العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . أقسام العلوم الشرعية . ~ . > روضة العلوم الشرعية العامة > روضة العقيدة

الملاحظات


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-04-23, 04:35 AM   #1
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
Color

المجلس الخامس عشر
شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبيل
المتن:وإيَّاكَ ومُنَاظَرَةُ مَنْ أَحْدَثَ فِيهِ وَمَنْ قَالَ بِاللَّفْظِ وَغَيْرِهِ، وَمَنْ وَقَفَ فِيهِ فَقَالَ:لا أَدْرِي،مَخْلُوقٌ أَوْ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ، وإنمَا هُوَ كَلامُ اللهِ فَهَذَا صَاحِبُ بِدْعَةٍ، مِثْلَ مَنْ قَالَ:هُوَ مَخْلُوقٌ ،وإِنَّمَا هُوَ كَلامُ اللهِ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ.
الشرح:
وإيَّاكَ ومُنَاظَرَةُ مَنْ أَحْدَثَ فِيهِ: يحذر الإمام أحمد رحمه الله من مناظرة من يحدث ويبتدع في القول بخلق القرآن، فالحق أنه غير مخلوق. لا تجادل، إياك ومناظرة من أجدل فيه لا تجادل أهل الباطل؛ لأن الجدال والخصومات قد تؤدي إلى ما لا تُحْمَد عقباه، فلا تجادل أهل البدع، أبلغهم أن القرآن كلام الله ولا تجادل ..
وَمَنْ قَالَ بِاللَّفْظِ :يقصد الإمام من قال لفظي بالقرآن مخلوق ،هذه العبارة لا يجوز إطلاقها نفيًا ولا إثباتًا؛وإنما يفصل فيها، لأن اللفظ معنى مشترك بين التلفظ الذي هو فعل العبد، وبين الملفوظ به الذي هو القرآن.اللجنة الدائمة:من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو كلام مجمل يحتمل الحق والباطل، فالواجب أن يستفصل منه ويسأل عن قصده، فإن قصد باللفظ الصوت فهو صحيح، أما إن قصد بالملفوظ به وهو القرآن فهو باطل، وهو قول الجهمية والمعتزلة. فالواجب ترك هذا اللفظ المجمل، وأن يعتني المتكلِم بالتفصيل، حتى لا يقع فيما وقع فيه أهل البدع.وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. " فتاوي اللجنة الدائمة " المجموعة الثانية : 3 / 18 .
قال الشيخ محمد صالح بن عثيمين:
الكلام في هذا الفصل يتعلق بالقرآن فإنه قد سبق أن القرآن كلام الله غير مخلوق، لكن اللفظ بالقرآن هل يصح أن نقول: أنه مخلوق، أو غير مخلوق، أو يجب السكوت؟
فالجواب أن يقال: إن إطلاق القول في هذا نفيًا أو إثباتًا غير صحيح، وأما عند التفصيل فيقال:إن أريد باللفظ التلفظ الذي هو فعل العبد فهو مخلوق، لأن العبد وفعله مخلوقان، وإن أريد باللفظ الملفوظ به فهو كلام الله غير مخلوق، لأن كلام الله من صفاته، وصفاته غير مخلوقة، ويشير إلى هذا التفصيل قول الإمام أحمد رحمه الله " من قال لفظي بالقرآن مخلوق يريد به القرآن فهو جهمي " فقوله: يريد به القرآن يدل على أنه إن أراد به غير القرآن وهو التلفظ الذي هو فعل فليس بجهمي. والله أعلم. "مجموع فتاوي بن عثيمين " 4 / 65 . حق المتسنن ، أي الذي يعمل ويتبع السنة أن يَدَعه، أي يترك هذا اللفظ، فلا يقول: لفظي بالقرآن مخلوق ولا غير مخلوق، فيترك هذا اللفظ ولا يتفوه به ولا بمثله، ويقتصر على ما قاله السلف من الأئمة المُتّبعَة، من العلماء والأئمة الذين قالوا: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق. ولا يزيد، لا يقول: لفظي بالقرآن مخلوق ولا غير مخلوق، ولا يزيد عليه إلا أنه يُكَفِّر من قال بخلق القرآن.الشيخ الراجحي.
*وَمَنْ وَقَفَ فِيهِ فَقَالَ: لا أَدْرِي،مَخْلُوقٌ أَوْ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ:
وأيضًا لا نناظر هؤلاء الوقفية المبتدعة الذين توقفوا وقالوا لا ندري القرآن مخلوق أو ليس بمخلوق ،فهؤلاء الوقفية أصحاب بدعة مثل من قال:هُوَ مَخْلُوقٌ.والحق أنه كلام الله كما قال الإمام أحمد :
*
وإِنَّمَا هُوَ كَلامُ اللهِ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ.

المتن:وَالإِيمَانُ بِالرُّؤْيَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ كَمَا رُوِيِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ.
وأَنَّ النَّبِيَّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قَدْ رَأَى رَبَّهُ،فَإِنَّهُ مَأْثُورٌعَنْ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِيحٌ،-قَدْ-رَوَاهُ قَتَادَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،وَرَوَاهُ الحَكَمُ بنُ أَبَانَ عَن عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،وَرَوَاهُ عَلِيٌّ بنُ زَيْدٍ عَنْ يُوسُفَ بنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
الشرح:
سبق الكلام في الرؤية والإيمان بالرؤية يوم القيامة يعني رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، يعني من عقيدة أهل السنة والجماعة ومن أصول السنة عند أهل السنة الإيمان بالرؤية يوم القيامة، يعني برؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، وأن المؤمنين يرون ربهم كما يرون القمر ليلة البدر، فالمؤمن يرى ربه بعيني رأسه، يراه من فوقه، ترون ربكم كما ترون القمر، ونحن نرى القمر من فوقنا، فنحن نرى الله من فوقنا ترون ربكم كما ترون القمر هذا تشبيه للرؤية بالرؤية، وليس تشبيها للمرئي بالمرئي، ليس تشبيها لله بالقمر، الله لا يشبه أحدا من خلقه، وإنما تشبيه للرؤية يعني ترون ربكم رؤية واضحة من فوقكم كما ترون القمر رؤية واضحة من فوقكم، وليس المراد أن الله مثل القمر تعالى الله.
فالمعتقدُ الصحيحُ ما أجمعَ عليه أهلُ الحقِّ واتفقَ عليه أهلُ التوحيد والصِّدْقِ أنّ اللهَ تعالى يراه المؤمنون بأبصارهم كما يرون القمرَ ليلةَ البَدْرِ.
فنصوص الرؤية وردت في الكتاب العزيز وفي السنة المطهرة. ففي الكتاب العزيز: قال الله تعالى"وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" سورة القيامة آية رقم:22 - 23 .
"وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ"سورة القيامة ؛ آية رقم:22.أي: حسنة بهية، لها رونق ونور، مما هم فيه من نعيم القلوب، وبهجة النفوس، ولذة الأرواح.
"
إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ" أي: تنظر إلى ربها ....فيتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم، وجماله الباهر، الذي ليس كمثله شيء، فإذا رأوه نسوا ما هم فيه من النعيم وحصل لهم من اللذة والسرور ما لا يمكن التعبير عنه، ونضرت وجوههم فازدادوا جمالًا إلى جمالهم، فنسأل الله الكريم أن يجعلنا معهم.تفسير الشيخ السعدي رحمه الله .
قال سبحانه"لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ"سورة يونس ؛ آية رقم:26. جاء في صحيح مسلم في حديث صهيب تفسير الزيادة بأنها النظر إلى وجهه الكريم.

"في قولِه تعالى " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ " قالَ : إذا دخلَ أَهْلُ الجنَّةِ الجنَّةَ نادى مُنادٍ : إنَّ لَكُم عندَ اللَّهِ موعِدًا يريدُ أن يُنْجِزَكموهُ ، قالوا : ألَم يبيِّض وُجوهَنا ويُنْجِنا منَ النَّارِ ويدخِلَنا الجنَّةَ ؟ قالَ : فيُكْشفُ الحجابُ قالَ : فواللَّهِ ما أعطاهمُ شيئًا أحبَّ إليهم منَ النَّظرِ إليهِ ."الراوي : صهيب بن سنان - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي- الصفحة أو الرقم: 3105 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر-
ومنها:حديث جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- الذي رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي
"كُنَّا عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذْ نَظَرَ إلى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، فَقَالَ: أما إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كما تَرَوْنَ هذا، لا تُضَامُّونَ - أوْ لا تُضَاهُونَ - في رُؤْيَتِهِ فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ لا تُغْلَبُوا علَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِهَا، فَافْعَلُوا ثُمَّ قَالَ" وسَبِّحْ بحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِهَا "طه: 130.الراوي : جرير بن عبدالله - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 573 - خلاصة حكم المحدث : صحيح

وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ جَريرُ بنُ عَبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم كانوا عِندَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فنَظَرَ إلى القَمَرِ لَيلةَ البَدرِ، وهي لَيلةُ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهرِ الهِجريِّ، فقال: إنَّكم -أيُّها المُؤمِنونَ- ستُرَونَ رَبَّكم يَومَ القيامةِ كما تَرَوْنَ هذا القَمَرَ رُؤيةً مُحقَّقةٌ لا شَكَّ فيها، وقوله"لا تَضامُّونَ" رُوِيَ بفَتحِ التاءِ والميمِ المُشدَّدةِ، ومَعناه: لا يَنضَمُّ بَعضُكم إلى بَعضٍ في وَقتِ النَّظَرِ، كما تَفعَلونَ في وَقتِ النَّظَرِ لإشكالِه وخَفائِه كما تَفعَلون عندَ النَّظَرِ إلى الهلالِ ونحْوِه، ويُروَى"تُضامُونَ" بضَمِّ التَّاءِ وتَخفيفِ المِيمِ، أيْ: لا يُصيبُكم ظُلمٌ في رُؤيَتِه ولا تَعَبٌ، فلا يَراه بَعضُكم دُونَ بَعضٍ، بل كُلُّكم تَشتَرِكونَ في الرُّؤيةِ، ويُروَى"تُضامُّونَ" بضَمِّ التاءِ وتَشديدِ الميمِ، أي: لا تَتزاحمون ولا تَختلِفون.ثمَّ حَثَّهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقولِه"فإنِ استَطَعتُم ألَّا تُغلَبوا"، بأنْ يَكونَ لكمُ استِعدادٌ لِتَلافي أسبابِ الغَلَبةِ التي تُنافي الاستِطاعةَ؛ مِن نَومٍ، أو الاشتِغالِ بالأشياءِ التي تَمنَعُ عنِ الصَّلاةِ، فلا تَغفُلوا عن صَلاةٍ قَبلَ طُلوعِ الشَّمسِ، وهِيَ الفَجرُ، وقَبلَ غُروبِها، وهي العَصرُ، فافعَلوا؛ يَعني: أنْ تُصَلُّوا هاتَيْنِ الصَّلاتَيْنِ في هَذَيْنِ الوَقْتَيْنِ، ثمَّ قَرأَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ"ق: 39.وفي الحَديثِ: فَضلُ أداءِ صَلاتَيِ الصُّبحِ والعَصرِ.

المتن:وَالحَدِيثُ عِنْدَنَا عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَالكَلامُ فِيهِ بِدْعَةٌ،وَلَكِنْ نُؤْمِنُ بِهِ كَمَا جَاءَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلا نُنَاظِرُ فِيهِ أَحَدًا.
الشرح:
سبق وقال الإمام أحمد:ومَنْ لَمْ يَعْرِفْ تَفْسِيْرَ الحَدِيثِ ويَبلُغْهُ عَقْلُهُ؛ فَقَد كُفِيَ ذَلِكَ وأُحْكِمَ لَهُ،فَعَلَيْهِ الإِيمَانُ بِهِ وَالتَّسْلِيمُ لَهُ.
الشرح: أي من لم يعرف تفسير شيء من هذه الأحاديث ، فقد كفاه الله ذلك بأن لا يبحث عنها-فليس مطلوب منه البحث والتنقيب عن ما قصر عليه عقله ؛ وإنما يجب عليه أن يؤمن وأن يسلم بها ، فلا يجوز للعقل الإنساني أن يتعمق فيها بالبحث لأنه لا يستطيع استيعابها .مثل أحاديث القدر.ويجب إجراء نصوص القرآن والسنة على ظاهرها دون تحريف لاسيما نصوص الصفات حيث لا مجال للرأي فيها.يقصد بظاهر النصوص مدلولها المفهوم بمقتضى الخطاب العربي.ودليل ذلك: السمع، والعقل أما السمع: فقوله تعالى" نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ "الشعراء:193. وقوله" إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"يوسف:2. وقوله" إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"الزخرف:3.وهذا يدل على وجوب فهمه على ما يقتضيه ظاهرُهُ باللسان العربي إلا أن يمنع منه دليل شرعي وقد ذم الله تعالى اليهود على تحريفهم، وبيَّن أنهم بتحريفهم من أبعد الناس عن الإيمان فقال" أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ "البقرة:75. وقال تعالى"مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا"النساء:46. الآية.
وأما العقل: فلأن المتكلم بهذه النصوص أعلم بمراده من غيره، وقد خاطبنا باللسان العربي المبين فوجب قبوله على ظاهره وإلا لاختلفت الآراء وتفرقت الأمة .
والمراد بالظاهر: الظاهر الشرعي، وذلك بإثبات الصفات الواردة في الكتاب والسنة على حقيقة الإثبات، وتنزيه الخالق عن مشابهة الخلق له في تلك الصفات ، مع قطع الطمع عن إدراك الكيفية – ... – وبهذا يعلم أن معاني نصوص الصفات مفهومة، وأن إدراك كيفية الصفات شيء ممتنع. فما يتبادر إلى الذهن من المعاني الشرعية هو المراد بالظاهر.
وأما ترك التحريف، فالمراد به عدم التسلط على نصوص الصفات بصرف معانيها المتبادرة بأصل الوضع أو السياق إلى معاني أخرى غير متبادرة، وهذا الذي يسميه أهله تأويلًا،. .... الدرر-

ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني، وهو يختلف بحسب السياق؛ وما يضاف إليه الكلام، فالكلمة الواحدة يكون لها معنى في سياق، ومعنى آخر في سياق. وتركيب الكلام يفيد معنى على وجه ومعنى آخر على وجه.
*مثال ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني بحسب "ما يضاف إليه الكلام"
تقول: صنعت هذا بيدي- هنا أُضيفت اليد للمخلوق-
فلا تكون اليد كاليد في قوله تعالى"لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ"سورة ص: 75.
وإذا قلت جاءني طالب علم كبير ؛وأنا أوزع كُتُبًا فقال أنا أريدُ كتبًا فقلتُ لوكيلي على المخزن؛ أعطه مايليقُ به، وعنده الفتاوى والمُغني والمهذَّب وكتب السنة إيش يعطيه؟ يعطيه كل هذا لأنه طالب علم.وجاءني واحد في الابتدائي؛ طلب كتبًا فقلتُ لوكيلي أعطيه مايليقُ به إيش يعطيه؟ يُعطيه من الأشياء الصغيرة هذا مايليق به. كلمة مايليق به لفظها واحدٌ لكن اختلفت بسحب ما أضيفت إليه و لا بحسب السياق. السياق واحد"أعطيه مايليقُ به"فاختلفت بحسب ما أضيفت إليه.فالذي يليق بهذا غير الذي يليق بهذا.
*مثال ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني بحسب "السياق" لفظ القرية معناه يختلف بختلاف السياق فلفظ "القرية"، يراد به القوم تارة، ومساكن القوم تارة أخرىبحسب السياق:
قوله تعالى"وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا" الإسراء 58.
قَرْيَةٍ : في هذا السياق يكون المعنى المتبادر للذهن لهذا اللفظ " القوم"أي أهلها لأن القرى التي هي المساكن ماتُعذب الذي يُعذب الساكن دون المساكن،فالسياق يقتضي أن ظاهر النص المراد به الأهل وليس المساكن.
ومن الثاني قوله تعالى عن الملائكة ضيف إبراهيم"إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَة"العنكبوت: 31.الْقَرْيَة في هذا السياق يكون المعنى المتبادر للذهن لهذا اللفظ " المساكن وليس القوم .

أي أهل هذه المساكن لأنه قال"أهل"فلا يمكن أن يُراد بالقريةِ هنا أهلها لأننا لو قلنا المرادُ بالقريةِ أهل القرية لكان التركيب إنا مُهلكوا أهل هذه الأهل. ماتستقيم.
*مثال ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني بحسب "التركيب"
ماعندك إلا زيد، ومازيد إلا عندك،
-
ماعندك إلا زيد المعنى لايوجد أحد عندك إلا زيد فقط،حصر في الكائن ،أي ليس عندك أحد سوى زيد.
- ومازيد إلا عندك المعنى زيد غير موجود في أي مكان إلا عندك ولكن هذا لا يمنع أن يكون عندك أحد آخر غير زيد في وجود زيد.أي زيد غير موجود في مكان آخر أي ينفي أن يكون زيدٌ في مكان آخر ، لكن ماينفي أن غيره عندك ؛فهنا الحصر في المكان .فتفيد الجملة الثانية معنى غير ما تفيده الأولى مع اتحاد الكلمات، لكن اختلف التركيب فغير المعنى به.القوعد المثلى للعثيمين -
أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-04-23, 06:46 PM   #2
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
Mmm

المجلس السادس عشر
شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبيل
*وَالإِيمَانُ بِالمِيزَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ،كَمَا جَاءَ -يُوزَنُ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَلا يَزِنُ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ -،وَتُوزَنُ أَعْمَالُ العِبَادِ كَمَا جَاءَ في الأَثَرِ،وِالإيمَانُ بِهِ والتَّصْدِيقُ - بِهِ-وَالإعْرَاضُ عَنْ مَنْ رَدَّ ذَلِكَ وَتَرْكُ مُجَادَلَتِهِ.
الشرح:

إذا تمت محاسبة العباد على أعمالهم ، أُعطى كل عبد كتابه المشتمل على أعماله كلها.
فأما المؤمن فيعطاه بيمينه تكرمة له ، وهو الناجي المسرور يوم القيامة قال الله تعالى "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ* فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا *وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا " القيامة /7-9 .
أما الكافر والمنافق وأهل الضلال فيعطون كتبهم بشمالهم من وراء ظهورهم قال الله تعالى " وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ* فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا *وَيَصْلَى سَعِيرًا" القيامة/10-12 . نسأل الله العافية لنا ولكم.
ثميوضع الميزان لوزن أعمال العباد، قال القرطبي " فإذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال ، لأن الوزن للجزاء ، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة ، فإن المحاسبة لتقدير الأعمال ، والوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها " اهـ .
وقد دلت النصوص الشرعية على أن الميزان ميزان حقيقي له كِفَّتان ، توزن به أعمال العباد . وهو ميزان عظيم لا يقدر قدره إلا الله تعالى
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللَّهَ يَسْتَخْلِصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ هَذَا، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ:بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، وَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَيُخْرِجُ بِطَاقَةً فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ، قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ، وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ، وَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ "الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 2639 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
"إنَّ اللهَ سيُخلِّصُ"، أي: يُميِّزُ ويَخْتارُ، "رجُلًا مِن أمَّتي على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ"، أي: يُنادَى به لِيُحاسَبَ، "فيَنشرُ عليه"، أي: فيَفتَحُ ويَعرِضُ عليه، "تِسعةً وتِسعين سِجلًّا"، أي: كُتبَ وصَحائِفَ أعمالِه السَّيِّئةِ الَّتي كان يَعمَلُ بها في الدُّنيا، "كلُّ سِجلٍّ مِثلُ مَدِّ البصَرِ"، وهذا بيانٌ لِمِقدارِ طولِ وعَرضِ السِّجلِّ، "ثمَّ يقولُ"، أي: اللهُ عزَّ وجلَّ لهذا الرَّجلِ"أتُنكِرُ مِن هذا"، أي: مِن المكتوبِ في تلك السِّجِلَّاتِ،"شيئًا؟"،أي: هل تَجِدُ فيها شيئًا لم تَفعَلْه؟ "أظَلَمَك كتَبَتي الحافِظون؟"، والمرادُ الملائكةُ الحفَظةُ الكتَبةُ لكلِّ إنسانٍ في الدُّنيا، فيقولُ الرَّجلُ"لا يا ربِّ"، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ"أفَلَك عُذرٌ؟"، أي: ألَك عُذرٌ تُعذَرُ به ممَّا قدَّمتَ مِن أعمالٍ سيِّئةٍ في الدُّنيا، أو لك مِن الحسناتِ الَّتي قد تَغفِرُ لك مِن بعضِ تلك الأعمالِ؟ فيقولُ الرجلُ"لا يا ربِّ"، أي: ليس له عذرٌ، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ"بلى، إنَّ لك عِندَنا حسَنةً"، أي: لك حسَنةٌ لم تَظهَرْ بتلك السِّجلَّاتِ،"وإنَّه لا ظُلمَ عليك اليومَ"، أي: إنَّ اليومَ يومٌ يُحاسَبُ فيه المرءُ دونَ ظُلمٍ يقَعُ عليه أو أن يُبخَسَ في حقِّه.
قال "فيُخرِجُ بِطاقةً"، أي: صَحيفةً صغيرةً، وهذا إشارةٌ إلى المفارَقةِ الَّتي بينَها وبينَ السِّجلَّاتِ، مكتوبٌ "فيها: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأشهَدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه"، قيل: هي كَلمةُ التَّوحيدِ الَّتي آمَن بها وأوَّلُ نُطقِه لها، وقيل: إنَّها الوحيدةُ الَّتي جاءَت مَقبولةً عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، فيَقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ "احضُرْ وزنَك"، أي: ميزانَك الَّذي يَزِنُ لك سِجلَّاتِك الَّتي بها عمَلُك السَّيِّئُ وضَعْ فيه تلك البطاقةَ، فيقولُ الرَّجلُ "يا ربِّ، ما هذه البطاقةُ؟! ما هذه السِّجلَّاتُ؟!"، أي: يَتعجَّبُ الرَّجلُ بمُقارنَتِه بينَ وزنِ تلك البطاقةِ الصَّغيرةِ وبينَ عِظَمِ السِّجلَّاتِ الَّتي نُشِرَت له، فقال اللهُ عزَّ وجلَّ"فإنَّك لا تُظلَمُ"، أي: لن يقَعَ عليك ظلمٌ، إشارةً إلى أنَّ الأعمالَ كلَّها ستُعرَضُ على الميزانِ حتَّى وإن كانت قليلةً.
قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "فتُوضَعُ"، أي: في الميزانِ، "السِّجلَّاتُ في كِفَّةٍ، والبطاقةُ في كِفَّةٍ؛ فطاشَت"، أي: خَفَّت الكِفَّةُ الَّتي بها "السِّجلَّاتُ، وثَقُلت"، أي: ووُزِنَت الكِفَّةُ الَّتي بها "البِطاقةُ، ولا يَثقُلْ مع اسمِ اللهِ شيءٌ"، أي: إنَّ ثِقلَ كلمةِ التَّوحيدِ أكبرُ وأعظمُ من أن يَبلُغَها ويُساوِيَها شيءٌ في الميزانِ، فلا يَرجُحُ ولا يَغلِبُ "مع اسمِ اللهِ شيءٌ"، ولا يُقاوِمُه شيءٌ من المعاصي، بل يتَرجَّحُ ذِكرُ اللهِ تعالى على جميعِ المعاصي.
ويَحتمِلُ أنْ يوزَنُ السِّجلُّ الَّذي كُتِب فيه الأعمالُ، وهذا يَختَلِفُ باختلافِ الأحوالِ، أو أنَّ اللهَ يُجسِّمُ الأفعالَ والأقوالَ، فتُوزَنُ فتَثقُلُ الطَّاعاتُ وتَطيشُ السَّيِّئاتُ؛ لثِقَلِ العبادةِ على النَّفسِ وخفَّةِ المعصيةِ عليها؛ ولذا ورَد "حُفَّت الجنَّةُ بالمكارهِ، وحُفَّت النَّارُ بالشَّهواتِ"،والواجبُ هو الإيمانُ بأنَّ اللهَ يُقيمُ الميزانَ بالقِسْطِ والعدلِ، وبالكيفيَّةِ الَّتي يَشاؤُها سبحانه، ولا تُقاسُ أمورُ الآخرةِ بأمورِ الدُّنيا.
*حقيقة الموزون يوم القيامة :
ومع وضوح قيام الوزن كإحدى الحقائق الغيبيّة التي وردت بها النصوص، وأجمع السلف عليها، إلا أن خلافًا قد ورد بينهم حول طبيعة ما سيوضع في تلك الموازين وفقًا لبعض الألفاظ الواردة فيما يوزن فيها، وكانت أقوال أهل العلم على النحو الآتي:
القول الأول:أن الله تعالى يضع في الموازين أعمال العباد، فهي وإن كانت معانٍ مجرّدة، إلا أن الله تعالى –وهو القادر على كل شيء-، يحوّلها إلى أجسامٍ حقيقيّة، فتوضع الحسنات في إحدى كفّتي الميزان، والسيئات في الكفّة الأخرى.
والدلائل على وزن الأعمال يوم القيامة كثيرةٌ جدًا، منها قوله تعالى"فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ"المؤمنون: 102-103.
ويدل على وزن الأعمال ما صح عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ"مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاةِ" صحيح سنن الترمذي 1629.
القول الثاني:أن العامل نفسه يوزن كذلك، فيكون مقياس تفاضلهم في الميزان على الأعمال لا على الأبدان، فيثقل المرء بثقل أعماله، ويخفّ بخفّتها وقلّتها.
واستدلّ القائلون لهذا القول بحديث أبي هريرة رضي الله عنه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَقَالَ اقْرَءُوا" فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا" رواه البخاري 4729 .

وكذلك يدل عليه ما ثبت من أن ابْنِ مَسْعُودٍ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنَ الأَرَاكِ وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" مِمَّ تَضْحَكُونَ" قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ فَقَالَ" وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ" حسن إسناده الألباني في شرح الطحاوية برقم 571 ص 418 .
نسأل الله تعالى أن يثقل موازيننا .
بعد هذه الأقوال يمكن أن نتساءل: ما الذي يوضع في الميزان يوم القيامة؟ والجواب هو بالعودة إلى المعنى الذي تمّ ذكره في بداية الموضوع، بأن المقصود من وضع الموازين هو بيان أثر الأعمال في نجاة الشخص أو خسارته يوم القيامة، فوزن الأعمال هو الأصل في ذلك، ولا إشكال في كونِ الأعمال الموزونة أصلها معانٍ، فالله القادر على كلّ شيء، وسعت قدرتُه في تحويل المعاني إلى أجسامٍ لها وزن، وقد ضرب الله لنا مثلاً بتحويل الموت إلى كبشٍ يوم القيامة ثم يُذبح بين الجنّة والنار –كما ثبت في الحديث الصحيح-.
"يُؤْتَى بالمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أمْلَحَ، فيُنادِي مُنادٍ: يا أهْلَ الجَنَّةِ، فَيَشْرَئِبُّونَ ويَنْظُرُونَ، فيَقولُ: هلْ تَعْرِفُونَ هذا؟ فيَقولونَ: نَعَمْ، هذا المَوْتُ، وكُلُّهُمْ قدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنادِي: يا أهْلَ النَّارِ، فَيَشْرَئِبُّونَ ويَنْظُرُونَ، فيَقولُ: وهلْ تَعْرِفُونَ هذا؟ فيَقولونَ: نَعَمْ، هذا المَوْتُ، وكُلُّهُمْ قدْ رَآهُ، فيُذْبَحُ ثُمَّ يقولُ: يا أهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فلا مَوْتَ، ويا أهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فلا مَوْتَ، ثُمَّ قَرَأَ"وَأَنْذِرْهُمْ يَومَ الحَسْرَةِ إذْ قُضِيَ الأمْرُ وهُمْ في غَفْلَةٍ"، وهَؤُلاءِ في غَفْلَة أهْلُ الدُّنْيا "وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ"الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 4730 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
ولا إشكال في إمكانِ وزنِ العاملين يوم القيامة فقد وردت النصوص السابقة في حقّهم، إلا أنه يبدو -والله أعلم- أنهم في الغالب لن يوزنوا يوم القيامة، بمعنى: لن يوضع كلّ مكلّفٍ في الميزان فيُوزن مع عمله، لأن المقصود الأعظم من وضع الميزان هو إجراء التفاضل بين الأعمال، وبالأعمال يظهر حال المكلّف ويتحدّد مصيره، أما النصوص التي ذكرتْ وزن الرجل العظيم وبأنه لا يزن عند الله جناح بعوضة، فليس صريحًا في كون المكلّفين جميعًا يوضعون في الميزان كما توضع الأعمال، بل إن سياق الحديث يبيّن معنى حقارةِ قدره، فلا يُعتدّ به، ولا يكون له عند الله منزلة، فكأنّه بيانٌ عن حالةٍ تبيّن طبيعة الوزن، لا أنها تُثبت حقيقته وحصوله كحالةٍ مستقرّة.
قال السفاريني" هذا ضربه النبي -صلى الله عليه وسلم- مثلًا للذي يغترّ ببعض الأجسام، وهو كنايةٌ عن عدم اكتراث الله بالأجساد؛ فإن الله لا ينظر إلى الصور، وإنما ينظر إلى الأعمال والقلوب.
قال صلى الله عليه وسلم"إنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وأَمْوالِكُمْ، ولَكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ وأَعْمالِكُمْ."الراوي : أبو هريرة - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم.
فكم من جسمٍ وسيمٍ وهو عند الله من أصحاب الجحيم، فهذا محمل الحديث الصحيح".

"إنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وأَمْوالِكُمْ، ولَكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ وأَعْمالِكُمْ."، فَاللهُ سبحانه وتعالى لا ينظرُ إلى أَجسامِ العباد؛ هلْ هي كبيرةٌ أو صغيرةٌ، أو صحيحةٌ أو سقيمةٌ، ولا ينظرُ إلى الصُّورِ؛ هل هي جميلةٌ أو ذميمةٌ؛ كلُّ هذا ليس بِشيءٍ عندَ اللهِ، وكذلكَ لا يَنظرُ إلى الأنسابِ؛ هلْ هي رفيعةٌ أو دنيئةٌ، ولا ينظرُ إلى الأموالِ ولا ينظرُ إلى شيءٍ مِن هذا أبدًا، لَيسَ بَيْنَ اللهِ وبَيْنَ خلْقِه صلةٌ إلا بِالتَّقْوى؛ فمَنْ كان للهِ أتقى كان مِنَ اللهِ أقربَ وكان عندَ اللهِ أكرمَ؛ إذَنْ فعلى المَرْءِ ألَّا يَفخرَ بِمالِه ولا بِجَمالِه ولا بِبدنِه ولا بِأولادِه ولا بِقُصوره ولا بِسيَّارتِه، ولا بِشيءٍ مِن هذه الدُّنْيا أبدًا، إنَّما إذا وفَّقه اللهُ لِلتَّقوى؛ فهذا مِن فضلِ اللهِ عليه؛ فَلْيحمدِ اللهَ عليه، وإنْ خُذِلَ فلا يَلومَنَّ إلَّا نفْسَه.الدرر السنية.
وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه فكذلك، فنصّ الحديث"لهما أثقل في الميزان من أحد"فلو وُزن ابن مسعودٍ رضي الله عنه يوم القيامة لكان وزنُ ساقيه تثقلان على جبل أحد، وما كان ثقلهما إلا بسبب فعل صاحبهما من الحسنات الكثيرة التي بسببها فاقت وزن جبلٍ كامل، أما القدر الزائد من الفهم، وهو أن العاملين سيوزنون مع أعمالهم، فيحتاج إلى نصٍّ أكثر وضوحًا، كمثل الحديث الذي رواه أحمد، وقد تقدّم، وفيه"توضع الموازين يوم القيامة، فيؤتى بالرجل، فيوضع في كفة" فهو نصٌّ في بابه، إلا أن الحديث فيه ضعفُ من جهة راويه أبي لهيعة.
والحق أن القول بوزنِ العاملين له قوّة، وقال به عددٌ كبير من العلماء، إلا أن القول بوزن الأعمال فقط هو الأظهر، وهو رأي السفاريني والقرطبي وابن عبد البر وغيرهم، ومن المعاصرين الشيخ ابن عثيمين، والعلم عند الله تعالى.
-هنا -
*وَالإِيمَانُ بِالمِيزَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ،كَمَا جَاءَ -يُوزَنُ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَلا يَزِنُ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ -،وَتُوزَنُ أَعْمَالُ العِبَادِ كَمَا جَاءَ في الأَثَرِ،وِالإيمَانُ بِهِ والتَّصْدِيقُ - بِهِ-وَالإعْرَاضُ عَنْ مَنْ رَدَّ ذَلِكَ وَتَرْكُ مُجَادَلَتِهِ.
يعني يجب على المسلم الإيمان بالميزان والإيمان به يعني بالميزان والتصديق به والإعراض عمن رد ذلك، وترك مجادلته، من هو الذي رد ذلك؟ المعتزلة ردوا النصوص فلا نجادلهم ، لأن الجدال معهم عقيم ، كيف نجادل من رد النصوص ، لا نخاصم ولا نجادل ولكن نبين لهم النصوص، فإن قبلوها فالحمد لله وإن تركوها فلا نجادلهم؛ ولهذا قال: وَالإعْرَاضُ عَنْ مَنْ رَدَّ ذَلِكَ وَتَرْكُ مُجَادَلَتِهِ.
مقتبس من موقع حلقات جامع شيخ الإسلام ابن تيمية.
ينبغي على العبد المسلم أن يحرص أن يكون ميزانه ثقيلاً يوم القيامة؛ لأن هذا فيه الفلاح والنجاح، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان من دعاءه إذا أخذ مضجعه من الليل: باسم الله وضعت جنبي، اللهم اغفر لي ذنبي، وأخسئ شيطاني، وفك رهاني، وثقل ميزاني، واجعلني في الندي الأعلى[رواه الحاكم في المستدرك: 1982، وصححه الألباني صحيح الجامع الصغير: 4649] يعني: الملأ الأعلى.
قال المناوي: "بِسمِ اللهِ"، أي: مُستَعينًا باللهِ، ومستصحِبًا لقُدرتِه في حِفْظي، "وضَعتُ جَنْبي"، أي: باسمِ اللهِ وضَعتُ بدَني على الفِراشِ، وباسمِ اللهِ وضَعتُ جَنبي على حالٍ يُقوِّيني ويُمكِّنُني مِن عبادتِه، مصاحبًا لاسمِه أو متبرِّكًا به، "اللَّهمَّ اغفِرْ لي ذَنْبي"، ولعلَّ مَقصودَه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن ذلك تَعليمُ أمَّتِه التَّوبةَ مِن الذُّنوبِ وطلَبَ المغفرةِ مِن اللهِ؛ لأنَّ اللهَ قد غفَر له ما تقَدَّم مِن ذَنبِه وما تأخَّر، وناسَبَ أن يَختِمَ يومَه بسُؤالِ الغُفرانِ؛ فيَكونَ خَتْمُ صحيفةِ عمَلِه طلَبَ المغفرةِ.
"
وأَخْسِئْ شَيطاني"، أيِ: ادفَعْه بالذِّلَّةِ واطرُدْه عنِّي، "وفُكَّ رِهاني"، والرِّهانُ هو ما يُجعَلُ وثيقةً في الدَّينِ، والمرادُ: خلِّصْ نَفْسي مِن عِقالِ ذُنوبي، وخلِّصْ رقَبتي عن كلِّ حقٍّ عليَّ، ومن عقابِ ما اقتَرَفتُ مِن الأعمالِ الَّتي لا تَرْضاها بالعَفوِ عنها، أو خلِّصْها مِن ثِقَلِ التَّكاليفِ بالتَّوفيقِ للإتيانِ بها، والرِّهانُ مِن الحبسِ؛ لأنَّ نفسَ الإنسانِ مرهونةٌ ومحبوسةٌ بعَمَلِها؛ لقولِه تعالى"كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ"الطور: 21.
"
وهذا دعاء يجمع خير الدنيا والآخرة، فتتأكد المواظبة عليه كلما أُريد النوم، وهو من أجل الأدعية المشروعة عنده على كثرتها" فيض القدير: 1/225.
"ما مِن شيءٍ يوضَعُ في الميزانِ أثقلُ من حُسنِ الخلقِ ، وإنَّ صاحبَ حُسنِ الخلقِ ليبلُغُ بِهِ درجةَ صاحبِ الصَّومِ والصَّلاةِ"الراوي : أبو الدرداء - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي.
"ما مِن شيءٍ أثقلٌ في الميزانِ مِن حُسْنِ الخُلُقِ".الراوي : أبو الدرداء - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود.
في هذا الحديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: ما مِن شَيءٍ، أي: ما مِن ثَوابِ لِعملٍ من الأعمالِ، أثقلُ في الميزانِ، أي: عِندَما تُوزَن الحسناتُ، مِن حُسن الخلقِ؛ لأنَّه لا يقدِرُ عليه إلَّا أصحابُ العزائمِ القويَّةِ؛ فيُحسن خُلقَه مع اللهِ عزَّ وجلَّ بالرِّضا بقضاءِ اللهِ وقَدرِه، والصَّبرِ والحمدِ عندَ البَلاءِ، والشُّكرِ له عندَ النِّعمةِ والعطاءِ، ويكونُ حَسَنَ الخُلقِ مع الناسِ بكفِّ الأذى عنهم، وبَذْلِ العطاءِ لهم، وطلاقةِ الوَجهِ مع الصَّبرِ على آذاهم.الدرر.

"كَلِمَتانِ حَبِيبَتانِ إلى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتانِ علَى اللِّسانِ، ثَقِيلَتانِ في المِيزانِ: سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ، سُبْحانَ اللَّهِ العَظِيمِ."الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري .
وفي هذا الحديثِ: بيانُ سَعةِ رحمةِ اللهِ بِعبادِه، حيثُ يَجزي على العملِ القليلِ بِالثَّوابِ الجزيلِ.

عَنْ جُوَيْرِيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ فَقَالَ مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا قَالَتْ نَعَمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ"رواه مسلم :2726.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ"خَصْلَتَانِ أَوْ خَلَّتَانِ لَا يُحَافِظُ عَلَيْهِمَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ يُسَبِّحُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا وَيَحْمَدُ عَشْرًا وَيُكَبِّرُ عَشْرًا فَذَلِكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ وَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ وَيَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَيُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَذَلِكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ.." رواه أحمد :6616- وأبو داود:5065- والترمذي:3410- والنسائي:1331. وابن ماجه:926. وصححه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب

عَنْ أُبَيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ" مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ وَمَنْ تَبِعَهَا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِهِ مِنْ أُحُدٍ" رواه الإمام أحمد :20256- وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير

التعديل الأخير تم بواسطة أم أبي تراب ; 27-04-23 الساعة 07:01 PM
أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-04-23, 07:02 PM   #3
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
افتراضي

المجلس السابع عشر
شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبيل
* وَأَنَّ اللهَ-تَبَارَكَ وَتَعَالَى-يُكَلِّمُ العِبَادَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانُ،والإيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ.
الشرح:سبق وتكلمنا عن هذه الصفة - صفة الكلام -عند قول المؤلف:والقُرآنُ كَلامُ اللهِ ولَيْسَ بِمَخْلُوقٍ.
وصفة الكلام من الصفات التي ضل فيها كثير من الناس عن الصواب.
فصفة الكلام صفة ذاتية فعلية ،صفة ذاتية قائمة بذاته تعالى كأصل للصفة،لأن الله لم يزل ولا يزال متكلمًا أزلًا وأبدًا،لم يحدث له شيء من ذلك بعد أن لم يكن، ولن ينفك عن شيء منه، كما أن الله لم يزل حيًّا ولا يزال حيًّا، لم يزل عالمًا ولا يزال عالمًا.
وهي صفة فعل باعتبار أفراد وآحاد الكلام، لأن الكلام يتعلق بمشيئته سبحانه .
آحاد الكلام مثل قولِهِ تعالى "وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا" النساء/ 164.قال صلى الله عليه وسلم"يَحشُرُ اللهُ العبادَ أو قال يَحشُرُ اللهُ الناسَ قال وأوْمَى بيدِه إلى الشامِ ، عُراةً غُرْلًا بُهْمًا، قال قلتُ:ما بُهْمًا؟ قال: ليس معهم شيءٌ، فينادِي بصوتٍ يسمعُه من بَعُدَ كما يسمعُه من قَرُبَ أنَا الملِكُ أنَا الدَّيَّانُ لا ينبغي لأحدٍ من أهلِ الجنةِ أن يَدخلَ الجنةَ وأحدٌ من أهلِ النارِ يُطالبُه بمظلَمَةٍ ولاينبغي لأحدٍ من أهلِ النارِ أن يَدخلَ النارَ وأحدٌ من أهلِ الجنةِ يُطالبُه بمظلَمَةٍ. قالوا وكيف وإنَّا نأتي عُراةً غُرْلًا بُهْمًا؟ قال:بالحسناتِ والسيئاتِ"الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : الألباني - المصدر : تخريج كتاب السنة- الصفحة أو الرقم: 514 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر السنية.
فعلينا الإيمان والتصديق بأن الله جل في علاه يتصف بصفة الكلام أزلًا وأبدًا ،وهي صفة ذاتية كأصل لا تنفك عنه سبحانة، وباعتبار آحاد الصفة فهي صفة فعل ، ومن آحاد صفة الكلام: يُكَلِّمُ العِبَادَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانُ.كما دلت على ذلك النصوص الصحيحة الصريحة ، كما هو في الحديث السابق وذلك على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر للأدلة المثبِتَة لذلك.



*وَالإيمَانُ بِالحَوْضِ،وَأَنَّ لِرَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-حَوْضًَا يَوْمَ القِيَامِةِ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتُهُ،عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ مَسِيرَةُ شَهْرٍ،آنِيَتُهُ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ عَلَى مَا صَحَّتْ بِهِ الأَخْبَارُ مَنْ غَيْرِ وَجْهٍ،وَالإيمَانُ بِعَذَابِ القَبْرِ،وَأَنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُفْتَنُ في قُبُورِهَا وَتُسْأَلُ عَنِ الإيمَانِ وَالإِسْلامِ،وَمَنْ رِبُّهُ؟وَمَنْ نَبِيُّهُ؟،وَيَأْتِيهِ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ كَيْفَ شَاءَ اللهُ-عَزَّ وَجَلَّ-،وَكَيْفَ أَرَارَدَ،وَالإيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ.
الشرح
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى " قال القرطبي في المفهم تبعًا للقاضي عياض: مما يجب على كل مُكَلَّفٍ أن يعلمَهُ ويصدقَ به؛ أن الله سبحانه وتعالى قد خص نبيَّهُ محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحوض المصرح باسمه وصفتِه وشرابِه في الأحاديث الصحيحة الشهيرة التي يحصل بمجموعها العلم القطعي.ومن أدلة ذلك:"سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ:وَهو بيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ إنِّي علَى الحَوْضِ أَنْتَظِرُ مَن يَرِدُ عَلَيَّ مِنكُمْ، فَوَاللَّهِ لَيُقْتَطَعَنَّ دُونِي رِجَالٌ، فَلأَقُولَنَّ: أَيْ رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي، فيَقولُ: إنَّكَ لا تَدْرِي ما عَمِلُوا بَعْدَكَ، ما زَالُوا يَرْجِعُونَ علَى أَعْقَابِهِمْ."الراوي : عائشة أم المؤمنين - صحيح مسلم."أنا فَرَطُكُمْ علَى الحَوْضِ، لَيُرْفَعَنَّ إلَيَّ رِجالٌ مِنكُمْ، حتَّى إذا أهْوَيْتُ لِأُناوِلَهُمُ اخْتُلِجُوا دُونِي، فأقُولُ: أيْ رَبِّ أصْحابِي، يقولُ: لا تَدْرِي ما أحْدَثُوا بَعْدَكَ."الراوي : عبدالله بن مسعود - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 7049- خلاصة حكم المحدث: صحيح -الدرر-"إنَّ حَوْضِي لأَبْعَدُ مِن أيْلَةَ مِن عَدَنٍ والذي نَفْسِي بيَدِهِ، إنِّي لأَذُودُ عنْه الرِّجالَ كما يَذُودُ الرَّجُلُ الإبِلَ الغَرِيبَةَ عن حَوْضِهِ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وتَعْرِفُنا؟ قالَ: نَعَمْ تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِن آثارِ الوُضُوءِ ليسَتْ لأَحَدٍ غيرِكُمْ."الراوي : حذيفة بن اليمان- صحيح مسلم."لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ ناسٌ مِن أصْحابِي الحَوْضَ، حتَّى عَرَفْتُهُمُ اخْتُلِجُوا دُونِي، فأقُولُ: أصْحابِي، فيَقولُ: لا تَدْرِي ما أحْدَثُوا بَعْدَكَ."الراوي : أنس بن مالك - صحيح البخاري.في هذا الحَديثِ يَحكي النبيُّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم مَوقِفًا مِن مَواقفِ القِيامةِ، فيَقولُ "لَيَرِدَنَّ عليَّ ناسٌ مِن أَصْحابي الحَوضَ"، أي: سَيأتيني أُناسٌ كَانوا أَصْحابَهَ أو مِن أتْباعِ دِينِه على حَوضِهِ الَّذي أَعْطاهُ اللهُ، حتى إذا عَرفَهمْ "اخْتُلِجُوا دُوني"، أي: أَبعدَتْهُم الملائِكةُ عنهُ وعنْ حَوضِهِ، فيُنادِي علَيهِمْ ويقولُ أُصَيْحابي؟! أي: يَستغرِبُ أنَّهم مِن أصْحابِهِ ومعَ هذا يُبعَدُونَ عنِ الحوضِ، فيُجابُ عَليه ويُقالُ له: "لا تَدْري ما أَحدَثوا بعدَكَ"........، فاستَحقُّوا الإبعادَ عنكَ وعنْ صُحبَتِكَ.وفي الحديثِ:خَطورةُ الابتِداعِ في الدِّين وتَبديلِه، ويَدخُل في هذا: جميعُ أهلِ البِدع، وكذلك أهلُ الظُّلمِ والجَورِ؛ فكلُّهم مُحْدِث مُبدِّل. عند التأمل في الأحاديث السابقة نجد أن الكلام قد انحصر في مجموعات ترِد حوض النبي صلى الله عليه وسلم لتشرب منه ، فتردهم الملائكة ، ويناديهم النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ هي " أمتي" ،"أصحابي"، "أصيحابي"، وليس بينها اختلاف تضاد ، بل هي محمولة على أناس تشملهم معاني تلك الكلمات ، ويمكننا أن نجملهم بهذه الطوائف :
1. مرتدون عن الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانوا أسلموا في حياته ورأوه وهم على الإسلام
2. مرتدون عن الإسلام في أواخر حياته صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن يعلم بكفرهم .
3.أهل النفاق ممن أظهر الإسلام ، وأبطن الكفر .
4. أهل الأهواء الذين غيَّروا سنَّة النبي صلى الله وسلم وهديه ، كالروافض ، والخوارج .
5. وبعض العلماء يُدخل فيهم : أهل الكبائر ، وله ما يؤيد من السنَّة ، فقد روى الإمام أحمد في مسنده : 9 / 514 : عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَأْمُرُونَكُمْ بِمَا لَا يَفْعَلُونَ فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكِذْبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ وَلَنْ يَرِدَ عَلَيَّ الْحَوْضَ"وصححه المحققون .الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : شعيب الأرناؤوط - المصدر : تخريج المسند-الصفحة أو الرقم : 5702 - خلاصة حكم المحدث : صحيح لغيره .الدرر السنية.
ولفظ " أمتي " في الأحاديث يصدق على أهل القول الرابع ، والخامس ، ولفظ " أصحابي " و " أصيحابي " على الأقوال الثلاثة الأوَل .
ومما يدل على أنهم من أمته صلى الله عليه وسلم : أنه عرفهم بالغرة والتحجيل ، وهي سيما خاصة بهذه الأمة ، ويكون تعرف النبي صلى الله عليهم وسلم هناك بصفاتهم ، لا بأعيانهم ؛ لأنهم جاءوا بعده .
ومما يدل على دخول المنافقين في اسم "أصحابي" قوله صلى الله عليه وسلم " لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ"رواه البخاري : 3518 ، وهذا معنى لغوي بحت للصحبة ، ليس أنهم استحقوا شرفها ؛ لأن تعريف الصحابي الاصطلاحي لا يصدق على هؤلاء .الإسلام سؤال وجواب. "إنَّ لِكلِّ نبيٍّ حَوضًا وإنَّهم يتباهونَ أيُّهم أَكثَرُ واردةً ، وإنِّي أرجو أن أَكونَ أَكثرَهم وارِدةً"الراوي : سمرة بن جندب - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 2443 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.أي: كما أنَّ لي حوضًا سوف تَشْربونَ منه، فإنَّ لكُلِّ نبيٍّ مِنْ الأنبياءِ حوضًا تَشْرَبُ منه أُمَّتُه وتَرِدُ عليه.الدرر-إذا بُعث الناس وقاموا من قبورهم ذهبوا إلى أرض المحشر ، ثم يقومون في أرض المحشر قيامًا طويلًا ، تشتد معه حالُهم وظمؤُهُم ، ويخافون في ذلك خوفًا شديدًا ؛ لأجل طول المقام ، ويقينهم بالحساب ، وما سيُجري الله - عز وجلعليهم .
فإذا طال المُقام رَفَعَ الله - عز وجل - لنبيه صلى الله عليه وسلم أولًا حوضه المورود ، فيكون حوض النبي صلى الله عليه وسلم في عرصات القيامة ، إذا اشتد قيامهم لرب العالمين ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة .
فمن مات على سنّته ، غير مًغَيِّرٍ ولا مُحْدِثٍ ولا مُبَدِّلْ : وَرَدَ عليه الحوض ، وسُقِيَ منه ، فيكونُ أول الأمان له أن يكون مَسْقِيًّا من حوض نبينا صلى الله عليه وسلم ،ثم بعدها يُرْفَعُ لكل نبي حوضه ، فيُسْقَى منه صالح أمته .ترتيب أحداث يوم القيامة .

* هل الحوض هو الكوثر أو غيره؟اختلف في ذلك العلماء ولعل أظهر أقوالهم وأصحها دليلًا وتعليلًا هو أن الحوض غير الكوثر وهو خارج الجنة أما الكوثر فداخلها وهذا ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة وقد سبق أن ذكرت جملة منها والحوض يتغذى من الكوثر إذ يصب ميزابان من الكوثر على الحوض كما في حديث أبى ذر رضي الله عنه قال"قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ما آنِيَةُ الحَوْضِ قالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ لَآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِن عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَكَوَاكِبِهَا، أَلَا في اللَّيْلَةِ المُظْلِمَةِ المُصْحِيَةِ، آنِيَةُ الجَنَّةِ مَن شَرِبَ منها لَمْ يَظْمَأْ آخِرَ ما عليه، يَشْخَبُ فيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الجَنَّةِ، مَن شَرِبَ منه لَمْ يَظْمَأْ، عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ، ما بيْنَ عَمَّانَ إلى أَيْلَةَ، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ العَسَلِ".الراوي : أبو ذر الغفاري - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2300 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-اللؤلؤ والجوهر المستخرج من سورة الكوثر.
"
المُصحِيَةُ"، وهي الصَّافيةُ الَّتي ليسَ فيها سَحابٌ.
"
يَشخَبُ" أي: يَتدَفَّقُ ويَسيلُ فيهِ مِيزابانِ منَ الجنَّةِ، "والميزابُ" ما يُركَّبُ في السَّقفِ ويُمَدُّ منهُ ليَسيلَ منهُ الماءُ؛ مَن شَرِبَ منهُ لم يَظمأْ، عَرضُه مِثلُ طولِه، ما بَينَ عَمَّانَ، وهيَ عاصِمةُ الأُردُنِّ اليومَ إِلى "أَيلةَ" وهِي مَدينةٌ بطَرَفِ الشَّامِ كانتْ عامرةً، وهيَ الآنَ خَرابٌ يمُرُّ بها حُجَّاجُ مِصرَ وغَزَّةَ وغَيرُهم، ماؤُه أشدُّ بَياضًا منَ اللَّبنِ، وأَحلى منَ العَسلِ.وهو حوض عظيم ـ والحوض هو : مجمع الماء ـ يوضع في أرض المحشر يوم القيامة ترد عليه أمة محمد صلى الله عليه وسلم . وهذا الحوض يأتيه ماؤه من نهر الكوثر الذي في الجنة ، ولذا يسمى حوض الكوثر والدليل على ذلك ما ورد بهذا الحديث السابق ذكره "يَشْخَبُ- يصب - فيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الجَنَّةِ"
وورد في حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" وَسُئِلَ عن شَرَابِهِ فَقالَ: أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ العَسَلِ، يَغُتُّ فيه مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ مِنَ الجَنَّةِ، أَحَدُهُما مِن ذَهَبٍ، وَالآخَرُ مِن وَرِقٍ. "الحديث. الدرر -
صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 2301.

مِن وَرِقٍ أي من فضة .الميزاب: قَنَاةٌ أَوْ أُنْبُوبٌ يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ مِنِ المواضع العالية.
"
والميزابُ" ما يُركَّبُ في السَّقفِ ويُمَدُّ منهُ؛ ليَسيلَ منهُ الماءُ؛ "يَمُدَّانِه" أي: يَزيدانه ويُكثِرانِه "منَ الجنَّةِ"، أي: مِن أَنهارِها.
*مقطع صوتي للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى.يجيب فيه على السؤال الآتي:

ما الفرق بين الكوثر والحوض؟ ما صفة حوض النبي صلى الله عليه وسلم؟
يَتَلَخَّص في صفة الحوض من الأحاديث السابقة ما يلي:
سعته:مسيرة شهر، وهذا تحديد بالزمان، ومَن أراد التحديد بالمسافة فليتأمل المسافة بين البلدان السابقة.
لونه:أبيض من اللبن، وأبيض من الوَرِق؛ أي: الفضة.
طعمه:أحلى من العسل، ومَنْ يشرب منه لا يظمأ أبدًا.
رائحته:أطيب من ريح المسك.
آنيته: كنجوم السماء في العدد والنور واللمعان.
يصب فيه: مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ مِنَ الجَنَّةِ:أحدهما من ذهب، والآخر من فضة.هنا-



توقيع أم أبي تراب
أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-04-23, 10:56 PM   #4
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
^

المجلس الثامن عشر

شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبيل
*وَالإيمَانُ بِعَذَابِ القَبْرِ،وَأَنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُفْتَنُ في قُبُورِهَا وَتُسْأَلُ عَنِ الإيمَانِ وَالإِسْلامِ،وَمَنْ رِبُّهُ؟وَمَنْ نَبِيُّهُ؟،وَيَأْتِيهِ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ كَيْفَ شَاءَ اللهُ-عَزَّ وَجَلَّ-،وَكَيْفَ أَرَارَدَ،وَالإيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ.
الشرح:الحياة التي يعيشها الإنسان تنقسم إلى ثلاثة أقسام :-الحياة الدنيا ، والتي تنتهي بالموت .- حياة البرزخ ، وهي التي تكون بعد الموت إلى قيام الساعة .- حياة الآخرة ، وهي التي تكون بعد قيام الناس من قبورهم إما إلى جنةٍ ، نسأل الله من فضله ، وإما إلى نار والعياذ بالله .فالحياة البرزخية هي التي تكون بعد موت الإنسان إلى بعثه ، وسواء قُبِر أو لم يُقبر أو احترق أو أكلته السباع ، والذي يدل على هذه الحياة ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الميت بعدما يوضع في قبره يسمع قرع نعال أهله ، كما جاء في الحديث ."إنَّ المَيتَ إذا دُفِنَ ، سمِعَ خَفْقَ نعالِهِم إذا ولَّوْا عنهُ مُنصَرِفينَ"الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع-الصفحة أو الرقم1967- خلاصة حكم المحدث : صحيح -الدرر-وهذه الحياة البرزخية إما أن تكون نعيمًا وإما أن تكون جحيمًا ، والقبر فيها إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران .إنَّما القبرُ روضةٌ من رياضِ الجنَّةِ أو حفرةٌ من حفرِ النَّارِ" الراوي : أبو سعيد الخدري- المحدث : ابن حجر العسقلاني - المصدر : تخريج مشكاة المصابيح -الصفحة أو الرقم: 5/74 - خلاصة حكم المحدث : حسن كما قال في المقدمة.واختلف العلماء في صحة نسبة الحديث للرسول صلى الله عليه وسلم، لكنه صحيح المعنى .
"كانَ عُثمانُ بنُ عفَّانَ إذا وَقفَ على قَبرٍ يبكي حتَّى يبَلَّ لحيتَهُ ، فقيلَ لَهُ : تذكرُ الجنَّةَ والنَّارَ ، ولا تبكي ، وتَبكي مِن هذا ؟ قالَ : إنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ، قالَ : إنَّ القبرَ أوَّلُ مَنازلِ الآخرةِ ، فإن نجا منهُ ، فما بعدَهُ أيسرُ منهُ ، وإن لم يَنجُ منهُ ، فما بعدَهُ أشدُّ منهُ قالَ : وقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : ما رأيتُ مَنظرًا قطُّ إلَّا والقَبرُ أفظَعُ منهُ"الراوي : هانئ مولى عثمان -المحدث : الألباني -المصدر : صحيح ابن ماجه -الصفحة أو الرقم- 3461 خلاصة حكم المحدث : حسن.
فقال عُثمانُ رَضِي اللهُ عنه مُفسِّرًا لسبَبِ بُكائِه عِندَ القبرِ "إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: إنَّ القبرَ أوَّلُ مَنزِلٍ مِن مَنازِلِ الآخِرةِ"، أي: أوَّلُ مَنازِلِها في السُّؤالِ والحِسابِ والثَّوابِ أو العِقابِ، "فإنْ نَجا مِنه" أي: مِن الحسابِ والعقابِ فيه، "فما بَعْدَه"، أي: مِن الْمَنازِلِ مِن حشْرٍ وعرْضٍ، ومُرورٍ على الصِّراطِ ونحْوِه، "أيْسَرُ مِنه"، أي: لو أنَّه كان مِن الْمُنَعَّمين في القبرِ ففي ذلك دَلالةٌ على نَجاتِه مِن باقي المنازِلِ الأُخْرى حتَّى يَدخُلَ الجنَّةَ، أو بمعنًى آخَرَ: كان ضَمانًا واستِبْشارًا في دخولِ الجنَّةِ، "وإن لم يَنجُ منه"، أي: شَمِلَه عذابُ القبرِ ونال مِنه، "فما بَعْدَه أشَدُّ مِنه"، أي: كان لذلك دَلالةٌ على أنَّه لن يَنجُوَ مِن باقي مَنازِلِ الآخرةِ.
ويغني عنه أيضًا حديث البراء المشهور في عذاب القبر ونعيمه .والذي يدل على النعيم والعذاب فيها ، قول الله تعالى عن قوم فرعون " النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ"سورة غافر/46.
فبيَّن الله تعالى أن آل فرعون يُعرضون على العذاب صباحًا ومساءً مع أنهم ماتوا ، ومن هذه الآية أثبت العلماء عذاب القبر .قال ابن كثير: وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور .تفسير ابن كثير " 4 / 82 . هنا -
*قال صلى الله عليه وسلم "
ما من شيءٍ لمْ أكُنْ أُرِيتُهُ ، إلَّا رأيتُهُ في مَقامِي هذا ، حتى الجنَّةَ والنارَ ، ولَقدْ أُوحِيَ إليَّ أنَّكمْأنَّكُمْ تُفْتَنُونَ في قُبُورِكُمْ، مِثلَ أوْ قرِيبًا من فِتنةِ المسيحِ الدَّجالِ ، يُؤتَى أحدُكمْ فيُقالُ لهُ : ما عِلْمُكَ بِهذا الرجلِ ؟ فأمّا المؤمِنُ أوِ المُوقِنُ ، فيَقولُ : هوَ مُحمدٌ رَسولُ اللهِ ، جاءَنا بِالبيِّناتِ والهُدَى ، فأجَبْنا وآمَنّا ، واتَّبَعْنا ، هوَ مُحمدٌ - ثلاثًا - ، فيُقالُ لهُ: نَمْ صَالِحًا، قدْ علِمْنا إنْ كُنتَ لَمُوقِنًا به ، وأمَّا المنافِقُ أو المُرتابُ ، فيَقولُ : لا أدْرِي ، سمِعتُ الناسَ يَقولونَ شيئًا فقُلتُهُ"الراوي : أسماء بنت أبي بكر-المحدث : الألباني-المصدر : صحيح الجامع-الصفحة أو الرقم: 5722 خلاصة حكم المحدث : صحيح

في الحديثِ: إثباتُ سؤالِ القبرِ للمؤمِن والمنافقِ والكافرِ.وفيه: إثباتُ عذابِ القبرِ، وهو مذهبُ أهلِ السنَّةِ والجماعة."أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: إنَّ أحَدَكُمْ إذَا مَاتَ عُرِضَ عليه مَقْعَدُهُ بالغَدَاةِ والعَشِيِّ، إنْ كانَ مِن أهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، وإنْ كانَ مِن أهْلِ النَّارِ فَمِنْ أهْلِ النَّارِ، فيُقَالُ: هذا مَقْعَدُكَ حتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ."الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري- - الصفحة أو الرقم: 1379 - خلاصة حكم المحدث :صحيح


"إذا خَرَجَتْ رُوحُ المُؤْمِنِ تَلَقَّاها مَلَكانِ يُصْعِدانِها. قالَ حَمَّادٌ: فَذَكَرَ مِن طِيبِ رِيحِها وذَكَرَ المِسْكَ. قالَ: ويقولُ أهْلُ السَّماءِ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ جاءَتْ مِن قِبَلِ الأرْضِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وعلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ، فيُنْطَلَقُ به إلى رَبِّهِ عزَّ وجلَّ، ثُمَّ يقولُ:انْطَلِقُوا به إلى آخِرِ الأجَلِ. قالَ: وإنَّ الكافِرَ إذا خَرَجَتْ رُوحُهُ، قالَ حَمَّادٌ وذَكَرَ مِن نَتْنِها، وذَكَرَ لَعْنًا، ويقولُ أهْلُ السَّماءِ رُوحٌ: خَبِيثَةٌ جاءَتْ مِن قِبَلِ الأرْضِ. قالَ فيُقالُ:انْطَلِقُوا به إلى آخِرِ الأجَلِ. قالَ أبو هُرَيْرَةَ: فَرَدَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ رَيْطَةً كانَتْ عليه، علَى أنْفِهِ، هَكَذا."الراوي : أبو هريرة - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 2872 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -
الشرح:
هَذا حديثٌ عَظيمٌ في خُروج رُوحِ المُؤمنِ والكافرِ وعُروجِهما إلى السَّماءِ، وما في رُوحِ المُؤمنِ من طِيبٍ، وما في رُوح الكافرِ مِن خُبثٍ.
فيُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بمبدأِ خُروجِ الرُّوحِ؛ فإنَّه إذا خَرجَتْ رُوحُ المؤمنِ تَلقَّاها مَلكانِ يُصعِدانِها، قال حمَّادٌ: وهوَ أَحدُ رُواة هذا الحديثِ، فذَكر مِن طيبِ رِيحها، وذِكرِ المِسكِ، يَعني أنَّ ريحَها طَيِّبٌ، ويَقولُ أَهلُ السَّماء: رُوحٌ طيِّبةٌ جاءتْ مِن قِبَلِ الأرضِ، صلَّى اللهُ عليكِ وعلى جَسدٍ كنتِ تَعمُرينَه، أي: أَثنى عَليك في الملأِ الأَعلى عندَ المَلائكةِ المُقرَّبين. فيَنطلِقُ به إلى رَبِّه عزَّ وجلَّ، ثُمَّ يَقولُ: انطَلِقوا به إلى آخرِ الأَجلِ.يَعني: اذهَبوا برُوحِه إلى المَكانِ الَّذي أُعدَّ لَها إلى وقتِ القيامةِ، ثُمَّ أَخبرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عن رُوحِ الكافرِ، فَقال: وإنَّ الكافرَ إذا خَرجتْ رُوحُه- قالَ حمَّادٌ: وذَكرَ مِن نَتْنِها، وذَكر لَعْنًا- ويَقولُ أهلُ السَّماء: رُوحٌ خبيثةٌ جاءتْ مِن قِبَلِ الأرضِ. قال فيُقال: انطَلِقوا به إلى آخِرِ الأَجلِ، يَعني:اذهَبوا برُوحِه إلى المَكانِ الَّذي أُعِدَّ لَها إلى وقتِ القيامَةِ. ثُمَّ قال أَبو هُريرةَ: فردَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ريطةً، كانتْ عليهِ، وهي مِلاءةٌ، وقيلَ: كلُّ ثوبٍ رقيقٍ، فردَّها على أَنفِه، فكأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كوشفَ لَه، وشَمَّ مِن نَتنِ رِيحِ رُوحِ الكافرِ، ففَعلَ ذلكَ هَكذا، أي: يُمثِّلُ أبو هُريرةَ ذلكَ الفعلَ .- الدرر -

"مَرَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقَبْرَيْنِ، فَقالَ: إنَّهُما لَيُعَذَّبَانِ، وما يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ، أمَّا أحَدُهُما فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وأَمَّا الآخَرُ فَكانَ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ ثُمَّ أخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً، فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ في كُلِّ قَبْرٍ واحِدَةً، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هذا؟ قالَ: لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عنْهما ما لَمْ يَيْبَسَا"الراوي : عبدالله بن عباس- المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 218 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -الشرح:القَبْرُ هو أولُ مَنازِل الآخِرَةِ، والعذابُ والنعيمُ فيه حقٌّ.
وفي هذا الحديثِ: يُخبِرُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأحدِ الأعمالِ المُوجِبة لعَذابِ القَبْرِ، حيث مَرَّ على حائطٍ من حِيطَانِ المَدِينَةِ أو مَكَّةَ، والحائِطُ: هو البُسْتان إذا كان له سُورٌ، فسَمِع صوتَ إنسانَيْن يعذَّبان في قُبورِهما، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم "يُعَذَّبانِ، وما يعذَّبان في كَبِيرٍ" يعني: لا يعذَّبان في أمرٍ كبيرٍ في نَظرِكم، وإنْ كان هو في الحقيقةِ كَبِيرًا عند اللهِ تعالى؛ ولذلك قال صلَّى الله عليه وسلَّم"بَلَى"، أي: إنَّه كَبِيرٌ في الحقيقةِ.
وسببُ عذابِهما كما أَخْبَر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أنَّ أحدَهما كان لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِه، يَعنِي: لا يَسْتَبْرِئُ منه ولا يَتَحفَّظُ مِن أن يُصِيبَه منه. والآخَرُ كان يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ بين الناسِ، أي: يَنقُل كلامَ غيرِه بقَصْدِ الإضرارِ وإيقاعِ الخِلافِ والوَقِيعَةِ بين الناسِ.
ثُمَّ دَعَا صلَّى الله عليه وسلَّم بِجَرِيدَةٍ، فكَسَرها نِصفَيْن، ووَضَع على قَبْرِ كلِّ واحدٍ منهما جزءًا منها، فقيل له: لِمَ فعلتَ هذا؟ فقال صلَّى الله عليه وسلَّم"لَعَلَّهُ أن يُخَفَّفَ عنهما ما لم يَيْبَسَا، أو إلى أنْ يَيْبَسَا"، أي: لعلَّ الله تعالى أن يُخَفِّفَ عنهما العذابَ إلى أن يَجِفَّ الجَرِيدُ الذي وَضَعه صلَّى الله عليه وسلَّم على قبرَيْهما.
وفي الحديثِ:إثباتُ عذابِ القبرِ، وأنَّه حقٌّ يَجِبُ الإيمانُ والتَّسليمُ به.
وفيه:التَّحذِيرُ مِن مُلابَسةِ البَوْل، ويَلتحِق به غيرُه مِنَ النَّجاساتِ في البَدَن والثَّوْب.
وفيه:النَّهيُ عن النَّمِيمَةِ.الدرر -فوائد هامة :وَقَدْ اِسْتَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَضْعَ النَّاس الْجَرِيد وَنَحْوه فِي الْقَبْر عَمَلًا بِهَذَا الْحَدِيث وَقَال عن هذا الحديث : هُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ دَعَا لَهُمَا بِالتَّخْفِيفِ مُدَّة بَقَاء النَّدَاوَة , لا أَنَّ فِي الْجَرِيدَة مَعْنًى يَخُصّهُ , وَلا أَنَّ فِي الرَّطْب مَعْنًى لَيْسَ فِي الْيَابِساهـ . وعلى هذا ، يكون ذلك خاصًّا بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فلا يستحب لأحد أن يضع جريدة ولا غيرها على القبر . جاء في فتاوى اللجنة الدائمة : " إن وضع النبي صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلََّم الجريدة على القبرين ورجاءه تخفيف العذاب عمن وضعت على قبريهما واقعة عين لا عموم لها في شخصين أطلعه الله على تعذيبهما ، وأن ذلك خاص برسول الله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلََّم ، وأنه لم يكن منه سنة مطَّرَدة في قبور المسلمين وإنما كان مرتين أو ثلاثًا على تقدير تعدد الواقعة لا أكثر ، ولم يعرف فعل ذلك على أحد من الصحابة ، وهم أحرص المسلمين على الاقتداء به صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلََّم ، وأحرصهم على نفع المسلمين ، إلا ما روي عنبُرَيْدة الأسلمي : أنه أوصى أن يجعل في قبره جريدتان ، ولا نعلم أن أحدًا من الصحابة رضي الله عنهم وافق بُرَيْدة على ذلك "اهـ . وهكذا لا تجوز الكتابة على القبور ولا وضع الزهور عليها للحديثين المذكورين ؛ وأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن تجصيص القبور والبناء عليها والقعود عليها والكتابة عليها "اهـ. مجلة البحوث الإسلامية :68/50. الإسلام سؤال وجواب.
"عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا، فَذَكَرَتْ عَذَابَ القَبْرِ، فَقالَتْ لَهَا:أعَاذَكِ اللَّهُ مِن عَذَابِ القَبْرِ، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن عَذَابِ القَبْرِ، فَقالَ: نَعَمْ، عَذَابُ القَبْرِ قالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَما رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعْدُ صَلَّى صَلَاةً إلَّا تَعَوَّذَ مِن عَذَابِ القَبْرِ."الراوي : عائشة أم المؤمنين - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1372 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر-وفي الحديثِ:أنَّ عذابَ القبرِ حقٌّ، وأنَّه ليسَ بِخاصٍّ بِهذه الأمُّة.
وفيه:التَّحدُّثُ عَن أهلِ الكتابِ إذا وافقَ قولَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه:التَّوقُّفُ عَن خبرِهم حتَّى يُعرفَ أَصِدْقٌ هو أم كذِبٌ.
وفيه:التَّعوُّذ مِن عذابِ القبرِ عَقيبَ الصَّلاةِ؛ لأنَّه وقتُ إجابةِ الدَّعوةِ.الدرر-

"اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ العَجْزِ والكَسَلِ، والجُبْنِ والبُخْلِ والهَرَمِ، وأَعُوذُ بكَ مِن عَذابِ القَبْرِ، وأَعُوذُ بكَ مِن فِتْنَةِ المَحْيا والمَماتِ."الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 6367- خلاصة حكم المحدث : صحيح -الدرر-"كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدْعُو ويقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِن عَذَابِ القَبْرِ، ومِنْ عَذَابِ النَّارِ، ومِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا والمَمَاتِ، ومِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ."الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم: 1377 - خلاصة حكم المحدث : صحيح -الدرر-
*يَحكي زيدُ بنُ ثابتٍ رضِي اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بينما كان في حائطٍ"بيْنَما النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ، علَى بَغْلَةٍ له وَنَحْنُ معهُ، إذْ حَادَتْ به فَكَادَتْ تُلْقِيهِ، وإذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ، أَوْ خَمْسَةٌ، أَوْ أَرْبَعَةٌ، قالَ: كَذَا كانَ يقولُ الجُرَيْرِيُّ، فَقالَ: مَن يَعْرِفُ أَصْحَابَ هذِه الأقْبُرِ؟ فَقالَ رَجُلٌ: أَنَا، قالَ:فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ؟ قالَ: مَاتُوا في الإشْرَاكِ، فَقالَ: إنَّ هذِه الأُمَّةَ تُبْتَلَى في قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَنْ لا تَدَافَنُوا، لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِن عَذَابِ القَبْرِ الذي أَسْمَعُ منه ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بوَجْهِهِ، فَقالَ:تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن عَذَابِ النَّارِقالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِن عَذَابِ النَّارِ، فَقالَ: تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن عَذَابِ القَبْرِ، قالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِن عَذَابِ القَبْرِ، قالَ: تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِنَ الفِتَنِ، ما ظَهَرَ منها وَما بَطَنَ قالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِنَ الفِتَنِ ما ظَهَرَ منها وَما بَطَنَ، قالَ: تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن فِتْنَةِ الدَّجَّالِ قالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِن فِتْنَةِ الدَّجَّالِ."الراوي : زيد بن ثابت - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2867 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر-إنَّ هذه الأمَّةَ تُبتَلى: أي: تُمتحنُ ثُمَّ تُنعَّمُ أو تُعذَّبُ.في الحديثِ: ثبوتُ سماعِ البهائمِ لِأصواتِ المعذَّبِينَ في القبورِ.
وفيه: الأمرُ بِالاستعاذةِ مِن عذابِ القبرِ والفتنِ والنَّارِ وفتنةِ الدَّجَّالِ.
وفيه:ثبوتُ عذابِ القبر.

صفة نعيم القبر وعذابه
حديث البراء بن عازب
"خرَجْنا معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ في جِنازةِ رجلٍ منَ الأنصارِ، فانتَهينا إلى القبرِ ولمَّا يُلحَدْ، فجلسَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ وجَلَسنا حولَهُ كأنَّما على رءوسِنا الطَّيرُ، وفي يدِهِ عودٌ ينْكتُ بِهِ في الأرضِ، فرفعَ رأسَهُ، فقالَ:استَعيذوا باللَّهِ من عذابِ القبرِ مرَّتينِ، أو ثلاثًا، زادَ في حديثِ جريرٍ ها هنا وقالَ: وإنَّهُ ليسمَعُ خفقَ نعالِهم إذا ولَّوا مدبرينَ حينَ يقالُ لَهُ: يا هذا، مَن ربُّكَ وما دينُكَ ومن نبيُّكَ ؟ قالَ هنَّادٌ: قالَ:ويأتيهِ ملَكانِ فيُجلِسانِهِ فيقولانِ لَهُ: مَن ربُّكَ ؟ فيقولُ: ربِّيَ اللَّهُ، فيقولانِ: ما دينُكَ ؟ فيقولُ: دينيَ الإسلامُ، فيقولانِ لَهُ: ما هذا الرَّجلُ الَّذي بُعِثَ فيكم ؟ قالَ: فيقولُ: هوَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، فيقولانِ: وما يُدريكَ ؟ فيقولُ: قرأتُ كتابَ اللَّهِ فآمنتُ بِهِ وصدَّقتُ ،زادَ في حديثِ جريرٍ: فذلِكَ قولُ اللَّهِ عزَّ وجلَّ "يُثبِّتُ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا" فينادي منادٍ منَ السَّماءِ: أن قَد صدقَ عَبدي، فأفرِشوهُ منَ الجنَّةِ، وافتَحوا لَهُ بابًا إلى الجنَّةِ، وألبسوهُ منَ الجنَّةِ قالَ:فيأتيهِ من رَوحِها وطيبِها قالَ: ويُفتَحُ لَهُ فيها مدَّ بصرِهِ .
قالَ: وإنَّ الْكافرَ فذَكرَ موتَهُ قالَ: وتعادُ روحُهُ في جسدِهِ، وياتيهِ ملَكانِ فيُجلسانِهِ؛ فيقولانِ: من ربُّكَ ؟ فيقولُ: هاهْ هاهْ هاهْ، لا أدري، فيقولانِ لَهُ: ما دينُكَ ؟ فيقولُ: هاهْ هاهْ، لا أدري، فيقولانِ: ما هذا الرَّجلُ الَّذي بُعِثَ فيكُم ؟ فيقولُ: هاهْ هاهْ، لا أدري، فُينادي منادٍ منَ السَّماءِ: أن كذَبَ، فأفرشوهُ منَ النَّارِ، وألبِسوهُ منَ النَّارِ، وافتَحوا لَهُ بابًا إلى النَّارِ، قالَ: فيأتيهِ من حرِّها وسمومِها ،قالَ:ويضيَّقُ عليْهِ قبرُهُ حتَّى تختلِفَ فيهِ أضلاعُهُ، زادَ في حديثِ جريرٍ قالَ: ثمَّ يقيَّضُ لَهُ أعمى أبْكَمُ معَهُ مِرزبَةٌ من حديدٍ لو ضُرِبَ بِها جبلٌ لصارَ ترابًا، قالَ:فيضربُهُ بِها ضربةً يسمَعُها ما بينَ المشرقِ والمغربِ إلَّا الثَّقلينِ فيَصيرُ ترابًا، قالَ:ثمَّ تعادُ فيهِ الرُّوحُ"الراوي : البراء بن عازب - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود -الصفحة أو الرقم: 4753 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.قال اللهِ عزَّ وجَلَّ"يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ"إبراهيم: 27، أي: يُوفِّقُ اللهُ الذينَ آمَنوا به في الدُّنيا ويَهديهِم إلى صَوابِ الجَوابِ والحَقِّ في الدُّنيا، وعندَ السُّؤال في القَبرِ، وعِند اللهِ تعالى."إلا الثَّقلَين"، أي: يَسمَعُ صُراخَه كُلُّ الخَلائقِ إلَّا الإنسَ والجِنَّ؛ فإنَّ اللهَ جعَلَ بينهما وبين هذا العذابِ حِجابًا فلا يَسْمعونَه.
"فَيصيرُ تُرابًا"، من شِدَّة الضَّربةِ التي تَسحَقُه فَيتَحوَّلُ إلى تُرابٍ، قال"ثُمَّ تُعادُ فيه الرُّوحُ"؛ وذلك لِيعادَ له العَذابُ.
وفي الحديثِ: التَّنبيهُ إلى فَضلِ الإيمان ومَغبَّةِ الكُفرِ في القَبرِ وبَعدَ المَوتِ.
وفيه: بيانُ أنَّ في القَبر نَعيمًا للمُؤمنِ، وعَذابًا للكافِرِ.
فالواجب على كل مسلم ومسلمة الاطمئنان إلى ما أخبر به الله عز وجل ، وأخبر به رسوله عليه الصلاة والسلام ، وأن يصدق بذلك على الوجه الذي أراده الله عز وجل ، وإن خفي على العبد بعض المعنى ، فلله الحكمة البالغة سبحانه
أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-04-23, 10:58 PM   #5
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
Ah11

المجلس التاسع عشر
شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل

*وَالإيمَانُ بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَبِقَوْمٍ يُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ بَعْدَمَا احْتَرَقُوا وَصَارُوا فَحْمًا؛فَيُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى نَهْرٍ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ،كَمَا جَاءَ في الأَثَرِ،كَيْفَ شَاءَ اللهُ وَكَمَا شَاءَ،إِنَّمَا هُوَ الإيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ.
الشرحاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ حَيَاتَنَا هَذِهِ زَائِلَةٌ لا مَحَالَةَ وَأَنَّنَا إِلَى رَبِّنَا صَائِرُونَ، وَإِلَى خَالِقِنَا رَاجِعُونَ، إِنَّنَا سَوْفَ نُحْشَرُ جَمِيعًا إِنْسًا وَجِنًّا، عَرَبًا وَعَجمًا، مُسْلِمِينَ وَكُفَّارًا، بَلْ حَتَّى الدَّوَابُ واَلْهَوَامُ وَالْوُحُوشُ وَالطُّيُورُ تُحْشَرُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى"وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ"الأنعام:38.إِنَّهُ مَوْقِفٌ عَصِيبٌ؛ إِنَّهُ يَوْمٌ يَشِيبُ فِيهِ الصَّغِيرُ، وَيَخَافُ فِيهِ الْكَبِيرُ"فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا"المزمل:17.إِنَّهُ يَوْمٌ تُسْقِطُ الْحَامِلُ فِيهِ حَمْلَهَا مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ، وَتَنْشَدِهُ الْمَرْأَةُ عَنْ طِفْلِهَا مِنْ عِظَمِ الْكَرْبِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ"الحج:1-2.إِنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَحْصُلُ فِيهِ الكَثِيرُ مِنَ الْكُرُوبِ وَالأَهْوَالِ، وَلا يَنْجُو إِلَّا مَنْ عَرَفَ اللهَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، فَوَحَّدَهُ، وَأَطَاعَهُ، وَاتَّبَعَ رُسَلَهَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلامُهُ، وَآخِرُهُمْ وَأَفْضَلُهُمْ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.ثُمَّ إِنَّ اللهَ يُرِيحُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذَا الْمَوْقِفِ الْعَصِيبِ بِشَفَاعَةِ رَسُولِ اللهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ.هنا-الشفاعة في لغة العرب:مشتقة من الشفع الذي هو غير الوتر، أي أن الشفع هو الزوج الذي هو عكس الوتر عند الإطلاق، تقول: أعطيتك كتابًا ثم شفعته بآخر، أي صار ما معك زوجًا بعد أن كان وترًا.


الشفاعة في الشرع:
هي التوسط للغير في جلب المنفعة أو دفع المضرة.
وهي قسمان :
القسم الأول:الشفاعة التي تكون في أمور الدنيا .
فالشفاعة في أمور المعاملات التي تكون بين الناس تنقسم إلى قسمين باختصار:
الأول:شفاعة جائزة: وهي ما يكون في مقدور العبد واستطاعته القيام به ؛ فهذه جائزةبشرطين : أن تكون في شيء مباح، أن لا يعتمد بقلبه في تحقيق المطلوب ودفع المكروه إلا على الله وحده ،وهي الشفاعة الحسنة التي يتم التوصل بها إلى إيصال الحق لصاحبه دون أن يكون في ذلك ظلم لطرف آخر،بصيغة أخرى الشفاعة الحسنة هي الوساطة في إيصال الخير أو دفع الشر سواء كانت بطلب من المنتفع أم لا.
وأن يعلم أن هذا الشافع لا يعدو كونه سببًا أَذِنَ الله به، وأن النفع والضر بيد الله وحده.

"اشْفعوا تُؤجَروا فإنِّي لأريدُ الأمرَ فأؤخرَه كيما تَشْفعوا فتُؤجَروا , فإنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِه وسلَّمَ قال : اشْفعوا تُؤجروا"الراوي : معاوية بن أبي سفيان- المحدث : الوادعي- المصدر : الشفاعة- الصفحة أو الرقم:306- خلاصة حكم المحدث : رجاله رجال الصحيح

وهي التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم "كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أوْ طُلِبَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، ويَقْضِي اللَّهُ علَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما شَاءَ".الراوي : أبو موسى الأشعري - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 1432
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَؤُوفًا رحيمًا بالنَّاسِ، وكان يَسعى في قَضاءِ الحَوائجِ والتَّوسُّطِ للنَّاسِ فيها بالحقِّ والعدلِ؛ ليُعلِّمَ أُمَّتَه التعاوُنَ على البِرِّ والتقْوى.
وفي هذا الحَديثِ يَروي أبو موسى الأشعريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان إذا جاءَه السَّائلُ المحتاجُ لطلبِ الصَّدقةِ، أو جاءَه صاحبُ الحاجةِ يَطلُبُ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قضاءَها له، ومساعدتَه عليها، يقولُ: اشفَعُوا تُؤجَروا، أي: يكُنْ لكم في ذلك الأجرُ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، والمرادُ بالشَّفاعةِ هنا: هي التي تَكونُ في أمورِ الدُّنيا، وفي إعانةِ الإنسانِ على ما فيه خَيرٌ له في دُنْياه، فيَسعى المسلِمُ لأخيه المسلِمِ في حاجتِه وطلَبِها له، والتَّوسُّطِ فيها طالَما فيها خيرٌ يُعينُه على دِينِه ودُنياه، ما لم تكُنْ تلك الحاجةُ مَعصيةً أو إسقاطَ حدٍّ مِن حدودِ اللهِ تعالَى، أمَّا مَا عدا ذلك مِن الحاجاتِ -كإنظارِ المُعسِرِ، وإعانةِ المَدِينِ، والإصلاحِ بيْنَ متخاصِمَينِ- فبادِروا إلى السَّعي عِندي في ذلك.
وقولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"ويَقْضي اللهُ على لِسانِ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما شاءَ" يعني: أنَّ ما قدَّره اللهُ وقَضاهُ واقعٌ؛ فإنْ قدَّر تحقيقَ الرَّغبةِ فإنَّها ستقَعُ، وإنْ قدَّر عدَمَ تحقيقِها فإنَّها لا تقَعُ، وكلُّ شَيءٍ بقضاءِ اللهِ وقدَرِه، والأجرُ للشَّفيعِ لا يَتوقَّفُ على تَحقُّقِ الغرَضِ مِن الشَّفاعةِ؛ فهو مأجورٌ لِمُجرَّدِ السَّعيِ.
وفي الحديثِ: التَّرغيبُ في الشَّفاعةِ والسَّعيِ في قَضاءِ حَوائجِ النَّاسِ.
وفيه: إثباتُ القَضاءِ والقدَرِ.الدرر.

ومعنى الحديث إذا جاءكم المحتاج ولديكم القدرة على تقديم المساعدة بالمال أو الطعام أو النفس أو الكلمة التي تقولها تبتغي بها وجه الله فافعلوا فلكم الأجر سواء أقضيت أو لم تُقْضَ.هنا-
هذا يدل على أن الشفاعة مندوبة، وقوله صلى الله عليه وسلم" تُؤْجَرُوا"موافق لقوله -تبارك وتعالى" مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا"النساء:58"، فهو يؤجر سواء كان الأمر المطلوب قد تحقق تحصيله أو لم يتحقق، فأجره على الله، ويكون قد بذل الأسباب، وأعان أخاه المسلم، وحصل بذلك على الأجر.
*ضروب من الشفاعة الحسنة:وتَنتظِم الشفاعة الحسنة بالتحريض على الصَّدقات للفقراء والمساكين، وتفريج الكربات عن المكروبين، وقضاء الحاجات لأصحابها ولا سيما العاجزين.ومن ذلك التوسُّط في الإقالة من بيع لمضطرٍّ- وهي رفع العقد وإلغاء حكمه وآثاره بتراضي الطرفين -، والإنظار إلى ميسرة في دَين على مُعسِر، وأما التوسُّط في تخفيف الدَّين عن المدين، أو إبرائه منه، أو تأديته عنه من غير مَنٍّ ولا أذى - فذلك من كرائم الشفاعات وعظائم المروءات -هنا.ومن الشفاعات الجائزة: شفاعته - صلى الله عليه وسلم في بريرة:وهي أَمَةٌ كانت تخدُم أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - وكانت عائشة تُعينها على تحريرها من الرقِّ، فلما عُتِقت وهي تحت زوجها مُغيث، وكان عبدًا لآل المغيرة من بني مخزوم - أضحى لها الخيار شرعًا، أن تُفارِقه، وقد فعلت.
عن عبد الله بن عباس"أنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كانَ عَبْدًا يُقَالُ له مُغِيثٌ، كَأَنِّي أنْظُرُ إلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي ودُمُوعُهُ تَسِيلُ علَى لِحْيَتِهِ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِعبَّاسٍ: يا عَبَّاسُ، ألَا تَعْجَبُ مِن حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ، ومِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا !فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لو رَاجَعْتِهِ، قالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِي؟ قالَ:إنَّما أنَا أشْفَعُ ،قالَتْ: لا حَاجَةَ لي فِيهِ. صحيح البخاري .وفي الحديث:أنَّ مَن يَسألُ مِن الأُمورِ ممَّا هوَ غير واجِبٍ عليه فِعلُه فَلَهُ رَدُّ سائِلِه، وَتَرْكُ قَضاءِ حاجَتِه، وإنْ كانَ الشَّفيعُ سُلطانًا أو عالِمًا أو شَريفًا.الدرر.

الثانيشفاعة غير جائزة:وهي ما لا يكون في مقدور العبد ، وطاقته ووسعه كطلب الشفاعة من الأموات وأصحاب القبور وهذا

و تكون في أمر غير شرعي، أو فيها ظلم لطرف آخر، وقد انتظم هذين القسمين قوله تعالى"مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا"النساء:85.
ومن أمثلة الشفاعة السيئة :
"أنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزْوَةِ الفَتْحِ، فَفَزِعَ قَوْمُها إلى أُسامَةَ بنِ زَيْدٍ يَسْتَشْفِعُونَهُ، قالَ عُرْوَةُ: فَلَمَّا كَلَّمَهُ أُسامَةُ فيها، تَلَوَّنَ وجْهُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: أتُكَلِّمُنِي في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ، قالَ أُسامَةُ: اسْتَغْفِرْ لي يا رَسولَ اللَّهِ، فَلَمَّا كانَ العَشِيُّ قامَ رَسولُ اللَّهِ خَطِيبًا، فأثْنَى علَى اللَّهِ بما هو أهْلُهُ، ثُمَّ قالَ: أمَّا بَعْدُ، فإنَّما أهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ: أنَّهُمْ كانُوا إذا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقامُوا عليه الحَدَّ، والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لو أنَّ فاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها ثُمَّ أمَرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بتِلْكَ المَرْأَةِ فَقُطِعَتْ يَدُها، فَحَسُنَتْ تَوْبَتُها بَعْدَ ذلكَ وتَزَوَّجَتْ قالَتْ عائِشَةُ: فَكانَتْ تَأْتي بَعْدَ ذلكَ فأرْفَعُ حاجَتَها إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ."الراوي : عروة بن الزبير - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 4304 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.في الحَديثِ: النَّهْيُ عن الشَّفاعةِ في الحُدودِ إذا بَلَغَت السُّلطانَ.
وَفيه: تَركُ الرَّحمةِ فيمَن وجَبَ عليه الحَدُّ.
وَفيه: أنَّ أحكامَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ يَستَوي فيها الشَّريفُ والوَضيعُ. الدرر.أما الشفاعة في الحدود التي لم تبلُغ الحد، أو في الحد قبل أن يبلُغ الحاكم، ولا سيما الشفاعة لأرباب المروءة والحياء، الذين لم يستمرئوا العيوب، ولم يُصِرُّوا على الذنوب، فإنها تدخل في سَتر العورات، وإقالة العثرات، والإصلاح بين الناس، وتلك من مكارم الأخلاق.
قال صلى الله عليه وسلم " "تعافُّوا الحدودَ فيما بينَكُم ، فما بلغَني مِن حدٍّ فقد وجبَ"الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود-الصفحة أو الرقم: 4376 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
الشرح:حَثَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم على إرْساءِ مبْدأِ العفْوِ بين المسلِمين فيما يقَعُ بيْنهم من ظُلْمِ بعْضِهم لبعْضٍ، فأمَرَ بالعفْوِ، ورغَّبَ فيهِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم "تَعافوا الحُدودَ فيما بيْنكم"، أي: تَجاوزوا عنها، فلا ترْفَعوها إليَّ للتَّقاضِي، "فمَا بلَغَني"، أي: وصَلَ إليَّ "مِن حدٍّ فقدْ وجَبَ"، أي: لازِمٌ عليَّ إقامَتُه.
وفي الحَديثِ:أنَّ الحدودَ إذا رُفِعتْ للحاكِمِ أو للقاضي؛ فإنَّها تلزمُ وتجبُ، ولا يصحُّ العفوُ فيها.الدرر-
فإذا تاب الجاني قبل القدرة عليه، وقبل بلوغ الحاكم الأمر، سقط عنه الحد الواجب لله، ولزمه الحق الواجب للآدمي من قصاص أو مال مسروق، أو قذف، أو دية ونحو ذلك؛ لأن التوبة تَجُبّ ما قبلها من حقوق واجبة لله تعالى.
قال الله تعالى"إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ*إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ*المائدة: 33- 34.كتاب: موسوعة الفقه الإسلامي/ حكم توبة الجاني - هنا -وإذا كانت التوبة قبل القدرة عليه، تمنع من إقامة الحد في الحرابة، فغيرها من الحدود -إذا تاب من فعلها، قبل القدرة عليه- من باب أولى.تفسير الشيخ السعدي رحمه الله.



أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-04-23, 11:05 PM   #6
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
Pencel

المجلس العشرون

شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل

*وَالإيمَانُ بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَبِقَوْمٍ يُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ بَعْدَمَا احْتَرَقُوا وَصَارُوا فَحْمًا؛فَيُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى نَهْرٍ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ،كَمَا جَاءَ في الأَثَرِ،كَيْفَ شَاءَ اللهُ وَكَمَا شَاءَ،إِنَّمَا هُوَ الإيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ.
الشرحوهي قسمان :
القسم الأول:الشفاعة التي تكون في أمور الدنيا .
فالشفاعة في أمور المعاملات التي تكون بين الناس تنقسم إلى قسمين باختصار:
الأول:شفاعة جائزة: وهي ما يكون في مقدور العبد واستطاعته القيام به ؛ فهذه جائزةبشرطين : أن تكون في شيء مباح، أن لا يعتمد بقلبه في تحقيق المطلوب ودفع المكروه إلا على الله وحده.

الثاني شفاعة غير جائزة:وهي ما لا يكون في مقدور العبد ، وطاقته ووسعه كطلب الشفاعة من الأموات وأصحاب القبور وهذا محرم.
و تكون في أمر غير شرعي، أو فيها ظلم لطرف آخر.
أما الشفاعة التي تكون في الآخرة ـ يوم القيامة ـهي:
طلب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم – أو غيره – من الله في الدار الآخرة حصول منفعة لأحد من الخلق.
ويدخل تحت هذا التعريف جميع أنواع الشفاعات الخاصة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وغيره، كالشفاعة العظمى وهي طلب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من ربه إراحة الناس من الموقف بمجيئه لفصل القضاء، ويدخل كذلك شفاعته صلى الله عليه وسلمفي دخول أهل الجنة الجنة، وشفاعته في تخفيف العذاب عن أبي طالب، وشفاعة الشفعاء في رفع الدرجات في الجنة، وكذا الشفاعة في إخراج قوم من الناروإدخالهم الجنة.الحياة الآخرة لغالب عواجي1/283.
*ويشترط لقبوله الشفاعة في الآخرة ما يلي:في ذلك اليوم لا تنفع الشفاعة أحدًا من الخلق، إلا إذا أذن الرحمن للشافع، ورضي عن المشفوع له، ولا يكون ذلك إلا للمؤمن المخلص.

-أن يأذن المشفوع عنده -وهو الله سبحانه وتعالى- للشافع -وهوالنبي صلى الله عليه وسلم أو غيره- وأن يقبل شفاعته، فهو وحده سبحانه صاحب الشفاعة ومالك أمرها يقول تعالى"مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ"البقرة: 255، والشافع إذا قُبلت شفاعته صارمُشَفَّعًا، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "أنا سَيِّدُ ولَدِ آدَمَ يَومَ القِيامَةِ، وأَوَّلُ مَن يَنْشَقُّ عنْه القَبْرُ، وأَوَّلُ شافِعٍ وأَوَّلُ مُشَفَّعٍ."الراوي : أبو هريرة - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2278 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر-
أي أول من يطلب الشفاعة وأول من يُقبل.

ففي ذلك اليومِ لا تنفعُ الشَّفاعةُ أحدًا من الخَلقِ، إلَّا مَن أَذِنَ له الرَّحمنُ أن يَشفَعَ أو يُشفَعَ له، ورَضِيَ اللهُ قَولَ الشافعِ والمشفوعِ له.الدرر.
"
كَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى"النجم:26."قِيلَ يا رَسولَ اللَّهِ مَن أسْعَدُ النَّاسِ بشَفَاعَتِكَ يَومَ القِيَامَةِ؟ قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لقَدْ ظَنَنْتُ يا أبَا هُرَيْرَةَ أنْ لا يَسْأَلُنِي عن هذا الحَديثِ أحَدٌ أوَّلُ مِنْكَ لِما رَأَيْتُ مِن حِرْصِكَ علَى الحَديثِ أسْعَدُ النَّاسِ بشَفَاعَتي يَومَ القِيَامَةِ، مَن قالَ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِن قَلْبِهِ، أوْ نَفْسِهِ."الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر :صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم: 99 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-يخبِرُنا النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ أسعدَ النَّاسِ بشفاعتِه يومَ القيامة هو مَن نطَق بالشَّهادتينِ معتقِدًا معناهما، عاملًا بمقتضاهما إجمالًا.
وفيه:أنَّ الشَّفاعةَ إنَّما تكونُ في أهلِ التَّوحيدِ.
وفيه: ثبوتُ الشَّفاعةِ.الدرر.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وَالِاقْتِصَارُ عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَلَى إِرَادَةِ الشَّهَادَتَيْنِ مَعًا لِكَوْنِهَا صَارَتْ عَلَمًا عَلَى ذَلِكَ " انتهى من "فتح الباري" 1/ 133.
وقال المُلَّا علي القاري رحمه الله :
"
ولتلازم الشهادتين شرعًا : جُعِلتا خصلة واحدة ، واقتصر في رواية على إحدى الشهادتين ، اكتفاء .
وقال الشيخ ابن جبرين رحمه الله :
" الشهادتان متلازمتان من شهد بإحداهما لزمته الأخرى، بل هي مكملة لها؛ لأنا نقول: من أين عرفت أنه لا إله إلا الله، وعرفت بأن الله هو الإله الحق، وأنه لا تصلح الألوهية إلا له؟! أليس ذلك بواسطة الرسالة؟! إذاً:فيلزمك تصديق الرسول، والشهادة له بأنه مرسل من ربه.
وإذا صدقت الرسول عليه السلام في أنه رسول، وأنه مبعوث من ربه، فما هي الرسالة التي بلغها ؟ أليس أول شيء بدأ به هو التوحيد بأن يقال : لا إله إلا الله ؟ فالرسول عليه الصلاة والسلام بدأ يدعو الناس إلى عبادة الله وترك عبادة ما سواه ، وهذا هو أعظم الرسالة التي بلغها ، فالشهادتان متلازمتان ، فمن شهد أن لا إله إلا الله ألزم بأن يأتي بالشهادة الثانية وهي الشهادة بالرسالة، ومن شهد أن محمداً رسول الله لزمه قبول رسالته التي أهمها قول لا إله إلا الله، فعرفنا بذلك أنهما متلازمتان " انتهى . "شرح الطحاوية" 45/ 12 .الإسلام سؤال وجواب
سبق ونوهنا عن ترتيب أحداث يوم القيامة عند الكلام عن الحوض وقلنا:
إذا بُعث الناس وقاموا من قبورهم ذهبوا إلى أرض المحشر....../فإذا طال المُقام رَفَعَ الله - عز وجل - لنبيه صلى الله عليه وسلمأولًاحوضه المورود ،..../ ثميقوم الناس مُقامًا طويلًا ، ثم تكونالشفاعة العظمى - شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم- بأن يُعَجِّلَ الله - عز وجل - حساب الخلائق.ترتيب أحداث يوم القيامة-هنا-

"
أنا سَيِّدُ ولَدِ آدَمَ يَومَ القِيامَةِ، وأَوَّلُ مَن يَنْشَقُّ عنْه القَبْرُ، وأَوَّلُ شافِعٍ وأَوَّلُ مُشَفَّعٍ."الراوي : أبو هريرة - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 2278 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر-
الشافِع والمشَفَّع هنا:هو الرسول صلى الله عليه وسلم
فالشافع إذا قُبلت شفاعتُه صار مُشفعًا.
لذلك قال صلى الله معليه وسلم "وأَوَّلُ شافِعٍ وأَوَّلُ مُشَفَّعٍ"أي أول من يطلب الشفاعة وأول من يقبل.

*القسم الثاني : الشفاعة التي تكون في الآخرة ـ يوم القيامة ـ .
فأما الشفاعة التي تكون في الآخرة فهي نوعان :
🍃النوع الأول: الشفاعة الخاصة:
وهي التي تكون للرسول صلى الله عليه وسلم خاصة لا يشاركه فيها غيره من الخلق وهي أقسام :
أولها:الشفاعة العظمى:
وهي من المقام المحمود الذي وعده الله إياه ، في قوله تعالى " وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا"سورة الإسراء.79. وهي الأولى، التي يشفع فيها عند الله عز وجل، ليأتي لفصل القضاء، وهي التي يرغب إليه فيها الخلق كلهم مؤمنهم وكافرهم.
وحقيقة هذه الشفاعة
إِنَّهُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَجْمَعُ اللهُ الْخَلْقَ، وَيَلْحَقُهُمْ مِنْ الشِّدَّةِ مَا لا يُطَاقُ وَلا يُحْتَمَلُ.إِنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَحْصُلُ فِيهِ الكَثِيرُ مِنَ الْكُرُوبِ وَالأَهْوَالِ، وَلا يَنْجُو إِلَّا مَنْ عَرَفَ اللهَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، فَوَحَّدَهُ، وَأَطَاعَهُ.
فأهل الموقف حينما يوقف الناس بين يدي الله للحساب حفاة لا نعال لهم، عراة لا ثياب عليهم، غرلًا غير مختونين، بُهمًا ليس معهم شيء، ويشتد الحرُّ، وتدنو الشمسُ من الرؤوسِ، ويزادُ في حرارتِها فيكون يومًا عصيبًا، فيموج الناسُ بعضهم إلى بعضٍ.
قال صلى الله عليه وسلم "إنَّكُمْ مُلاقُو اللَّهِ حُفاةً عُراةً مُشاةً غُرْلًا."صحيح البخاري .
وقال صلى الله عليه وسلم"يُبعثُ الناسُ حُفاةً عُراةً غُرلًا ، قد ألجَمهم العَرَقُ ، وبلَغَ شُحومَ الآذانِ، فقلتُ : يُبصِرُ بعضُنا بعضًا ؟قال : شُغِلَ الناسُ ،لكلِّ امرىءٍ منهم يومئِذٍ شأنٌ يُغنِيِه" الراوي : سودة بنت زمعة أم المؤمنين - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترغيب- حسن لغيره.
"ثُمَّ يُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَبْوَابِ"الحديث.رواه البخاري :4343 - ومسلم : 287 .
قال القرطبي رحمه الله تعالى" وقوله: أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ ، فيقال.يا محمدُ، أَدخِل الجنة من أمتِكَ من لا حساب عليه ،هذا يدل على أنه شُفِّع فيما طلبه من تعجيل حساب أهل الموقفِ، فإنه لما أُمِر بإدخال من لا حساب عليه من أمته، فقد شُرِع في حساب من عليه حِساب من أمته وغيرهم" انتهى من"المفهم" 1 / 437.
وقال صلى الله عليه وسلم"يَحشُرُ اللهُ العبادَ -أو الناسَ- عُراةً غُرلًا بُهمًا، قلنا: ما بُهمًا؟ قال: ليس معهم شَيءٌ، فيُناديهم بصوتٍ يَسمَعُه مَن بَعُدَ - أحسَبُه قال: كما يَسمَعُه مَن قَرُبَ-أنا المَلِكُ لا يَنبغي لأحَدٍ من أهلِ الجَنَّةِ يدخُلُ الجَنَّةَ، وأحَدٌ من أهلِ النارِ يطلُبُه بمَظلمَةٍ، ولا يَنبغي لأحَدٍ من أهلِ النارِ يدخُلُ النارَ، وأحَدٌ من أهلِ الجَنَّةِ يطلُبُه بمَظلمَةٍ قُلتُ: وكيف؟ وإنَّما نأتي اللهَ عُراةً بُهمًا؟ قال: بالحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ."الراوي : عبدالله بن أنيس - المحدث : شعيب الأرناؤوط-المصدر : تخريج العواصم والقواصم -الصفحة أو الرقم: 3/ 222 - خلاصة حكم المحدث : حسن
الشرح:إِنَّ اللهَ يُرِيحُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذَا الْمَوْقِفِ الْعَصِيبِ بِشَفَاعَةِ رَسُولِ اللهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الشَّفَاعَةَ الْعُظْمَى، بَعْدَ أَنْ يَتَرَاجَعَ عَنْهَا أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، حَيْثُ إِنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَخَافُ وَيُحْجِمُ عَنِ الإِقْدَامِ عَلَى الشَّفَاعَةِ مِنْ شِدَّةِ الْمَوْقِفِ وَهَوْلِ الْمَطْلَعِ.
فيشفع صلى الله عليه وسلم لجميع الخلق حين يؤخِّر اللهُ الحسابَ فيطول بهم الانتظار في أرض المحشر يوم القيامة فيبلغ بهم من الغم والكرب ما لا يطيقون ، فيقولون: من يشفع لنا إلى ربنا حتى يفصل بين العباد، يتمنون التحول من هذا المكان ، فيأتي الناس إلى الأنبياء فيقول كل واحد منهم : لست لها، حتى إذا أتوا إلى نبينا صلى الله عليه وسلم فيقول"أنا لها" صحيح مسلم فيشفع لهم في فصل القضاء ، فهذه الشفاعة العظمى، وهي من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.
*
قال البخاري في صحيحه:

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، قال:حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ ، حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ وَقَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ القِيَامَةِ ، حَتَّى يَبْلُغَ العَرَقُ نِصْفَ الأُذُنِ ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ ، ثُمَّ بِمُوسَى ، ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" وَزَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ ، قال:حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ :فَيَشْفَعُ لِيُقْضَى بَيْنَ الخَلْقِ ، فَيَمْشِي حَتَّى يَأْخُذَ بِحَلْقَةِ البَابِ ، فَيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مَقَامًا مَحْمُودًا ، يَحْمَدُهُ أَهْلُ الجَمْعِ كُلُّهُمْ"صحيح البخاري/كتاب الزكاة/ باب من سأل الناس تكثرا/حديث رقم 1416.
قَوْله: وَزَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ : يحْتَمل التَّعْلِيق حَيْثُ لم يضفه إِلَى نَفسه وَلم يقل: زادني.جامع السنةوشروحها-
فَتُنْصَبُ الْمَوَازِينُ ، فَتُوزَنُ بِهَا أَعْمَالُ الْعِبَاد"‏فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ"المؤمنون‏:‏ 102‏:‏ 103‏‏‏. وَتُنْشَرُ الدَّوَاوِينُ، وَهِيَ صَحَائِفُ الأَعْمَالِ، فَآخِذٌ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وآخِذٌ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ أَوْ مِنْ وَّراءِ ظَهْرِهِ؛ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"‏وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كَتَابَكَ كفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا‏"الإسراء‏:‏ 13‏:‏ 14‏‏‏.‏ وَيُحَاسِبُ اللهُ الخَلائِقَ، وَيَخْلُو بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ؛ كَمَا وُصِفَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ‏.‏ وَأَمَّا الْكُفَّارُ؛ فَلا يُحَاسَبُونَ مُحَاسَبَةَ مَنْ تُوزَنُ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ؛ فَإِنَّهُ لاَ حَسَنَاتَ لَهُمْ، وَلَكِنْ تُعَدُّ أَعْمَالُهُمْ، فَتُحْصَى، فَيُوقَفُونَ عَلَيْهَا وَيُقَرَّرُونَ بِهَا‏.‏
وَالصِّرَاطُ مَنْصُوبٌ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ، وَهُوَ الْجِسْرُ الَّذِي بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، يَمُرُّ النَّاسُ عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ، وَمِنْهُم مَن يَمُرُّ كَالْبَرْقِ، وَمِنْهُم مَن يَمُرُّ كَالرِّيحِ، ومِنْهُم مَن يَمُرُّ كَالْفَرَسِ الْجَوَادِ، وَمِنْهُم مَن يَمُرُّ كَرِكَابِ الإِبِلِ، ومِنْهُم مَن يَعْدُو عَدْوًا، وَمِنْهُم مَن يَمْشِي مَشْيًا، وَمِنْهُم مَن يَزْحَفُ زَحْفًا، وَمَنْهُم مَن يُخْطَفُ خَطْفًا وَيُلْقَى فِي جَهَنَّمَ؛ فَإِنَّ الْجِسرَ عَلَيْهِ كَلاَلِيبُ تَخْطِفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِم، فَمَنْ مَرَّ عَلَى الصِّرَاطِ ونجا من السقوط في النار؛ استحق دخول الْجَنَّةَ‏.‏ فَإِذَا عَبَرُوا عَلَيْهِ؛ وَقَفُوا عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقْتَصَّ لِبَعْضِهِم مِن بَعْضٍ، فَإِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا؛ أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ‏.
‏وهذه هي الشفاعة لأهل الجنة لدخول الجنة:

ثانيها :الشفاعة لأهل الجنة لدخول الجنة:
- بعد عبور الصراط-يجري نحو ما جرى من تدافع وتراجع الأنبياء عن الشفاعة في ذلك، فيشفع أيضًا لأهل الجنة أن يدخلوا الجنة، وفي كل ذلك إظهار لشرفه صلى الله عليه وسلم، وإعلاء لقدره، وإظهار لكرمه على ربه.هنا-
عن حذيفةَ وأبي هريرة رضيَ اللهُ عنهما:قالا:قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ "يَجْمَعُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى النَّاسَ، فَيَقُومُ المُؤْمِنُونَ حتَّى تُزْلَفَ لهمُ الجَنَّةُ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فيَقولونَ: يا أبانا، اسْتَفْتِحْ لنا الجَنَّةَ، فيَقولُ: وهلْ أخْرَجَكُمْ مِنَ الجَنَّةِ إلَّا خَطِيئَةُ أبِيكُمْ آدَمَ، لَسْتُ بصاحِبِ ذلكَ، اذْهَبُوا إلى ابْنِي إبْراهِيمَ خَلِيلِ اللهِ، قالَ: فيَقولُ إبْراهِيمُ: لَسْتُ بصاحِبِ ذلكَ، إنَّما كُنْتُ خَلِيلًا مِن وراءَ وراءَ، اعْمِدُوا إلى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ الذي كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا، فَيَأْتُونَ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فيَقولُ: لَسْتُ بصاحِبِ ذلكَ، اذْهَبُوا إلى عِيسَى كَلِمَةِ اللهِ ورُوحِهِ، فيَقولُ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: لَسْتُ بصاحِبِ ذلكَ، فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَيَقُومُ فيُؤْذَنُ له، وتُرْسَلُ الأمانَةُ والرَّحِمُ، فَتَقُومانِ جَنَبَتَيِ الصِّراطِ يَمِينًا وشِمالًا، فَيَمُرُّ أوَّلُكُمْ كالْبَرْقِ قالَ: قُلتُ: بأَبِي أنْتَ وأُمِّي أيُّ شيءٍ كَمَرِّ البَرْقِ؟ قالَ: ألَمْ تَرَوْا إلى البَرْقِ كيفَ يَمُرُّ ويَرْجِعُ في طَرْفَةِ عَيْنٍ؟ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ، وشَدِّ الرِّجالِ، تَجْرِي بهِمْ أعْمالُهُمْ ونَبِيُّكُمْ قائِمٌ علَى الصِّراطِ يقولُ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ، حتَّى تَعْجِزَ أعْمالُ العِبادِ، حتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فلا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إلَّا زَحْفًا، قالَ: وفي حافَتَيِ الصِّراطِ كَلالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بأَخْذِ مَنِ اُمِرَتْ به، فَمَخْدُوشٌ ناجٍ، ومَكْدُوسٌ في النَّارِ."والذي نَفْسُ أبِي هُرَيْرَةَ بيَدِهِ إنَّ قَعْرَ جَهَنَّمَ لَسَبْعُونَ خَرِيفًا."الراوي : أبو هريرة وحذيفة بن اليمان - المحدث :مسلم - المصدر : صحيح مسلم- الصفحة أو الرقم: 195 - خلاصة حكم المحدث :صحيح- الدرر-
*
قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ "يُجْمَعُ الناسُ يومَ القيامةِ"....إلى ، أن قال : فيُعْطَوْنَ نُورَهم على قَدْرِ أعمالِهم ، وقال : فمنهم مَن يُعْطَى نُورَه مِثْلَ الجبلِ بينَ يَدَيْهِ ، ومنهم مَن يُعْطَى نُورَه فوقَ ذلك ، ومنهم مَن يُعْطَى نُورَه مِثْلَ النخلةِ بيمينِهِ ، ومنهم مَن يُعْطَى دون ذلك بيمينِه ، حتى يكونَ آخِرُ مَن يُعْطَى نُورَه على إبهامِ قَدِمِه ، يُضِيءُ مَرَّةً ويُطْفِئُ مَرَّةً ، وإذا أضاء قَدَّمَ قَدَمَه ، وإذا طفِئَ قام ، قال فيَمُرُّ ويَمُرُّونَ على الصراطِ ، والصراطُ كحَدِّ السَّيْفِ ، دَحْضٌ ، مَزَلَّةٌ ، فيُقالُ لهم ، امْضُوا على قَدْرِ نورِكم ، فمنهم مَن يَمُرُّ كانْقِضاضِ الكوكبِ ، ومنهم مَن يَمُرُّ كالرِّيحِ ، ومنهم مَن يَمُرُّ كالطَّرْفِ ، ومنهم مَن يَمُرُّ كشَدِّ الرَّحْلِ ، يَرْمُلُ رَمَلًا ، فيَمُرُّونَ على قَدْرِ أعمالِهِم ، حتى يَمُرَّ الذي نورُه على إبهامِ قَدَمِه ، تَخِرُّ يَدٌ ، وتَعْلَقُ يَدٌ ، وتَخِرُّ رِجْلٌ ، وتَعْلَقُ رِجْلٌ ، وتُصِيبُ جوانبَه النارُ فيَخْلُصُونَ ، فإذا خَلَصُوا قالوا: الحمدُ للهِ الذي نَجَّانا منكِ بعدَ أن أَرَانَاكِ ، لقد أعطانا اللهُ ما لم يُعْطَ أَحَدٌ"الراوي : عبدالله بن مسعود -المحدث : الألباني - المصدر : شرح الطحاوية-الصفحة أو الرقم: 415 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.الدرر.
اللهم سلم سلم
"
فيَخلُصُوا، فإذا خَلَصوا قالوا:الحمْدُ للهِ الذي نجَّانا منكِ بعدَ الذي أراناكِ، لقد أعْطَانا اللهُ ما لم يُعطِ أحدًا"، أي: فإذا تَحقَّقوا أنَّهم قد نَجَوا منها يَحمَدون اللهَ عزَّ وجلَّ على هذه النِّعمةِ العظيمةِ، ويَتصوَّرون أنَّ أحدًا مِن الناسِ لم يفُزْ بمِثلِها؛ وهذا مِن شِدَّةِ الأهوالِ التي وُصِفَت، وشِدَّةِ الخوفِ مِن السُّقوطِ والخُلودِ في النارِ.
وفي الحديثِ: دَعوةٌ إلى الإكثارِ مِن العمَلِ الصالحِ؛ للفوزِ والنَّجاةِ مِن النارِ.
وفيه:التَّحذيرُ مِن الأعمالِ السَّيِّئةِ التي تُهلِكُ أصحابَه.
*وقال صلى الله عليه وسلم:
"
فيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ، فأكُونُ أوَّلَ مَن يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ بأُمَّتِهِ، ولَا يَتَكَلَّمُ يَومَئذٍ أحَدٌ إلَّا الرُّسُلُ، وكَلَامُ الرُّسُلِ يَومَئذٍ:اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وفي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ قالوا: نَعَمْ، قالَ: فإنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غيرَ أنَّه لا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إلَّا اللَّهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَن يُوبَقُ بعَمَلِهِ، ومِنْهُمْ مَن يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو،"الحديث.صحيح البخاري.
شرح الحديث:يوضَعُ الصِّراطُ بين ظَهْرانَيْ جهنَّمَ، فيكونُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أوَّلَ مَن يقطَعُ مسافةَ الصِّراطِ مِن الرُّسُلِ عليهم الصَّلاة والسَّلامُ، وأمَّتُه معه، ويكونُ دعاءُ الرُّسُلِ حينئذٍ:اللَّهمَّ سلِّمْ سلِّمْ؛ شفقةً منهم على الخَلْقِ، وفي جهنَّمَ كلاليبُ، جمعُ كَلُّوبٍ، مِثْلُ شَوْكِ السَّعدانِ، وهو نبتٌ له شَوْكٌ مِن جيِّدِ مراعي الإبلِ، يُضرَبُ به المثَلُ، فتخطَفُ النَّاسَ بسرعةٍ، بسببِ أعمالِهم السَّيِّئةِ، أو على حسَبِ أعمالِهم، فمنهم مَن يُوبَقُ،أي: يُهلَكُ،ومنهم مَن يُخَرْدَلُ، أي: يُقطَّعُ صِغارًا كالخَرْدَلِ، والمعنى: أنَّه تُقطِّعُه كلاليبُ الصِّراطِ حتَّى يَهوِيَ إلى النَّارِ، ثمَّ يُنجِّي اللهُ تعالى منها مَن كان يعبُدُ اللهَ وحده، وهم المؤمنون الخُلَّصُ...الدرر.
فمن الشفاعة الخاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، فإن أهل الجنة إذا عَبَرُوا الصراط أوقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فتمحص قلوب بعضهم من بعض حتى يُهَذَّبُوا ويُنَقُّوا ثم يُؤذَن لهم في دخول الجنة فتفتح أبواب الجنة بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.الشيخ محمد بن صالح العثيمين .
قال الشيخ العثيمين في شرحه للعقيدة الواسطية:
وذلك أن أهل الجنة إذا عبروا الصراط؛ وقفوا على قنطرة، فيقتص لبعضهم من بعض وهذا القصاص غير القصاص الذي كان في عرصات القيامة، بل هو قصاص أخص، يطهر الله فيه القلوب، ويزيل ما فيها من أحقاد وضغائن؛ فإذا هُذِّبُوا ونُقوا ؛ أُذِنَ لهم في دخول الجنة.
ولكنهم إذا أتوا إلى الجنة؛ لا يجدونها مفتوحة كما يجد ذلك أهل النار؛ فلا تفتح الأبواب ، حتى يشفع النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الجنة أن يدخلوها، فيدخل كل إنسان من باب العمل الذي يكون أكثر اجتهادًا فيه من غيره، وإلا ؛ فإن المسلم قد يدعى من كل الأبواب.
وهو صريح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ؛ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"يجمعُ اللهُ الناسَ يومَ القيامَةِ ، فيقومُ المؤمنونَ حينَ تُزْلَفُ لهم الجنةُ ، فيأتونَ آدمَ ، فيقولونَ : يا أبانا ! استفتِحْ لنا الجنةَ ، فيقولُ : وهلْ أخرجَكُمْ مِنَ الجنةِ إلَّا خطيئةُ أبيكم آدمَ ، لستُ بصاحبِ ذلِكَ ، اذهبوا إلى ابني إبراهيمَ خليلِ اللهِ...." الحديث.
وفيه"فيأتونَ محمدًا ، فيقومُ فيؤذَنُ له.." الحديث.صحيح الجامع.
*عن عبادة بن الصامت قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"مَن قالَ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسولُهُ، وأنَّ عِيسَى عبدُ اللهِ، وابنُ أمَتِهِ، وكَلِمَتُهُ ألْقاها إلى مَرْيَمَ ورُوحٌ منه، وأنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ، وأنَّ النَّارَ حَقٌّ، أدْخَلَهُ اللَّهُ مِن أيِّ أبْوابِ الجَنَّةِ الثَّمانِيَةِشاءَ." صحيح مسلم
*عن أبي هريرة رضي الله عنه "أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: مَن أنْفَقَ زَوْجَيْنِ في سَبيلِ اللَّهِ، نُودِيَ مِن أبْوَابِ الجَنَّةِ: يا عَبْدَ اللَّهِ هذا خَيْرٌ، فمَن كانَ مِن أهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِن بَابِ الصَّلَاةِ، ومَن كانَ مِن أهْلِ الجِهَادِ دُعِيَ مِن بَابِ الجِهَادِ، ومَن كانَ مِن أهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِن بَابِ الرَّيَّانِ، ومَن كانَ مِن أهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنبَابِ الصَّدَقَةِ"فَقالَ أبو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: بأَبِي أنْتَ وأُمِّي يا رَسولَ اللَّهِ ما علَى مَن دُعِيَ مِن تِلكَ الأبْوَابِ مِن ضَرُورَةٍ، فَهلْ يُدْعَى أحَدٌ مِن تِلكَ الأبْوَابِ كُلِّهَا؟"قالَ: نَعَمْ وأَرْجُو أنْ تَكُونَ منهمْ."صحيح البخاري.
أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-04-23, 11:06 PM   #7
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
Mmm

المجلس الحادي العشرون

شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل

*وَالإيمَانُ بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَبِقَوْمٍ يُخْرَجُونَ مِنَ النَّارِ بَعْدَمَا احْتَرَقُوا وَصَارُوا فَحْمًا؛فَيُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى نَهْرٍ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ،كَمَا جَاءَ في الأَثَرِ،كَيْفَ شَاءَ اللهُ وَكَمَا شَاءَ،إِنَّمَا هُوَ الإيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ.
الشرح


سبق وتكلمنا عن أول نوع من أنواع الشفاعة:

أولها:الشفاعة العظمى:
وهي من المقام المحمود الذي وعده الله إياه ، في قوله تعالى " وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا"سورة الإسراء79. وهي الأولى، التي يشفع فيها عند الله عز وجل، ليأتي لفصل القضاء، وهي التي يرغب إليه فيها الخلق كلهم مؤمنهم وكافرهم.
وحقيقة هذه الشفاعة
إِنَّهُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَجْمَعُ اللهُ الْخَلْقَ، وَيَلْحَقُهُمْ مِنْ الشِّدَّةِ مَا لا يُطَاقُ وَلا يُحْتَمَلُ.إِنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَحْصُلُ فِيهِ الكَثِيرُ مِنَ الْكُرُوبِ وَالأَهْوَالِ، وَلا يَنْجُو إِلَّا مَنْ عَرَفَ اللهَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، فَوَحَّدَهُ، وَأَطَاعَهُ.
فأهل الموقف حينما يوقف الناس بين يدي الله للحساب حفاة لا نعال لهم، عراة لا ثياب عليهم، غرلًا غير مختونين، بُهمًا ليس معهم شيء، ويشتد الحرُّ، وتدنو الشمسُ من الرؤوسِ، ويزادُ في حرارتِها فيكون يومًا عصيبًا، فيموج الناسُ بعضهم إلى بعضٍ.

واللهُ يُرِيحُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذَا الْمَوْقِفِ الْعَصِيبِ بِشَفَاعَةِ رَسُولِ اللهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الشَّفَاعَةَ الْعُظْمَى، بَعْدَ أَنْ يَتَرَاجَعَ عَنْهَا أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، حَيْثُ إِنَّ كُلًّامِنْهُمْ يَخَافُ وَيُحْجِمُ عَنِ الإِقْدَامِ عَلَى الشَّفَاعَةِ مِنْ شِدَّةِ الْمَوْقِفِ وَهَوْلِ الْمَطْلَعِ.

وقد بَشَّرَنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّ للهِ عِبادًا سيهون عليهم الموقف:
"سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: الإمَامُ العَادِلُ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ، فَقَالَ: إنِّي أخَافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ."الراوي : أبو هريرة/صحيح البخاري.


يَومُ القِيامةِ يومٌ عَصيبٌ كثيرُ الأهوالِ، تَدْنو فيه الشَّمسُ مِن رُؤوسِ العِبادِ، ويَشتَدُّ عليهم حَرُّها، وقد بَشَّرَنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّ للهِ عِبادًا سيُظِلُّهم في ظِلِّه في هذا اليومِ الذي لا ظِلَّ سِوى ظِلِّه سُبحانه وتَعالى.

"اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَيْنِ البَقَرَةَ، وسُورَةَ آلِ عِمْرانَ، فإنَّهُما تَأْتِيانِ يَومَ القِيامَةِ كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ كَأنَّهُما غَيايَتانِ، أوْ كَأنَّهُما فِرْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصْحابِهِما، اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فإنَّ أخْذَها بَرَكَةٌ، وتَرْكَها حَسْرَةٌ، ولا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ. قالَ مُعاوِيَةُ: بَلَغَنِي أنَّ البَطَلَةَ: السَّحَرَةُ"صحيح مسلم.

" كأنَّهما "غَمامتانِ"، أي: سَحابتانِ، تُظِلَّانِ صاحبَهما عن حَرِّ الموقِفِ، وإنَّما سُمِّيَ غَمامًا لأنَّه يَغُمُّ السَّماءَ، أي: يَستُرُها، "أو غَيايتان"، الغَيايةُ: كُلُّ ما أَظَلَّ الإنسانَ فَوْقَ رأسِهِ، من سحابةٍ، وغيرِها، "أو كأنَّهما فِرْقانِ"، أي: طائفتان، وجماعتان، "مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ" وهي جماعةُ الطَّيرِ الباسِطةُ أجنحَتَهَا، والمرادُ أنَّهما يَقيانِ قارِئَهما من حَرِّ الموقِفِ، وكَرْبِ يومِ القيامةِ.

ثانيها :الشفاعة لأهل الجنة لدخول الجنة:
قالَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "إذَا خَلَصَ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِحُبِسُوا بقَنْطَرَةٍ بيْنَ الجَنَّةِ والنَّارِ،فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بيْنَهُمْ في الدُّنْيَا حتَّى إذَا نُقُّوا وهُذِّبُوا، أُذِنَ لهمْ بدُخُولِ الجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَأَحَدُهُمْ بمَسْكَنِهِ في الجَنَّةِ أدَلُّ بمَنْزِلِهِ كانَ في الدُّنْيَا."الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 2440 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
شرح الحديث:في هذا الحديثِ مَشْهَدٌ مِن مَشاهِدِ يومِ القِيامَةِ المَهُولَةِ العَظِيمَةِ، حَيْثُ يُحبَسُ المؤمنون بعدَ أن يَتجاوزوا الصِّراطَ ويُنَجِّيَهم الله تعالى بفضلِه ورحمتِه مِن النارِ، فتُوقِفُهم الملائكةُ على قَنْطَرَةٍ أو جِسْرٍ بينَ الجنَّة والنارِ، فيَتقاصُّونَ مَظالِمَ كانت بَيْنَهم في الدُّنيا، يعني: يَقْتَصُّ المظلومُ مِن ظالِمِه حقَّه الَّذِي اعتدَى عليه في الدُّنيا، حتَّى إذا طُهِّروا وتخلَّصوا من حقوقِ الناس أُدخِلوا الجنَّةَ، وهم أعرَفُ بمنازِلِهم فيها مِن أهلِ الدُّنيا بمنازلِهم.
وفي الحديثِ: التَّحذِيرُ مِن المظالِمِ، والتَّأْكِيدُ على أنَّه ما مِن حَقٍّ إلَّا سَيرجِعُ لِصاحِبِه يومَ القِيامَةِ؛ فَلْنَعْمَلْ لِمِثْلِ هذا اليومِ العظيمِ.الدرر .
قال صلى الله عليه وسلم:
"مَن كَانَتْ له مَظْلَمَةٌ لأخِيهِ مِن عِرْضِهِ أَوْ شيءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ منه اليَومَ، قَبْلَ أَنْ لا يَكونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كانَ له عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ منه بقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وإنْ لَمْ تَكُنْ له حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عليه."الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 2449 - خلاصة حكم المحدث : صحيح. الدرر السنية.
شرح الحديث:حرَّم اللهُ تعالى الظُّلمَ على نفْسِه، وجَعَله محرَّمًا بينَ عِبادِه، وتوعَّد الظالمين بالقِصاصِ منهم والعذابِ، فإنْ أَفْلَتَ الظالِمُ في الدُّنيا بظُلمِه، فلا مَفَرَّ له يَومَ القِيامةِ ولا مَلْجَأَ له مِن الله، حَيْثُ لا يَنفَعُ مالٌ ولا بَنُونَ؛ ولذلك أمَر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم كلَّ مَن ظلَم أحدًا في عِرْضِه أو شيءٍ آخَرَ: أن يَتحلَّلَه، يعني: يَطلُب منه أن يُحِلَّه ويُسامِحَه؛ لأنَّه إن لم يَفعَلْ ذلك أخَذ هذا المظلومُ مِن حَسناتِه يومَ القيامةِ، فإنْ لم يكن له حسناتٌ وُضِع من سيِّئاتِ هذا المظلومِ على الظالِمِ.
وفي الحديثِ: التَّحذيرُ من مَغَبَّةِ الظُّلمِ وعاقبتِه.الدرر.
وهذا الذي يأخذ الناس حسناته، ثم يقذفون فوق ظهره بسيئاتهم هو المفلس، كما سماه الرسول صلى الله عليه وسلم.
"أَتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ،فقالَ:إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ."الراوي : أبو هريرة - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2581 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.
في الحَديثِ:بيانُ مَعنى الْمُفلِسِ الحقيقيِّ، وهو مَنْ أخَذَ غُرماؤُه أعمالَه الصَّالحةَ.
وفيه إشعارٌ بِأنَّه لا عَفوَ ولا شفاعةَ في حقوقِ العبادِ إلَّا أنْ يَشاءَ اللهُ، فَيُرضِي المظلومَ بِمَا أرادَ.
وفيه:أنَّ القِصاصَ يأتي على جميعِ الحسناتِ، حتَّى لا يُبقي منها شيءٌ.الدرر.
ثم من ينجو بعد القصاص على القنطرة يفوز بدخول الجنة.
"أنا أكْثَرُ الأنْبِياءِ تَبَعًا يَومَ القِيامَةِ، وأنا أوَّلُ مَن يَقْرَعُ بابَ الجَنَّةِ."الراوي : أنس بن مالك - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 196 - خلاصة حكم المحدث : صحيح -الدرر -
"أنَا أكثرُ الأنبياءِ تَبَعًا"أي: أَتْباعًا مُؤمنينَ به وبِرِسالتِهِ، يومَ القيامةِ.
"وأنا أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ" أي: يَدُقُّ ويَسْتَفْتِحُ، بابَ الجنَّةِ، أي: لِيَفتحَ له حارِسُها، وهذا إعلامٌ منه صلَّى الله عليه وسلَّم بأنَّه أَوَّلُ مَنْ يَدخُلُها.-الدرر -
"آتي بابَ الجَنَّةِ يَومَ القِيامَةِ فأسْتفْتِحُ، فيَقولُ الخازِنُ: مَن أنْتَ؟ فأقُولُ: مُحَمَّدٌ، فيَقولُ:بكَ أُمِرْتُ لا أفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ."الراوي : أنس بن مالك - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 197-خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر-
فيقولُ الخازِنُ عندما يَسمعُ اسمَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم:بِكَ أُمِرْتُ لا أَفتحُ لأَحدٍ قَبْلكَ، أي:لا أَفتحُ الجنَّةَ لأحدٍ قَبْلكَ حتَّى يكونَ أنتَ أَوَّلَ مَنْ يَفتحُها، وهذا إعلامٌ منه صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه أَوَّلُ مَنْ يَدخُلُها.الدرر-


ثالثها:شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب:
سَأَل العَبَّاسُ بنُ عبدِ المُطَّلِبِ رضِي اللهُ عنه رسولَ الله صلَّى الله عليهوسلَّم فقال له"يَا رَسولَ اللَّهِ، هلْ نَفَعْتَ أبَا طَالِبٍ بشيءٍ، فإنَّه كانَ يَحُوطُكَ ويَغْضَبُ لَكَ؟ قالَ: نَعَمْ، هو في ضَحْضَاحٍ مِن نَارٍ، لَوْلَا أنَا لَكانَ في الدَّرَكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ."الراوي : العباس بن عبدالمطلب - المحدث :البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 6208 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر-
"هو في ضَحْضَاحٍ مِن نارٍالضحضاح من الماء ما يبلغ الكعب، ويقال أيضًا لما قرب من الماء، وهو ضد الغمرة، والمعنى: أنه خفف عنه العذاب...
"لَوْلَا أنَا لَكانَ في الدَّرَكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ"أي: في الطَّبَقِ الذي في قَعْرِ جَهَنَّمَ، والنارُ سَبْعُ دَرَكاتٍ، سُمِّيتْ بذلك لأنَّها مُتَدارِكة مُتَتابِعة بعضُها فوقَ بعضٍ.فأعمام الرسول عليه الصلاة والسلامعشرة، أدرك الإسلام منهم أربعة ؛ فبقي اثنان على الكفر وأسلم اثنان :
ـ فالكافران هما :أبو لهب: وقد أساء إلى النبى صلى الله عليه وسلم إساءة عظيمة ، وأنزل الله فيه وفي امرأته سورة كاملة في ذمهما ووعيدهما - سورة المسد.
والآخر:أبو طالب:وقد أحسن إلى الرسول إحسانًا مشهورًا،وكان من حكمة الله عز وجل أن بقي على كفره؛ لأنه لولا كفره؛ ما حصل هذا الدفاع عن الرسول عليه الصلاة ، بل كان يؤذي كما يؤذَى الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن بجاهه العظيم عند قريش وبقائه على دينهم صاروا يعظمونه وصار للنبي عليه الصلاة والسلام جانب من الحماية بذلك.
ولكنه مات كافرًا:
فعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ "أنَّ أبَا طَالِبٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، دَخَلَ عليه النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعِنْدَهُ أبو جَهْلٍ، فَقَالَ"أيْ عَمِّ، قُلْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لكَ بهَا عِنْدَ اللَّهِ" فَقَالَ أبو جَهْلٍ وعَبْدُ اللَّهِ بنُ أبِي أُمَيَّةَ: يا أبَا طَالِبٍ، تَرْغَبُ عن مِلَّةِ عبدِ المُطَّلِبِ، فَلَمْ يَزَالَا يُكَلِّمَانِهِ، حتَّى قَالَ آخِرَ شيءٍ كَلَّمَهُمْ بهِ: علَى مِلَّةِ عبدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ، ما لَمْ أُنْهَ عنْه ،فَنَزَلَتْ"ما كانَ للنبيِّ والذينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ولو كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِن بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لهمْ أنَّهُمْ أصْحَابُ الجَحِيمِ"التوبة: 113.ونَزَلَتْ"إنَّكَ لا تَهْدِي مَن أحْبَبْتَ"القصص:56"صحيح البخاري.واللذان أسلما هما العباس وحمزة ، وهو أفضل من العباس ، حتى لقبه الرسول عليه الصلاة والسلام أسد الله ، وقُتِلَ شهيدًا في أُحد رضي الله عنه وأرضاه ، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم سيد الشهداء.
*
قال صلَّى الله عليه وسلَّم "سيدُ الشهداءِ عندَ اللهِ يومَ القيامَةِ حمزةُ بنُ عبدِ المطلِبِ"صحيح الجامع للشيخ الألباني رحمه الله.
"أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه كانَ إذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بالعَبَّاسِ بنِ عبدِ المُطَّلِبِ، فقالَ: اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْكَ بنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وإنَّا نَتَوَسَّلُ إليكَ بعَمِّ نَبِيِّنَا فاسْقِنَا، قالَ: فيُسْقَوْنَ."الراوي :أنس بن مالك –صحيح البخاري.

فإنَّا نَتوسَّلُ إليك بِعَمِّ نَبيِّنا، أي: بدُعائِه واستِسقائِه، فَاسْقِنا، وأَنزِلْ علينا المطَرَ، وكان إذا فَعَلَ عمَرُ ذلك أنْزَلَ اللهُ تعالَى المطَرَ عليهم بِاستِسقاءِ العبَّاسِ رَضيَ اللهُ عنه.*عن العباس بن عبدالمطلب"قلتُ يا رسولَ اللَّهِ علِّمني شيئًا أسألُهُ اللَّهَ. قال "سلِ اللَّهَ العافِيةَ" فمَكثتُ أيَّامًا ثمَّ جئتُ فقلتُ: يا رسولَ اللَّهِ علِّمني شيئًا أسألُهُ اللَّهَ، فقالَ لي"يا عبَّاسُ يا عمَّ رسولِ اللَّهِ سلِ اللَّهَ العافيةَ في الدُّنيا والآخرةِ"صحيح سنن الترمذي للألباني.

*النوع الثاني: الشفاعة العامة:
وهي تكون للرسول صلى الله عليه وسلم ويشاركه فيها من شاء الله من الملائكة والنبيين والصالحين.فيشفع فيمن استحق النار ؛ أي: من عصاة المؤمنين.
وهذه لها صورتان : يشفع فيمن استحق النار أن لا يدخلها ، وفيمن دخلها أن يخرج منها.
وهي أقسام:
أولاها: الشفاعة لأناس قد دخلوا النار في أن يخرجوا منها. والأدلة على هذا القسم كثيرة جدًا منها :
ما جاء فيصحيح مسلم:269 : من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا "فَوالذي نَفْسِي بيَدِهِ، ما مِنكُم مِن أحَدٍ بأَشَدَّ مُنا شَدَةً لِلَّهِ في اسْتِقْصاءِ الحَقِّ مِنَ المُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَومَ القِيامَةِ لإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ في النَّارِ، يقولونَ: رَبَّنا كانُوا يَصُومُونَ معنا ويُصَلُّونَ ويَحُجُّونَ، فيُقالُ لهمْ: أخْرِجُوا مَن عَرَفْتُمْ، فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ علَى النَّارِ، فيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدِ أخَذَتِ النَّارُ إلى نِصْفِ ساقَيْهِ، وإلَى رُكْبَتَيْهِ"
.....
إلى أن قال " فيَقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: شَفَعَتِ المَلائِكَةُ، وشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وشَفَعَ المُؤْمِنُونَ، ولَمْ يَبْقَ إلَّا أرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فيُخْرِجُ مِنْها قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قدْ عادُوا حُمَمًا"الحديث .الدرر-
أي: ما منكم من أحد يُناشِد اللهَ في الدنيا في استيفاء حقِّه، وتحصيله من خصمه، المعتدِي عليه؛ بأشدَّ من مُناشدة المؤمنين اللهَ تعالى في الشفاعة لإخوانهم يوم القيامة.
ثانيها:الشفاعة لأناس قد استحقوا النار في أن لا يدخلوها، وهذه قد يستدل لها بقول الرسول صلى الله عليه وسلم "ما مِن رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ علَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، لا يُشْرِكُونَ باللَّهِ شيئًا، إلَّا شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فِيهِ"أخرجه مسلم: 1577 .إن الصلاة على الميت هدفها الأساسي الدعاء للميت، وهو مقبل على ظلمة القبر وعلى ما قدم من عمل.
فإن هذه شفاعة قبل أن يدخل النار، فيشفعهم الله في ذلك.
وفي الحديثِ: أنَّ المُصلِّين عَلى الميِّتِ شُفعاءُ فيهِ.
وفيهِ: حثُّ المُسلمينَ عَلى الصَّلاةِ عَلى الميِّتِ وتَكثيرِ العَددِ.وفي الحديث حصول شفاعة المؤمنين لإخوانهم قبل يوم القيامة، وذلك في الدنيا، وهي استشفاعهم إلى الله تعالى في الصلاة على من مات منهم بالرحمة والغفران والتجاوز .الدرر-ومعنى :شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فِيهِ: أي قبل دعاءهم له بالرحمة ، والمغفرة .وهذه الشفاعة تشمل الصغائر والكبائر، وهذا من فضل الله ورحمته، فمن قبل الله شفاعة الشافعين فيه ، واستجاب دعاءهم له ، كان ذلك من أسباب مفغفرة ذنوبه التي مات عليها ، من غير توبة. لكن تحقق الاستجابة في الشخص المعين : مرده إلى الله جل جلاله ، ولا يعني ذلك أنه تجب له الجنة بتلك الشفاعة؛ فقد يغفر الله بسبب شفاعة هؤلاء المصلين ذنوب هذا العبد، وقد يتبقى عليه ما قد يعاقب عليه في الآخرة، أو يعفو الله عنه، عفا الله عنا وعنكم بمننه وكرمه .موقع الإسلام سؤالوجواب.قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، في بيان الأسباب التي من أجلها تزول عقوبة الذنوب :" دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لِلْمُؤْمِنِ ، مِثْلُ صَلَاتِهِمْ عَلَى جِنَازَتِهِ ....... . وَهَذَا دُعَاءٌ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ . فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُحْمَلَ الْمَغْفِرَةُ عَلَى الْمُؤْمِنِ التَّقِيِّ الَّذِي اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ وَكُفِّرَتْ عَنْهُ الصَّغَائِرُ وَحْدَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مَغْفُورٌ لَهُ عِنْدَ الْمُتَنَازِعِينَ . فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَغْفِرَةِ لِلْمَيِّتِ."انتهى من "مجموع الفتاوى" 7/498.وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه، فالدعاء ينفع الله به الحي والميت جميعًا، فالحي الذي يصلي على الجنازة له قيراط من الأجر لو صلى عليها، والميت ينفعه الله بهذا الدعاء الذي يدعو به الأحياء، ويشفعهم الله فيه.
قال صلى الله عليه وسلم "مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ، إيمَانًا واحْتِسَابًا، وكانَ معهُ حتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا ويَفْرُغَ مِن دَفْنِهَا، فإنَّه يَرْجِعُ مِنَ الأجْرِ بقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، ومَن صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أنْ تُدْفَنَ، فإنَّه يَرْجِعُ بقِيرَاطٍ" الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر :صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 47 - خلاصة حكم المحدث : صحيح. الدرر.

ثالثها:الشفاعة لأناس من أهل الإيمان قد استحقوا الجنة أن يزدادوا رفعة ودرجات في الجنة .
ومثال ذلك ما رواه مسلم رحمه الله :1528: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا لأبي سلمة فقال "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ في المَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ في عَقِبِهِ في الغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يا رَبَّ العَالَمِينَ، وَافْسَحْ له في قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ له فِيهِ".صحيح مسلم.
فهذه شفاعة في الدنيا من حي للمتوفى تنفعه في الآخرة أيضًًا.رابعها:شفاعته صلى الله عليه وسلم في دخول أناس من أمته الجنة بغير حساب:وهذا النوع ذكره بعض العلماء واستدل له بحديث أبي هريرة الطويل في الشفاعة وفيه "ثُمَّ يُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْمِنْ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَبْوَابِ" رواه البخاري :4343 - ومسلم : 287 ."إِنَّ ربِّي وعَدَنِي أنْ يُدْخِلَ مِنَ أُمَّتي الجنةَ سبعينَ ألفًا بغيرِ حِسابٍ ، ثُمَّ يُتْبِعُ كلَّ أَلْفٍ - ب- ِسبعينَ ألفًا ، ثُمَّ يَحْثِي بِكَفِّهِ ثلاثَ حَثَياتٍ . فَكَبَّرَ عمرُ !فقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: إِنَّ السَّبْعِينَ الألفَ الأُوَلَ يُشَفِّعُهُمُ اللهُ في آبائِهِمْ وأُمَّهاتِهمْ وعَشَائِرِهِمْ ، وأرْجو أنْ يَجْعَلَ أُمَّتي أَدْنَى الحثياتِ الأَوَاخِرِ"الراوي : عتبة بن عبد السلمي - المحدث : الألباني - المصدر :صحيح الموارد- الصفحة أو الرقم: 2234 - خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح-الدرر-ثُمَّ يَحْثِي بِكَفِّهِ ثلاثَ حَثَياتٍ:وكم عدد كلّ حثية من حثيات الرّب العظيم الكريم الرؤوف الرحيم ؟؟ نسأل الله أن يجعلنا في تلك الأعداد برحمته.


وأرْجو أنْ يَجْعَلَ أُمَّتي أَدْنَى الحثياتِ الأَوَاخِرِ: لسعة فضله ولأن العدد الأول السبعون ألف ... لا يسع أمته كلها صلى الله عليه وسلم لذا دعا أن تكون أمته لها نصيب في الحثيات الأخيرة الواسعة بفضله سبحانه.
*عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال"لَيَدْخُلَنَّ مِن أُمَّتي سَبْعُونَ أَلْفًا، أَوْ سَبْعُ مِئَةِ أَلْفٍ، لا يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ، وُجُوهُهُمْ علَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ."صحيح البخاري.أول زمرة تدخل من هذه الأمة الجنة هي القمم الشامخة في الإيمان والتُّقى والعمل الصالح والاستقامة على الدين الحق، يدخلون الجنة صفًا واحدًا، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، صورهم على صورة القمر ليلة البدر.نسأل الله سبحانه أن يجعلنا منهم .

*ويخرج الله من النار أقوامًا بغير شفاعة ، بل بفضله ورحمته :
الله تعالى يخرج من عصاة المؤمنين من شاء بغير شفاعة ، وهذا من نعمته؛ فإن رحمته سبقت غضبه، فيشفع الأنبياء والصالحون والملائكة وغيرهم، حتى لا يبقى إلا رحمة أرحم الراحمين، فيخرج من النار من يخرج بدون شفاعة ، حتى لا يبقى في النار إلا أهلها الذين هم أصحاب النار، فقد روى الشيخان البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم".....فيَقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: شَفَعَتِ المَلائِكَةُ، وشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وشَفَعَ المُؤْمِنُونَ، ولَمْ يَبْقَ إلَّا أرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فيُخْرِجُ مِنْها قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قدْ عادُوا حُمَمًا، فيُلْقِيهِمْ في نَهَرٍ في أفْواهِ الجَنَّةِ يُقالُ له: نَهَرُ الحَياةِ، فَيَخْرُجُونَ كما تَخْرُجُ الحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ"الحديث. صحيح مسلم.وليس معنى هذا أن الله يخرجهم من النار وهم كفار؛ بل المعنى أنهم لم يعملوا خيرًا سوى الشهادتين ولولاهما لما خرجوا؛ شأنهم شأن غيرهم من الكفار. -


حُمَمًا : أي : صاروا سود الأجساد كالحمم ، وهو الفحم
انظر " النهاية في غريب الحديث " 444/1.
الحِبَّةُ: بكسر الحاء ، وهي بزر البقول والعشب ، تنبت في البراري وجوانب السيول .
حَمِيلِ السَّيْلِ: فبفتح الحاء وكسر الميم , وهو ما جاء به السيل من طين أو غثاء ومعناه : محمول السيل , والمراد التشبيه في سرعة النبات وحسنه وطراوته .
انظر : " شرح مسلم " للنووي 3 / 22 ، 23 شفاعة الشهداء:"للشَّهيدِ عِندَ اللَّهِ ستُّ خصالٍ : يُغفَرُ لَه في أوَّلِ دَفعةٍ ويَرى مقعدَه منَ الجنَّةِ ويُجارُ مِن عذابِ القبرِ ويأمنُ منَ الفَزعِ الأكبرِ ويُوضعُ علَى رأسِه تاجُ الوقارِ الياقوتةُ مِنها خيرٌ منَ الدُّنيا وما فِيها ويزوَّجُ اثنتَينِ وسبعينَ زَوجةً منَ الحورِ العينِ ، ويُشفَّعُ في سبعينَ مِن أقاربِه"الراوي : المقدام بن معدي كرب - المحدث : الألباني - المصدر :صحيح الترمذي -الصفحة أو الرقم: 1663 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر-
أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 1
أم أبي تراب

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من أحداث السيرة فى شهر شوال .. غزوة الخندق مسلمة لله روضة السنة وعلومها 6 08-10-08 01:11 PM
متن الأربعين النووية (مقسم على أسبوعين) مسلمة لله المتون العلمية 3 26-03-08 08:29 AM
الدليل إلى المتون العلمية أمةالله المتون العلمية 58 17-01-08 10:11 PM


الساعة الآن 05:53 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .