العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . أقسام العلوم الشرعية . ~ . > روضة العلوم الشرعية العامة > روضة القرآن وعلومه

الملاحظات


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-03-24, 03:56 AM   #51
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
Note

من آية 272 إلى آية281
"لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ "272.
قال الكلبي سبب نزول هذه الآية أن ناسًا من المسلمين كانت لهم قرابة وأصهار في اليهود وكانوا ينفقون عليهم قبل أن يسلموا فلما أسلموا كرهوا أن ينفقوا عليهم وأرادوهم على أن يسلموا ؛ أي كي يَدخلوا في الإسلام حاجةً منهم للصدقة . فنزلت هذه الآية . أي: ليس عليك- يا محمَّد- هداية الخَلْق إلى الإسلام هدايةَ توفيقٍ، وإنَّما عليك البلاغ وهو هداية الإرشاد. إنما عليك البلاغ المبين، والهداية بيد الله تعالى.فمهما منعت الصدقة عنهم أنت ومن معك من المؤمنين لن يهتدوا إلا بإذن الله.
عن ابنِ عبَّاسٍ قالوا: كانوا يكرَهونَ أنْ يرضَخوا لأنسابِهم وهم مشرِكونَ، فنزَلتْ"لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ..." حتى بلَغَ"وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ..."البقرة: 272. فرخَّصَ."الراوي : سعيد بن جبير - المحدث : الوادعي - المصدر : الصحيح المسند-الصفحة أو الرقم : 632 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
رَاضَخَ فلانٌ شيئًا: أَعطاهُ كَارهًا.
ففيها دلالة على أن النفقة كما تكون على المسلم تكون على الكافر ولو لم يهتد.
فعليك وعلى أتباعك أن تعاملوا غيركم بما يوجبه عليكم إيمانكم من سماحة في الخلق، وعطف على المحتاجين حتى ولو كانوا من المخالفين لكم في الدين. على هذا المعنى الذي يؤيده سبب النزول يكون الضمير في قوله: هُداهُمْ يعود على غير المسلمين. هذه الصدقة التي أبيحت لهم حسب ما تضمنته هذه الآثار هي صدقة التطوع، وأما المفروضة فلا يجزئ دفعها لكافر، لقوله صلّى الله عليه وسلّم" أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عنْه إلى اليَمَنِ، فَقالَ: ادْعُهُمْ إلى شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَنِّي رَسولُ اللَّهِ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَومٍ ولَيْلَةٍ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لذلكَ، فأعْلِمْهُمْ أنَّ اللَّهَافْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً في أمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِن أغْنِيَائِهِمْ وتُرَدُّ علَى فُقَرَائِهِمْ."الراوي : عبدالله بن عباس –صحيح البخاري.
في الحديثِ:أنَّ الحَدَّ الفارقَ ما بيْنَ الغنيِّ والفقيرِ هو امتلاكُ قَدْرِ المالِ الذي تجبُ فيه الزَّكاةُ.
"لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ....." أي وما تنفقواقليل أو كثير على أي شخص كان من مسلم وكافر فلأنفسكم - أي: نفعه راجع إليكم يُخلِفَ اللهُ عليه في الدُّنيا أو الآخرةِ ، بالسعادة في الدنيا والبركة، وبالثواب الجزيل في الآخرة.
قالصلّى الله عليه وسلّم "ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا".الراوي : أبو هريرة - صحيح البخاري.
وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ : هذا إخبار عن نفقات المؤمنين الصادرة عن إيمانهم أنها لا تكون إلا لوجه الله تعالى، لأن إيمانهم يمنعهم عن المقاصد الردية ويوجب لهم الإخلاص.وحاصله أن المتصدق إذا تصدق ابتغاء وجه الله فقد وقع أجره على الله ، ولا عليه في نفس الأمر لمن أصاب : ألبر أو فاجر أو مستحق أو غيره ، هو مثاب على قصده.
عن أبي هريرة رضي الله عنه :أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: قالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَنَّ بصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا في يَدِ سَارِقٍ، فأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ علَى سَارِقٍ فَقالَ: اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا في يَدَيْ زَانِيَةٍ، فأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ علَى زَانِيَةٍ، فَقالَ: اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ، علَى زَانِيَةٍ؟ لَأَتَصَدَّقَنَّ بصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا في يَدَيْ غَنِيٍّ، فأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ علَى غَنِيٍّ، فَقالَ: اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ، علَى سَارِقٍ وعلَى زَانِيَةٍ وعلَى غَنِيٍّ، فَأُتِيَ فقِيلَ له: أَمَّا صَدَقَتُكَ علَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عن سَرِقَتِهِ، وأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عن زِنَاهَا، وأَمَّا الغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فيُنْفِقُ ممَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ.الراوي : أبو هريرة - المصدر : صحيح البخاري.
وفي الحديثِ : النِّيةُ الطيِّبةُ يحصُلُ بها الثَّمراتُ الطيِّبةُ.
وفي الحديثِ: دليلٌ على أنَّ الإنسانَ إذا نَوى الخيرَ وسَعى فيه وأخطأَ، فإنَّه يُكتَبُ له ولا يضُرُّه.
وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ : أي: إنَّ أيَّ صدقة تَتصدَّقون بها، قليلة كانت أو كثيرًة؛ فإنَّ أجرها يُؤدَّى إليكم في الآخرة كاملًا من غير نَقْص؛ فلا يَضيع عنده سبحانه مثقالُ ذرَّةٍ من ذلك. وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ: أي لا تُنْقَصون شيئًا مما وعدكم الله به على نفقتكم في سبيله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "........ يا كعبُ بنَ عُجرةَ الصَّلاةُ برهانٌ والصَّومُ جنَّةٌ حصينةٌ والصَّدَقةُ تطفئُ الخطيئةَ كما يُطفئُ الماءُ النَّارَ ........"الراوي : كعب بن عجرة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-صحيح.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَن تَصَدَّقَ بعَدْلِ تَمْرَةٍ مِن كَسْبٍ طَيِّبٍ، ولَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ، وإنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كما يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ".الراوي : أبو هريرة - صحيح البخاري.
في هذا الحَديثِ يُرغِّبُنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الصَّدَقاتِ وإنْ كانتْ بأقَلِّ القليلِ، فيُخبِرُ أنَّ مَن تَصدَّقَ بقِيمةِ تَمرةٍ مِن كَسْبٍ طيِّبٍ حَلالٍ -ولا يقبَلُ اللهُ إلَّا الكسْبَ الحلالَ- فإنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالَى يَتقبَّلُها بيَمينِه كَرامةً لها، وكِلْتَا يَدَيْه تعالَى يَمِينٌ مُبارَكةٌ، ثمَّ يُنَمِّيها ويُضاعِفُ أجرَها لِتَثقُلَ في ميزانِ صاحبِها، كما يُربِّي المرءُ مُهْرَه الصَّغيرَ مِن الخَيْلِ الَّذي يَحتاجُ للرِّعايةِ والتَّربيَةِ، حتَّى تَكونَ تلك الصَّدقةُ مِثلَ الجبَلِ حَجْمًا وثِقَلًا يومَ القِيامةِ.
وفي الحديثِ: أنَّ الصَّدقةَ لا تُقبَلُ عندَ اللهِ تعالَى إلَّا إذا كانت طيِّبةً؛ بأن تَكونَ خالصةً لله، ومِن كسْبٍ حلالٍ.
وفيه: أنَّ الصَّدقةَ لا تُقوَّمُ بحَجمِها، وإنَّما تُقوَّمُ بإخلاصِ صاحِبِها، وبالمالِ الَّذي خرَجَتْ منه، حلالًا كان أو حرامًا.الدرر السنية.
" لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ"273.
بعد هذا التحريض الحكيم على بذل الأموال في وجوه الخير، خص- سبحانه - بالذكر طائفة من المؤمنين هي أولى الناس بالعون والمساعدة، ووصف هذه الطائفة بست صفات من شأنها أن تحمل العقلاء على المسارعة في إكرام أفرادها وسد حاجتهم.
أحدها الفقر، والفقير هو المعدِمأي الذين هم في حاجة إلى العون والمساعدة لفقرهم واحتياجهم إلى ضرورات الحياة.
والثاني قوله: الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ : والإحصار في اللغة هو أن يعرض للرجل ما يحول بينه وبين ما يريده بسبب مرض أو شيخوخة أو عدو أو ذهاب نفقة أو ما يجري مجرى هذه الأشياء.
والمعنى: اجعلوا الكثير مما تنفقونه- أيها المؤمنون- لهؤلاء الفقراء الذين حصروا أنفسهم ووقفوها على الطاعات المتنوعة التي من أعظمها الجهاد في سبيل الله، أو الذين مُنِعُوا من الكسب بسبب مرضهم أو شيخوختهم، أو غير ذلك من الأسباب التي جعلتهم في حالة شديدة من الفاقة والاحتياج.وعبر في الجملة الكريمة "بأحصروا" بالبناء للمجهول، للإشعار بأن فقرهم لم يكن بسبب تكاسلهم وإهمالهم في مباشرة الأسباب، وإنما كان لأسباب خارجة عن إرادتهم.
وقوله: فِي سَبِيلِ اللَّهِ تكريم وتشريف لهم، أي أن ما نزل بهم من فقر واحتياج كان بسبب إيثارهم إعلاء كلمة الله على أي شيء آخر، ففي سبيل الله هاجروا، وفي سبيل الله تركوا أموالهم فصاروا فقراء، وفي سبيل الله وقفوا أنفسهم على الجهاد، وفي سبيل الله أصابهم ما أصابهم وهم يطلبون أداء ما كلفهم- سبحانه - بأدائه.
الثالث قوله: لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ: عجزهم عن الأسفار لطلب الرزق والتكسب ، الرابع قوله: يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ: الحسبان بحسب ظاهر الحال، أي الجاهل بأحوالهم الذي لا يعرفهم يظنهم أغنياء مع أنهم فقراء بحسب ظاهر حالهم، من أي شيء؟ قال" مِنَ التَّعَفُّفِ" أي: بسبب تعففهم وعدم سؤالهم الناس لكمال عفتهم. ، وهذا بيان لصدق صبرهم وحسن تعففهم.
الخامس: قوله: تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ - أي: بالعلامة التي ذكرها الله في وصفهم، وهذا لا ينافي قوله: يحسبهم الجاهل أغنياء فإن الجاهل بحالهم ليس له فطنة يتفرس بها ما هم عليه، وأما الفطن المتفرس فمجرد ما يراهم يعرفهم بعلامتهم، فالحسبان بحسب ظاهر الحال، وأما "تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ" فهو بمقتضى الفراسة والنظر والتدقيق، وكثير من الناس يكون عنده من الفراسة ودقة النظر ما يعرف به الأحوال الباطنة، فهؤلاء إذا رأيتهم عرفتهم بسيماهم، السيما بمعنى العلامة.
السادس قوله: لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا: الإلحاف هو الإلحاح في المسألة، قوله"لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا" إن نظرنا إلى ظاهر اللفظ فإن النفي للقيد، يعني: لا يسألون الناس سؤال إلحاف، ولكن يسألونهم سؤال تلطف وحياء وخجل، إذا رده المسؤول مرة ما عاد إليه مرة أخرى، هذا مقتضى ظاهر اللفظ، لكن مقتضى السياق وأن المقام مقام ثناء أن النفي نفي للقيد الذي هو الإلحاف والمقيد الذي هو السؤال، فهم لا يسألون الناس إلحافًا ولا غير إلحاف، بدليل قوله"يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ" ولو كانوا يسألون ما حسبهم الجاهل أغنياء، بل لظنهم فقراء بسبب سؤالهم، لكنه ذكر أعلى أنواع السؤال المذموم وهو الإلحاح ونفاه عنهم ؛ ولهذا تجد الإنسان إذا ألحَّ وإن كان فقيرًا يُثقِل عليك، وتَمل مسألته حتى ربما تأخذك العزة بالإثم ولا تعطيه مع علمك باستحقاقه؛ لأنه ألح، وتجد الإنسان الذي يظهر بمظهر الغني المتعفف تجدك ترق له وتعطيه أكثر مما تعطي السائل
فهؤلاء أولى الناس وأحقهم بالصدقات لما وصفهم به من جميل الصفات.
قال صلى الله عليه وسلم"ليسَ المِسْكِينُ الذي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ والتَّمْرَتَانِ، ولَا اللُّقْمَةُ ولَا اللُّقْمَتَانِ، إنَّما المِسْكِينُ الذي يَتَعَفَّفُ، واقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ يَعْنِي قَوْلَهُ"لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إلْحَافًا"الراوي : أبو هريرة - صحيح البخاري.
وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ: وهذه عامة أي خير يكون فإن الله به عليم. أي: إنَّ كلَّ ما تُنفِقونه من أيِّ خيرٍ كان قليلًا أو كثيرًا، فإنَّ الله تعالى يعلمه، ويُحصيه لكم، وسيَجزيكم عليه أتمَّ الجزاء. أي: وما تنفقوا من خير سواء أكان المنفَق قليلا أم كثيرا سرا أم علنا فإن الله يعلمه ويُحصيه لكم، وسيجازيكم عليه بأجزل الثواب، وأعظم العطاء.
*قال الشيخ العثيمين في تفسيره : من فوائد الآية الكريمة: أن تشاغل الإنسان بعمل يعد من سبيل الله يبيح أن نعطيه وننفق عليه، فلو تشاغل القادر على الكسب بطلب العلم فإننا نعطيه حتى من الصدقة الواجبة ليتفرغ لطلب العلم، ولو تفرغ إنسان للجهاد في سبيل الله أعطيناه ولَّا لا؟ نعم، أعطيناه، ولو من الصدقة الواجبة.
طيب، لو تفرغ الإنسان للعبادة فإنه لا يُعطى إلا من الصدقة المستحبة، أما من الزكاة فلا يُعطى، لأنه تفرغ لنفع قاصر لا يتعداه، وفرق بين النفع القاصر والنفع العام.
"الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"274.
بعد أن رغب سبحانه في الآ يات السالفة في الإنفاق وبين فوائده للمنفقين والمنفق عليهم ......، بيَّنَ هنا فضيلة الإنفاق في جميع الأوقات والأحوال ومضاعفة الأجر على ذلك. أي: إنَّ الإنفاق في أيِّ وقتٍ كان ليلًا أو نهارًا، وعلى أيِّ حالٍ وُجِد سرًّا أو علانيةً، فإنَّه سبب الجزاء على كلِّ حال؛ فليبادرْ إليه العبد- ولا يؤخِّره- في جميع الأوقات والأحوال وفي تقديم السر على العلانية والليل على النهار دليل على أن الصدقة كلما كانت أخفى فهي أفضل وأولى، ولكن قد تكون علانية أفضل إذا ترتب على ذلك مصلحة. ، فإنَّ مَن يقوم بذلك، له يوم القيامة أجرٌ عظيمٌ، فثوابهم عند الله مدخرًا يجدونه أحوج ما يكونون إليه، ولا يُصيبه خوفٌ على ما يُستقبَل، ولا يَعْتريه حزنٌ على ما مضَى، فيفوز بحصول المرغوب، والنَّجاة من المرهوب.
"الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" 275.
لما ذكر تعالى الأبرار المؤدين النفقات ، المخرِجين الزكوات ، المتفضلين بالبر والصلات لذوي الحاجات والقرابات في جميع الأحوال والآنات شرع في ذكر أكلة الربا وأموال الناس بالباطل وأنواع الشبهات ، فأخبر عنهم يوم خروجهم من قبورهم وقيامهم منها إلى بعثهم ونشورهم.
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا أي يتعاملون به أخذا وإعطاء لا يَقُومُونَإِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ : لا يقومونيوم القيامة للقاء الله إلا قيامًا كقيام المتخبِط المصروع المجنون حال صرعه وجنونه، وتخبط الشيطان له، وذلك لأنه يقوم قيامًا منكرًا مفزعا بسبب أخذه الربا الذي حرم الله أخذه.
فالآية الكريمة تصور المرابي بتلك الصورة المرعبة المفزعة، التي تحمل كل عاقل على الابتعاد عن كل مُعامَلة يشم منها رائحة الربا.
وقد رجح الإمام الرازي أن الآية الكريمة تصور حال المرابي في الدنيا والآخرة فقال ما ملخصه"إن الشيطان يدعو إلى طلب اللذات والشهوات والاشتغال بغير الله، ومن كان كذلك كان في أمر الدنيا متخبطا ...وآكل الربا بلا شك أنه يكون مُفْرِطًا في حب الدنيا متهالكا فيها، فإذا مات على ذلك الحب صار ذلك حجابًا بينه وبين الله-تبارك وتعالى-، فالتخبط الذي كان حاصلا له في الدنيا بسبب حب المال أورثه التخبط في الآخرة وأوقعه في ذل الحجاب عن الله ، ...." .ا.هـ.
الفرق بين ربا الفضل وربا النسيئة للشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله:
ربا الفضل يعني ربا الزيادة، مثل أن يبيع الإنسان درهمًا بدرهمين، أو دينارًا بدينارين أو صاعًا من التمر بصاعين من التمر هذا ربا الفضل، ربا النسيئة تأخير القبض فيما يجب فيه القبض، فمثلاً الواجب فيما إذا باع الإنسان تمرًا بتمر، أن يكون التمران متساويين، وأن يكون القبض قبل التفرق، وإذا باع تمرًا بشعير، فالواجب أن يكون التقابض قبل التفرق، فإن تأخر القبض صار الأول؛ أي بيع تمر بتمر مثله فيه ربا النسيئة، وكذلك إذا باع تمرًا بشعير وتأخر القبض؛ فيكون فيه ربا نسيئة، وقد يجتمع ربا النسيئة والفضل؛ إذا باع تمرًا بأكثر منه، مع تأخر القبض؛ فهذا فيه ربا الفضل؛ من أجل الزيادة، وفيه ربا النسيئة؛ من أجل تأخير القبض؛ فصار ربا النسيئة يعني تأخير القبض فيما يجب فيه التقابض قبل التفرق من الربويات، والفضل هو الزيادة فيما يشترط فيه التساوي.
قال عبادة بن الصامت :غَزَوْنَا غَزَاةً وعلَى النَّاسِ مُعَاوِيَةُ، فَغَنِمْنَا غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَكانَ فِيما غَنِمْنَا آنِيَةٌ مِن فِضَّةٍ، فأمَرَ مُعَاوِيَةُ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَهَا في أَعْطِيَاتِ النَّاسِ، فَتَسَارَعَ النَّاسُ في ذلكَ، فَبَلَغَ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ، فَقَامَ، فَقالَ: إنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَنْهَى عن بَيْعِ الذَّهَبِ بالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بالفِضَّةِ، وَالْبُرِّ بالبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ بالمِلْحِ، إلَّا سَوَاءً بسَوَاءٍ، عَيْنًا بعَيْنٍ، فمَن زَادَ، أَوِ ازْدَادَ، فقَدْ أَرْبَى، فَرَدَّ النَّاسُ ما أَخَذُوا، فَبَلَغَ ذلكَ مُعَاوِيَةَ فَقَامَ خَطِيبًا، فَقالَ: أَلَا ما بَالُ رِجَالٍ يَتَحَدَّثُونَ عن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ قدْ كُنَّا نَشْهَدُهُ وَنَصْحَبُهُ، فَلَمْ نَسْمَعْهَا منه؟! فَقَامَ عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ فأعَادَ القِصَّةَ، ثُمَّ قالَ: لَنُحَدِّثَنَّ بما سَمِعْنَا مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وإنْ كَرِهَ مُعَاوِيَةُ، أَوْ قالَ: وإنْ رَغِمَ، ما أُبَالِي أَنْ لا أَصْحَبَهُ في جُنْدِهِ لَيْلَةً سَوْدَاءَ."الراوي : عبادة بن الصامت- صحيح مسلم.
وفي الحديثِ: الاهتمامُ بتَبليغِ السُّننِ ونشْرِ العلمِ، وإنْ كَرِهه مَن كَرِهه..
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا :
بيان لزعمهم الباطل الذي سوغ لهم التعامل بالربا، ورد عليه بما يهدمه.
واسم الإشارة " ذَلِكَ " يعود إلى الأكل أو إلى العقاب الذي نزل بهم.
والمعنى: ذلك الأكل الذي استحلوه عن طريق الربا، أو ذلك العذاب الذي حل بهم والذي من مظاهره قيامهم المتخبط، سببه قولهم إن البيع الذي أحله الله يشابه الربا الذي نتعامل به في أن كلا منهما معاوضة. قد بلغ من اعتقادهم في حِل الربا أنهم جعلوه أصلا وقانونا في الحل حتى شبهوا به البيع.
وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا: جملة مستأنفة، وهي رد من الله-تبارك وتعالى- عليهم، وإنكار لتسويتهم الربا بالبيع.
قال الآلوسى: وحاصل هذا الرد من الله-تبارك وتعالى- عليهم: أن ما ذكرتم- من أن الربا مثل البيع- قياس فاسد الوضع لأنه معارض للنص فهو من عمل الشيطان، على أن بين البابين فرقا، وهو أن من باع ثوبا يساوى درهما بدرهمين فقد جعل الثوب مقابلا لدرهمين فلا شيء منهما إلا وهو في مقابلة شيء من الثواب. وأما إذا باع درهما بدرهمين فقد أخذ الدرهم الزائد بدون عوض، ولا يمكن جعل الإمهال عوضا إذ الإمهال ليس بمال في مقابلة المال.
وقوله: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ.
تفريع على الوعيد السابق في قوله: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا.. إلخ .
والمجيء بمعنى العلم والبلاغ، والموعظة: ما يعظ الله-تبارك وتعالى- به عباده عن طريق زجرهم وتخويفهم وتذكيرهم بسوء عاقبة المخالفين لأوامره.أي: فمن بلغه نهي الله-تبارك وتعالى- عن الربا، فامتثل وأطاع وابتعد عما نهاه الله عنه، فَلَهُ ما سَلَفَ أي فله ما تقدم قبضه من مال الربا قبل التحريم وليس له ما تقدم الاتفاق عليه ولم يقبضه.. لأن الله-تبارك وتعالى- يقول بعد ذلك وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ ...
وقوله: وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ أي أمر هذا المرابي الذي تعامل بالربا قبل التحريم واجتنبه بعده، أمْره مفوض إلى الله-تبارك وتعالى-فهو الذي يعامله بما يقتضيه فضله وعفوه وكرمه.
قال ابن كثير: قوله فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ.. إلخ أي من بلغه نهي الله عن الربا فانتهى حال وصول الشرع إليه فله ما سلف من المعاملة لقوله: عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وكما قال النبيصلّى الله عليه وسلّم يوم فتح مكة"ألا وإنَّ كلَّ شيءٍ مِن أمرِ الجاهليَّةِ مَوضوعٌ تحتَ قدميَّ هاتَينِ .........وربا الجاهليَّةِ موضوعٌ وأوَّلُ ربًا أضعُهُ رِبانا رِبا العبَّاسِ بنِ عبدِ المُطَّلبِ فإنَّهُ مَوضوعٌ كلُّهُ......"
الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم : 2512 - خلاصة حكم المحدث : صحيح .

، ولم يأمرهم برد الزيادات المأخوذة في حال الجاهلية بل عفا عما سلف كما قال-تبارك وتعالى"فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ" أي فله ما كان قد أكل من الربا قبل التحريم.وفي هذه الجملة الكريمة بيان لمظهر من مظاهر السماحة فيما شرعه الله لعباده، لأنه- سبحانه - لم يعاقب المرابين على ما مضى من أمرهم قبل وجود الأمر والنهي، ولم يجعل تشريعه بأثر رجعي بل جعله للمستقبل، إذ الإسلام يجُب ما قبله.فما أكله المرابى قبل تحريم الربا فلا عقاب عليه فيه وهو ملك له، إلا أنه ليس له أن يتعامل به بعد التحريم، وإذا تعامل به فلن تقبل توبته حتى يتخلص من هذا المال الناتج عنه الربا.
ولقد توعد الله-تبارك وتعالى-من يعود إلى التعامل بالربا بعد أن حرمه الله-تبارك وتعالى- فقال" وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ".
أي ومن عاد إلى التعامل بالربا بعد أن نهى الله عنه فأولئك العائدون هم أصحاب النار الملازمون لها، والماكثون فيها بسبب تعديهم لما نهى الله عنه.
وفي هذه الجملة الكريمة تأكيد للعقاب النازل بأولئك العائدين بوجوه من المؤكدات منها:التعبير فيها بأولئك التي تدل على البعيد فهم بعيدون عن رحمة الله، والتعبير بالجملة الاسمية التي تفيد الدوام والاستمرار والتعبير، بكلمة أصحاب الدالة على الملازمة والمصاحبة، وبكلمة خالِدُونَ التي تدل على طول المكث.

" يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ"276.
أي: أن المال الذي يدخله الربا يذهبه الله، ويذهب بركته. أما المال الحلال الطيب الذي يبذل منه صاحبه في سبيل الله فإنه- سبحانه - يباركه وينميه ويزيده لصاحبه.
واعلم أن محق الربا وإرباء الصدقات يكون في الدنيا و الآخرة لعموم الأدلة.
روى البخاري عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " مَن تَصَدَّقَ بعَدْلِ تَمْرَةٍ مِن كَسْبٍ طَيِّبٍ، ولَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ، وإنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كما يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ."الراوي : أبو هريرة/ صحيح البخاري / الصفحة أو الرقم: 1410.
في هذا الحَديثِ يُرغِّبُنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الصَّدَقاتِ وإنْ كانتْ بأقَلِّ القليلِ، فيُخبِرُ أنَّ مَن تَصدَّقَ بقِيمةِ تَمرةٍ مِن كَسْبٍ طيِّبٍحَلالٍ -ولا يقبَلُ اللهُ إلَّا الكسْبَ الحلالَ- فإنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالَى يَتقبَّلُها بيَمينِه كَرامةً لها، وكِلْتَا يَدَيْه تعالَى يَمِينٌ مُبارَكةٌ، ثمَّ يُنَمِّيها ويُضاعِفُ أجرَها لِتَثقُلَ في ميزانِ صاحبِها، كما يُربِّي المرءُ مُهْرَه الصَّغيرَ مِن الخَيْلِ الَّذي يَحتاجُ للرِّعايةِ والتَّربيَةِ، حتَّى تَكونَ تلك الصَّدقةُ مِثلَ الجبَلِ حَجْمًا وثِقَلًا يومَ القِيامةِ.
وفي الحديثِ: أنَّ الصَّدقةَ لا تُقبَلُ عندَ اللهِ تعالَى إلَّا إذا كانت طيِّبةً؛ بأن تَكونَ خالصةً لله، ومِن كسْبٍ حلالٍ.
وفيه: أنَّ الصَّدقةَ لا تُقوَّمُ بحَجمِها، وإنَّما تُقوَّمُ بإخلاصِ صاحِبِها، وبالمالِ الَّذي خرَجَتْ منه، حلالًا كان أو حرامًا.الدرر السنية.
ما أحدٌ أكثرَ من الربا إلَّا كان عاقبةُ أمرِه إلى قِلَّةٍ " الراوي : عبدالله بن مسعود / المحدث :الألباني /صحيح ابن ماجه /الصفحة أو الرقم: 2/241 / صحيح.
ففي هذه الآية الكريمة بشارة عظيمة للمتصدقين، وتهديد شديد للمرابين ثم ختم- سبحانه - الآية بقوله: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ: أي: أن الله-تبارك وتعالى- لا يرضى عن كل من كان شأنه الستر لنعمه والجحود لها، والتمادي في ارتكاب المنكرات، والابتعاد عن فعل الخيرات. أي: إنَّ الله تعالى لا يحبُّ كلَّ من كان كثيرَ الكُفْران، مُصرًّا على الكُفْر بنِعَمه، مقيمًا على ذلك، مُستحِلًّا أكْلَ الرِّبا، متماديًا في الإثم فيما نهاه عنه من أكْله وتَعاطِيه، وغير ذلك من معاصيه،فالآية الكريمة تهديد شديد لمن استحلوا الربا، أو فعلوه مع عدم استحلالهم له.
"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"277.
وبعد هذا التهديد الشديد للمتعاملين بالربا، ساق- سبحانه - آية فيها أحسن البشارات للمؤمنين الصادقين .
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا أى إيمانا كاملا بكل ما أمر الله به وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أى الأعمال الصالحة التي تصلح بها نفوسهم والتي من جملتها الإحسان إلى المحتاجين، والابتعاد عن الربا والمرابين وَأَقامُوا الصَّلاةَ بالطريقة التي أمر الله بها، بأن يؤدوها في أوقاتها بخشوع واطمئنان وَآتَوُا الزَّكاةَ أي أعطوها لمستحقيها بإخلاص وطيب نفس.
هؤلاء الذين اتصفوا بكل هذه الصفات الفاضلة لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي لهم ثوابهم الكامل عند خالقهم ورازقهم ومربيهم.
وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ يوم الفزع الأكبر ، وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ لأي سبب من الأسباب، لأن ما هم فيه من أمان واطمئنان ورضوان من الله-تبارك وتعالى- يجعلهم في فرح دائم، وفي سرور مقيم.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" 278.
لَمَّا بيَّن في الآية المتقدِّمة أنَّ مَن انتهى عن الرِّبا فله ما سَلَف، فقد كان يجوز أن يُظَنَّ أنه لا فرْق بين المقبوضِ منه والباقي في ذِمَّة القوم، وأنَّ الممنوع هو إنشاء عَقدٍ رِبويٍّ بعد التحريم؛ لذا أَزالَ تعالى هذا الاحتمالَ بأنْ أمَر بترك ما بقي من الرِّبا في العقود السابقة، قبل التَّحريم. أي: تحريم ما بقي دينًا من الرِّبا وإيجاب أخذ رأس المال دون الزِّيادة على جهة الرِّبا. إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ حض لهم على ترك الربا أي إن كنتم مؤمنين حق الإيمان فامتثلوا أمر الله وذروا ما بقي من الربا مما زاد على رءوس أموالكم.
"فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ "279.
أي: فإن لم تتركوا ما بقي لكم على النَّاس من زيادةٍ على رأس المال، مُستَمرِّين على تَعاطي الرِّبا بعد إنذاركم ونهيكم عن ذلك، فأَعلِموا أنفسَكم وغيرَكم، مُستيقنين أنَّ الله تعالى يتوعَّدكم بحرب كائنة من الله-تبارك وتعالى- ورسوله، ومن حاربه الله ورسوله لا يفلح أبدًا.
وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ :أي: إن تُبْتُم فتركتُم أكْلَ الرِّبا، وأَنَبْتُم إلى الله عزَّ وجلَّ، فلكم رؤوس أموالكم من الدُّيون التي لكم على النَّاس دون الزِّيادة التي أحدثتموها على ذلك، فلا تَظْلِمُونَ الناسَ بأخْذ الزِّيادة، وَلا تُظْلَمُون بإعطائكم رؤوسَ أموالكم ناقصةً .
" وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ" 280.
أي: إنْ كان الذي عليه الدَّين مُعسِرًا لا يَجِد ما يَردُّ به حقَّكم- وهو رؤوس أموالكم التي أَسلفتُموه إيَّاها دون زيادة- فعليكم أن تُمهِلوه حتى يتيسَّر له الوفاءُ به.
وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ :أي: إنَّ تصدُّقَكم على المدينِ المعسرِ بالتنازلِ والعفو عمَّا لكم عليه أو بإسقاط بعضه، خيرٌ لكم من إمهاله حتى يتيسَّر له القيام بردِّه لكم، فقوموا بذلك إذًا إن كنتم من ذوي العِلْم بفضل الصَّدقة، وما لصاحبها من ثوابٍ عظيم.
"من أنظرَ معسرًا كانَ لَه بِكلِّ يومٍ صدقةٌ ومن أنظرَه بعدَ حلِّهِ كانَ لَه مثلُه في كلِّ يومٍ صدقةٌ"الراوي: بريدة بن الحصيب الأسلمي/ المحدث: الألباني / صحيح ابن ماجه/ الصفحة أو الرقم/ 1977-خلاصة حكم المحدث:صحيح

"من نفَّس عن غريِمه ، أو محا عنه ، كان في ظلِّ العرشِ يومَ القيامةِ"
الراوي: أبو قتادة /المحدث :الألباني / صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 6576-خلاصة حكم المحدث:صحيح.

" أُتِيَ اللَّهُ بعَبْدٍ مِن عِبَادِهِ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَقالَ له: مَاذَا عَمِلْتَ في الدُّنْيَا؟ قالَ: وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا، قالَ: يا رَبِّ آتَيْتَنِي مَالَكَ، فَكُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ، وَكانَ مِن خُلُقِي الجَوَازُ، فَكُنْتُ أَتَيَسَّرُ علَى المُوسِرِ، وَأُنْظِرُ المُعْسِرَ، فَقالَ اللَّهُ: أَنَا أَحَقُّ بذَا مِنْكَ، تَجَاوَزُوا عن عَبْدِي. فَقالَ عُقْبَةُ بنُ عَامِرٍ الجُهَنِيُّ، وَأَبُو مَسْعُودٍ الأنْصَارِيُّ، هَكَذَا سَمِعْنَاهُ مِن في رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ."الراوي : حذيفة بن اليمان -وعقبة بن عامر الجهني وأبو مسعود الأنصاري - صحيح مسلم.

" وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ" 281.
أي: احذروا- أيُّها الناس- يومًا تزول فيه هذه الدنيا وما فيها من الأموال وغيرها، فترجعون إلى الله فتَلقَونه فيه، فاحذروا أن تَرِدوا عليه بسيِّئات تُهلِككم، وبلا حسنات تُنجِيكم، فتَستحِقُّوا عقابَ الله تعالى، وهو يوم مُجازاة الأعمال، فتستوفي فيه كلُّ نَفْس جزاءها بالعدل من ربِّها، على ما قدَّمت واكتسَبتْ من سيِّئ وصالح، لا يُنقَصُون شيئًا من ثواب الحسنات، ولا يُزاد عليهم شيءٌ من عقوبة السيِّئات .
فإنَّ ممَّا يُهوِّن على العبدِ التزامَ الأمور الشرعيَّة، واجتنابَ المعاملات الرِّبوية، والإحسانَ إلى المُعسِرين، عِلْمُه بأنَّ له يومًا يَرجِع فيه إلى الله تعالى، ويُوفِّيه عملَه، ولا يظلمه مِثقالَ ذرَّة؛ ففي الآية ترغيبٌ في فِعْل ما أُمِر به أو نُدِب إليه ممَّا سبق؛ لأنَّ في تَرْك المنهيَّات سلامةً من آثامها، وفي فِعْل المطلوبات استكثارًا من ثوابها، والكلُّ يرجع إلى اتِّقاء ذلك اليوم الذي تُطلَب فيه السلامة وكثرة أسباب النجاح، وهو أيضًا صالح للتَّرهيب من ارتكاب ما نهي عنه ممَّا سبَق النَّهي عنه.



توقيع أم أبي تراب
أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-03-24, 03:57 AM   #52
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
Home

من آية 282 إلى آية283

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" 282.
هذه آية الدين، وهي أطول آيات القرآن، وقد اشتملت على أحكام عظيمة جليلة المنفعة والمقدار.
فبعد أن أمر- سبحانه - المؤمنين أن يسارعوا في التصدق على المحتاجين، وأن يجتنبوا الربا والمرابين، وبين لهم أن أموالهم تزكو وتنمو بالإنفاق في وجوه الخير، وتمحق وتذهب بتعاطى الربا، بعد أن وضح كل ذلك ساق لهم آية جامعة، متى اتبعوا توجيهاتها استطاعوا أن يحفظوا أموالهم بأفضل طريق، وأشرف وسيلة، وأن يصونوها عن الهلاك والضياع عندما يعطي أحدهم أخاه شيئا من المال على سبيل الدين أو القرض الحسن المنزه عن الربا.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ:هذا إرشاد منه-تبارك وتعالى- لعباده المؤمنين إذا تعاملوا بمعاملات مؤجلة أن يكتبوها ليكون ذلك أحفظ لمقدارها وميقاتها وأضبط للشاهد فيها.
قال ابنُ عبَّاسٍ : أشهَدُ أنَّ السَّلفَ المضمونَ إلى أجلٍ مُسمًّى قد أحلَّهُ اللَّهُ في كتابِهِ وأذِنَ فيهِ ، ثمَّ قرأَ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ"الراوي : أبو حسان الأعرج - المحدث : الألباني - المصدر : إرواء الغليل- الصفحة أو الرقم : 1369 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
" قَدِمَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ المَدِينَةَ، وَهُمْ يُسْلِفُونَ في الثِّمَارِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، فَقالَ: مَن أَسْلَفَ في تَمْرٍ، فَلْيُسْلِفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلى أَجَلٍ مَعْلُومٍ."الراوي : عبدالله بن عباس- صحيح مسلم.
وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ : يُرشِد اللهُ عبادَه المؤمنين أنَّهم إذا حصَل بينهم مداينةٌ إلى وقتٍ معلوم، فليُوثِّقوه بالكتابة، وليكن مَن يَكتُب بينهم عارفًا بالكتابة، معروفًا بالعدل والإنصاف،أي يكتب بدقة من غير ميل إلى أحد الجانبين.
وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ فَلْيَكْتُبْ: ولا يمتنع مَن يعرف الكتابةَ أن يكتُب بين النَّاس، كما تفضَّل الله عليه بتعليمه.نهى الله-تبارك وتعالى- من كان قادرًا على الكتابة عن الامتناع عنها متى دُعِيَ إليها فقال:وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ. ويتحرى العدل والحق في كتابته، وأن يلتزم فيها ما تقتضيه أحكام الشريعة الإسلامية.
وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا : والإملال معناه الإملاء.فهما لغتان معناهما واحد.أى: وعلى المدين الذي عليه الدين وقد التزم بأدائه أن يمل على الكاتب هذا الدين، وذلك ليكون إملاؤه إقرارا به وبالحقوق التي عليه الوفاء بها.وعليه كذلك أن يراقب الله-تبارك وتعالى- في إملائه فلا ينقص من الدين الذي عليه شيئا، لأن هذا الإنقاص ظلم حرمه الله-تبارك وتعالى-.
فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ: فإن كان المَدِين الذي عليه المال جاهلًا، أو لا يُحسِن التصرُّف، أو ضعيفًا لصِغَر أو جنون، أو ليس بمقدوره الإملاءُ لمانعٍ- فلْيَقُم بالإملاء نيابةً عنه مَن يتوَّلى شؤونه، وليتحرَّ الوليُّ الصدقَ، والعدلَ في إملائه.
وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى:
أي: اطلبوا شاهدين عدلين من الرجال ليشهدوا على ما يجرى بينكم من معاملات مؤجلة، لأن هذا الإشهاد يعطي الديون والكتابة توثيقا وتثبيتا.والسين والتاء في قوله"واستشهدوا" للطلب..فإن لم يتيسر رجلان للشهادة فليشهد رجل وامرأتان كائنون مرضيون عندكم بعدالتهم.
وهذا الوصف وإن كان في جميع الشهود إلا أنه ذكر هنا للتشديد في اعتباره، لأن اتصاف النساء به قد لا يتوفر كثيرًا.مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ :اختاروا الشهداء من الذين يُرتضى قولُهم، ويقيمون الشهادة على وجهها الحق بدون التأثر بأي نوع من أنواع المؤثرات.
أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى : قال القرطبي: معنى تضل تنسى، والضلال عن الشهادة إنما هو نسيان جزء منها وذكر جزء، ويبقى المرء حيران بين ذلك ضالا .والمعنى: جعلنا المرأتين بدل رجل واحد في الشهادة، خشية أن تنسى إحداهما فتذكر كل واحدة منهما الأخرى.
إذ المرأة لقوة عاطفتها، وشدة انفعالها بالحوادث، قد تنسى أو لا تتحرى الدقة، فكان من الحكمة أن يكون مع المرأة أخرى في الشهادة بحيث يتذكران الحق فيما بينهما.
وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا: ولا يمتنع الشهود عن أداء الشهادة وتحملها متى دُعُوا إليها، لأن الامتناع عن تحمل الشهادة وأدائها قد يؤدي إلى ضياع الحقوق.
وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ :أي لا تسأموا أن تكتبوه على كل حال قليلا أو كثيرا، وقدم الصغير على الكبير اهتماما به وانتقالا من الأدنى إلى الأعلى.
ثم بين- سبحانه - ثلاث فوائد تعود عليهم إذا ما امتثلوا ما أمرهم الله-تبارك وتعالى- به، فقال: ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ:واسم الإشارة ذَلِكُمْ يعود إلى كل ما سبق ذكره في الآية من الكتابة والإشهاد ومن عدم الامتناع عنهما، ومن تحرى الحق والعدل.أَقْسَطُ بمعنى أعدل.
يقال: أقسط فلان في الحكم يقسط إقساطًا إذا عدل فهو مقسط.
قال-تبارك وتعالى-: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.الحجرات:9.
وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ: معنى أَقْوَمُ أبلغ في الاستقامة التي هي ضد الاعوجاج.
أى: أثبت لها وأعون على إقامتها وأدائها.
وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا : أي: أقرب إلى زوال الشك والريبة.
أي أن الأوامر والنواهي السابقة إذا نفذت على وجهها كان تنفيذها أعدل في علم الله-تبارك وتعالى- وأعون على إقامة الشهادة إذ بها يتم الاعتماد على الحفظ، وأقرب إلى عدم الشك في جنس الدين وقدره وأجله، وإذا توفرت هذه الفوائد الثلاث في المعاملات ساد الوفاق والتعاون بين الناس، أما إذا فقدت فإن الثقة تزول من بينهم، ويحل محلها النزاع والشقاق.
ثم أباح- سبحانه - في التجارة الحاضرة عدم الكتابة فقال: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها:
والتجارة الحاضرة التي تدور بين التجار: هي التي يجرى فيها التقابض في المجلس أو التي يتأخر فيها الأداء زمنًا يسيرًا.التي تكثرون إدارتها والتعامل فيها، لأنه لو كلفكم بذلك لشق الأمر عليكم، وهو- سبحانه – "ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ"الحج:78.
ولأن أمثال هذه التجارات التي يحصل فيها التقابض ويكثر تكرارها، لا يتوقع فيها التنازع أو النسيان.
وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ: أمر منه- سبحانه - بالإشهاد عند البيع، وهذا الأمر للإرشاد والتعليم عند جمهور العلماء.لأنه أحوط وأبعد مما عسى يقع من الاختلاف.
ثم نهى- سبحانه - عن المضارة فقال: وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ.
والمضارة: إدخال الضرر.نهى الدائن والمدين عن أن ينزل أحدهما ضررا بالكاتب أو الشاهد لحملهما على كتابة غير الحق أو قول غير الحق، فإنهما أمينان، والإضرار بهما قد يحملهما على الخيانة وفي ذلك ضياع للأمانة وذهاب للثقة.
ولذا قال-تبارك وتعالى- بعد ذلك وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ.
ثم ختم- سبحانه - الآية الكريمة بالأمر بخشيته.
وبتذكيرهم بنعمه فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
أي: واتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، فهو- سبحانه - الذي يعلمكم ما يصلح لكم أمر دنياكم وما يصلح لكم أمر دينكم متى اتقيتموه واستجبتم له، وهو- سبحانه - بكل شيء عليم لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
ثم بين- سبحانه - ما يحب على المسلمين فعله إذا لم يتمكنوا من كتابة ديونهم بأن كانوا مسافرين وليس معهم كاتب فقال-تبارك وتعالى-"وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ" 283.
أي: إن كنتم مسافرين ولم تجدوا كاتبًا يكتب بينكم ويحصل به التوثق فرهان مقبوضة - أي: يقبضها صاحب الحق وتكون وثيقة عنده حتى يأتيه حقه، ودل هذا على أن الرهن غير المقبوضة لا يحصل منها التوثق، ودل أيضا على أن الراهن والمرتهن لو اختلفا في قدر ما رهنت به، كان القول قول المرتهن، ووجه ذلك أن الله جعل الرهن عوضا عن الكتابة في توثق صاحب الحق، فلولا أن قول المرتهن مقبول في قدر الذي رهنت به لم يحصل المعنى المقصود، ولما كان المقصود بالرهن التوثق جاز حضرا وسفرا، وإنما نص الله على السفر، لأنه في مظنة الحاجة إليه لعدم الكاتب فيه، هذا كله إذا كان صاحب الحق يحب أن يتوثق لحقه، فما كان صاحب الحق آمنا من غريمه وأحب أن يعامله من دون رهن فعلى من عليه الحق أن يؤدي إليه كاملا غير ظالم له ولا باخس حقه وليتق الله ربه في أداء الحق ويجازي من أحسن به الظن بالإحسان ولا تكتموا الشهادة لأن الحق مبني عليها لا يثبت بدونها، فكتمها من أعظم الذنوب، لأنه يترك ما وجب عليه من الخبر الصدق ويخبر بضده وهو الكذب، ويترتب على ذلك فوات حق من له الحق، ولهذا قال تعالى: ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم وقد اشتملت هذه الأحكام الحسنة التي أرشد الله عباده إليها على حكم عظيمة ومصالح عميمة دلت على أن الخلق لو اهتدوا بإرشاد الله لصلحت دنياهم مع صلاح دينهم، لاشتمالها على العدل والمصلحة، وحفظ الحقوق وقطع المشاجرات والمنازعات، وانتظام أمر المعاش، فلله الحمد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه لا نحصي ثناء عليه.
أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-03-24, 04:00 AM   #53
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
Gift

من آية 284 إلى آية286.
"لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" 284.
"آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ"285.
"لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ"286.
لما ضمَّن الله تعالى هذه السُّورة أكثرَ عِلم الأصول والفروع من: دلائل التَّوحيد، والنُّبوة، والمعاد، والصَّلاة، والزَّكاة، والقِصاص، والصَّوم، والحجِّ، والجهاد، والحيض، والطَّلاق، والعِدَّة، والخُلْع، والإيلاء، والرَّضاعة، والرِّبا، والبيع، وكيفيَّة المُداينة، ناسَب تكليفه إيَّانا بهذه الشرائع أن يذكُر أنَّه تعالى مالكٌ لِمَا في السَّموات وما في الأرض؛ فهو يُلزِم مَن شاء من مملوكاته بما شاء من تعبُّداته وتكليفاته، ولَمَّا كان محل اعتقاد هذه التكاليف هو الأنفُس، وما تنطوي عليه من النيَّات، وثواب مُلتزِمها وعقاب تارِكها إنما يَظهَر في الدَّار الآخرة- نبَّه على صفة العلم التي بها تقَعُ المحاسبةُ في الدَّار الآخرة فقال سبحانه:
لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ : أي: إنَّ لله تعالى وحده ما في السَّموات والأرض وما بَينهما، خَلْقًا ومُلْكًا وتدبيرًا،الجميع خلقهم ورزقهم ودبرهم لمصالحهم الدينية والدنيوية، فكانوا ملكًا له وعبيدًا، لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، وهو ربهم ومالكهم الذي يتصرف فيهم بحكمته وعدله وإحسانه،وما دام الأمر كذلك فعليكم- أيها المؤمنون- أن تبذلوا أقصى جهدكم في العمل الصالح الذي بين أيديكم إنما هو عارية مستردة، وأن المالك الحقيقي له إنما هو الله رب العالمين، فأنفقوا من هذا المال- الذي هو أمانة بين أيديكم- في وجوه الخير واجمعوه من طريق حلال، وكونوا من القوم العقلاء الصالحين الذين لم تشغلهم دنياهم عن أخراهم.
وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ: بيان لشمول علم الله-تبارك وتعالى- لما أظهره الإنسان أو أخفاه من أقوال وأعمال، وأنه سيحاسبه على ذلك بما يستحقه من خير أو شر.
فهو المُطَّلِع على مَنْ فيهما، لا يَخفى عليه شيء مُطلَقًا، وسيُطْلِعهم على وجه المحاسبة على إظهارِ ما انطوت عليه نفوسُهم، أو إضماره، ممَّا استقرَّ فيها وثبَت، من الكُفْر والنِّفاق، أو من الأوصاف السيِّئة التي تتَّصِف بها، أو من العزائم المصمِّمة على ارتكاب معصية .
والجملة الكريمة صريحة في أن الله-تبارك وتعالى- يحاسب العباد على نياتهم وما تكسبه قلوبهم سواء أأخفوه أم أظهروه.
وقد بين المحققون من العلماء أن هذه المحاسبة إنما تكون على ما يعزم عليه الإنسان وينويه ويصر على فعله، سواء أنفذ ما اعتزم عليه أم حالت دونه حوائل خارجة عن إرادته: كمن عزم على السرقة واتخذ الوسائل لذلك ولكن لم يستطع التنفيذ لأسباب لم يتمكن معها من السرقة التي أصر عليها.
أما الخواطر النفسية التي تجول في النفس، وتعرض للإنسان دون أن يعزم على تنفيذها، فإنها ليست موضع مؤاخذة، بل إن التغلب عليها، وكفها بعد مكافحتها يجعله أهلا للثواب.
عن عبد لله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذلكَ، فمَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فإنْ هو هَمَّ بها فَعَمِلَها، كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَناتٍ، إلى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، إلى أضْعافٍ كَثِيرَةٍ، ومَن هَمَّ بسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فإنْ هو هَمَّ بها فَعَمِلَها، كَتَبَها اللَّهُ له سَيِّئَةً واحِدَةً."صحيح البخاري.
اللهُ عَزَّ وجَلَّ واسِعُ الرَّحمةِ، جَزيلُ العَطاءِ، ومُعاملتُه لعِبادِه دائرةٌ بيْن العَدلِ والفَضلِ.
وفي هذا الحديثِ بَيانٌ لِكَرَمِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ مع العِبادِ في كِتابةِ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ؛ فيَروي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الحديثِ القُدسيِّ الذي يَرْويه عن ربِّه عزَّ وجلَّ: أنَّ اللهَ أمَرَ المَلائِكةَ الحفَظةَ بكِتابةِ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ للعبْدِ؛ ليُجازيَه بِهما في الدَّارِ الآخرةِ، أو أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ قَدَّرَ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ قَديمًا وَفْقَ عِلْمِه سُبحانَه، ثمَّ بيَّن للمَلَكينِ كيْف يَكتُبانِها،"فمَن هَمَّ بحَسَنةٍ" والهَمُّ هو النيَّةُ وعَقدُ العَزمِ، والمعنى: فمَن نَوَى حَسَنةً وأراد أنْ يَفعَلَها، ولكنَّه لم يَفعَلْها لمانعٍ، أو لغيرِ مانعٍ، كَتَبها اللهُ عِنده حَسَنةً كاملةً غيْرَ مَنقوصةٍ، واطِّلاعُ المَلَكِ على النيَّةِ التي هي مِن فِعلِ القَلبِ يَكونُ بإطْلاعِ اللهِ تَعالى إيَّاه، فإذا همَّ العَبدُ بالحَسَنةِ فعَمِلها، كَتَبها اللهُ عزَّ وجلَّ وضاعفَها مِن عَشْرِ حَسَناتٍ، إلى سَبعِ مِائةِ ضِعفٍ، إلى أضعافٍ كَثيرةٍ، كما قال تعالى"مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ"البقرة: 261؛وذلك بحسَبِ الإخلاصِ وصِدقِ العَزمِ، وحُضورِ القَلبِ، وتَعدِّي النَّفعِ. ومِن نَوى عَمَلَ سيِّئةٍ فلمْ يَعمَلْها -خوْفًا مِن اللهِ وحَياءً منه- كَتَبها اللهُ عِنده حَسنةً كاملةً؛ لا يَنقُصُ مِن ثَوابِها شَيءٌ، فإنْ همَّ بها فعَمِلها، كَتَبها اللهُ عليه سيِّئةً واحدةً دونَ زِيادةٍ أو مُضاعَفةٍ كما في الحَسَناتِ.
وفي الحَديثِ: بَيانُ سَعةِ فضْلِ اللهِ على هذه الأمَّةِ؛ إذ لوْلا ذلك كاد لا يَدخُلُ أحدٌ الجنَّةَ؛ لأنَّ عَمَلَ العبادِ للسَّيِّئاتِ أكثرُ مِن عَملِهم للحَسَناتِ.الدرر السنية.
أنواع الهم: هم خطرات وهم عزم وإصرار.ونمثل له بالآتي:
" وَلَقَد هَمَّت بِهِوَهَمَّ بِهَا لَولَاۤ أَن رَّءَا بُرهَـنَ رَبِّهِكَذَلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلفَحشَاۤءَ إِنَّهُۥ مِن عِبَادِنَا ٱلمُخلَصِینَ"يوسف:24.
همُّ يوسفَ كان همَّ خطرات فتركه لله فأثابه الله عليه ، وهم امرأة العزيز كان هم إصرار بذلت معه جهدها فلم تصل إليه فلم يستو الهمّان.
قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: الهم همان همُّ خطرات وهمُّ إصرار، فهم الخطرات لا يؤاخذ به وهم الإصرار يؤاخذ به. تفسير ابن القيم .

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال "لَمَّا نَزَلَتْ علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ "لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأَرْضِ وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ به اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ ويُعَذِّبُ مَن يَشاءُ واللَّهُ علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ"البقرة: 284، قالَ: فاشْتَدَّ ذلكَ علَى أصْحابِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأتَوْا رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ثُمَّ بَرَكُوا علَى الرُّكَبِ، فقالوا: أيْ رَسولَ اللهِ، كُلِّفْنا مِنَ الأعْمالِ ما نُطِيقُ، الصَّلاةَ والصِّيامَ والْجِهادَ والصَّدَقَةَ، وقدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هذِه الآيَةُ ولا نُطِيقُها، قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أتُرِيدُونَ أنْ تَقُولوا كما قالَ أهْلُ الكِتابَيْنِ مِن قَبْلِكُمْ سَمِعْنا وعَصَيْنا؟ بَلْ قُولوا: سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وإلَيْكَ المَصِيرُ،قالوا: سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وإلَيْكَ المَصِيرُ، فَلَمَّا اقْتَرَأَها القَوْمُ، ذَلَّتْ بها ألْسِنَتُهُمْ، فأنْزَلَ اللَّهُ في إثْرِها"آمَنَ الرَّسُولُ بما أُنْزِلَ إلَيْهِ مِن رَبِّهِ والْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ باللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بيْنَ أحَدٍ مِن رُسُلِهِ وقالُوا سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وإلَيْكَ المَصِيرُ"البقرة: 285، فَلَمَّا فَعَلُوا ذلكَ نَسَخَها اللَّهُ تَعالَى، فأنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ"لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَها لها ما كَسَبَتْ وعليها ما اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا"البقرة: 286،قالَ: نَعَمْ "رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عليْنا إصْرًا كما حَمَلْتَهُ علَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنا" قالَ: نَعَمْ "رَبَّنا ولا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لنا بهِ" قالَ: نَعَمْ "واعْفُ عَنَّا واغْفِرْ لنا وارْحَمْنا أنْتَ مَوْلانا فانْصُرْنا علَى القَوْمِ الكافِرِينَ" قالَ: نَعَمْ.صحيح مسلم.
وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ به اللَّهُ: :قالوا : ولا نُطيقُها؛ لاعتقادِهم أنَّهم مُؤاخَذون بما لا قُدرةَ لهُم على دَفعِه مِنَ الخواطرِ الَّتي لا تُكتسَبُ. فَيَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ ويُعَذِّبُ مَن يَشاءُ :أي: فيغفر بعد المحاسبة، لِمَن أتى بأسباب المغفرة فضلًا منه، ويُعاقِب مَن يكفُر به، أو يُصِرُّ على المعاصي، في باطنه أو ظاهره عدلًا منه، فالله تعالى لا يُعجِزه شيءٌ، ومن تَمام قُدْرته محاسبةُ الخلائق، وإيصالُ ما يَستحِقُّونه من الثواب والعقاب .
ولا نُطيقُها؛ ولم يَرضَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذا مِنهم، وخَشيَ أن يَفتحَ عليهم بابَ الرِّضا ببعضِ الأحكامِ وعدمِ الرِّضا بالبعضِ الآخَرِ، فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أتُريدون أن تَقُولوا كما قالَ أهلُ الكتابَينِ منَ اليهودِ والنَّصارى من قَبلِكم حينَ قالوا بشأنِ تكاليفِهم "سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا"البقرة: 93، النساء: 46، فالأفضلُ لكم ألَّا تَقُولوا: شقَّ علينا كذا، بل قُولوا"سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُاقْتَرَأَها القَوْمُ، ذَلَّتْ بها ألْسِنَتُهُمْ " - ذَلَّتْ بها ألْسِنَتُهُمْ : أي لانت لها نفوسهم وألسنتهم-، فلمَّا تَكلَّمَ بها المُسلِمون وانقادَت بالاستسلامِ بها ألسنتُهم وانصاعت نُفوسُهم لها، ولأمرِ ربِّهم فيها؛ أنزَلَ اللهُ في عَقِبِ نُزولِها من غيرِ فاصلٍ"آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ" وهذا إخبارٌ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بذلك، وهو الإيمانُ بالقُرآنِ، "وَالْمُؤْمِنُونَ" عطفٌ على الرَّسولِ، ثُمَّ أخبَرَ عنِ الجَميعِ فقالَ"كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ"البقرة: 285؛ فالمُؤمِنون يُؤمِنون بأنَّ اللهَ واحدٌ أحدٌ، فردٌ صَمَدٌ، لا إلهَ غيرُه، ولا ربَّ سِواه، ويُصدِّقون بجميعِ الملائكةِ والأنبياءِ والرُّسلِ والكُتبِ المُنزَّلةِ مِنَ السَّماءِ على عِبادِ اللهِ المُرسَلين والأنبياءِ، لا يُفرِّقون بين أحَدٍ منهم، ولا يؤمِنون ببعضٍ ويَكفرون ببعضٍ، بلِ الجميعُ عِندَهم صادِقون بارُّونَ، راشِدونَ مَهديُّون، هادُون إلى سُبلِ الخيرِ، وإن كانَ بعضُهم يَنسَخُ شَريعةَ بعضٍ بإذنِ اللهِ، حتَّى نُسِخَ الجميعُ بشَرعِ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خاتَمِ الأنبياءِ والمُرسَلين، الَّذي تَقومُ السَّاعةُ على شَريعتِه، "وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا" أي: سَمِعنا قولَك يا ربَّنا، وفَهِمناه، وقُمنا به، وامتثَلنا العملَ بمُقتضاه، "غُفْرَانَكَ رَبَّنَا" وهذا سُؤالٌ للمغفرةِ والرَّحمةِ واللُّطفِ، "وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ"، فإليك المَرجِعُ والمآبُ يومَ يَقومُ الحسابُ، فلمَّا فعَلوا ذلك، وقالوا ما أُمِروا بقولِه من إظهارِ السَّمعِ والطَّاعةِ لأوامرِ اللهِ؛ نَسَخَها اللهُ تَعالَى، فأثبَتَ الآيةَ خطًّا في المصحفِ ونسَخَ الحُكمَ، فأنزَلَ اللهُ تخفيفًا عنهم فقالَ"لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" مما تسَعُه قُدرتُها وطاقتُها وجُهدُها-وإذا كانت بعض التكاليف التي كلفنا الله بها فيها مشقة، فإن هذه المشقة محتملة وفي وسع الإنسان وقدرته وطاقته، وسيثيبنا الله-تبارك وتعالى-عليها ثوابًا جزيلا،-"لَهَا مَا كَسَبَتْ" من ثوابِ الخيرِ،"وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ" من وِزرِ الشَّرِّ وإثمِه، ولا يُؤاخَذُ أحَدٌ بذَنبِ أحدٍ، ولا بما لم يَكسِبه ممَّا وَسوسَته به نفسُه- لم خص الخير بالكسب، والشر بالاكتساب؟ "رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا" بالعِقابِ "إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا" فترَكنا الصَّوابَ، لا عن عمدٍ، كما آخَذتَ به مَن قَبلَنا، فاستجابَ اللهُ سُبحانَه لهُم فقالَ "نَعَمْ"، أي: قد فعَلتُ، "رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا" منَ الأمورِ التي يَثقُلُ علينا حَملُها، "كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا" من بَني إسرائيلَ وغيرِهم، فاستجابَ اللهُ لهُم وقالَ"نَعَمْ"، أي: قد فعَلتُ، "رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ" منَ التَّكاليفِ والبلاءِ، قالَ"نَعَمْ"، "وَاعْفُ عَنَّا" فامحُ عنَّا ذُنوبَنا، "وَاغْفِرْ لَنَا" واستُر علينا فيما بيننا وبين عِبادِك، فلا تُظهِرهم على سيِّئاتِنا، وتَجاوَز عنها، "وَارْحَمْنَا" وجُدْ علينا بالرَّحمةِ حتَّى لا نَقَعَ في ارتكابِ محظورٍ، أو تَهاوُنٍ في أداءِ مأمورٍ، "أَنْتَ مَوْلَانَا"، أي: سيِّدُنا ومُتولّي أمرِنا؛ "فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ"البقرة: 286. بإقامةِ الحُجَّةِ والغلَبةِ في قِتالِهم؛ فإنَّ شأنَ المَولى أن ينصُرَ مَواليَه على الأعداءِ،- والأول أشد أثرًا وأقوى فعلًا، فإنه نصر على الروح والعقل، أما النصر بالسيف فهو نصر على الجسد فحسب. - فاستجابَ اللهُ لهُم، فقالَ"نَعَمْ"، أي: قد فعَلتُ.
وهذا من عَظيمِ فَضلِ اللهِ على المؤمِنينَ الذين يَخضَعونَ لأمرِه، ويُسلِّمون لحُكمِه، أمَّا الذين قالوا: سَمِعنا وعَصَينا، فقد حَمَلَ اللهُ عليهمُ الإثمَ والذَّنبَ وعاقَبَهم به في الدُّنيا قَبْلَ الآخِرةِ.
وقد أكرمَ اللهُ هذه الأمَّةَ بما لم يُكرِم به مَن قبلَها، وثَبَّتَ إيمانَ الصَّحابةِ رِضوانُ اللهِ عليهم، وأحسَنَ إليهم، وأثنَى عليهم بقولِه"آمَنَ الرَّسُولُ بما أُنْزِلَ إلَيْهِ من رَبِّهِ والْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ باللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بيْنَ أحَدٍ من رُسُلِهِ وقالُوا سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وإلَيْكَ المَصِيرُ" البقرة: 285.
وفي الحديثِ: شِدَّةُ تَعظيمِ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم لأمرِ اللهِ تَعالَى ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: أنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالَى لا يُحمِّلُنا ما لا طاقةَ لنا به، ولا يُكلِّفُنا إلَّا وُسعَنا، وأنَّ الوَساوسَ الَّتي تَجُولُ في صُدورِنا إذا لم نَركَنْ إليها، ولم نَطمئنَّ إليها، ولم نَأخُذْ بها -فإنَّها لا تَضُرُّ.
وفيه: أنَّ اللهَ تَجاوَزَ عنِ الأمَّةِ ما حدَّثَت به أنفُسَها ما لم تتكلَّم أو تعمَل به.
وفيه: ثُبوتُ النَّسخِ في القرآنِ الكريمِ، وأنَّ منَ القرآنِ ما يُقرَأُ ولكن نُسِخَ حُكمُه فلا يُعمَلُ به.الدرر.
"مَن قَرَأَ بالآيَتَيْنِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ في لَيْلَةٍ كَفَتاهُ ."الراوي : أبو مسعود عقبة بن عمرو - صحيح البخاري.
أخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مَن قَرَأهما في لَيلةٍ حَفِظَتاه مِن الشَّرِّ، ووَقَتاه مِن المَكْروهِ، ....وذلك لِمَا فيهما مِن مَعاني الإيمانِ، والإسْلامِ، والالْتِجاءِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، والاسْتِعانةِ به، والتَّوكُّلِ عليه، وطلَبِ المَغفِرةِ والرَّحْمةِ منه.
تم بحمد الله تفسير سورة البقرة كاملة
سبحانك اللهم بحمدك أستغفرك وأتوب إليك اللهم اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي تراب ; 09-03-24 الساعة 04:08 AM
أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-05-24, 02:38 AM   #54
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
Mo

معالم سورة البقرة
سورة البقرة هي ثاني سورة في المصحف ،وهي السورة رقم 78 في ترتيب النزول. سورة البَقرة سورةٌ مدنيَّة، نزلتْ بعد الهِجرة، ونقَل الإجماعَ على ذلك عددٌ من المفسِّرين.

مقاصد سورة البقرة
من مقاصد سورة الفاتحة تحديد معالم الدين وتحديد أصول الدين إجمالًا ، لكن سورة البقرة توضح أسس وأصول الدين تفصيلا.ولسورة البقرة خمسة مقاصد رئيسية:
المقصد الأول: من مقاصد سورة البقرة بيان أركان الإسلام : شهادة ألا إله إلا الله ؛ الصلاة ؛ الزكاة؛ الصيام؛ الحج ،وأركان الإيمان الستة : الإيمان بالله؛ وملائكته ؛وكتبه؛ ورسله؛ واليوم الآخر ؛ والقدر خيره وشره .ذُكرت تصريحًا ولزومًا.
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ : وهذا الغيب يلزم ويشتمل :على الإيمان بالله عز وجل وصفاته سبحانه وتعالى وكذلك الإيمان بالملائكة واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، فكل هذه الأمور من الإيمان بالغيب.
المقصد الثاني: تمييز للمسلمين عن غير المسلمين ، فنزلت سورة البقرة فيها آيات الأحكام ، و آيات تحويل القبلة من بيت
المقدس إلى المسجد الحرام. أحكام الصيام والزكاة والحج والعمرة وأحكام الخمر والميسر والمال والربا والمُداينة ، كل هذه الأحكام نزلت في هذه السورة لتمييز المسلمين عن غيرهم من اليهود والنصارى.
أنزل الله عز وجل سورة البقرة لبناء المجتمع الإسلامي بالأوامر و التكاليف والتشريعات اللى نزلت فى هذه السورة الكريمة.
المقصد الثالث : الاستخلاف في الأرض: أننا جميعًا خلفاء
في هذه الأرض أي يخلف بعضنا بعضًا ، يموت أقوام ويأتي آخرون ، وعلينا أن نسير بهذا الهدى الذي أنزله الله عز وجل إلينا ألا وهو الوحي ، القرآن الكريم ورسالة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.وذُكِر في سورة البقرة ثلاث خلفاء في الأرض قبل بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام.، كنماذج واقعية منهم من أمثل وأخطأ ثم تاب –آدم عليه السلام- ومنهم من انحرف عن الجادة وعصى ولم يتب – وهم اليهود المغضوب عليهم- ، ومنهم من امتثل تماما – وهو إبراهيم عليه السلام.
المقصد الرابع : الانقياد لأمر الله عز وجل والاستسلام لشرعه
سبحانه وتعالى.
" بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"112.
ذكر تعالى البرهان الجلي العام لكل أحد, ..... مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ : أي: أخلص لله أعماله, متوجها إليه بقلبه، وَهُوَ : مع إخلاصه " مُحْسِنٌ " في عبادة ربه, بأن عبده بشرعه, فأولئك هم أهل الجنة وحدهم. " فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ " وهو الجنة بما اشتملت عليه من النعيم، " وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " فحصل لهم المرغوب, ونجوا من المرهوب. ويفهم منها – بمفهوم المخالفة - أن من ليس كذلك, فهو من أهل النار الهالكين، فلا نجاة إلا لأهل الإخلاص للمعبود, والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم .تفسير السعدي.
المقصد الخامس : من مقاصد سورة البقرة هو تحقيق تقوى الله عز وجل:
"ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ"2.
فالتكاليف والأحكام ليس الغرض منها التعب والمشقة وإنما الغرض منها هو تحقيق تقوى الله عز وجل.وعلى سبيل المثال وليس الحصر ورد بعد كل تكليف الغاية منه وهي تحقيق التقوى:
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْلَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"21.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"183.
"وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"179.
وهكذا.....

مواضيع سورة البقرة الرئيسية:
الموضوع الأول:هو مقدمة السورة: من آية1 إلى آية 29.
الموضوع الثاني :هو الخلفاء الثلاثة: من آية 30 إلى آية 141.
الموضوع الثالث:هو أحكام التكاليف : من آية 142 إلى آية 283.
الموضوع الرابع:هو خاتمة السورة: من آية 284 إلى آية 286.
*نبذة مختصرة عن كل موضوع :
الموضوع الأول:هو مقدمة السورة: من آية1إلى آية29"آلم"إلى"هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"29.
قال سبحانه وتعالى في سورة الفاتحة" اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ"دعاء بالهداية على الصراط المستقيم ثم تأتي سورة البقرة وتوضح معالم هذه الهداية ومنبعها"ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِهُدًى لِّلْمُتَّقِينَ"فمقدمة سورة البقرة تحدثت عن القرآن الكريم وكيف أن هذا القرآن يهدي به اللهُ سبحانه وتعالى الناسَ ويُخرجهم به من الظلمات إلى النور..المحور الأساسي الذي تقوم عليه سورة البقرة والمعنى المصاحب لهذه السورة هو الاستسلام والانقياد التام لأمر الله والإذعان والخضوع لأمر الله." يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ"208. وهذا نموذج يحتذى به للاستسلام التام لأوامر الله عز وجل إذ قال لإبراهيم عليه السلام" إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ"131. وختمت السورة أيضا بهذا المعنى قال تعالى " آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ"258.
ثم سبحانه وتعالى قسم الناس في هذه المقدمة حسب تعاملهم واستجابتهم للقرآن الكريم وتكاليفه إلى أقسام ثلاثة :
القسم الأول: هم المؤمنون المُتقون ، في أول خمس آيات.
والقسم الثاني: هم الكافرون المشركون، في آية رقم 6 وآية رقم 7 .
والقسم الثالث: هم المنافقون.من آية 8 إلى آية 20.
ثم الآية 21 فيها نداء لكافة الناس لعبادة الله تعالى وهذا أول نداء في القرآن الكريم حسب ترتيب المصحف"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"21.
ثم أقام على المشركين الحُجة والدلائل الموجبة للإيمان ، ثم تحداهم أن يقدموا أدلة صدق دعواهم وأنذرهم بسوء العاقبة ، ثم بشر الصالحين بالجنات "الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ.....24. وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"25.
الموضوع الثاني :هو الخلفاء الثلاثة: من آية30إلى آية141.
*في سورة البقرة ثلاثة نماذج لخلفاء سابقين:

الخليفة الأول:آدم عليه السلام من آية 30إلى آية39. "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً"البقرة : 30.

الخليفة الثاني: بني إسرائيل من آية40إلى آية123.وردت آيات كثيرة لوصف ظلمهم ومخالفتهم لأوامر الله"وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"91.بنو إسرائيل استخلفهم الله في الأرض قبل أمة النبي صلى، وربنا سبحانه وتعالى أنزل لهم تكاليف وتشريعات لكنهم خالفوا هذه الأوامر.ولذلك استبدلهم الله عز وجل وانتقلت الرسالة والاستخلاف لأمة محمد صلى الله عليه وسلم."وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ"محمد:38.

الخليفة الثالث:إبراهيم عليه السلام. من آية124إلى آية141."وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ"124.

نظرات مستخلصة من الحكمة في ذكر الخلفاء الثلاثة قبل التكاليف:
عُرِضَ ثلاثة نماذج لخلفاء في الأرض نزلت عليهم أوامر وتكاليف وتباينوا في تفاعلهم مع هذه التكاليف:
أولًا آدم عليه السلام عصى ربه وأكل من الشجرة ثم تاب ،"فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَعٌ إِلَى حِينٍ * فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ"36/37.

ثانيًا بني إسرائيل:هؤلاء كانت حياتهم كلها معصية في معصية.
ثالثًا إبراهيم عليه السلام هذا كانت حياته كلها طاعة في طاعة."وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ"124.

لذا ربنا سبحانه وتعالى بدأ بالحديث عن الخلفاء الثلاثة وتفاعلهم مع التكاليف ليعتبر من أراد الاعتبار . هل ستكون مثل آدم عليه السلام إذا عصيت رجعت وتبت وأنبت إلى الله. أم ستكون مثل بني إسرائيل وسترفض هذه الأوامر والتكاليف وتُعرض عنها ؟ أم ستكون مثل إبراهيم عليه السلام الذي امتثل لأوامر ّالله سبحانه وتعالى فتمتثل لكل التكاليف ما استطعت؟فلذلك جاء الحديث عن الخلفاء الثلاثة قبل الحديث عن الأحكام والتكاليف.

الموضوع الثالث:هو أحكام التكاليف : من آية 142 إلى آية 283.
وتنقسم الأحكام والتكاليف إلى خمسة مواضيع رئيسية:
الموضوع الأول:تحويل القبلة وآيات تحويل القبلة "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ"144,من آية 149 إلى آية 177 ، هذه الآيات تتحدث عن أول تكليف من التكاليف ألا وهو تحويل القبلة.
الأربعة مواضيع الأخرى كل موضوع فيهم يحتوي على عبادة وحولها بعض الأحكام وسنسمي الموضوع باسم العبادة الموجودة فيه ونشير إلى الأحكام الأخرى المذكورة معه:
الموضوع الثاني من مواضيع التكاليف والأحكام هوعبادة الصيام من آية 178 إلى آية 188."يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"183.وذُكِرَ مع عبادة الصيام وأحكامها بعض الأحكام الأخرى ؛ مثل أحكام القصاص والوصية والرشوة .

الموضوع الثالث:عبادة الحج والعمرة وأحكامهما، من آية189إلى آية218،" وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ" 196.وذُكِرَ مع عبادة الحج والعمرة وأحكامهما بعض الأحكام الأخرىمثل ؛أحكام القتال فى سبيل ّالله،وهي مناسبة لعبادة الحج لأن الحج فيه مشقة وجهاد أيضًا، والإنفاق في سبيل الله وهو مناسب أيضًا لعبادة الحج لأن الحج فيه جهاد بالنفقة أيضًا.
الموضوع الرابع:عبادة الصلاة"حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى" 238، من آية 219 إلى آية 242.
وذُكِرَ مع عبادة الصلاة بعض الأحكام الأخرى مثل: أحكام الخمر والميسر وأحكام اليتامى وأحكام زواج المسلم من غير المسلمة وأحكام الحيض والأيمان، وأحكام الأسرة من إيلاءوطلاق وخلع وعدة وأحكامها ورضاعة ....بَيْنَ كل هذه العبادات تُذكر عبادة الصلاة لما للصلاة من شأن عظيم من توريث التقوى والانتهاء عن الفحشاء والمنكر، فأداء الصلاة بحقها يعين على سائر العبادات.

الموضوع الخامس من مواضيع التكاليف والأحكام هوعبادة الجهاد فى سبيل ّالله عز وجل "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " البقرة:244. من آية 243 إلى آية 283.وذُكِرَ مع عبادة الجهاد في سبيل الله بعض الأحكام الأخرى مثل: أحكام الإنفاق فى سبيل ّالله، وأحكام المال ومنها أحكام المُداينة والربا.

الموضوع الرابع:هو خاتمة السورة.من آية 284 إلى آية 286.
هذه الآيات تتحدث عن تخفيف ّالله عز وجل على المؤمنين"لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ"
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور أبصارنا وبصائرنا، وجلاء همنا وحزننا، وأعنا على إتمام ما قصدناه بفضلك ورعايتك يا أكرم الأكرمين.
وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن سار على طريقته إلى يوم الدين.

نسأل ّالله عز وجل أن ينفعنا بما علّمنا وأن يُعلمنا ماينفعنا ، اللّهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل ، اللّهم تقبل منا صالح الأعمال ، اللّهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، اللّهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار سبحانك اللّهم ربنا وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
مقتبس من سلسلة تعرف للشيخ محمد أحمد نبهان حفظه الله ومصادر أخرى.
أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فضائل سور القرآن الكريم كما حققها العلامة الألباني.. أم المجاهدين روضة القرآن وعلومه 17 19-06-08 07:43 PM


الساعة الآن 01:09 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .