|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
11-11-20, 09:41 PM | #1 |
نفع الله بك الأمة
|
اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تحول به بَيْنَنَا وَبَيْنَ معصيتك
اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تحول به بَيْنَنَا وَبَيْنَ معصيتك *عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلاَءِ الكلِماتِ لأصحابِهِ" اللَّهمَّ اقسِم لَنا من خشيتِكَ ما يَحولُ بينَنا وبينَ معاصيكَ ، ومن طاعتِكَ ما تبلِّغُنا بِهِ جنَّتَكَ ، ومنَ اليقينِ ما تُهَوِّنُ بِهِ علَينا مُصيباتِ الدُّنيا ، ومتِّعنا بأسماعِنا وأبصارِنا وقوَّتنا ما أحييتَنا ، واجعَلهُ الوارثَ منَّا ، واجعَل ثأرَنا على من ظلمَنا ، وانصُرنا علَى من عادانا ، ولا تجعَل مُصيبتَنا في دينِنا ، ولا تجعلِ الدُّنيا أَكْبرَ همِّنا ولا مبلغَ عِلمِنا ، ولا تسلِّط علَينا مَن لا يرحَمُنا" الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي -الصفحة أو الرقم: 3502 - خلاصة حكم المحدث : حسن. الشرح في هذا الحديثِ دُعاءٌ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، جامِعٌ لكثيرٍ مِن أبوابِ الخيرِ وتحقيقِ السَّعادةِ في الدَّارَين؛ فقَد اشتَمَل على مَطالِبَ عَظيمةٍ فيما يَحتاجُ إليه العبدُ في دينِه ودُنياه، وفيه يَقولُ ابنُ عُمرَ رَضِي اللهُ عَنهما "قَلَّما كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَقومُ مِن مَجلِسٍ"، أي: نادِرًا ما يقومُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن مَجلِسٍ، "حتَّى يَدعُوَ بهؤلاءِ الكلماتِ" أي: يكونُ حَريصًا على أن يَدعُوَ بهؤلاءِ الدَّعَواتِ لأصحابِه "اللَّهمَّ اقْسِم لنا"، أي: اللَّهمَّ - قَدِّر لنا - وارزُقْنا نَصيبًا وحَظًّا "مِن خَشيَتِك" أي: مِن الخوفِ مِنك وتَعظيمِك وإجلالِك. والخشية هي الخوف المقرون بالعلم لقول الله تبارك وتعالى" إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ " فاطر:28. فالخشية هي خوف الله عز وجل المقرون بالهيبة والتعظيم ولا يصدر ذلك إلا من عالم بالله . إن المؤمن في هذه الحياة لا غنى له عن أمرين؛ حتى يلقى الله - تعالى - الخوف والرجاء، فهو يحب ربه ويرجوه، ويخافه ويخشاه ولا يعصيه، وهما جناحان لا غنى للعبد عنهما، كجناحي الطائر إذا استويا، استوى الطير وتمَّ طيرانه، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص، وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت. "جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إلى بُيُوتِ أزْوَاجِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يَسْأَلُونَ عن عِبَادَةِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقالوا: وأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ قدْ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وما تَأَخَّرَ، قالَ أحَدُهُمْ: أمَّا أنَا فإنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أبَدًا، وقالَ آخَرُ: أنَا أصُومُ الدَّهْرَ ولَا أُفْطِرُ، وقالَ آخَرُ: أنَا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فلا أتَزَوَّجُ أبَدًا، فَجَاءَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إليهِم، فَقالَ: أنْتُمُ الَّذِينَ قُلتُمْ كَذَا وكَذَا، أما واللَّهِ إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وأَتْقَاكُمْ له، لَكِنِّي أصُومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأَرْقُدُ، وأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي. الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري. "صنَع النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شيئًا فرخَّص فيه، فتَنَزَّه عنه قَومٌ، فبلَغ ذلك النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فخطَب فحمِد اللهَ ثم قال "ما بالُ أقوامٍ يتنَزَّهونَ عن الشيءِ أصنعُه، فواللهِ إني لأعلمُهم باللهِ، وأشدُّهم له خَشيَةً"الراوي : عائشة أم المؤمنين المحدث : البخاري المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 6101- خلاصة حكم المحدث : صحيح- "صَنَع" أي: عَمِل "النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم شيئًا فرخَّص فيه، فتنزَّه عنه قومٌ"، أي: تَباعَدوا واحْترَزُوا عنه صِيانةً لدِينهم في ظنِّهم،"فبَلَغ ذلك النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فخَطَب" الناسَ لِتَعُمَّ الفائدةُ "فحَمِد اللهَ تعالى، ثُمَّ قال: ما بَالُ أقوامٍ"، أي: ما حالُهم؟ ولم يُسمِّهم سَترًا عليهم وتأليفًا لهم، "يَتنَزَّهون عن الشَّيءِ أَصنَعُه؟!" فإنْ كان هذا منهم لأمرٍ شرعيٍّ "فواللهِ إنِّي لَأعلَمُهم بالله"؛ لأنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم هو رسولُه والمخبِر عنه، "وأشدُّهم له" أي: أكثرُهم لله "خَشْيَةً" والخَشيةُ: هي الخوفُ مع مع العِلم، فلمْ يَبْقَ لهم عُذرٌ في تَرْكِ ما صَنَع نَبِيُّ الله صلَّى الله عليه وسلَّم. في الحديثِ:رِفقُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأُمَّتِه، وعدَمُ مواجهتِه بالعِتابِ لِمَن يُعاتِبُه. وفيه: خُطورةُ التنقُّصِ مِمَّا ثَبَت عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فِعلًا وتركًا. وفيه: أنَّ العِلمَ باللهِ والخشيةِ منه هي ما يُجنِّب المُسلِمَ الزَّلَلَ والضَّلالَ.الدرر السنية ولقد جاء في السنة موقف من مواقف تعليم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأُمَّته عن هذين الأمرين؛ لكي يقف العبد عندهما ويجعلهما نُصْب عينيه، فلا يغفل عنهما؛ فعن أنس - رضي الله عنه"أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ دخلَ على شابٍّ وَهوَ في الموتِ فقالَ "كيفَ تجدُكَ" قالَ واللَّهِ يا رسولَ اللَّهِ إنِّي أرجو اللَّهَ وإنِّي أخافُ ذنوبي فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ "لا يجتَمِعانِ في قلبِ عبدٍ في مثلِ هذا الموطِنِ إلَّا أعطاهُ اللَّهُ ما يرجو وآمنَهُ ممَّا يخافُ" الراوي : أنس بن مالك-المحدث : الألباني -المصدر : صحيح الترمذي الصفحة أو الرقم: 983 -خلاصة حكم المحدث : حسن. وكلما زاد خوف العبد من ربِّه، زاد عمَلُهُ، وقَلَّ عُجْبُهُ، وقَلَّتْ معصيتُهُ، وكلما قَلَّ خَوفُ العبدِ من ربِّهِ، نقصَ عملُهُ، وزاد عُجْبُهُ، وكَثُرَتْ معصيتُهُ. فالخوفُ صفةٌ بارزة من صفات عباد الله الصالحين، لا غنى لهم عنها في مسيرهم إلى الله – تعالى - فتراهم يؤدون حقوق الله، وهم خائفون وَجِلُون من عدمِ قبولِها.فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت"سألتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ عن هذِهِ الآيةِ "وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ" قالت عائشةُ : أَهُمُ الَّذينَ يشربونَ الخمرَ ويسرِقونَ قالَ"لا يا بنتَ الصِّدِّيقِ ، ولَكِنَّهمُ الَّذينَ يصومونَ ويصلُّونَ ويتصدَّقونَ ، وَهُم يخافونَ أن لا تُقبَلَ منهُم"أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ"الراوي : عائشة أم المؤمنين - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 3175 - خلاصة حكم المحدث : صحيح. *خطَب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خطبةً ما سمِعتُ مثلَها قَطُّ قال" لو تَعلَمونَ ما أعلَمُ لضَحِكتُم قليلًا ولبَكيتُم كثيرًا " .قال فغطَّى أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وجوهَهم لهم خَنينٌ ، فقال رجلٌ : مَنْ أبي ؟ قال " فلانٌ " .فنزَلَتْ هذه الآيةُ"لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ " .الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4621 - خلاصة حكم المحدث : صحيح وفي الحديثِ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهِ عليه وسلَّم أعظمُ النَّاس خَشيةً لربِّه؛ لأنَّ خَشيةَ اللهِ إنَّما تكونُ على مِقدارِ العِلمِ بِه، ولمَّا لم يَعلمْ أحدٌ كعِلمِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، لم يَخشَ كخَشيتِه. وفيه:فضلُ الصَّحابةِ وبُكاؤُهم عندَ موعظةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ لهم. وفيه:النَّهيُ عن كَثرةِ السُّؤالِ وتَكلُّفِ ما لا يَعْنِي.الدرر السنية " لو تَعلَمونَ ما أعلَمُ لضَحِكتُم قليلًا ولبَكيتُم كثيرًا " أي : لو أنكم علمتم ما أعلمه من عظمة الله عز وجل، وانتقامه ممن يعصيه، لطال بكاؤكم وحزنكم وخوفكم مما ينتظركم، ولما ضحكتم أصلاً، فالقليل هنا بمعنى المعدوم، وهو مفهوم من السياق. فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب ولقد بلغ سلفنا الصالح مبلغًا عظيمًا في هذا الباب من شدة خوفهم من الله - تعالى - •رُوي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال "لو نادى منادٍ منَ السماءِ: أيها الناس، إنكم داخلونَ الجنةَ كلكم إلا رجلًا واحدًا، لخفت أن أكونَ أنا هو".التخويف من النار"؛ لابن رجب، ص :17. فانظروا لهذا الخليفة الراشد، وقد شهد له النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالجنة يقول أنه يخاف ألا يكون من أهل الجنة، فماذا نقول نحن وقد قَصُرَتْ بنا أعمالُنا، وغلبت علينا الذنوبُ والمعاصي، ونحن نأملُ دخولَ الجنةِ مع التقصيرِ في العملِ ومحبةِ طولِ الأملِ. ورُوي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال "كان رأسُ عمر على فخذي في مرضهِ الذي ماتَ فيه، فقال لي: ضعْ رأسِي، قال: فوضعته على الأرضِ، فقال "ويلِي وويل أمي إن لم يرحمني ربي" قَالَ عُثْمَانُ : أَنَا آخِرِكُمُ عَهْدًا بِعُمَرَ ، دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، فَقَالَ لَهُ : ضَعْ خَدِّي بِالْأَرْضِ ، فَقَالَ : هَلْ فَخِذِي وَالْأَرْضُ إِلَّا سَوَاءٌ ؟ قَالَ : ضَعْ خَدِّي بِالْأَرْضِ لَا أُمَّ لَكَ فِي الثَّانِيَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ ،ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : وَيْلِي وَوَيْلٌ لِأُمِّي إِنْ لَمْ يَغْفِرِ اللَّهُ لِي حَتَّى فَاضَتْ نَفْسُهُ . صحيح/طبقات ابن سعد. "ورُوي أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ، بَكَى فِي مَرَضِهِ ، فَقِيلَ لَهُ : مَا يُبْكِيكَ ؟ فَقَالَ : أَمَا إِنِّي لَا أَبْكِي عَلَى دُنْيَاكُمْ هَذِهِ ، وَلَكِنِّي أَبْكِي عَلَى بُعْدِ سَفَرِي وَقِلَّةِ زادي ، وَأَنِّي أَصْبَحْتُ فِي صُعُودٍ مُهْبِطٍ عَلَى جَنَّةٍ وَنَارٍ ، لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا يُؤْخَذُ بِي "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء. ونحن والله في أشد الحاجة لمثل هذا الكلام أن نستشعره في قلوبنا، فإذا كان هذا الصحابي الجليل وصاحب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - والحافظ لكثير من أحاديثه، يقول هذا الكلام، فما نقول نحن وقد قلَّت طاعتُنَا، وكَثُرَتْ ذنوبُنَا، فإلى الله المشتكى من أحوالِنا. *ورُوي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال " إِنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا ، قَالَ أَبُو شِهَابٍ : بِيَدِهِ فَوْقَ أَنْفِهِ " صحيح البخاري /كتاب الدعوات /باب التوبة /حديث رقم 5974. ولو نظرَ كلُّ منَّا لنفسِهِ وحاسبها، لوجد أنه يقعُ في كثيرٍ منَ المعاصي وهو لا يشعر، وهذا من الغفلة العظيمة عن محاسبة النفس. *ورُوي أن عَلِيَّ بن الحُسين كان إذا توضأ اصفرَّ وتغيَّر، فيقال: مالك؟ فيقول: أتدرون بين يدي مَنْ أريد أن أقوم؟ فكيف به لو نظر لحال بعضِنا الآن وهم داخلون إلى الصلاة في ضحك ، وانشغال الذهن بصوارف الدنيا! بل يدخل الواحد منَّا إلى الصلاة ويخرج، ولم يخشع قلبه - ولم يتأثر - أو تدمع عينه، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ " المؤمنون: 57 – 61. وقيل "أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله - عزَّ وجلَّ - وكل قلب ليس فيه خوف، فهو قلب خرب".الألوكة أي : هم مع إحسانهم وإيمانهم وعملهم الصالح ، مشفقون من الله خائفون منه ، وَجِلُونَ من مكرِهِ بهم ، كما قال الحسن البصري : إنَّ المؤمنَ جمعَ إحسانًا وشفقةً ، وإنَّ المنافقَ جمعَ إساءَةً وأمنًا .تفسير ابن كثير . *قالَ ابنُ مسعودٍ: الدنيا دارُ منْ لا دار له، ومالُ مَنْ لا مال له، ولها يَجْمَعُ مَنْ لا عقل له. *قالَ عليٌّ رضيَ اللهُ عنه عنِ الدُّنْيَا: حلالُها حِسابٌ، وحرامُهَا النارُ. كتاب ذم الدنيا لابن أبي الدنيا ص20. قالَ سُفْيَانُ الثوريُّ: كانَ يُقَال: إنما سُمِّيَتِ الدُّنْيَا لأنها دَنِيَّةٌ، وإنما سُمِّيَ المالُ لأنه يميلُ بأهلِهِ.كتاب ذم الدنيا لابن أبي الدنيا: ص37. "اللَّهمَّ اقسِم لَنا من خشيتِكَ ما يَحولُ بينَنا وبينَ معاصيكَ " لأن الإنسان كلما خشي الله عز وجل منعته خشيته من الله أن ينتهك محارم الله ولهذا قال، أي: تَكونُ هذه الخشيةُ حائِلًا ومانِعًا مِن الوُقوعِ في المعصيةِ والذُّنوبِ؛ وذلك أنَّ العَبدَ إذا امتَلَأ قلبُه إجلالًا وتَعظيمًا للهِ عزَّ وجلَّ؛ فإنَّ ذلك يَمنَعُه مِن أن يَرتَكِبَ المحظوراتِ. "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: الإمَامُ العَادِلُ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ، فَقَالَ: إنِّي أخَافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ."الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري. "ورَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ"، أي: دعَته لنَفْسِها امرأةٌ حَسْناءُ ذاتُ حَسَبٍ ونَسَبٍ، ومالٍ وجاهٍ، ومَركزٍ مَرموقٍ، فقال: إنِّي أخافُ اللهَ، أي: فيَمنعُه خوفُ اللهِ عن اقترافِ ما يُغضِبه. الإقرار بالخوف من ربِّ العالمين – سبحانَه، رُقيٌّ في العبوديّةِ يُطمْئِنُ النفوسَ، ويُهذِّبُها، ويُربِّيها . . ولكنَّ المؤمنَ الموفورَ قلبُهُ بخشية اللهِ؛ لا يكتفي بمحضِ الخوفِ وسيلةً لِنَيْلِ رضا اللهِ، وتحصيل طاعتهِ وهُداه . . . لا؛ لكنّه – بتوفيق ربِّه- يجمعُ إلى خوفهِ – ذاك- رجاءً صادقًا برحمتهِ – سبحانه-؛ يدفعُه إلى الصالحات من الأعمال، وحُسن الآمال بما عند ربِّنا المُتعال . . وقد قيل قديمًا"حُسْنُ العمل من صِحَّة الأَمَل" . . وإلى هذين – وقبلهما- يحدوه في سائر عملِه – ظاهرًا وباطنًا- حُبٌّ مُخلِصٌ لربِّه، يَذِلُّ له – به- بين يديهِ؛ مِمّا يقرِّبه إليهِ، ويرفعُه إليهِ . . وحقيقةً ؛ فإنَّ الذي يخافُ من ربِّه؛ يدفعُه خوفُه ولا بُدَّ – إلى عملٍ، ولا يكونُ هذا الخوفُ – أساسًا- إلا بدافع الرجاءِ الموصولِ بالحُبِّ . . . وإلا: فبلاءٌ متراكمٌ متراكبٌ . . . ولقد أقرّ بهذا الخوفِ المَخُوفِ اثنان: أوّلُهما : المظلومُ مِن ابْنَي آدمَ؛ اعترافاً بحقِّ الله عليه، ورغبة بما عند اللهِ –له-"لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ"المائدة:28، خوفٌ حقيقيٌّ، يمنع اليدَ من إطلاقها، ويربط اللسان بعِقال الهُدى . . فكانت كلمةَ حقٍّ تُعَبِّرُ عن واقعٍ ما له من دافعٍ . . وثانيهما : الشيطانُ الرجيم؛ الّذي وسوس، ولبَّس، ودلَّس، وأَساء، وأوقع، وأَكْفَرَ: "كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ للإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ"الحشر:16، إنّه إقرارٌ كاذبٌ، يفنّده سوء عملهِ، وضلال صنعهِ، وكفرُ طريقهِ . . فهذا الإقرارُ –إذَنْ- جملةٌ واحدةٌ، وكلمةٌ لا ثاني لها؛ لكنّه قد يصدر من صادق بعلمهِ، وقد يخرجُ عن كاذبٍ بفعلهِ . . . والأيّام – وحدَها- في الدنيا- بمنّة الله- كفيلةٌ بكشف هذا الكاذب، وهَتْك أَستار سوئهِ – ولو بعد حين- . . . وإلا: فأمامَ ربِّ العباد –يومَ التَّناد- وعلى رؤوس الملأِ والأشهاد . . . فلا ينفعُ – من قبل ومن بعد- مع الحقِّ- إلا الإخلاص . . . وأمّا مَن افتقده أو أضاعه: فندمٌ مِن النفسِ – وعليها- وإخصاص . . ولكنْ"وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ"!!جمعية مركز الإمام الألباني. "كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوا وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ "ص:3. المَنَاصُ : منجى، مهرَب، ملجأٌ، مفرّ : مَنْجَى، ليس الحينُ حينَ فرار من الهلاك.المعجم. أي:فتوعدهم بإهلاك القرون الماضية المكذبة بالرسل، وأنهم حين جاءهم الهلاك، نادوا واستغاثوا في صرف العذاب عنهم ولكن " وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ " أى: وليس الوقت، وقت خلاص مما وقعوا فيه، ولا فرج لما أصابهم، فَلْيَحْذَرْ هؤلاء أن يدوموا على عزتهم وشقاقهم، فيصيبهم ما أصابهم.تفسير السعدي. "ومِن طاعَتِك"، أي: وارزُقْنا القِيامَ بامتِثالِ والْتِزامِ ما تُحِبُّه وتَرْضاه مِن الأقوالِ والأفعالِ. قال تعالى "فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"النساء:65. " وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"حتى يسلموا لحكمه تسليمًا بانشراح صدر، وطمأنينة نفس، وانقياد بالظاهر والباطن. فالتحكيم في مقام الإسلام، وانتفاء الحرج في مقام الإيمان، والتسليم في مقام الإحسان. فمَن استكمل هذه المراتب وكملها، فقد استكمل مراتب الدين كلها.تفسير السعدي. قال تعالى "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا"الأحزاب:36. إنَّها آية تمحيص وابتلاء لتضع المؤمن على محك الإيمان الصحيح، ليتبين صادقُ الإيمان من ضده، وليتبين الكَيِّسَ من العاجزِ، إنَّها تكشفُ حقيقةَ الإيمان عندما يصطدمُ أمر الله وأمر رسوله بهوى النفوس ومشتهياتها، إنَّها آيةٌ يتوقف عندها المسلمُ عند معانيها ثم يفكر في واقعيه وحياته، هل هو مُطبقٌ لهذه الآية؟ هل هو مقابلٌ لأوامر الله أم يختار ما يهواه ويرفض ما سوى ذلك؟!. إنَّها آيةٌ تتضمن الإسلام الصحيح، وهو الاستسلام لأوامر الله والانقياد لها، وأن أوامر الله ورسوله يقبلها المسلم، ويستجيب لها وإن خالفت الهوى وعادات مجتمع الناس، وأيُّ اعتبار آخر فلا قيمة لذلك، أمرُ الله وأمرُ رسوله مُقدم عند المسلم على كلِ اعتبار. فمن توفيق الله للعبد أن يقبل ما أمره الله به، وما اختاره الله له، ولا يجعل خيرةً فيما أمره الله ورسوله، بل ينفذ أوامرَ اللهِ، وينفذ أوامرَ رسولِهٍ صلى الله عليه وسلم ما استطاع لهذا سبيلًا بإخلاص وعزم صادق . "ما تُبَلِّغُنا به"، أي: تُوصِّلُنا بهذه الطَّاعةِ "جنَّتَك" ورِضْوانَك، فإن الجنة طريقها طاعة الله عز وجل فإذا وُفِّقَ العبدُ لخشية الله واجتناب محارمه والقيام بطاعته نجا من النار بخوفه ودخل الجنة بطاعته. "ومِنَ اليقينِ"، أي: ارزُقْنا قوَّةَ الإيمانِ بما قدَّرتَه وكتَبْتَه مِن الحِكْمةِ وتَكفيرِ سيِّئاتِنا ورَفْعِ درَجاتِنا. أي : اليقين بك ، وبأن لا مرد لقضائك ، وبأنه لا يصيبنا إلا ما كتبته علينا ، وبأن ما قدرته لا يخلو عن حكمة ومصلحة ، مع ما فيه من مزيد المثوبة . واليقين هو أعلى درجات الإيمان لأنه إيمان لا شك معه ولا تَرَدد، تتيقن ما غاب عنك كما تشاهد ما حضر بين يديك فإذا كان عند الإنسان تام بما أخبر الله تعالى به من أمور الغيب فيما يتعلق بالله عز وجل أو بأسمائه أو صفاته أو اليوم الآخر أو غير ذلك وصار ما أخبر الله به من الغيب عنده بمنزلة المشاهد فهذا هو كمال اليقين. من صفات أهل اليقين : "ما تُهوِّنُ به علَينا"، أي: تُسهِّلُ بهذا اليقينِ علَينا "مُصيباتِ الدُّنيا"، أي: ما يقَعُ لنا مِن مِحَنٍ وابتِلاءاتٍ في الدُّنيا. لأن الدنيا فيها مصائب كثيرة لكن هذه المصائب إذا كان عند الإنسان يقين أنه يكفر بها من سيئاته ويرفع بها من درجاته إذا صبر واحتسب الأجر من الله هانت عليه المصائب وسهلت عليه المحن مهما عظمت ...... ما دام عنده اليقين التام فإنها تهون عليه المصائب . قال ابن القيم : "اليقين من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافس المتنافسون، وإليه شمر العاملون، وهو مع المحبة ركنان للإيمان، وعليهما ينبني وبهما قوامه، وهما يُمدان سائر الأعمال القلبية والبدنية، وعنهما تصدر، وبضعفهما يكون ضعف الأعمال، وبقوتهما تقوى الأعمال، وجميع منازل السائرين إنما تُفتتح بالمحبة واليقين، وهما يثمران كل عمل صالح، وعلم نافع، وهدى مستقيم" انتهى من "مدارج السالكين" 2/397 . واليقين على ثلاثة أوجه ، ذكرها أبو بكر الوراق : يقين خبر ، ويقين دلالة ، ويقين مشاهدة . قال ابن القيم رحمه الله : " يريد بيقين الخبر : سكون القلب إلى خبر المخبِر، وتَوَثُّقُة به . وبيقين الدلالة : ما هو فوقه ، وهو أن يقيم له ، مع وثوقه بصدقه : الأدلة الدالة على ما أخبر به ، وهذا كعامة أخبار الإيمان والتوحيد والقرآن ، فإنه سبحانه مع كونه أصدق الصادقين ، يقيم لعباده الأدلة والأمثال والبراهين على صدق أخباره ، فيحصل لهم اليقين من الوجهين : من جهة الخبر ، ومن جهة الدليل . فيرتفعون من ذلك إلى الدرجة الثالثة ، وهي يقين المكاشفة- المشاهدة ، بحيث يصير المخبَر به لقلوبهم ، كالمرئي لعيونهم ؛ فنسبة الإيمان بالغيب حينئذ إلى القلب : كنسبة المرئي إلى العين . وهذا أعلى أنواع المكاشفة ، وهي التي أشار إليها عامر بن عبد قيس في قوله : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا . وليس هذا من كلام رسول الله ولا من قول علي كما يظنه من لا علم له بالمنقولات " انتهى من "مدارج السالكين" 2/400 . فإنه سبحانه مع كونه أصدق الصادقين ، يقيم لعباده الأدلة والأمثال والبراهين على صدق أخباره .مثاله: وقوله تعالى "لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ "الأنبياء/22.قوله تعالى" أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ"الملك: 21. قال ابن القيم -رحمه الله "ومن كمال فطنة العبد ومعرفته أن يعلم أنه إذا مسه الله بسوء لم يرفعه عنه غيره وإذا ناله بنعمة لم يرزقه إياها سواه" إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان:1/34. "مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَه إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىظ° بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ "91. أي : لو قُدر تعدد الآلهة ، لانفرد كل منهم بما يخلق ، فما كان ينتظم الوجود . والمشاهد أن الوجود منتظم متسق ، كل من العالم العلوي والسفلي مرتبط بعضه ببعض ، في غاية الكمال " مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ" الملك :3.تفسير ابن كثير. ولا يُتصور أن ينتظم هذا الانتظام المدهش للعقول، واعتبر ذلك بالشمس والقمر، والكواكب الثابتة، والسيارة، فإنها منذ خُلقت، وهي تجري على نظام واحد، وترتيب واحد، كلها مسخرة بالقدرة، مُدَبَّرَة بالحكمة لمصالح الخلق كلهم، ليست مقصورة على مصلحة أحد دون أحد، ولن ترى فيها خللا ولا تناقضًا، ولا معارضة في أدنى تصرف، فهل يُتصور أن يكون ذلك، تقدير إلهين رَبَّيْنِ؟"تفسير السعدي. سبيل تحصيل اليقين يحتاج إلى مقامين : مقام الرسوخ في العلم النافع ، بكثرة النظر والبحث فيه ، والنظر في شواهده ودلائله الصحيحة . ثم بذل الوسع في فعل المأمور ، والمجاهدة والمصابرة عليه ، واجتناب المنهي عنه ، حتى تتزكى النفس ، وتتخلص من حظوظها ويسلم القلب ويصفو ويزداد الإيمان حتى يبلغ مرتبة اليقين . وأعظم أبواب تحصيل اليقين : العنايةُ بكلامِ ربِّ العالمينَ ، تلاوةً ، وتدبرًا ، وعلمًا ، وعملًا . قال محمد رشيد رضا : " وَاعْلَمْ أَنَّ قُوَّةَ الدِّينِ وَكَمَالَ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ لَا يَحْصُلَانِ إِلَّا بِكَثْرَةِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَاسْتِمَاعِهِ، مَعَ التَّدَبُّرِ بِنِيَّةِ الِاهْتِدَاءِ بِهِ وَالْعَمَلِ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ. فَالْإِيمَانُ الْإِذْعَانِيُّ الصَّحِيحُ : يَزْدَادُ وَيَقْوَى وَيَنْمَى ، وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ آثَارُهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَتَرْكِ الْمَعَاصِي وَالْفَسَادِ = بِقَدْرِ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، وَيَنْقُصُ وَيَضْعُفُ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ مَنْ تَرَكَ تَدَبُّرَهُ، وَمَا آمَنَ أَكْثَرُ الْعَرَبِ إِلَّا بِسَمَاعِهِ وَفَهْمِهِ، وَلَا فَتَحُوا الْأَقْطَارَ، وَمَصَّرُوا الْأَمْصَارَ، وَاتَّسَعَ عُمْرَانُهُمْ، وَعَظُمَ سُلْطَانُهُمْ، إِلَّا بِتَأْثِيرِ هِدَايَتِه " انتهى من "تفسير المنار" 9/463 .هنا- "ومَتِّعْنا بأسماعِنا وأبصارِنا وقوَّتِنا"، أي: اجعَلْنا مُنتفِعين بما أنعَمتَ علينا مِن نِعَمِ السَّمعِ والبصَرِ والقوَّةِ "ما أحيَيتَنا"، أي: مُدَّةَ بَقائِنا إلى أن نَموتَ. أي : بأن نستعملها في طاعتك . قال ابن الملك : التمتع بالسمع والبصر إبقاؤهما صحيحين إلى الموت . "واجعَلْه"، أي: اجعَلِ التَّمتُّعَ والانتِفاعَ بالسَّمعِ والبصَرِ والقوَّةِ "الوارِثَ منَّا"، أي: باقِيًا مُستمِرًّا بأنْ تكونَ صحيحةً وسليمةً إلى الموتِ، فكانت بمكانةِ الوارِثِ؛ لأنَّه هو مَن يَبْقى بعدَ وفاةِ مُورِّثِه. وإنما خص السمع والبصر بالتمتيع من الحواس لأن الدلائل الموصلة إلى معرفة الله وتوحيده إنما تحصل من طريقهما ؛ لأن البراهين إنما تكون مأخوذة من الآيات ، وذلك بطريق السمع ، أو من الآيات المنصوبة في الآفاق والأنفس ، فذلك بطريق البصر ، فسأل التمتع بهما حذرًا من الانخراط في سلك الذين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة . ولما حصلت المعرفة بالأوَّلَينِ -أي : السمع والبصر -، وترتب عليها- أي : على المعرفة بالله - العبادة ، سأل القوة ليتمكن بها من عبادة ربه ، قاله الطيبي . والمراد بالقوة : قوة سائر الأعضاء والحواس أو جميعها ، فيكون تعميمًا بعد تخصيص .لأن الضعف وسقوط القوة في الكبر يضرُّ الدين والدنيا مما لا يخفى. عن ابْن عُمَرَ ، قال : لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُ هَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ ، حِينَ يُمْسِي ، وَحِينَ يُصْبِحُ " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي ، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي ، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ ، وَمِنْ خَلْفِي ، وَعَنْ يَمِينِي ، وَعَنْ شِمَالِي ، وَمِنْ فَوْقِي ، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي " .وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" وغيره . "واجعَلْ ثأرَنا"، أي: اجعَلْ انتِقامَنا وطلَبَنا لحَقِّنا "على مَن ظلَمَنا" لا يتَعدَّاه فنُدرِكُه منه، ولا تَجْعَلْنا مُعتَدين على غَيرِنا فنَكونَ ظالِمين. "وانصُرْنا"، أي: وارزُقْنا الظَّفرَ "على مَن عادانا" تعميم بعد تخصيص أي اكتب لنا الظفر والفوز على مَن تَعدَّى علينا بغيرِ حقٍّ. "ولا تَجعَلْ مُصيبَتَنا في دينِنا"، أي: اللهمَّ لا تُصِبْنا بما يَنقُصُ دِينَنا من اعتقادِ سُوءٍ، وأكْلِ الحرامِ، أو فَترةٍ وكَسلٍ وتقصير في العبادةِ وغيرِ ذلك مِن المعاصِي المهلِكات، والمصيبةُ في الدِّينِ هي المصيبةُ الحقيقيَّةُ؛ لأنَّه إذا أُبقِيَ على دِينِ المرءِ فما فاتَه من الدُّنيا شيءٌ، وإذا ضاعَ الدِّينُ لم يَفُزْ بشيءٍ. فمصيبة الدين هي أعظم المصائب، التي لا تنجبر ولا يُعوِّض عنها، خلاف مصائب الدنيا. "ولا تَجعَلِ الدُّنيا أكبَرَ هَمِّنا"، أي: لا تجعَلْ أعظَمَ ما نَقصِدُه ونَهتَمُّ به ونَحزَنُ مِن أجلِه هو أمورَ الدُّنيا، فنَنشَغِلَ بها، وتُلهِيَنا عن العِبادةِ والطَّاعةِ. فإن من كان أكبر همه الدنيا كان في معزل عن الآخرة، بل اجعله مصروفًا في عمل الآخرة، وفي هذا دليل على أن القليل من الهمّ لابُدَّ منه في الدنيا ويُرخص فيه. "ولا مَبْلغَ"، أي: ولا تجعَلِ الدُّنيا مُنتهَى وغايةَ "عِلْمِنا"، أي: لا يَكونُ عِلمُنا كلُّه هو التَّفكُّرَ في أحوالِ الدُّنْيا؛ بحيثُ نَكونُ ناسينَ للآخِرَةِ. فلا تجعل أكثر علمنا وتفكيرنا في أحوال الدنيا كالكافرين، قال تعالى"يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ"الروم:7. "ولا تُسلِّطْ علينا مَن لا يَرحَمُنا "، أي: مِن القومِ الكافِرينَ، أو من الأُمراءِ الظَّالِمين، أو من السُّفهاءِ الجاهِلينَ؛ فلا تَجعَلْ لهؤلاءِ علَينا مِن سَبيلٍ أو سُلطانٍ، ولا تَجعلْنا مغلوبِينَ لهم، أو لا تَجعلِ الظالمِينَ حاكِمينَ علينا؛ فإنَّهم لا يَرحَمون الرَّعيةَ. وقيل: لا تُسلِّطْ علينا مَلائكةَ العَذابِ في القَبرِ والنَّارِ. وفي الحديثِ: الحِرصُ على مُلازَمةِ الطَّاعةِ. وفيه: الحِرْصُ على العِلمِ الَّذي يَنفَعُ في الآخِرَةِ. وفيه: الحثُّ على الدُّعاءِ الجامِعِ لخيرِ الدُّنيا والآخِرَةِ. الدرر.ومصادر أخرى. |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
(View-All) Members who have read this thread in the last 30 days : 0 | |
There are no names to display. |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
هنيئا لمن تاب الله عليه | مسلمة لله | روضة التزكية والرقائق | 5 | 22-03-11 09:00 PM |
هل ينتقض الوضوء بأكل لحم الإبل ؟ | مفكرة إسلامية | روضة الفقه وأصوله | 0 | 13-11-07 02:11 AM |