن حيثُ وسائلُ الاتصال المختلفة التي قرَّبت البعيد، ومكَّنت لأهل البِدعة نشرَ بدعتهم، مع ما ابتُلي به المسلمون بمَن ينتسب للعِلم ممَّن يُهوِّنون من شأن البِدع ويسوغونها.



عبادَ الله:

لم يكن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يحتفي بهذا الشَّهر بأعمال خاصَّة غير الصيام، فلم يكن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يدعو بالبركة في هذا الشهر، أمَّا ما يُروى عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه كان إذا دخل شهر رجب قال: « اللهمَّ باركْ لنا في شهرَيْ رجب وشعبان، وبلِّغْنا رمضان »، (فقد رواه البزَّار بإسناد ضعيف جدًّا، وضعَّفه الحفَّاظ؛ منهم ابن رجب في "لطائف المعارف" (ص: 143)، وابن حجر في "تبيين العجب" (ص: 38)).


ومن البدع المحدَثة تعظيمُ ليلة النِّصف من شعبان، والاحتفاء بها بالصلاة والذِّكر والاجتماع، فتخصيص ليلة النِّصف من شعبان بالقيام والذِّكر والدعاء جماعةً أو فرادى ليس من هَديِ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ولا مِن فِعْل أصحابه رضي الله عنهم فلم يثبت عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنَّهم خَصُّوا هذه الليلةَ بصلاة أو غيرِها، ولو كان خيرًا لسبقوا غيرَهم إليه، إنَّما هو فعل بعض التابعين، وقد أنكر عليهم بعضُ التابعين، وتابَعهم البعضُ على تخصيص هذه الليلة بالعبادة.


قال ابن رجب في "لطائف المعارف"، (ص: 171): "ليلة النِّصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام؛ كخالد بن مَعْدان، ومكحول، ولقمان بن عامر، وغيرهم يُعظِّمونها، ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخَذَ الناس فضلَها وتعظيمها، وقد قيل: إنَّه بلغهم في ذلك آثار إسرائيليَّة، فلمَّا اشتهر ذلك عنهم في البُلدان اختلف الناس في ذلك؛ فمنهم مَن قَبِله منهم، ووافقهم على تعظيمها؛ منهم طائفةٌ مِن عُبَّاد أهل البصرة وغيرهم، وأنكر ذلك أكثرُ علماء الحِجاز؛ منهم: عطاء، وابن أبي مُلَيكة، ونقله عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن فُقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم، وقالوا: ذلك كلُّه بدعة" ا.هـ.


وقال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز في "مجموع الفتاوى" (1/186): "من البدع التي أحْدَثها بعضُ الناس: بدعةُ الاحتفال بليلة النِّصف من شعبان، وتخصيص يومِها بالصيام، وليس على ذلك دليلٌ يجوز الاعتماد عليه، وقد ورد في فضلها أحاديثُ ضعيفةٌ لا يجوز الاعتماد عليها، أمَّا ما ورد في فضْل الصلاة فيها، فكلُّه موضوع" ا.هـ.


و قد نهى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عن تخصيص ليلة الجُمُعة من دون الليالي بالقيام، ولو كان التخصيص مشروعًا لكانتِ الجُمُعة أولى من غيرها، فيَومُ الجمعة خيرُ يوم طَلَعت عليه الشمس؛ فيه خُلق آدم، وفيه أُدخِل الجنَّة، وفيه أُخرج منها، وحين كان قيام ليلة القَدْر ممَّا يحبُّه الله، ويقربنا إليه، بيَّنه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لنا بفعله، فقامها، وبيَّن فضْل قِيامها بقوله، فهذا الدِّين كاملٌ، فمن زاد فيه فهو مبتدعٌ؛ لأنَّه استدرك على الله: {
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة: 3].


الخطبة الثانية:


الحمد لله ربِّ العالَمين، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد، الذي بيَّن البيان المُبين، فتلقَّى بيانَه من كلِّ خلف عُدولُه يُنيرون للناس به طريقَهم، ويهدونهم إلى ربِّهم.


عباد الله، مِن أسباب تعظيم ليلة النِّصف من شعبان ظنُّ البعض أنَّ ليلة النِّصف من شعبان هي الليلةُ المباركة المذكورة في قوله تعالى: {إِ
نَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ. فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } [الدخان:3 -4]، كما ذهب إلى ذلك عِكرمةُ مولى ابن عبَّاس، والصحيح الذي عليه جمهورُ المفسِّرين: أنَّ هذه الليلةَ هي ليلةُ القَدر؛ كما قال تبارك وتعالى: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } [القدر:1]، فالقرآن نَزَل في رمضان، وليس في شعبان؛ {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185].


ومِن أسباب تعظيم ليلة النِّصف من شعبان ورودُ أحاديثَ لا تصحُّ في فضلها؛ منها:

حديث عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «إنَّ الله عزَّ وجلَّ ينزل ليلةَ النِّصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيغفر لأكثرِ مِن عدد شعر غَنَمِ كَلْبٍ »؛ (رواه الترمذي (739)، وأشار إلى ضعْفه، وقال: سمعت محمَّدًا - يعني: شيخه البخاري - يُضعِّف هذا الحديث).

ومنها: حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «
إنَّ الله ليطَّلع في ليلة النِّصف من شعبان، فيغفرُ لجميع خَلْقه إلاَّ لمشرك أو مُشاحن »؛ (رواه ابن ماجه (1390) بإسناد ضعيف).

وجمهور المحدِّثين على تضعيف الأحاديث الواردة في فضائل ليلةِ النِّصف من شعبان؛ بل ينصُّ بعضُهم على أنَّ الأحاديث الواردةَ في فضْل ليلة النِّصف من شعبان كلها ضعيفة، قال الحافظ أبو الخطَّاب بن دحية "الباعث على إنكار البدع"، (ص: 127): " قال أهل التعديل والتجريح: ليس في حديث ليلة النِّصف من شعبان حديثٌ يصحُّ".



إخوتي:

لنحذرْ من التهوين من بعض البدع واستصغارها، فلا يزال الشيطان بالمبتدعِ، حتى يخرجَه عن دائرة الإسلام، فالفِرَق البدعيَّة التي تكفِّر المسلمين، وتستبيح دماءَهم وأموالهم وأعراضَهم، إنَّما بدأت ببدعٍ يسيرة، مع حُسن قصْد، والرغبة في الخير، حتى خرجتْ عن دائرة الإسلام؛ فلذا قال بعض أهل العلم: البدعةُ بَريدُ الكُفر.

فبدعة الرافضة بدأتْ بالغلوِّ في بعض آل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم حتى آل الأمر بهم لتكفير أكثرِ الصحابة.


وبدعة الخوارج بدأتْ بالغلوِّ في تحكيم الشَّرع، حتى كفَّروا الصحابة وعمومَ المسلمين ممَّن ليسوا على طريقتهم.


وبدعة العقلانيِّين المعاصرين، بدأتْ بالغلوِّ في تحكيم العقل، وجعله حَكمًا على النُّصوص الشرعيَّة، حتى آل الأمر بهم بردِّ الأحكام الثابتة بالكتاب والسُّنة الصحيحة، والخروج على إجماع الأمَّة، كما فعل سلفُهم المعتزلة.


وبدعة القبوريِّين الذين يطوفون بالقُبور، ويذبحون لها، ويعبدون أصحابَها، بدأتْ بالغلوِّ في محبَّة الصالحين وتعظيمهم، حتى آل الأمر بهم إلى الشِّرك الأكبر.



ــــــــــــــــــــ


[1] انظر "لطائف المعارف"، (ص: 159).


المصدر: الشيخ أحمد الزومان - موقع الألوكة
رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-06-12, 02:04 PM   #6
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي هكذا نستعد لرمضان

هكذا نستعد لرمضان



فقد كان سلفنا الصالح من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان يهتمون بشهر رمضان ويفرحون بقدومه.
كانوا يدعون الله أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه أن يتقبله منهم..




الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،


فقد كان سلفنا الصالح من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان يهتمون بشهر رمضان ويفرحون بقدومه.


كانوا يدعون الله أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه أن يتقبله منهم، كانوا يصومون أيامه ويحفظون صيامهم عما يبطله أو ينقصه من اللغو واللهو واللعب والغيبة والنميمة والكذب، وكانوا يحيون لياليه بالقيام وتلاوة القرآن، كانوا يتعاهدون فيه الفقراء والمساكين بالصدقة والإحسان وإطعام الطعام وتفطير الصوَّام.


كانوا يجاهدون فيه أنفسهم بطاعة الله، ويجاهدون أعداء الإسلام في سبيل الله؛ لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله، فقد كانت غزوة بدر الكبرى التي انتصر فيها المسلمون على عدوهم في اليوم السابع عشر من رمضان، وكانت غزوة فتح مكة في العشرين من رمضان حيث دخل الناس في دين الله أفواجًا، وأصبحت مكة دار إسلام، فليس شهرُ رمضان شهرَ خمول ونوم وكسل كما يظنه بعض الناس، ولكنه شهرُ جهاد وعبادة وعمل؛ لذا ينبغي لنا أن نستقبله بالفرح والسرور والحفاوة والتكريم، وكيف لا نكون كذلك في شهر اختاره الله لفريضة الصيام ومشروعية القيام، وإنزال القرآن الكريم لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور؟


وكيف لا نفرح بشهر تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار، وتُغَلُّ فيه الشياطين وتضاعف فيه الحسنات وترفع الدرجات، وتغفر الخطايا والسيئات.



- ينبغي لنا أن ننتهز فرصة الحياة والصحة والشباب، فنعمرها بطاعة الله وحسن عبادته، وأن ننتهز فرصة قدوم هذا الشهر الكريم فنجدد العهد مع الله تعالى على التوبة الصادقة في جميع الأوقات من جميع الذنوب والسيئات، وأن نلتزم بطاعة الله تعالى مدى الحياة بامتثال أوامره واجتناب نواهيه؛ لنكون من الفائزين {
يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّـهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [الشعراء:88-89]، وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:71]، وأن نحافظ على فعل الواجبات والمستحبات، وترك المحرمات والمكروهات في رمضان وغيره عملًا بقول الله تعالى: { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99]، أي حتى تموت، وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } [الأنعام:162-163].

- ينبغي أن نستقبل هذا الشهر الكريم بالعزيمة الصادقة على صيامه وقيامه إيمانًا واحتسابًا لا تقليدًا وتبعية للآخرين، وأن تصوم جوارحنا عن الآثام من الكلام المحرم والنظر المحرم، والأكل والشرب المحرم؛ لنفوز بالمغفرة والعتق من النار.


- ينبغي لنا أن نحافظ على آداب الصيام من تأخير السحور إلى آخر جزء من الليل، وتعجيل الفطر إذا تحققنا من غروب الشمس، والزيادة في أعمال الخير، وأن يقول الصائم إذا شُتِمَ "إني صائم"، فلا يسب من سبه، ولا يقابل السيئة بمثلها، بل يقابلها بالكلمة التي هي أحسن؛ ليتم صومه ويقبل عمله.


- يجب علينا الإخلاص لله عز وجل في صلاتنا وصيامنا وجميع أعمالنا، فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحًا وابتغي به وجهه، والعمل الصالح هو الخالص لله الموافق لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.



- ينبغي للمسلم أن يحافظ على صلاة التراويح، وهي قيام رمضان؛ إقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وخلفائه الراشدين، واحتسابًا للأجر والثواب المرتب عليها، قال صلى الله عليه وسلم: «
من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه » (متفق عليه)، وأن يقوم المصلي مع الإمام حتى ينتهي ليكتب له قيام ليلة لحديث أبي ذر رضي الله عنه الذي رواه أحمد والترمذي وصححه ولفظه: « من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة».

- ينبغي على المسلم أن يحيي ليالي العشر الأواخر من رمضان بالصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والاستغفار اتباعًا للسنة، ويسن له الاعتكاف إن تيسر.


- وينبغي عليه أن يسعى في طلب ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر -ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر-، وهي الليلة المباركة التي شرفها الله بإنزال القرآن فيها، وتنزل الملائكة والروح فيها، وهي الليلة التي من قامها إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، وهي محصورة في العشر الأواخر من رمضان، فينبغي للمسلم أن يجتهد في طلبها.



- وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، والمعتكف ممنوع من قرب النساء.


- وينبغي للمسلم الصائم أن يحافظ على تلاوة القرآن الكريم في رمضان وغيره بتدبر وتفكر؛ ليكون حجة له عند ربه وشفيعًا له يوم القيامة، وقد تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة بقوله تعالى: {
فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ} [طه:123].

- وينبغي أن يتدارس القرآن مع غيره؛ ليفوزا سويًا بالكرامات الأربع التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «
وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله في من عنده» (رواه مسلم).


- وينبغي للمسلم أن يلح على الله بالدعاء والاستغفار بالليل والنهار في حال صيامه وعند سحوره، فقد ثبت في الصحيح: «
أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى يطلع الفجر » (رواه مسلم في صحيحه)، وورد الحث على الدعاء في حال الصيام وعند الإفطار، وأن من الدعوات المستجابة دعاء الصائم حتى يفطر أو حين يفطر، وقد أمر الله بالدعاء وتكفل بالإجابة: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60].

- وينبغي للمسلم أن يحفظ أوقات حياته القصيرة المحدودة فيما ينفعه من عبادة ربه المتنوعة -القاصرة والمتعدية-، ويصونها عما يضره في دينه ودنياه وآخرته، وخصوصًا أوقات شهر رمضان الشريفة الفاضلة التي لا تعوض ولا تقدر بثمن، وهي شاهدة للطائعين بطاعتهم، وشاهدة على العاصين والغافلين بمعاصيهم وغفلاتهم.


- وينبغي تنظيم الوقت بدقة لئلا يضيع منه شيء بدون عمل وفائدة، فإنك مسئول عن أوقاتك، ومحاسب عليها، ومجزي على ما عملت فيها (مستفاد من كتاب: كيف نستقبل شهر رمضان؟ للشيخ عبد الله بن جار الله الجار لله).



شعبان... شهر القراء وشهر الزكاة:

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف: ولما كان شهر شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما شرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن؛ ليحصل التأهب لتلقي رمضان، وترتاضَ النفوسُ بذلك على طاعة الرحمن. رُوينا بإسناد ضعيف عن أنس رضي الله عنه قال: "كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبوا على المصاحف فقرءوها، وأخرجوا زكاة أموالهم تقويةً للضعيف والمسكين على صيام رمضان".

وقال سلمة بن كهيل: "كان يقال شهر شعبان شهر القراء، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء، وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن".


قال الحسن بن سهل: قال شعبان: "يا رب جعلتني بين شهرين عظيمين فما لي؟ قال: جعلت فيك قراءة القرآن".



20-شعبان-1428هـ / 2-سبتمبر-2007 م



المصدر: موقع صوت السلف
رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-06-12, 02:13 PM   #7
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي

«كان رسول اللَّه -صلَّى الله عليْه وسلَّم- يصومُ حتَّى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، فما رأيتُ رسولَ اللَّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- استكمل صيام شهر إلاَّ رمضان، وما رأيتُه أكثر صيامًا منْه في شعبان»..


الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وبعد:

شهر شعبان من الأشهُر القليلة التي يهتمُّ بها المسلمون، فكان سلفنا الصَّالح يهتمُّون بصوْمِه اقتداءً برسول الله صلَّى الله عليْه وسلَّم ثمَّ درَج الخلف على الاهتِمام ببدع ما أنزل الله بها من سلطان، خاصَّة في ليلة النِّصْف من شعبان، ونحن نعرض لهذه السنن نُرغِّب فيها، ولهذه البدع نُحذِّر منها.


فائدة: سُمِّي شعبان بهذا الاسم لأنَّهم كانوا يتشعَّبون في الغارات بعد أن يَخرج شهر رجب الحرام، أو لتشعُّبهم في طلب الماء، والأوَّل أوْلى وأرْجح.


1 ـ صوم شعبان:


كان النبي صلَّى الله عليْه وسلَّم يَحتفي بشعبان ويصوم فيه أكثرَ من غيره من الشُّهور، حتَّى يُقال: لا يفطر، كما في حديث عائشة عند البخاري ومسلم:«
كان رسول اللَّه -صلَّى الله عليْه وسلَّم- يصومُ حتَّى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، فما رأيتُ رسولَ اللَّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- استكمل صيام شهر إلاَّ رمضان، وما رأيتُه أكثر صيامًا منْه في شعبان ».


وعن عائشة أيضًا رضي الله عنها قالت: لَم يكُن النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يصومُ شهرًا أكثر من شعبان، وكان يصومُ شعبان كلَّه، وكان يقول:«
خذوا من العمل ما تطيقون فإنَّ الله لا يمَلُّ حتَّى تملُّوا»، وأحب الصَّلاة إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ما دُووِم عليه وإن قلَّت، وكان إذا صلَّى صلاة داوم عليها، متَّفق عليه.

وفي رواية لمسلم: «
كان لا يصوم من السَّنة شهرًا تامًّا إلاَّ شعبان يصِلُه برمضان».


قال بعض أهل العلم: "إمَّا أن يُحمَل قولُ عائشة في صيام شعبان كلّه على المبالغة، والمراد أنَّه كان يصوم الأكثر، وإمَّا أن يجمع بين النُّصوص على أنَّ قولَها الثَّاني متأخِّر عن قولِها الأوَّل، فأخبرت عن أوَّل أمْرِه أنَّه كان يصوم أكثَر شعبان، وأخبرت ثانيًا عن آخِر أمره أنَّه كان يصومه كلَّه"، وقيل: "المراد أنَّه كان يصوم من أوَّله تارة، ومن آخِره أخرى، ومن أثنائِه طورًا فلا يُخلي شيئًا منه من صيام، ولا يخصُّ بعضَه بصيام دون بعض".



ونقل الترمذي عن ابن المبارك أنَّه قال: جائزٌ في كلام العرب إذا صام أكثر الشَّهر أن يقول: صام الشهر كلَّه، ويقال: فلان قام ليلته أجْمع، ولعلَّه قد تعشَّى واشتغل ببعض أمره.



2- صوم سُرر شعبان:

السُرر: هي الأيَّام الأواخِر من الشَّهر، سمِّيت بذلك لاستِسْرار القمر فيها، وهي ليلة ثمان وعشرين، وتسْع وعشرين، وثلاثين.


وقيل: سُرَر الشَّهر أوله، وقيل: وسط الشَّهر لأنَّ السُرر جمع سُرة، وسُرَّة الشيء أوسطه، ويؤيِّده الندب إلى صيام البيض وهي وسط الشَّهر، ولأنه لم يرِد في صيام آخر الشَّهر ندب، بل ورد فيه نَهي خاص، وهو صيام آخر شعْبان لمن صامه لأجل رمضان.



وفي الصَّحيحين: عن عمران بن حصين عن النَّبيِّ صلَّى الله عليْه وسلَّم أنَّه سأله فقال: «
هل صُمْتَ من سرر هذا الشَّهر شيئًا؟ »، يعني شعبان، فقال: لا، قال:« فإذا أفطرت فصُم يومين » اللَّفظ لمسلم.


ويتبيَّن من جَمع روايات هذا الحديث أنَّ السُّؤال وقع في رمضان، والمسؤول عنه سرر شعبان، ولهذا قال في آخِره: فإذا أفطرت، يعني من رمضان، فصم يومين عوضًا عن سرر شعبان.



3- النهي عن تقدُّم رمضان بصوم يومٍ أو يومَين:

عن أبي هُرَيْرة رضِي الله عنه عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «لا يتقدَّمنَّ أحدُكم رمضانَ بصومِ يومٍ أو يومَين، إلاَّ أن يكونَ رجُلٌ كان يصوم صوْمَه فليصم ذلك اليوم » (رواه البخاري).

قال العلماء: معنى الحديث: لا تستقْبلوا رمضان بصيام على نيَّة الاحتِياط لرمضان.


وقال الترمذي بعد أن أخرج الحديث: العمل على هذا عند أهل العلم، كرهوا أن يتعجَّل الرَّجُل بصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان، ومثل هذا حديث عمَّار بن ياسر في صيام يوم الشَّكِّ ولفظه: «
مَن صام اليوم الذي يُشكُّ فيه فقد عصى أبا القاسم صلَّى الله عليه وسلَّم »، وكذلك الحديث الَّذي أخرجه أصحاب السُّنن وصحَّحه ابن حبَّان وغيرُه عن أبي هريرة مرفوعًا: « إذا انتصف شعبان فلا تصوموا».

وقد قال بعض الشَّافعية: يُحرم تقدُّم رمضان بصوم يوم أو يومين، ويُكْرَه التقدم من نِصْف شعبان للحديث الآخر، وجُمهور العلماء يجوِّزون الصوم تطوُّعًا بعد نصف شعبان ويضعِّفون الحديث.



4- الحكمة من صيام شعبان:

ولكن ما الحكمة في إكْثار النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم من صوْم شعبان؟

قيل: كان ينشغل عن صوْم الأيام الثَّلاثة من كلِّ شهرٍ لسفر أو غيره، فتجتمع فيقضيها في شعبان، وقد رُوِي في ذلك حديث ضعيف.


وقيل: كان يصنع ذلك لتعظيم رمضان، ورُوي في ذلك حديث ضعيف أيضًا، وقيل: كان يُكْثِر من الصَّوم في شعبان لما يفوتُه من التطوُّع في رمضان، فصيام رمضان فريضة، والنَّبيُّ صلَّى الله عليْه وسلَّم ما كان يُخلي شهرًا من الشُّهور من صيام تطوُّع، إلاَّ رمضان فلا تطوُّع فيه، فكان يكثِر من صوم شعبان لما يفوته من التطوُّع في رمضان.


وأصحُّ ما قيل في ذلك أنَّه شهر يغفل عنْه النَّاس بين رجب ورمضان، كما في حديث النَّسائي وأبي داود وابن خُزيمة عن أسامة بن زيد، قال: قلتُ: يا رسولَ الله، لَم أرَكَ تصومُ من شهْرٍ من الشُّهور ما تصوم من شعبان؟ قال: «
ذلك شهرٌ يغفل النَّاس عنْه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى ربِّ العالمين، فأحبُّ أن يُرفع عملي وأنا صائم».


5- قضاء صوم رمضان في شعبان:

يَجوز تأخير القضاء لِمن أفطر في رمضان لعُذر إلى شعبان، ويحرُم تأخير القَضاء بعد ذلك لغير عذْر شرعي.

وقد كان نساء النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يؤخِّرْن صيام الأيَّام التي يُفْطِرْنَها من رمضان حتَّى يَجيء شعبان، فيقْضينها فيه، وذلك لحاجة رسول اللَّه صلَّى الله عليْه وسلَّم ففي الصَّحيحيْن من حديث عائشةَ رضِي الله عنْها قالت: "كان يكون عليَّ الصَّوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضِيَه إلاَّ في شعبان".


وقد كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يكثر الصَّوم في شعبان، فلذلِك كان لا يتهيَّأ لها القضاء إلاَّ في شعبان لتصوم معَه صلَّى الله عليه وسلَّم.



ليلة النصف من شعبان:

ورد في فضْل هذه اللَّيلة -وهي اللَّيلة الخامسةَ عشرة من شعبان- أحاديثُ رواها أصحاب السنن، كالترمذي وابن ماجه وأحمد، وهي أحاديث ضعاف باتِّفاق أهل العلم، وقد قوَّى بعضُهم بعض هذه الأحاديث بشواهدها.

روى الترمذي عن عائشة قالت: فقدتُ رسول اللَّه صلَّى الله عليه وسلَّم ليلة فخرجت، فإذا هو بالبقيع، فقال: «
أكنت تَخافين أن يَحيف الله عليك ورسوله؟» قلت: يا رسول الله، إني ظننتُ أنَّك أتيت بعض نسائك، فقال: « إنَّ الله -عزَّ وجلَّ- ينزل ليلة النِّصف من شعبان إلى السَّماء الدنيا، فيغفر لأكثرَ من عدد شعر غنم كلب».
قال أبو عيسى: حديث عائشة لا نعرِفُه إلاَّ من هذا الوجْه من حديث الحجَّاج بن أرطاة.
وسمعت محمَّدًا -يعْني البخاريَّ- يضعِّف هذا الحديث، وقال: يَحيى بن أبي كثير لَم يسمع من عروة، والحجَّاج بن أرطاة لم يسمع من يحيى.

قال المباركفوري: ورد في ليلة النِّصْف من شعبان عدَّة أحاديث، مجموعها يدلُّ على أنَّ لها أصلاً، وساق معظم هذه الأحاديث، وحكم عليْها ما بين منقطع ومرسل، وضعيف ولين.


وممَّن حسَّن هذه الأحاديث بشواهدها الألباني رحِمه الله حيث علَّق على حديث ابن ماجه: «
إنَّ الله تعالى ينزل ليلة النِّصْف من شعبان إلى السَّماء الدنيا فيغفِر لجميع خلْقِه إلاَّ لمشرِك أو مشاحن »، فقال: حسن.

وعلى فرض صحَّة هذه الأحاديث، فليس فيها سوى أنَّ الله عزَّ وجلَّ ينزل إلى السَّماء الدنيا، فيغفر لعددٍ كبير من خلْقِه عدا المشْرِك والمشاحِن.


والعجيب أنَّ أهل البدع يتعلَّقون بمثل هذه الأحاديث فيؤصِّلون بِدَعهم، كإحْداث تخصيص صيام يوم النِّصف من شعبان وقيام ليلته، وينسَون أنَّ التنزُّل الإلهي إلى السَّماء الدنيا يكون في كلِّ ليلة، كما في الحديث الصحيح: «
ينزل ربنا إلى السَّماء الدنيا في ثلث الليل الآخر فيقول: هل من مستغفِرٍ فأغفر له؟ هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ إلى أن يطلع الفجر ».

فهلاَّ تمسَّكوا بهدْي النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في قيام الليل، والحرْص على وقت السَّحَر ليتعرَّضوا لهذه البركات.



بدع الشيعة في ليلة النصف:

في موقع للشِّيعة على شبكة الإنترنت ذكروا:
1- في هذه الليلة تكون زيارة سيدنا أبي عبد الله الحسين عليه السلام فقد روي عن الصَّادقين عليهم السلام أنَّهم قالوا: إذا كانت ليلة النصف من شعبان نادى منادٍ من الأفق الأعلى: زائري قبر الحسين بن علي مغفور لكم، ثوابُكم على ربكم ومحمد نبيكم.
ومن لم يستطع زيارة الحسين بن علي عليهما السلام في هذه الليلة، فليَزُر غيرَه من الأئمَّة عليهم السلام فإن لم يتمكَّن من ذلك أومأ إليْهم بالسلام، وأحياها بالصَّلاة والدعاء.
وقد روي أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام كان لا ينام في السَّنة ثلاث ليال: ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، ويقول: إنَّها الليلة التي تُرْجَى أن تكون ليلة القدْر، وليلة الفطر ويقول: في هذه الليلة يُعْطَى الأجير أجرَه، وليلة النصف من شعبان، ويقول: في هذه اللَّيلة يفرق كلُّ أمر حكيم.

وقد رُوِي عن الصَّادق جعفر بن محمد عليهما السلام أنَّه قال: إذا كان ليلة النِّصف من شعبان أذِن الله تعالى للملائكة بالنزول من السَّماء إلى الأرض، وفتح فيها أبواب الجنان وأجيب فيها الدعاء، فليصلِّ العبد فيها أرْبَع ركَعات يقرأ في ركعة فاتحةَ الكتاب مرَّة، وسورة الإخلاص مائةَ مرَّة، فإذا فرغ منها بسطَ يديْه للدُّعاء، وقال في دعائه: اللَّهُمَّ إني إليك فقير، وبك عائذ، ومنك خائف، وبك مستجير، ربِّ لا تبدل اسمي، ولا تغيِّر جسمي، وأعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ برحمتك من عذابك، إنَّك كما أثنيت على نفسك، وفوق ما يقول القائلون، صلِّ على محمَّد وآل محمَّد، وافعل بي كذا وكذا، ويسأل حوائجَه، فإنَّ الله تعالى جواد كريم.


وروي أنَّه مَن صلَّى هذه الصَّلاة ليلةَ النِّصْف من شعبان غَفر الله له ذنوبَه، وقضى حوائجَه، وأعطاه سؤْلَه.



وهذه البِدَع الَّتي يروِّج لها الشيعة ولا أصل لها يُروِّج لها المتصوفة، فقد زعموا أنَّ الليلة التي يُفْرَق فيها كلُّ أمر حكيم هي ليلة النصف من شعبان، والحقُّ الذي لا مراء فيه أنَّها ليلة القدر التي أنزلَ الله فيها القرآن بالنَّصِّ القاطع، {
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ . فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 3-4].

حديث صلاة مائة ركْعة بالإخلاص عشْر مرَّات في كل ركعة، في ليلة النصف من شعبان موضوع، كما ذكر القاري ونقَله صاحب التحفة المباركفوري.


وممَّا أُحْدِث في ليلة النصف من شعبان: الصَّلاة الألفيَّة، مائة ركعة بالإخلاص، عشرًا عشرًا بالجماعة، واهتمّوا بها أكثر من الجمع والأعياد، ولم يأْتِ بها خبرٌ ولا أثر إلاَّ ضعيف أو موضوع، ولا تغترّ بذِكْر صاحب القوت والإحياء وغيرهما.


وأوَّل حدوث لهذه الصَّلاة ببيت المقدس سنة 448هـ، وقد جعلها جهلة أئمَّة المساجد مع صلاة الرَّغائب شبكة لجمع العوام، ثمَّ إنَّه أقام الله أئمَّة الهدى في سعي إبْطالها فتلاشى أمرها وتكامل إبطالها في البلاد المصريَّة والشاميَّة في أوائل سني المائة الثَّامنة، وكذلك قام مشايِخُنا في جماعة أنصار السنَّة المحمدية بإنكار هذه البدع والتَّحذير منها.



وقيل: أوَّل حدوث الوقيد -إيقاد السرج والنيران- من البرامكة وكانوا عبدة النَّار، فلمَّا أسْلموا أدخلوا في الإسلام ما يُمَوِّهون أنَّه من سنن الدين ومقصودهم عبادة النيران.


ومن يُطالع مجلَّة التوحيد منذ نشأتها، وقبلها مجلَّة الهدي النبوي -لسان حال جماعة أنصار السنَّة المحمديَّة- يجد المقالات العديدة التي تحذِّر النَّاس من البدع عامَّة، وهذه البدع بوجه خاصّ، ولا أريد أن أخصَّ شيخًا بعيْنِه، فكلُّهم قاموا ناصرين للسنَّة قامعين للبدعة، رحِمهم الله رحْمة واسعة.


والحمد لله ربّ العالمين.




المصدر: د. جمال المراكبي
رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-06-12, 02:30 PM   #8
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي بطاقات فضل الصيام في شهر شعبان‏

بطاقات فضل الصيام في شهر شعبان‏















رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ملف كامل عن شهر الله المحرم رقية مبارك بوداني روضة الفقه وأصوله 39 22-12-13 12:49 AM
ملف متكامل عن" شهر رمضان المبارك " رقية مبارك بوداني روضة الفقه وأصوله 4 20-06-13 04:41 PM
مجلة الحائط قطوف : ثمار من الخير لا تنتهي - عدد شهر شعبان 1434 هـ غريبة في دنياي النشرات الدعوية 0 13-06-13 12:17 PM


الساعة الآن 06:34 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .