العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . الأقسام الدعوية والاجتماعية . ~ . > روضة الداعيات إلى الله > كوني داعية

الملاحظات


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-03-10, 08:30 PM   #1
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي سلسلة مقالات الشيخ أبي أويس رشيد الإدريسي المغربي



تحقق الأمن والأمان
ضرورة لإقامة العبودية للرحمن


"من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه"
"من استطال الطريق ضعف مشيه"
من المعلوم في الشريعة أن الأمن والأمان لا يتحققان, ولن يتحققا إلا بتحقيق الإيمان والعمل الصالح كما قال تعالى: "الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ".
قال السعدي في تفسيره للآية: "قال الله تعالى فاصلا بين الفريقين "الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا" أي: يخلطوا "إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ" الأمن من المخاوفِ والعذاب والشقاء، والهدايةُ إلى الصراط المستقيم، فإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بظلم مطلقا، لا بشرك، ولا بمعاص، حصل لهم الأمن التام، والهداية التامة. وإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بالشرك وحده، ولكنهم يعملون السيئات، حصل لهم أصل الهداية، وأصل الأمن، وإن لم يحصل لهم كمالها. ومفهوم الآية الكريمة، أن الذين لم يحصل لهم الأمران، لم يحصل لهم هداية، ولا أمن، بل حظهم الضلال والشقاء". تيسير الكريم الرحمن.
وفي ذلك قال الشاعر:
الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قرينا
وإذا كان الأمر كذلك, فكذلك لا سبيل لتحقيق الإيمان والعمل الصالح وعبادة الله جل وعلا إلا في ظل الأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار.
وعليه كان الحفاظ على أمن المجتمعات من أجل مقاصد الشريعة, ومن أعظم مصالحها, بل هو رأسها وأساسها, لأن فقده عنوان الرزايا, ومفتاح البلايا, حيث يعم الاضطراب, وتشيع الفوضى, ويفتح باب الخوف والرعب, وتتمزق المجتمعات, وتضيع الطاعات, وتغيب شعائر رب الأرض والسماوات.
يقول الله تعالى: "فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ".
ومِن أظهر الآيات في هذا المعنى قوله تعالى: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ".
فجعل الله عز وجل تحقق الأمن والأمان سبيلا لإقامة عبادة الله وطاعته.
يقول السعدي رحمه الله عند تفسيره للآية: "فوعدهم الله هذه الأمور وقت نزول الآية، وهي لم تشاهد الاستخلاف في الأرض والتمكين فيها، والتمكين من إقامة الدين الإسلامي، والأمن التام، بحيث يعبدون الله ولا يشركون به شيئا، ولا يخافون أحدا إلا الله" تيسير الكريم الرحمن 3/375.
ومن ثم فيجب الحذر من زعزعة أمن المجتمعات, ومن ترويع المؤمنين والمؤمنات, واتخاذ طرائق للتغيير تخالف ما جاء في السنة والكتاب المستنير, سبلا طائشة, ومسالك عابثة, قائمة –حقا وصدقا- على المغالبة والتهور والاستعجال لا على الصبر والتأني والاعتدال, كل ذلك بدعوى ضيق الحال أو انتشار المنكرات, وشيوع المخالفات...
فنقول لمن قام وقعد, وأزبد وأرعد... ما هكذا الغيرة على المحرمات؟! وليس هذا طريق إصلاح المجتمعات؟! ومتى كان العنف يقيم أمر الديانات؟!
قال عليه الصلاة والسلام: "يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق, ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف, وما لا يعطي على سواه" رواه مسلم.
وها هو النبي صلى الله عليه وسلم قد مر على آل ياسر وهم يذوقون أشد العذاب على يد قريش ولم يقم بأي عمل ينتقم به مع إمكانه, ولكنه لم يرُدَّ على الأذى الذي تلقاه آل ياسر إلا بهذه الكلمات النيرات: "صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة".
وليس في هذا خنوع أو ضعف, وإنما هي الحكمة والهداية والتعقل والرزانة, فقد قال عليه الصلاة والسلام: "إنكم لن تبلغوا هذا الأمر بالمغالبة" رواه أحمد وغيره, وانظر الصحيحة 4/1709.
إذن فعلى المسلم أن يصبر ويحتسب ويدعوا الله بالثبات إذا زادت غربة الإسلام, وأن يبتعد عن طرق التهييج والانتقام, مع الدعوة والنصح والبيان, والتوبة والاستغفار.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "وكثير من الناس إذا رأى المنكر أو تغير كثير من أحوال الإسلام جزع وكَلَّ وناح كما ينوح أهل المصائب, وهو منهي عن هذا, بل هو مأمور بالصبر والتوكل والثبات على دين الإسلام, وأن يؤمن بالله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وأن العاقبة للتقوى وأن ما يصيبه فهو بذنوبه فليصبر, وإن وعد الله حق, وليستغفر لذنبه, وليسبح بحمد ربه بالعشي والإبكار" الفتاوي 18/291.
فلنتواصى -يا رعاكم الله- بالصبر على البلاء, والثبات إذا وقع القضاء, ولنكن بشير خير, ولا نكونَنَّ نذير شر, ولنقل للمتشائمين بعد طول انتظار كما قال النبي العدنان عليه الصلاة والسلام لأصحابه الكرام حينما اشتكوا من كثرة البلاء وشدته: "والله ليتمن الله هذا الأمر... ولكنكم تستعجلون" صحيح سنن أبي داوود.
إنها صيحة نبوية توقظ العقول الغافلة, وتنبه القلوب الخاوية, امتدت منذ نحو خمسة عشر قرنا مضت إلى هذه اللحظة وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, درسا تربويا, ومنهجا علميا, وطريقا نبويا, قائما على البرهان والدليل, يهدي من اتبعه سواء السبيل.
يقول العلامة السعدي رحمه الله: ".. العبد عبد مملوك تحت أوامر ربه ليس له من الأمر شيء (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً), فإذا تعجل الأمور التي يترتب عليها حكم شرعي قبل وجود أسبابها الصحيحة لم يفده شيئا وعوقب بنقيض قصده,.. ويقابل هذا الأصل أصل آخر, أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ولم يجد فقده" القواعد والأصول الجامعة 49-50.
ورحمة الله على أهل العلم لما قالوا:"من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه".
مع التنبيه أنه ليس في هذا الذي قُرر -لا من قريب ولا بعيد- تغييب فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذلك لأن هذه الشعيرة العظيمة إذا لم تكن منضبطة بالضوابط الشرعية المنصوص عليها في الكتاب والسنة النبوية وما جاء عن السلف الصالح, فإنها وبال على الأمة, وباب فتنة على القائم به, وعلى المسلمين.
وها هم الخوارج والمعتزلة في أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر لما انطلقوا من منطلقات بدعية بعيدة عن النصوص الشرعية, والآثار الصحابية, ومراعاة المصالح المرعية, ودرء المفاسد الردية, نجم عن ذلك الفساد العريض, والتصدع الكبير في جسم الأمة, فسالت الدماء وهتكت الأعراض ونهبت الأموال وقتل النساء والأطفال.
كل ذلك تحت اسم: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!.
يقول ابن خلدون رحمه الله: "ومن هذا الباب أحوال الثوار القائمين بتغيير المنكر من العامة والفقهاء، فإن كثيرا من المنتحلين للعبادة وسلوك طرقِ الدينِ يذهبون إلى القيام على أهل الجور من الأمراء, داعين إلى تغيير المنكر والنهي عنه, والأمر بالمعروف رجاء في الثواب عليه من الله فيكثر أتباعهم والمتشبثون بهم من الغوغاء والدهماء, ويُعَرِّضون أنفسهم في ذلك للمهالك وأكثرهم يهلكون في تلك السبيل مأزورين غير مأجورين, لأن الله سبحانه لم يكتب ذلك عليهم" المقدمة 157-158.
ويقول شيخ الإسلام رحمه الله: "وفي الآية "عليكم أنفسكم" معنى آخر وهو: إقبال المرء على مصلحة نفسه علما وعملا, وإعراضه عما لا يعنيه كما قال صاحب الشريعة: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)...
وكذلك العمل فصاحبه إما معتد ظالم وإما سفيه عابث.
وما أكثر ما يصور الشيطان ذلك بصورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله, ويكون من باب الظلم والعدوان" الفتاوي 14/482.
فالحذر الحذر من بنيات الطريق, التي تشكك وتُخَذل عن السبيل القويم الذي هو على منهج السلف الصالح قائم, والذي اعتدل في سيره وتوسط في مشيه, فقد انحرف كثير ممن انحرف استئناسا بالتعدد, وتوحشا من التفرد, واستعجالا للوصول, وضعفا وانهزاما عن تحمل الطول, ورحمة الله على الفضيل ابن عياض حيث قال: "عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين وإياك وطرق الباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين", وصدق ابن القيم رحمه الله حيث قال: "من استطال الطريق ضعف مشيه" الفوائد 90.
أبو أويس الإدريسي
المصدر






توقيع رقية مبارك بوداني

الحمد لله أن رزقتني عمرة هذا العام ،فاللهم ارزقني حجة ، اللهم لا تحرمني فضلك ، وارزقني من حيث لا أحتسب ..



التعديل الأخير تم بواسطة طالبة الرضوان ; 07-05-10 الساعة 03:35 PM سبب آخر: موضوع متميز ..بوركتِ
رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-03-10, 10:26 PM   #2
أم سعد المغربية
~مستجدة~
افتراضي

جزاك الله خيرا أختي الحبيبة أم حاتم على هذا الموضوع ،
وبارك الله في شيخنا الفاضل .
أم سعد المغربية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-03-10, 12:38 PM   #3
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي العواطف العواصف

وجزاك خيرا منه أختي أم سعد المغربية

بسم الله الرحمن الرحيم
العواطف العواصف
زمن االفتن والتغيرات العظيمة من أشد الأمور وقعا على الناس حتى يحتار الحليم في أمره، ويلتبس على العاقل شأنه، وذلك لعظم شأن النوازل والحوادث، حتى قيل: عند النوازل والمصائب تذهل النفوس عن النصوص.
لما كان الامر كذلك كان تكاتف المجتمع وتوحد كلمته على حبل الله من الأهمية بمكان، ذلك لأن التفرق والتشاحن في أوقات المحن والفتن يزيد في تصدع المجتمع وتناحر أهله.
ومن أعظم ما يحدث ذلك العاطفة المذمومة التي تحمل على الاستعجال وفساد التصور، فتنقلب العواطف عواصف.
فلا شك أن العاطفة الحية مطلوبة من المسلم إلا أنها يجب أن تكون تابعة للعلم والعقل السليم، فلو قدمنا العاطفة عليهما لحصل في طريقنا ومنهجنا الفساد العظيم.
فاقرأ قوله تعالى: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ".
فانظر-أرشدك الله لطاعته - ماذا نتج عن تحكيم عواطفهم!! (تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ) فلم يثبت مع طالوت لما فصل بالجنود إلا فئة قليلة غلبت بإذن الله فئة كثيرة.
والمتأمل في التاريخ الإسلامي يجد أن هناك صفحات منه تعيد نفسها، وتتكرر أحداثها، ولكننا كثيرا ما نجهل التاريخ وأحداثه وإذا قرأناه لا نعي حقيقة دروسه، ومن الأمثلة على ذلك من المواقف السديدة والتصرفات الحكيمة التي ينبغي أن نستوعبها ونتأملها فيما يقع بنا من تغيرات وفتن مضلة، ما حصل من فتنة في زمن الحسن البصري رحمه الله، فنجده واسع الفقه ناظرا لمآلات الأفعال وحقائق الفتن غير محكم لعاطفته، فلم يفت بقتال بين المؤمنين ولم يأمر بنقض البيعة أو القول بالخروج على ولاة أمور المسلمين، وذلك أيام فتنة الحجاج وظلمه للناس، فلما استبطأ الناس والفقهاء الذين مع ابن الأشعث خروج الحسن البصري معه أرادوا اجباره على الخروج وحمله على قتال الحجاج.
قال ابن عون رحمه الله: "فنظرت إليه (أي إلى الحسن) بين الجسرين وعليه عمامة سوداء قال: فغفلوا عنه، فألقى نفسه في بعض تلك الأنهار حتى نجا منهم وكاد يهلك يومئذ".
ولما ذكر ابن سعد رحمه الله في الطبقات هذه الواقعة قال: "لما كانت الفتنة فتنة ابن الأشعث والحجاج بن يوسف انطلق عقبة بن عبد الغافر وأبو الجوزاء وعبد الله بن غالب في نفر من نظرائهم فدخلوا على الحسن فقالوا: يا أبا سعيد ما تقول في قتال هذا الطاغية (الحجاج) الذي سفك الدم الحرام وأخذ المال الحرام و...فعل وفعل؟ فقال الحسن: "أرى ألا تقاتلوه فإنها إن تكن عقوبة من الله فما أنتم برادي عقوبة الله بأسيافكم وإن يكن بلاء فاصبروا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين" قال: فخرجوا من عندي وهم يقولون: نطيع هذا العلج! قال: وهم قوم عرب، قال: وخرجوا مع ابن الاشعث، قال: فقتلوا جميعا.
هكذا حال سلفنا الصالح عند حلول الفتن المضلات، وهكذا فقه الحسن البصري رحمه الله عند ظهور الشبهات فلم يقدم عاطفته على العلم، وصدق رحمه الله حيث قال: "الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل".
فما أحوجنا إلى التأسي -في مثل ذلك خاصة - والاقتداء بهذا الإمام الذي قال عنه ابن سعد في الطبقات: "كان الحسن والله من رؤوس العلماء في الفتن والدماء".
أبوأويس الإدريسي

http://www.manzila.org/forum/index.p...17&#entry28217

التعديل الأخير تم بواسطة رقية مبارك بوداني ; 21-03-10 الساعة 12:56 PM
رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-03-10, 10:10 PM   #4
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي نظرات وقواعد لتصحيح "النقد" وتقويمه

نظرات وقواعد لتصحيح "النقد" وتقويمه

لا شك أن نقد الأقوال والأفعال والأحوال والرجال في حالة وجود الخلل والخطأ -بالضوابط الشرعية والقواعد العلمية- من الأصول الواضحة في الكتاب والسنة النبوية, ولا يُظنُّ فيمن شم رائحة العلم, وكان له حظ من الفقه والفهم أن يخالف في ذلك, ما دام القصد منه: الإصلاح والتبيين, والنصيحة والتقويم.
لكن كثيرا من الناس قد خرجوا عن جادة الوسطية والاعتدال في هذا المقام فلم يحققوا الإتزان في نقدهم فخرجوا إلى طرفي الإفراط أو التفريط مع أن "العدل واجب لكل أحد على كل أحد في جميع الأحوال, والظلم لا يباح منه شيء بحال حتى إن الله تعالى قد أوجب على المؤمنين أن يعدلوا على الكفار في قوله تعالى: (اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)" قاله ابن تيمية رحمه الله انظر المظالم المشتركة 26.
وعليه فيجب إقامة ذلك على ساق العلم و الدليل, والتقعيد والتأصيل، يقول تعالى: "وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً", مع إرادة وجه الله تعالى بذلك و الحذرمن اتباع الهوى فإن صاحبه كما قال شيخ الإسلام في منهاج السنة 5/256: "يعميه الهوى ويصمه, فلا يستحضر ما لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك, ولايطلبه ولايرضى لرضا الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-, ولا يغضب لغضب الله و رسوله -صلى الله عليه وسلم- بل يرضى إذا حصل ما يرضاه لهواه, ويغضب إذا حصل مايغضب له بهواه" غاية حاله محاكاة الذباب في تصيد الأوساخ واقتناص معاييب الآخرين.
قال ابن تيمية رحمه الله: "الجاهل بمنزلة الذباب الذي لا يقع إلا على العَقِير (الجريح), ولا يقع على الصحيح, والعاقل يزن الأمور جميعا هذا وهذا" منهاج السنة 6/150.
وصدق من قال:
شر الورى من يعيب الناس مشتغلا مثل الذباب يراعي موضع العلل
ومن أعظم أسباب ذلك المبالغة في المدح أو الذم, أو المجاوزة في البغض أو الحب.
قال الحسن البصري رحمه الله: "أحبوا هونا وابغضوا هونا، فقد أفرط قوم في حب قوم فهلكوا, وأفرط قوم في بغض قوم فهلكوا" شرح السنة للبغوي 13/65.
قال بعضهم:
وأبغض إذا أبغضت مقاربا فإنك لا تدري متى أنت راجع
وأحبب إذا أحببت حبا مقاربا فإنك لا تدري متى أنت نازع
"فشدة البغض -إذن-, وكذا شدة الحب: مظنة الغلو والإسراف وترك الاعتدال والمجانبة عن سواء السبيل" فهم الملهم بشرح صحيح مسلم للعثماني 1/73 بتصرف يسير.
ولذلك كثيرا ما يلبس الشيطان على الناس في بابنا هذا بحيث يخرجون الفضيحة في قالب النصيحة, ويعيرون بقناع أنهم يحذرون.
يقول ابن رجب رحمه الله: "ومن أظهر التعيير: إظهار السوء وإشاعته في قالب النصح, وزعم أنه إنما يحمله على ذلك العيوب إما عامة أو خاصا, وكان في الباطن: إنما غرضه التعيير والأذى, فهو من إخوان المنافقين الذين ذمهم الله في كتابه" الفرق بين النصيحة والتعيير 35.
قال الشافعي رحمه الله:
تعمدني بنصحك في انفرادي وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرض استماعه
ومن الأخطاء في باب النقد: التعميم بغير وجه حق, وهو من أكثر الأخطاء انتشارا بين الناس وله صور، منها:
- من يعمم الحكم على الأعمال مثلا بمجرد النظر إلى عمل واحد، وفي ذلك جور في الحكم!
- ومن الناس من يعمم الحكم على شخص بالنظر إلى مرحلة واحدة من مراحل حياته، ربما تغير عنها وفي ذلك تعد وظلم!
- ومن الناس من يعمم الحكم على طائفة من الناس من خلال النظر إلى حال شخص واحد أو أشخاص منها!.
وقد ذكر الغزالي رحمه الله في "الإحياء" قصة رمزية في خصوص ما نحن فيه تستحق التأمل مفادها: أن ثلاثة من العميان أدخِلوا على الفيل، وكانوا لم يروه من قبل فوضع أحدهم يده على رجله, ووضع الآخر يده على ذيله, ووضع الثالث يده على بطنه, فلما خرجوا سألوهم: ما الفيل؟
فقال الأول: الفيل كسارية المسجد.
وقال الآخر: الفيل كخرطوم طويل به شعر كثيف.
وقال الثالث: الفيل كالجبل العظيم الأملس!!
فأدخلوا مرة أخرى على الفيل، وأمسكوا بجميع أجزائه، وعندها ضحكوا من تعريفاتهم السابقة للفيل واستطاعوا أن يصفوه على حقيقته , انظر4/7.
..ومما ينبغي الحذر منه عند النقد نفور النفس، فهذه الأخيرة قد يعرض لها من المعارضات ما يخرجها عن حد الاعتدال، فيحصل لها شيء من النفور الذي يحصل معه نوع تشويش يذهب بلب صاحبه وصفاء ذهنه، مما يكون سببا في مجانبة الحق والصدور عنه.
ومما ينبغي الحذر منه عند النقد كذلك نفور النفس، فهذه الأخيرة قد يعرض لها من المعارضات ما يخرجها عن حد الاعتدال، فيحصل لها شيء من النفور الذي يحصل معه نوع تشويش يذهب بلب صاحبه وصفاء ذهنه، مما يكون سببا في مجانبة الحق والصدور عنه.
يقول ابن القيم رحمه الله: "..ومعلوم أن الرأي لا يتحقق إلا مع اعتدال المزاج" بدائع الفوائد 3/136.
وقال ابن عقيل رحمه الله كما في الواضح في أصول الفقه 1/528: "وإذا نفرت النفوس عميت القلوب، وخمدت الخواطر، وانسدت أبواب الفوائد", قلت: وينشؤ عن ذلك فساد التصور والقاعدة تقول: "الحكم على الشيء فرع عن تصوره" فتنبه، فإن كل حكم حكم سواء كان نقدا أو غير ذلك، لا بد فيه من الاجتهاد في تحقيق مناطه "وهو الذي لا خلاف بين الأمة في قبوله, ومعناه: أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي, لكن يبقى النظر في تعيين محله" الموافقات 3/89-90.
فتصور المسائل تصورا تاما من كل وجه يظهرلك الصواب ويجنبك محاكاة الذباب.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فهذه المسائل إذا تصورها الناس على وجهها تصورا تاما ظهر لهم الصواب, وقلت الأهواء والعصبيات, وعرفوا موارد النزاع" الفتاوي 12/13.
واعلم أن التصور المستقر في المدركات لم يكن إلهاما ولم يأت من فراغ, بل كان -ولا بد- له موارد خلصت إلى محل الإدراك كانت أساسا في إصدار الأحكام, ومن بين هذه الموارد الأخبار التي يتناقلها الناس فينبغي الوقوف عند حقيقتها, ومعرفة حال ناقليها فإن "آفة الأخبار رواتها" و" كم أشاع الناس عن الناس أمورا لا حقائق لها بالكلية" الرياض الناضرة 272.
فمتى كانت الأخبار صحيحة كانت الأحكام صائبة -مع مراعاة ما سبق ذكره-, ومتى كانت الأخبار باطلة كانت الأحكام خائبة, ومن تم احتاج كل ذي نظر دقيق عند النقد إلى التدقيق والتحقيق في كل خبر من كل طريق، "لأن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل, ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولا قيس الغائب منها بالشاهد والحاضر بالذاهب.. فربما لم يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم والحيد عن جادة الصدق" المقدمة لابن خلدون 9-10.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "إن الذي يتصدى لضبط الوقائع من الأقوال والأفعال والرجال يلزمه التحري في النقل, فلا يجزم إلا بما يتحققه, ولا يكتفي بالقول الشائع" انظر ذيل التبر المسبوك للسخاوي.
كما ينبغي أن يتجنب الاعتماد في ذلك على الخبر المجمل فإن الإجمال "لا يسوغ فرض الاستدلال به" البرهان للجويني 1/356.
فالحذر الحذر من الظلم والاعتساف وتحلى أيها الناقد عند إصدار الأحكام والبيان بالعدل والانصاف "فإن الدنيا ظهر قلق, ومتاع خلق, وسراب مؤتلق, هذا يعد الجميل فيصرع, وهذا يؤم السراب فيخدع, وعند الله الملتقى والمجمع" ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب لذي الوزارتين 1/26.
أبو أويس الإدريسي


رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-03-10, 05:44 PM   #5
طالبة الرضوان
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

موضوع راق لي .. جعلكِ الله مباركة أينما كنتِ يا أم حاتم ..
وجزى الله الشيخ خيراً ..



توقيع طالبة الرضوان
سبحان الله،والحمد لله،ولا إله إلا الله،والله أكبر ..
طالبة الرضوان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-03-10, 01:28 AM   #6
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي مقدمة الرسالة لابن أبي زيد القيرواني المالكي رحمه الله


بارك الله فيك اختي طالبة الرضوان سعدت بمرورك العطر

تعريف بكتاب ومؤلِّفه
مقدمة الرسالة لابن أبي زيد القيرواني
المالكي رحمه الله
ألف علماء السنة قديما وحديثا مؤلفات توضح عقيدة أهل السنة والحديث، منها ما هو مختصر، ومنها ما هو مطول، وكان من بين هذه المختصرات مقدمة الرسالة للإمام ابن أبي زيد القيرواني المالكي المولود سنة 310هـ، المتوفى سنة 386هـ على الصحيح عن 76 عاما رحمه الله تعالى.
قال عنه الإمام الذهبي رحمه: "الإمام العلامة القدوة الفقيه، عالم أهل المغرب، أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني المالكي، ويقال له: مالك الصغير، وكان أحد من برَّز في العلم والعمل.
..وكان مع عظمته في العلم والعمل ذا برٍّ وإيثار وإنفاق على الطلبة وإحسان.
..وكان رحمه الله على طريقة السلف في الأصول لا يدري الكلام ولا يتأول فنسأل الله التوفيق" السير 17/10.
وهذه "الرسالة" جمع فيها الإمام رحمه الله بين الأصول والفروع وهذا الصنيع نادر في فعل المؤلفين وهو حسن، يجعل المشتغل في فقه العبادات والمعاملات على علم بأمر العقيدة والتوحيد.
وقد كانت أولَ مؤلفاته رحمه الله حتى قالوا: "هي باكورة السعد، وزبدة المذهب"، وقد كتبها استجابة لرغبة بلديه، مؤدب الصبية، ومعلمهم القرآن الكريم: أبي محفوظ محرز بن خلف البكري التونسي المالكي المتوفى 413هـ.
وقيل: بل إن الذي طلب منه تأليفها هو السبائي: إبراهيم بن محمد، والله أعلم.
وكيفما كان الحال فإن مقدمة رسالته على وجازتها وقلة ألفاظها فهي تبين بوضوح المعتقد السليم المطابق للفطرة المبني على نصوص الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم في بيان حقيقة الإيمان وأركانه الستة وتقرير توحيد الله سبحانه في أسمائه وصفاته، كالاستواء وإثباتها على حقيقتها وتفويض كيفيتها إثباتا من غير تفويض للحقيقة، ولا تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل فرحم الله هذا الحبر رحمة واسعة آمين.
قال الشيخ عبد الله كنون رحمه الله عن هذه المقدمة: "وهي عقيدة سلفية خالية من التأويل الذي يجنح إليه الأشاعرة" النبوغ المغربي 1/276.
ولأجل ذلك اختارها السلطان محمد بن عبد الله بن إسماعيل الحسيني العلوي رحمه الله المتوفى سنة 1204هـ كمقدمة لكتابه "طبق الأرطاب فيما اقتطفناه من مساند الأئمة وكتب مشاهير المالكية والحطاب" من منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية سنة 1420هـ/1999م.
حيث قال المحقق الدكتور عبد الله بن إدريس بن أبي بكر ميغا ص:156-157: "لما كان الإيمان الصادق الخالي من أي التواء لا يحتاج إلى مقدمات كلامية، أو محاورات فلسفية اختار(1) (أي السلطان) عقيدة الشيخ ابن أبي زيد القيرواني التي ابتدأ بها رسالته لأنها عقيدة سنية سلفية، وليجنب بها القارئ مشاكل المتكلمين ومزالق بعض الفلاسفة".
وقال الدكتور إبراهيم التهامي في كتابه جهود علماء المغرب في الدفاع عن عقيدة أهل السنة: "وكانت طريقته (أي: ابن أبي زيد) في العقائد هي طريقة السلف..، وبسبب عقيدته السلفية رُمي بالتشبيه كما يقول الإمام المقرّي في أزهار الرياض.." ص:135، وانظر الصفحات بعدها لبيان براءة الإمام مما رمي به، وانظر انتصار الحافظ ابن عبد البر له في الفواكه الدواني 1/46، وكذا مجموع الفتاوي لشيخ الإسلام 5/182 حيث قال: "ولم يرد على ابن أبي زيد في قوله: (إن الله مستو على عرشه بذاته) إلا من كان من أتباع الجهمية النفاة، فزعم أن ما قاله ابن أبي زيد وأمثاله مخالف للعقل"، وقال: "إنهم لم يردوا عليه قوله لكونه مخالفا للكتاب والسنة ولكن لكونه مخالفا للعقل"!
وقد نظم هذه المقدمة الشيخ أحمد بن مشرف الأحسائي المالكي المتوفى سنة 1298هـ رحمه الله ومما قال فيها:
واترك ما أحدثه المحدثون فكم ضلالة تبعث والدين قد هجرا؟
إن الهدى ما هدى الهادي إليه وما به الكتاب كتاب الله قد أمرا
فلا مراء وما في الدين من جدل وهل يجادل إلا كل من كفرا
فهاك في مذهب الأسلاف قافية نظما بديعا وجيز اللفظ مختصرا
يحوي مهمات باب في العقيدة من رسالة ابن أبي زيد الذي اشتهرا
ولهذه المقدمة شروحات كثيرة إلا أن جلَّ الشروح المطبوعة كشرح زروق، والعدوي، وابن ناجي، وابن غنيم، وغيرهم رحمة الله عليهم خالفت ما كان عليه الإمام ابن أبي زيد رحمه الله من السير على طريقة السلف الصالح من نبذ الكلام والتأويل مع أن طريقة السلف هي الأعلم والأسلم والأحكم.
هذا باستثناء شرح الإمام القاضي أبي محمد عبد الوهاب البغدادي المتوفى سنة 432هـ فهو في الجملة على طريقة السلف إلا ما كان من نزوع خفيف لمذهب الخلف في نحو مسألة الكسب، واستخدام طريقة المتكلمين واصطلاحاتهم أحيانا.
وهذا الأخير قيل هو أول شرح للمقدمة وقد بيعت أول نسخة منه بمائة مثقال ذهبا.
وقيل أول شروحها لتلميذه: أبي بكر محمد بن موهب المقبري المتوفى سنة 406هـ رحمه الله، وهو شرح أثري قرر فيه صاحبه عقيدة السلف كما في الصواعق المرسلة لابن القيم 2/258، إلا أن هذا الشرح قد فقد والعلم عند الله.
وقد نقل عن هذين الشرحين الإمام ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية.
ومن الشروحات المعاصرة السنية اللطيفة لهذه المقدمة شرح "قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني" للشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر حفظه الله.
وللتنبيه فإن هذه المقدمة قد نشرت مفردة باسم "العقيدة الإسلامية التي ينشأ عليها الصغار" باعتناء: عبد الفتاح أبو غدة.
إلا أن هذا المعتني رحمه الله وغفر له "قد تناولها بقلم غير قلم ابن أبي زيد، وبعقيدة تخالف عقيدته، فوظف التحريف بما سولت له نفسه في نص هذه العقيدة ومعناها (2) ففتح فيها ثلم، وغشاها من عقيدة التفويض والتحريف ما غشَّى، تفريطا في الحق وهو بين يديه، وتعديا على الخلق وهو بين أيديهم، فصار واجبا على من علم: كشف تلك الدسائس، ودفع هذا التعدي البائس، نصرة لعقيدة أهل السنة وأهلها وحماية لعقائدهم من دخولات المخالفين لها وليحذر المسلمون من تسليم أولادهم لمن يتمسح بمعتقدهم وحقيقته استدراجهم إلى فاسد مشربه، وفتح باب الأهواء والمشاقة في صفوفهم، نعوذ بالله من الهوى وأهله".
وبيان ذلك والكشف عنه انظره في "عقيدة السلف: مقدمة ابن أبي زيد القيرواني لكتابه الرسالة" للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله.
والله الهادي إلى سواء السبيل
.............................................................
1- كما جعلها رحمه الله مقدمة كتابه "الفتوحات الإلهية الكبرى في أحاديث خير البرية" للغرض نفسه كما صرح هو نفسه بذلك ص:3 حيث قال: "هذا الذي حملني على الاقتصار عليها وعدم الالتفات إلى غيرها".
2- وإن كان قد تورع في مقدمة الطبع فذكر أنه سيزيد ألفاظا!!
اعداد : أبو أويس الإدريسي


التعديل الأخير تم بواسطة رقية مبارك بوداني ; 25-03-10 الساعة 01:51 AM
رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-03-10, 01:29 AM
رقية مبارك بوداني
هذه الرسالة حذفت بواسطة رقية مبارك بوداني. سبب آخر: مكررة
قديم 03-04-10, 03:38 PM   #7
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي التأصيل لدور الأخلاق الحسنة في الدعوة إلى الله تعالى


بسم الله الرحمن الرحيم

التأصيل لدور الأخلاق الحسنة في الدعوة إلى الله تعالى

إن إتمام مكارم الأخلاق وإشاعتها من مقاصد الدعوة إلى الله تعالى، فقد بين النبي عليه الصلاة والسلام أن ذلك من أهداف وغايات دعوته فقال: "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق" صحيح الجامع.
وهذا لأن لحسن الخلق أثرا بالغا في بناء المجتمعات وصفاء قلوب أهلها، ووجه ذلك أن أي مجتمع لا يستطيع أفراده أن يعيشوا سعداء ما لم تربط بينهم روابط متينة من الأخلاق الكريمة، فمتى فقدت تفكك أفراد المجتمع وتصارعوا، وأكل القوي منهم الضعيف، وفشا الظلم بينهم بشتى صوره وأشكاله، وحل بهم الانهيار والدمار.
وصدق شوقي إذ يقول:
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأثما وعويلا
كما أن الخلق الحسن من أسباب تعمير الديار وزيادة الأعمار فعن عائشة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلة الرحم، وحسن الخلق، وحسن الجوار، يعمرن الديار، ويزدن في الأعمار" صحيح الجامع.
وعليه اعتبر الخلق السيء من أدوإ الداء ففي أدب الدنيا والدين للماوردي قال الأحنف بن قيس رحمه الله: "ألا أخبركم بأدوإ الداء؟ قالوا: بلى، قال: الخلق الدني واللسان البذي".
ومما يجلي ذلك ويبينه أن نعلم أن خلق الإسلام الحياء كما في الحديث عن أنس وابن عباس رضي الله عنهم قالا: قال رسول الله صلى الله عليه: "إن لكل دين خلقا، وإن خلق الإسلام الحياء" صحيح الجامع.
فجعل النبي صلى الله عليه و سلم أساس الأخلاق ومردها إلى خلق الحياء.
قال المناوي رحمه الله: "(وإن خلق الإسلام الحياء) أي: طبع هذا الدين وسجيته التي بها قوامه، أو مروءة هذا الدين التي بها جماله، الحياء فالحياء أصله من الحياة فإذا حيي القلب بالله تعالى ازداد منه حياة.. وذلك من قوة الإسلام لأن الإسلام تسليم النفس والدين وخضوعها وانقيادها، فلذلك صار الحياء خلقا للإسلام.. يعني الغالب على أهل كل دين سجية سوى الحياء، والغالب على أهل ديننا الحياء لأنه متمم لمكارم الأخلاق، وإنما بعث المصطفى لإتمامها ولما كان الإسلام أشرف الأديان أعطاه الله أسنى الأخلاق وأشرفها وهو الحياء" فيض القدير 2/508.
وإذا فقد الناس هذا الخلق العظيم فشت فيهم الفضائح، وعمت القبائح، فتنهار الحضارات، ويحصل الدمار في المجتمعات.
ففي الحديث عن عبد الله بن مسعود قال عليه الصلاة والسلام: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت" رواه البخاري.
فإن "من لا يستحي لا يبالي من العار والمعاصي ما يأتي" التمهيد 9/236.
فالحياء خلق سني إذا تحلى المرء به انبعث إلى الفضائل، وأقصر عن الرذائل.
قال ابن حبان رحمه الله: "فالواجب على العاقل لزوم الحياء لأنه أصل العقل وبذر الخير، وتركه أصل الجهل وبذر الشر" روضة العقلاء 56.
وعليه فمما يجب أن يحرص عليه الداعية إلى الله عز وجل والذي حمل هم الإصلاح تحليه بالأخلاق الحسنة الجميلة، وتخليه عن الأخلاق السافلة القبيحة وذلك لأمرين اثنين:
أولهما: لما في ذلك من الأثر البالغ على المدعوين والمجتمع الذي يعيش فيه، فقد طبع الناس على حب حسن الخلق ولو كان من الكافرين، وعلى كراهية سوء الخلق والنفور من صاحبه كائنا من كان.
فلا يجد الإنسان مدخلا لقلوب الناس ولا سبيلا للاجتماع بهم والتآلف معهم إلا بالخلق الحسن.
فإذا تحلى به الداعية أضفى شعورا من الارتياح في نفوس المدعوين، وقبولا كبيرا لدعوته وبناء قويا لمجتمعه، فكم قبلت عند الناس من دعوة باطلة لتلبيس صاحبها بنعومة ألفاظه ورفقا في أفعاله، وكم ردت من دعوة صحيحة لجفاء صاحبها وسوء خلقه! فنشأ عن ذلك فساد الأفراد والمجتمعات فإن هذه الأخيرة لا تصلح بمجرد العقيدة –مع أنها أول ما يجب الدعوة إليه وهي أهم ما يحقق الصلاح والإصلاح إذا أقيمت علما وعملا ودعوة على حقيقتها دون مجرد صورتها فتنبه-، فالقصد الحديث عن عقيدة مجردة عن الخلق الحسن، فلا بد أن يواكب العقيدة خلق كريم يربط الناس ويشد ما بينهم.
ولذلك نجد شيخ الإسلام رحمه الله في عقيدته الواسطية التي ضمها أمات قضايا العقيدة عند أهل السنة والجماعة يقول: "ويدعون -أي: أهل السنة- إلى مكارم الأخلاق، ويعتقدون قول النبي صلى الله عليه وسلم أكمل المؤمنين إيمانا أحاسنهم أخلاقا".
فإذا كانت العقيدة لبنات المجتمع فإن الخلق ملاطها.
وبعبارة أخرى فإن التوحيد والعبادة والدعوة المجردة عن الخلق لا تؤلف جماعة ولا تقيم مجتمعا سعيدا، فإذا كان الناس سينفضون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان فظا غليظا –وحاشاه من ذلك- فمن باب أولى أن ينفضوا عمن هو دونه، ولهذا جاء النص الشرعي محذرا المسلمين عامة والدعاة خاصة من مغبة سوء الخلق، لما يجر من فساد على الدعوة بخاصة والمجتمع بعامة.
قال تعالى محذرا الدعاة وفي مقدمتهم سيدهم عليه الصلاة والسلام من عاقبة سوء الخلق: "وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ" فإذا كان هذا الخطاب لرسول اله صلى الله عليه وسلم الذي هو سيد الموحدين، وسيد المتقين، والذي بلغ في تحقيق الأخلاق الحسنة القدح المعلى كما قال الله تعالى في حقه: "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" فكيف بغيره؟! فهل من معتبر.
أما الأمر الثاني وهو: أن تحلي الداعية إلى الله تعالى بالخلق الحسن سبب عظيم لتأييد الله له ونصره، وهذا عامل قوي وأساس في باب الدعوة إلى الله وإصلاح المجتمعات كما لا يخفى على أرباب هذا الشأن، ومن الأدلة على ذلك حديث وصف خديجة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أخبرها بنزول الوحي حيث قال: "لقد خشيت على نفسي، فقالت: كلا أبشر، فو الله لا يخزيك الله أبدا -ثم ذكرت سبب ذلك بقولها-: والله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق" متفق عليه.
قال النووي رحمه الله: "قال العلماء: معنى كلام خديجة رضي الله عنها أنك لا يصيبك مكروه لما جعل الله فيك من مكارم الأخلاق وكرم الشمائل، وذكرت ضروبا من ذلك، وفي هذا دلالة على أن مكارم الأخلاق وخصال الخير سبب السلامة من مصارع السوء" شرح مسلم 2/202.
ومما يبين كذلك علاقة الدعوة إلى الله بالأخلاق الحسنة: أن الدعوة إلى أصول الحسنات تستلزم سائرها وهذه قاعدة مهمة يسترشد بها الداعية إلى ترتيب الأولويات في دعوته حتى لا يستنفذ جهده في الدعوة إلى كل جزئية من الدين على حساب غيرها (1).
ومعنى ذلك: أن دعوة الناس إلى الأحكام الكلية وأصول الخيرات والحسنات يدفعهم إلى امتثال سائرها إن كان أمرا، والكف عن سائرها إن كانت نهيا، ومن أصول الحسنات أصول الأخلاق كالصدق والعدل...
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "..جاء في الأثر (إن ثواب الحسنة الحسنة بعدها، وإن من عقوبة السيئة السيئة بعدها) لاسيما أصول الحسنات التي تستلزم سائرها مثل الصدق فإنه أصل الخير" الفتاوي 15/246.
فتبين لنا من خلال ما قدمنا ما لمكارم الأخلاق من مكانة عظيمة ومنزلة عالية في الدين خاصة في باب الدعوة إلى الله عز وجل.
..........................
1- ولا يعني هذا عدم الدعوة إلى الأحكام الجزئية بل لا بد من الدعوة إليها وحث الناس على فعلها، وإنما المراد توجيه الجهد الأكبر للدعوة إلى الكليات التي تزكوا بها النفوس وتعلوا المجتمع بسببها الصبغة الإسلامية.
أبو أويس الإدريسي

http://www.manzila.org/forum/index.php?showtopic=3399
رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-04-10, 08:32 PM   #8
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي إنما العلم أن تسمع بالرخصة عن ثقة, فأما التشدد فيحسنه كل أحد

إنما العلم أن تسمع بالرخصة عن ثقة, فأما التشدد فيحسنه كل أحد

قرر البعض أصل: التيسير في الفتوى, وجعلوا ذلك قاعدة مطردة, مستدلين بآيات وأحاديث وجملة من الآثار من ذلك ما أثِر عن سفيان الثوري رحمه الله قال: "إنما العلم أن تسمع بالرخصة عن ثقة, فأما التشدد فيحسنه كل أحد" جامع بيان العلم 255, صفة الفتوى لابن حمدان رحمه الله, شرح السنة للبغوي رحمه الله 1/290, آداب الفتوى للنووي رحمه الله 37.
فنقول بيانا لبطلان هذا الأصل: أن ما استدل به من الآيات والأحاديث مثل قوله تعالى: "يريد الله بكم اليسر" ومثل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الحسن: "بعثت بالحنيفية السمحة" فلا يدل ذلك إلا على أن الشريعة في ذاتها -بعقائدها وأحكامها ومقاصدها وحدودها وتعزيراتها- هي يسر, ولا يلزم من ذلك تقرير أصل التيسير في الفتوى, لما يؤدي إليه ذلك من تتبع زلل العلماء, والأخذ بالرخص غير المشروعة, وإسقاط التكاليف, واتباع هوى النفوس, مع أن "المقصد الشرعي من وضع الشريعة هو إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبدا لله اختيارا, كما هو عبد لله اضطرارا" الموافقات 2/128.
قال ابن حزم رحمه الله رادا على من قرر ذلك الأصل: "فإن احتج بقوله تعالى: "يريد الله بكم اليسر" فقد علمنا أن كل ما ألزم الله تعالى فهو يسر بقوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج)" الأحكام 869.
إذن فمن الخطأ البين الاستدلال بيسر الشريعة على التيسير في الفتوى! وتؤكد لنا لغة العرب هذا الأمر حيث "اليسر" صفة لازمة للشريعة, ومقصد من مقاصدها التشريعية, و"التيسير" يُباينه فهو فعل من البشر فتنبه!
وأما قول عائشة رضي الله عنها كما في الصحيحين: "ما خُيّّر النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه".
فنقول: إن التخيير المذكور في الحديث حمل على أمور الدنيا لا الدين.
قال الحافظ في الفتح 6/713: "قوله: بين أمرين أي: من أمور الدنيا لأن أمور الدين لا إثم فيها...ووقوع التخيير بين ما فيه إثم وما لا إثم فيه من قبل المخلوقين واضح, وأما من قبل الله ففيه إشكال, لأن التخيير إنما يكون بين جائزين".
والكلام نفسه ذكره العلامة "العيني" في عمدة القاري عند شرحه لهذا الحديث.
وعلى القول بأن الحديث يشمل أمور الدين والدنيا كما جنح إليه محمد سعيد الباني في كتابه "عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق" متعقبا ابن حجر, والعيني رحمهما الله, انظر الصفحة 159-160.
فنقول على ذلك: إن الاختيار في أمر الدين واقع منه صلى الله عليه وسلم فيما خير فيه -كما هو ظاهر الحديث- وليس في كل ما أوحي إليه أو كُلف به هو وأمته, ومثال ذلك الاختلاف في صيغ الأذان والتشهد, ونحو ذلك مما دلت عليه الأحاديث الصحيحة.
أو نقول: أن هذا التخيير مقيد -كما في الحديث- بما لم يكن إثما, كأن يكون الأخذ بـ"الأيسر من أمور الدين مفضيا إلى الإثم إما بالتهاون عن الأداء بتاتا, وإما بالأداء على وجه غير صحيح بتخلل بطلان أو فساد، وإما بالأداء على وجه ناقص بتخلل ما يقتضي كراهة التحريم من إتيان أو ترك". عمدة التحقيق في التقليد والتلفيق 160.
وبناء على ما سبق فإن لفظة "الرخصة" في كلام سفيان الثوري رحمه الله السالف الذكر ليس القصد منها الرخص المشروعة كقصر الصلاة في السفر, والإفطار فيه ونحو ذلك, لأن أمثالها: يسر من الله تعالى وليست تيسيرا من المفتي فتأمل فإن كلام سفيان رحمه الله على الأمر الثاني لا الأول.
كما أنه رحمه الله لا يقصد بذلك أهون أقوال العلماء في مسائل الخلاف, لأن تتبع ذلك منهي عنه إجماعا, كما حكاه غير واحد من أهل العلم كابن عبد البر رحمه الله في جامعه 2/91-92.
ومن ثم فقصد سفيان الثوري رحمه الله من الرخصة في كلامه ما قاله السبكي رحمه الله مُعرِّفا إياها: "الرخصة ما تغير من الحكم الشرعي لعذر إلى سهولة ويسر مع قيام السبب للحكم الأصلي كأكل الميتة للمضطر". رفع الحاجب 2/26.
وعليه فكلام سفيان رحمه الله مجاله أن يكون التيسير الذي حُكم به قد قرره إمام أو عالم مجتهد يصلح الاجتهاد من مثله بتطبيق أصول وقواعد الشرع ومنها قاعدة "المشقة تجلب التيسير", أو "الضرر يُزال" أو نحو ذلك من القواعد, فإذا كان الحكم اليسير جاء على اجتهاد صحيح على قواعد رفع الحرج فإن هذا يكون من الدين الذي هو أحب إلى الله جل وعلا من التشديد حيث ترْك الأخذ بالرخصة المأذون فيها -عند الحرج والعذر أو الضرورة- تشديد, والتشديد يحسنه كل أحد.
قال النووي رحمه الله: "وأما من صح قصده, فاحتسب في طلب حيلة لا شبهة فيها, لتخليص من ورطة يَمِين ونحوها, فذلك حسن جميل, وعليه يحمل ما جاء عن بعض السلف من نحو هذا كقول سفيان: "إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة، فأما التشديد فيحسنه كل أحد" آداب الفتوى 37.
ولذلك كان من آداب المفتي أن لا يسد الطريق -ما استطاع- على المستفتي في التنفيذ في الحال الذي جعل الله له فيها مخرجا, فيما إذا كان هناك مخرج شرعي جائز مناسب.
وهذا الذي قصده الناظم بقوله في معرض الكلام عن آداب المفتي:
عاشِرُها إرشاد سائل إلى ** مُناسب له يكون بدلا
فقد أتى قوله جل وعلا ** (فاضرب به) دفعا لحنث نزل
التحفة الرضية3/653 مع شرحها.
ويقول ابن القيم رحمه الله: "لا يجوز للمفتي تتبع الحيلة المحرمة والمكروهة، ولا تتبع الرخص لمن أراد نفعه, فإن تتبع ذلك فسق, وحَرُم استفتاؤه, فإن حسن قصده في حيلة جائزة لا شبهة فيها ولا مفسدة لتخليص المستفتي بها من حرج جاز ذلك بل استحب, وقد أرشد الله تعالى نبيَّه أيوب عليه السلام إلى التخلص من الحنث بأن يأخذ بيده ضغثا فيضرب به المرأة ضربة واحدة، وأرشد النبيُّ صلى الله عليه وسلم بلالا إلى بيع التمر بدراهم ثم يشتري بالدراهم تمرا آخر فيتخلص من الربا, فأحسن المخارج ما خلص من المآثم, وأقبح الحيل ما أوقع في المحارم, أو أسقط ما أوجبه الله ورسوله من الحق اللازم" إعلام الموقعين 4/222.
وفي سياق ذلك قال أبو بكر بن العربي رحمه الله: "إذا جاء السائل عن مسألة فوجدتم له مخلصا فيها فلا تسألوه عن شيء, وإن لم تجدوا له مخلصا فحينئذ اسألوه عن تصرف أحواله وأقواله ونيته، عسى أن يكون له مخلص" أحكام القرآن 4/163.
أبو أويس الإدريسي
رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-04-10, 02:01 AM   #9
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي ترك الترتيب بين الخيرات من جملة الشرور

ترك الترتيب بين الخيرات من جملة الشرور

أفضل الطاعات والقربات: العمل على مرضاة الله جل علا في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت، فالأفضل في أوقات السحر مثلا: الاشتغال بالصلاة والقرآن، والدعاء، والذكر والاستغفار، والأفضل في وقت حضور الضيف: القيام بحقه، والاشتغال به عن الورد المستحب وهكذا دواليك.
فالأفضل في كل وقت وحال: إيثار مرضاة الله في ذلك الوقت والحال، والاشتغال بواجب ذلك الوقت ووظيفته، وهذا هو حال أهل التعبد المطلق، انظر المدارج 1/100 فما بعدها.
إلا أنه في حالة ازدحام الطاعات، والتعارض -عند الفعل- بين القربات، يقدم الفاضل على المفضول والأهم على المهم لأن الأعمال تتفاوت في الرتب.
قال الألوسي رحمه الله في روح المعاني 1/119 عند قوله تعالى: "يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون": "وهذه الثلاثة متفاوتة الرتب، فرتب سبحانه وتعالى ذلك مقدما الأهم فالأهم، والألزم فالألزم".
ومن أمثلة ذلك تقديم العمل الذي تعدى نفعه على القاصر عند الازدحام.
قال الناظم:
والمتعدي عندهم من العمل أنمى من القاصر فضلا وأجل
متن الفوائد البهية 46.
بعث الحسن البصري رحمه الله قوما من أصحابه في قضاء حاجة لرجل وقال لهم: مروا ثابت البناني فخذوه معكم، فأتوا ثابتا فقال أنا معتكف، فرجعوا إلى الحسن فأخبروه فقال: قولوا له يا أعمش أما تعلم أن مشيك في حاجة أخيك المسلم خير لك من حجة بعد حجة، فرجعوا إلى ثابت، فترك اعتكافه وذهب معهم. جامع العلوم والحكم 319.
وهذا الشأن يحتاج إلى معرفة بمراتب الطاعات وفقه في درجات القربات لأن "ترك الترتيب بين الخيرات من جملة الشرور" قاله الغزالي رحمه الله في الإحياء 3/403.
قال ابن القيم رحمه الله في معرض ذلك: "وهذا موضع يحتاج إلى فضل فقه في الطريق، ومراتب الأعمال، وتقديم الأهم منها فالأهم" الفوائد.
مع العلم أن المرجع في معرفة الفاضل من المفضول، والأهم من المهم الكتاب والسنة أصالة ثم العقل السليم و اللغة العربية والقواعد الشرعية والضوابط المرعية .
قال الذهبي رحمه الله: "فضل الأعمال بعضها على بعض، إنما هو التوقيف، وورد في ذلك أحاديث عدة" السير 11/419.
أبو أويس الإدريسي

رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-04-10, 10:32 AM   #10
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي الصدق مع الله في السرّ علامة كمال الإيمان

الصدق مع الله في السرّ علامة كمال الإيمان

"لا تكن وليا لله في العلانية عدوا له في السر"

العبد مأمور بصون نفسه في حالتي السرّ والعلانية، وإن كان صونها في حالة الخفاء هو أصل الأمر، لما لذلك من الشأن العظيم.
قال ابن رجب رحمه الله: " وفي الجملة فتقوى الله في السرّ هوعلامة كمال الإيمان" جامع العلوم والحكم.
فصلاح سر الإنسان هو ميزان إيمانه ومعيار استقامته حتى أن السلف رضوان الله عليهم كانوا يحرصون على صفاء حالة الخلوة أكثر من حالة الجلوة، فها هوالإمام ابن سيرين رحمه الله كان: "يضحك بين الناس وإذا خلى بالليل فكأنه قتل أهل قرية".
فالخلوات الخلوات فإن أكثر الناس "في خلوته على غير حالته في جلوته" كما قال الإمام ابن الجوزي.
أخرج الإمام ابن ماجة في سننه بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لأعلمنَّ أقواما يوم القيامة يأتون بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء يجعلها الله هباءا منثورا".. ثم قال لأصحابه: "وهم منكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خلو بمحارم الله انتهكوها".
وقال أبوالدرداء رضي الله عنه: "ليتق أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين وهولا يشعر، يخلو بمعاصي الله، فيلقي الله له البغض في قلوب المؤمنين".
وقال سليمان التيمي رحمه الله: "إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته".
وقال وهب بن الورد رحمه الله: "إن الذنب في الخفاء له عاقبته في السر".
فعلى العبد أن يتقي ربه في حالتي الجهر والسر وأن يحذر من مغبة ذلك.
قال بلال بن سعد رحمه الله: "لا تكن وليا لله في العلانية عدوا له في السر".
وقال ابن الجوزي رحمه الله: "والحذر الحذر من الذنوب، خصوصا ذنوب الخلوات فإن المبارزة لله تعالى تسقط العبد من عينه" صيد الخاطر.
فالواجب إذا أن ينهض العبد إلى إصلاح حالة سره خصوصا وإصلاح أمره عموما، فمن أصلح حال سره أحسن الله له حال علانيته.
قال ابن عون رحمه الله: "كان أهل الخير يكتب بعضهم إلى بعض بثلاث كلمات :
- إذا اشتغلت بآخرتك كفاك الله دنياك.
- وإذا أحسنت سرك أحسن الله علانيتك.
- وإذا أصلحت ما بينك وبين الله أصلح الله ما بينك وما بين الناس
".
وقال سليمان التيمي رحمه الله: "من أحسن لله سريرته فاح عبير مسكه في علانيته".
لذلك حمل جمع من السلف رفعة وعلو مكانة الأئمة الأعلام بين الناس على إحسانهم في حالة سرهم فأعلى الله شأنهم وقدرهم.
قال ابن المبارك رحمه الله: "إن الله عز وجل قد رفع مالك بن أنس وليس عنده كثير صلاة ولا صيام، وأرى ذلك أنه أصلح سره مع الله فرفع الله علانيته وقدره".
وقد ذكر عند الإمام أحمد فضل الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله فقال :"قد رفع الله ذكره وأحسب أنه لخبيئته في السر".
فما أحوجنا إلى إصلاح السر وإحسان الخلوة، وقد ذكر أهل العلم جملة من الأسباب لتحقق ذلك إن شاء الله تعالى منها:
1- الخلوة الإيمانية الأثرية بحيث يخلو الإنسان في المسجد أو في بيته يتلو كتاب الله ويذكر الله ويدعوه ويتضرع إليه وفق السنة، ففي هذا فضل عظيم كما في الحديث الصحيح حديث السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله فذكر منهم: "..ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه".

قال مسروق رحمه الله: "لا بدَّ للعبد من مجالس الخلوة مع نفسه".

2- الحياء من الله واستحضار مراقبته.
قال ابن السماك رحمه الله:
يا مدمنا على الذنب أما تستحي........ والله في الخلـوة ثانيـك
غرك من ربك إمهـــــاله ........وستره طـول مساويك

وقال الإمام أحمد رحمه الله:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا......... تقل خلوت ولكن قل علي رقيب

3- الدعــاء فإنه من أنفع الأدوية، فيدعوالعبد ربه جل وعلا بصلاح سره وعلانيته ويطلب المغفرة من ذنوب خلوته وجلوته.
فمن الأدعية المأثورة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير: "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أعلنت وما أسررت، وما أنت أعلم به مني..".

رزقنا الله وإياكم الصدق مع الله في السر و العلانية.

أبو أويس الإدريسي



رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ملخص حلية طالب العلم للأستاذة عطاء الخير أسماء حموا الطاهر علي أرشيف الفصول السابقة 10 25-12-13 01:00 AM


الساعة الآن 07:19 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .