العودة   ملتقى طالبات العلم > ๑¤๑ أرشيف الدروات العلمية ๑¤๑

الملاحظات


๑¤๑ أرشيف الدروات العلمية ๑¤๑ 1427-1430 هـ

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-08-08, 03:01 AM   #1
راجية الفردوس الأعلى
جُهدٌ لا يُنسى
Icon52 سيرة الإمام البخاري -رحمه الله-

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي قيض لهذه الأمة رجالا يحفظون لها أمر دينها من معين الكتاب والسنة ، ورزقهم جهدا وهمة في الحفاظ على ما صحَّ من السنة فله الحمد وحده المتفضل بالنعم ، والصلاة والسلام على معلم الناس الخير المبعوث رحمة للعالمين، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيدا
أما بعد:
فقد وفقنا الله بفضل منه في تجميع سيرة إمام السنة ورافع رايتها الإمام : البخاري –رحمه الله –
فباسم الله نبدأ، و به نستعين:
ذكر شارح صحيحه الحافظ ابن حجر في هدي الساري

أن نسبه هو :
أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزْبَهْ الجعفي، وكان بردزبه فارسيا على دين قومه
ثم أسلم ولده المغيرة على يد اليمان الجعفي وأتى بخارى فنسب إليه نسبة ولاء عملا بمذهب من يرى أن من أسلم على يده شخص كان ولاؤه له وإنما قيل له الجعفي لذلك.
وأما ولده إبراهيم بن المغيرة فلم نقف على شيء من أخباره،
وأما والد محمد فقد ذكرت له ترجمة في كتاب الثقات لابن حبان فقال: في الطبقة الرابعة إسماعيل بن إبراهيم والد البخاري يروي عن حماد بن زيد ومالك، وروى عنه العراقيون.
وذكره ولده في التاريخ الكبير فقال: إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة سمع من مالك وحماد بن زيد وصافح بن المبارك وسيأتي قال إسماعيل عند موته أنه لا يعلم في ماله حراما ولا شبهة.

وولادته :
يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة ببخارى
نشأته: مات والده إسماعيل وهو صغير، فنشأ في حجر أمه، ثم حجَّ مع أمه وأخيه أحمد ـ وكان أسنّ منه ـ فأقام هو بمكة مجاورا يطلب العلم، ورجع أخوه أحمد إلى بخارى فمات بها.
وروى غنجار في تاريخ بخارى واللالكائي في شرح السنة في باب كرامات الأولياء منه أن محمد بن إسماعيل ذهبت عيناه في صغره، فرأت والدته الخليل إبراهيم في المنام فقال لها: يا هذه قد رد الله على ابنك بصره بكثرة دعائك، قال: فأصبح وقد ردَّ الله عليه بصره.

مبدأ طلبه للحديث:
البخاري في العاشرة من العمر:
وقال الفربري: سمعت محمد بن أبي حاتم وراق البخاري يقول: سمعت البخاري يقول ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتَّاب، قلت: وكم أتى عليك إذ ذاك؟ فقال: عشر سنين أو أقل.

البخاري ابن الحادية عشرة: ثم خرجت من الكتَّاب فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره، فقال يوما فيما كان يقرأ للناس: سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم، فقلت: أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم، فانتهرني فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك، فدخل فنظر فيه ثم رجع فقال: كيف هو يا غلام؟ فقلت: هو الزبير وهو بن عدي عن إبراهيم، فأخذ القلم وأصلح كتابه وقال لي: صدقت، قال: فقال له أنسيان: ابن كم حين رددت عليه؟ فقال: ابن إحدى عشرة سنة.
قال: فلما طعنت في ست عشرة سنة حفظت كتب بن المبارك ووكيع وعرفت كلام هؤلاء ـ يعني أصحاب الرأي ـ قال: ثم خرجت مع أمي وأخي إلى الحج، قلت: فكان أول رحلته على هذا سنة عشر ومائتين، ولو رحل أول ما طلب لأدرك ما أدركته أقرانه من طبقة عالية ما أدركها، وإن كان أدرك ما قاربها كيزيد بن هارون وأبي داود الطيالسي وقد أدرك عبد الرزاق وأراد أن يرحل إليه وكان يمكنه ذلك، فقيل له إنه مات فتأخر عن التوجه إلى اليمن ثم تبين أن عبد الرزاق كان حيا فصار يروي عنه بواسطة.

البخاري مؤلفا وهو ابن الثامنة عشرة: قال فلما طعنت في ثماني عشرة وصنفت كتاب قضايا الصحابة والتابعين، ثم صنفت التاريخ في المدينة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم وكنت أكتبه في الليالي المقمرة، قال وقلَّ اسم في التاريخ إلا وله عندي قصة إلا أني كرهت أن يطول الكتاب.

رحلاته في البلاد: وقال سهب بن السري: قال البخاري:
دخلت إلى الشام ومصر والجزيرة مرتين،
وإلى البصرة أربع مرات،
وأقمت بالحجاز ستة أعوام
ولا أحصي كم دخلت إلى الكوفة وبغداد مع المحدثين.

البخاري أعجوبة في الحفظ: وقال حاشد بن إسماعيل كان البخاري يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلام، فلا يكتب حتى أتى على ذلك أيام فلمناه بعد ستة عشر يوما، فقال: قد أكثرتم علي فاعرضوا علي ما كتبتم، فأخرجناه فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلها عن ظهر قلب حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه.
وقال أبو بكر بن أبي عياش الأعين كتبنا عن محمد بن إسماعيل وهو أمرد على باب محمد بن يوسف الفريابي قلت: كان موت الفريابي سنة اثنتي عشرة ومائتين، وكان سن البخاري إذ ذاك نحوا من ثمانية عشر عاما أو دونها.
وقال محمد بن الأزهر السجستاني كنت في مجلس سليمان بن حرب والبخاري معنا يسمع ولا يكتب، فقيل لبعضهم: ماله لا يكتب؟ فقال: يرجع إلى بخارى ويكتب من حفظه.
وقال محمد بن أبي حاتم عن البخاري، كنت في مجلس الفريابي فقال: حدثنا سفيان عن أبي عروة عن أبي الخطاب عن أبي حمزة فلم يعرف أحد في المجلس من فوق سفيان، فقلت لهم: أبو عروة هو معمر بن راشد، وأبو الخطاب هو قتادة بن دعامة، وأبو حمزة هو أنس بن مالك، قال: وكان الثوري فعولا لذلك يكنى المشهورين.



توقيع راجية الفردوس الأعلى
راجية الفردوس الأعلى غير متواجد حالياً  
قديم 24-08-08, 03:06 AM   #2
راجية الفردوس الأعلى
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

ذكر مراتب مشايخه الذين كتب عنهم وحدث عنهم:
عن محمد بن أبي حاتم عنه قال: كتبت عن ألف وثمانين نفسا ليس فيهم إلا صاحب حديث، وقال أيضا: لم أكتب إلا عمن قال: الإيمان قول وعمل.
قلت: وينحصرون في خمس طبقات:

الطبقة الأولى: من حدثه عن التابعين: مثل محمد بن عبد الله الأنصاري حدثه عن حميد،
ومثل مكي بن إبراهيم حدثه عن يزيد بن أبي عبيد،
ومثل أبي عاصم النبيل حدثه عن يزيد بن أبي عبيد أيضا،
ومثل عبيد الله بن موسى حدثه عن إسماعيل بن أبي خالد،
ومثل أبي نعيم حدثه عن الأعمش،
ومثل خلاد بن يحيى حدثه عن عيسى بن طهمان،
ومثل على بن عياش وعصام بن خالد حدثاه عن حريز بن عثمان، وشيوخ هؤلاء كلهم من التابعين.

الطبقة الثانية: من كان في عصر هؤلاء لكن لم يسمع من ثقات التابعين: كآدم بن أبي إياس
وأبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر
وسعيد بن أبي مريم
وأيوب بن سليمان بن بلال
وأمثالهم.

الطبقة الثالثة: هي الوسطى من مشايخه وهم من لم يلق التابعين بل أخذ عن كبار تبع الأتباع: كسليمان بن حرب
وقتيبة بن سعيد
ونعيم بن حماد
وعلي بن المديني
ويحيى بن معين
وأحمد بن حنبل
وإسحاق بن راهويه
وأبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة
وأمثال هؤلاء وهذه الطبقة قد شاركه مسلم في الأخذ عنهم.

الطبقة الرابعة: رفقاؤه في الطلب ومن سمع قبله قليلا:
كمحمد بن يحيى الذهلي
وأبي حاتم الرازي
ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة
وعبد بن حميد وأحمد بن النضر
وجماعة من نظرائهم، وإنما يخرج عن هؤلاء ما فاته عن مشايخه أو ما لم يجده عند غيرهم.

الطبقة الخامسة: قوم في عداد طلبته في السن والإسناد سمع منهم للفائدة:
كعبد الله بن حماد الآملي
وعبد الله بن أبي العاص الخوارزمي
وحسين بن محمد القباني
وغيرهم،
وقد روى عنهم أشياء يسيرة وعمل في الرواية عنهم بما روى عثمان بن أبي شيبة عن وكيع قال: لا يكون الرجل عالما حتى يحدث عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه، وعن البخاري أنه قال: لا يكون المحدث كاملا حتى يكتب عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه.

ذكر سيرته وشمائله وزهده وفضائله:
كان البخاري رحمه الله في غاية الحياء، والشجاعة، والسخاء، والورع، والزهد في الدنيا دار الفناء، والرغبة في الآخرة دار البقاء، وكانت له جِدَة ومال جيد ينفق منه سرا وجهرا، وكان يكثر الصدقة بالليل والنهار، وكان مستجاب الدعوة، مسدد الرمية، شريف النفس. .

انفاقه في طلب العلم: قال وراقه: سمعت محمد بن خراش يقول: سمعت أحيد بن حفص يقول: دخلت على إسماعيل والد أبي عبد الله عند موته فقال: لا أعلم من مالي درهما من حرام ولا درهما من شبهة.
قلت: وحكى وراقه أنه ورث من أبيه مالا جليلا وكان يعطيه مضاربة فقطع له غريم خمسة وعشرين ألفا، فقيل له: استعن بكتاب الوالي، فقال: إن أخذت منهم كتابا طمعوا، ولن أبيع ديني بدنياي ثم صالح غريمه على أن يعطيه كل شهر عشرة دراهم وذهب ذلك المال كله.
وقال وراق البخاري سمعته يقول: خرجت إلى آدم بن أبي إياس فتأخرت نفقتي حتى جعلت أتناول حشيش الأرض، فلما كان في اليوم الثالث أتاني رجل لا أعرفه فأعطاني صرة فيها دنانير قال وسمعته يقول: كنت أستغل في كل شهر خمسمائة درهم فأنفقها في الطلب وما عند الله خير وأبقى.
راجية الفردوس الأعلى غير متواجد حالياً  
قديم 24-08-08, 03:11 AM   #3
راجية الفردوس الأعلى
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

ورعه واهتمامه بنيته وطرف من أخلاقه العطرة:
وقال سمعته يقول: ما توليت شراء شيء قط ولا بيعه كنت آمر إنسانا فيشتري لي. قيل له ولم؟ قال: لما فيه من الزيادة والنقصان والتخليط.
وقال غنجار في تاريخه: حدثنا أحمد بن محمد بن عمر المقري حدثنا أبو سعيد بكر بن منير قال كان حمل إلى محمد بن إسماعيل بضاعة أنفذها إليه أبو حفص فاجتمع بعض التجار إليه بالعشية وطلبوهما منه بربح خمسة آلاف درهم، فقال لهم: انصرفوا الليلة فجاءه من الغد تجار آخرون فطلبوا منه البضاعة بربح عشرة آلاف درهم فردهم وقال: إني نويت البارحة أن أدفعها إلى الأولين فدفعها إليهم وقال: لا أحب أن أنقض نيتي.
وقال عبد الله بن محمد الصيارفي: كنت عند محمد بن إسماعيل في منزله، فجاءته جاريته وأرادت دخول المنزل فعثرت على محبرة بين يديه فقال لها كيف تمشين؟ قالت: إذا لم يكن طريق كيف أمشي، فبسط يديه وقال اذهبي فقد أعتقتك، قيل له: يا أبا عبد الله أغضبتك قال: فقد أرضيت نفسي بما فعلت.
وقال وراق البخاري رأيته استلقى ونحن بفربر في تصنيف كتاب التفسير، وكان أتعب نفسه في ذلك اليوم في التخريج فقلت له أني سمعتك تقول ما أتيت شيئا بغير علم فما الفائدة في الاستلقاء؟ قال أتعبت نفسي اليوم، وهذا ثغر خشيت أن يحدث حدث من أمر العدو، فأحببت أن أستريح وآخذ أهبة؛ فإن غافصنا العدو كان بنا حراك.
قال: وكان يركب إلى الرمي كثيرا فما أعلم أني رأيته في طول ما صحبته أخطأ سهمه الهدف إلا مرتين بل كان يصيب في كل ذلك ولا يسبق قال وركبنا يوما إلى الرمي ونحن بفربر فخرجنا إلى الدرب الذي يؤدي إلى الفرصة فجعلنا نرمي فأصاب سهم أبي عبد الله وتد القنطرة التي على النهر فانشق الوتد فلما رأى ذلك نزل على دابته فأخرج السهم من الوتد وترك الرمي وقال لنا ارجعوا فرجعنا فقال لي يا أبا جعفر لي إليك حاجة وهو يتنفس الصعداء فقلت نعم قال تذهب إلى صاحب القنطرة فتقول إنا أخللنا بالوتد فنحب أن تأذن لنا في إقامة بدله أو تأخذ ثمنه وتجعلنا في حل مما كان منا وكان صاحب القنطرة حميد بن الأخضر فقال لي أبلغ أبا عبد الله السلام وقل له أنت في حل مما كان منك فإن جميع ملكي لك الفداء فأبلغته الرسالة فتهلل وجهه وأظهر سرورا كثيرا وقرأ ذلك اليوم للغرباء خمسمائة حديث وتصدق بثلاثمائة درهم قال وسمعته يقول لأبي معشر الضرير اجعلني في حل يا أبا معشر فقال من أي شيء فقال رويت حديثا يوما فنظرت إليك وقد أعجبت به وأنت تحرك رأسك ويديك فتبسمت من ذلك قال أنت في حل يرحمك الله يا أبا عبد الله .
قال: وسمعته يقول: دعوت ربي مرتين فاستجاب لي ـ يعني في الحال ـ فلن أحب أن أدعو بعد، فلعله ينقص حسناتي!!
وقال البخاري: إني لأرجو أن ألقى الله ليس أحد يطالبني أني اغتبته، فذكر له التاريخ وما ذكر فيه من الجرح والتعديل وغير ذلك، فقال: ليس هذا من هذا؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم "إئذنوا له، فلبئس أخو العشيرة" ونحن إنما روينا ذلك رواية ولم نقله من عند أنفسنا .
قال: وسمعته يقول: ما اغتبت أحدا قط منذ علمت أن الغيبة حرام!!
قلت – والكلام لابن حجر-: وللبخاري في كلامه على الرجال توق زائد، وتحر بليغ، يظهر لمن تأمل كلامه في الجرح والتعديل؛ فإن أكثر ما يقول "سكتوا عنه"، "فيه نظر"، "تركوه" ونحو هذا وقل أن يقول "كذاب" أو "وضاع" وإنما يقول "كذَّبه فلان" "رماه فلان" يعني بالكذب.
بعث إليه بعض السلاطين ليأتيه حتى يسمع أولاده عليه، فأرسل إليه؛ في بيته العلم والحلم يؤتى، يعني؛ إن كنتم تريدون ذلك فهلموا إليّ، وأبى أن يذهب إليهم، فقد جاء في سير أعلام النبلاء: كتب إلى أبي عبد الله بعضُ السلاطين في حاجة له، ودعا له دعاءً كثيرا. فكتب إليه أبو عبد الله: سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: وصل إليَّ كتابك وفهمته، وفي بيته يُؤتى الحَكَمُ والسلام.

أخبرني أحمد بن عمر اللؤلؤي عن الحافظ أبي الحجاج المزي أن أبا الفتح الشيباني أخبره أخبرنا أبو اليمان الكندي أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا الخطيب أبو بكر بن ثابت أخبرني أبو الوليد الدربندي أخبرنا محمد بن أحمد بن سليمان حدثنا أحمد بن محمد بن عمر سمعت بكر بن منير يقول: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: أني لأرجو أن ألقي الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا.
وبه إلى أبي بكر بن منير قال: كان محمد بن إسماعيل البخاري ذات يوم يصلي فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة فلما قضى صلاته قال انظروا أي شيء هذا الذي آذاني في صلاتي فنظروا فإذا الزنبور قد ورمه في سبعة عشر موضعا ولم يقطع صلاته.
قلت: وريناها عن محمد بن أبي حاتم وراقه وقال في آخرها: كنت في آية فأحببت أن أتمها.
وقال وراقه أيضا: كنا بفربر وكان أبو عبد الله يبني رباطا مما يلي بخارى فاجتمع بشر كثير يعينونه على ذلك وكان ينقل اللبن فكنت أقول له يا أبا عبد الله إنك تكفى، ذلك فيقول هذا الذي ينفعني.
قال: وكان ذبح لهم بقرة، فلما أدركت القدور دعا الناس إلى الطعام، فكان معه مائة نفس أو أكثر ولم يكن علم أنه يجتمع ما اجتمع وكنا أخرجنا معه من فربر خبزا بثلاثة دراهم وكان الخبز إذ ذاك خمسة أمنان بدرهم فألقيناه بين أيديهم فأكل جميع من حضر وفضلت أرغفة صالحة وقال وكان قليل الأكل جدا، كثير الإحسان إلى الطلبة، مفرط الكرم، وحكى أبو الحسن يوسف بن أبي ذر البخاري أن محمد بن إسماعيل مرض فعرضوا ماءه على الأطباء فقالوا إن هذا الماء يشبه ماء بعض أساقفة النصارى فإنهم لا يأتدمون، فصدقهم محمد بن إسماعيل وقال: لم آتدم منذ أربعين سنة، فسألوه عن علاجه فقال: علاجه الآدم فامتنع حتى ألح عليه المشايخ وأهل العلم فأجابهم إلى أن يأكل مع الخبز سكرة.
وقال الحاكم أبو عبد الله الحافظ: أخبرني محمد بن خالد حدثنا مقسم بن سعد قال كان محمد بن إسماعيل البخاري إذا كان أول ليلة من شهر رمضان يجتمع إليه أصحابه فيصلى بهم ويقرأ في كل ركعة عشرين آية وكذلك إلى أن يختم القرآن وكان يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال.
وكان يختم بالنهار في كل يوم ختمة ويكون ختمه عند الإفطار كل ليلة ويقول:عند كل ختمة دعوة مستجابة.
وقال محمد بن أبي حاتم الوراق: كان أبو عبد الله إذا كنت معه في سفر يجمعنا بيت واحد إلا في القيظ فكنت أراه يقوم في الليلة الواحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري نارا بيده ويسرج ويخرج أحاديث فيعلم عليها ثم يضع رأسه فقلت له إنك تحمل على نفسك كل هذا ولا توقظني قال أنت شاب فلا أحب أن أفسد عليك نومك.
قال: وكان يصلي في وقت السحر ثلاث عشرة ركعة، ويوتر منها بواحدة.
قال: وكان معه شيء من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فجعله في ملبوسه.
قال: وسمعته يقول وقد سئل عن خبر حديث: يا أبا فلان تراني أدلس وقد تركت عشرة آلاف حديث لرجل فيه نظر وتركت مثلها أو أكثر منها لغيره لي فيه نظر؟!!
وقال الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي السليماني: سمعت علي بن محمد بن منصور يقول سمعت أبي يقول كنا في مجلس أبي عبد الله البخاري فرفع إنسان من لحيته قذاة وطرحها إلى الأرض قال: فرأيت محمد بن إسماعيل ينظر إليها وإلى الناس فلما غفل الناس رأيته مد يده فرفع القذاة من الأرض فأدخلها في كمه فلما خرج من المسجد رأيته أخرجها وطرحها على الأرض فكأنه صان المسجد عما تصان عنه لحيته.
وأخرج الحاكم في تاريخه من شعره قوله:
اغتنم في الفراغ فضل ركوع فعسى أن يكون موتك بغته
كم صحيح رأيت من غير سقم ذهبت نفسه الصحيحة فلته

ذكر صفته الخَلْقية:وقال عبد الله بن عدي الحافظ: سمعت الحسن بن الحسين البزار يقول: رأيت محمد بن إسماعيل شيخا نحيف الجسم ليس بالطويل ولا بالقصير.

ذكر طرف من ثناء أقرانه وطائفة من أتباعه عليه تنبيها بالبعض على الكل:
قال أبو حاتم الرازي: لم تخرج خراسان قط أحفظ من محمد بن إسماعيل ولا قدم منها إلى العراق أعلم منه.
وقال محمد بن حريث: سألت أبا زرعة عن أبي لهيعة فقال لي: تركه أبو عبد الله ـ يعني البخاري ـ.
وقال الحسين بن محمد بن عبيد المعروف بالعجلي: ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل، ومسلم حافظ، ولكنه لم يبلغ مبلغ محمد بن إسماعيل.
قال العجلي: ورأيت أبا زرعة وأبا حاتم يستمعان إليه.
وكان أمة من الأمم ديِّنا، فاضلا، يحسن كل شيء، وكان أعلم من محمد بن يحيى الذهلي بكذا وكذا.
وقال عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي: قد رأيت العلماء بالحرمين والحجاز والشام والعراق فما رأيت فيهم أجمع من محمد بن إسماعيل.
وقال أيضا: هو أعلمنا وأفقهنا وأكثرنا طلبا.
وسئل الدارمي عن حديث وقيل له إن البخاري صححه، فقال: محمد بن إسماعيل أبصر مني، وهو أكيس خلق الله، عقل عن الله ما أمر به ونهى عنه من كتابه وعلى لسان نبيه، إذا قرأ محمد القرآن شغل قلبه وبصره وسمعه وتفكر في أمثاله وعرف حلاله من حرامه.
وقال أبو الطيب حاتم بن منصور: كان محمد بن إسماعيل آية من آيات الله في بصره ونفاذه في العلم.
وقال أبو سهل محمود بن النضر الفقيه: دخلت البصرة والشام والحجاز والكوفة، ورأيت علماءها، فكلما جرى ذكر محمد بن إسماعيل فضلوه على أنفسهم.
وقال أبو سهل أيضا: سمعت أكثر من ثلاثين عالما من علماء مصر يقولون: حاجتنا في الدنيا النظر إلى محمد بن إسماعيل.
وقال صالح بن محمد جزرة: ما رأيت خراسانيا أفهم من محمد بن إسماعيل.
وقال أيضا: كان أحفظهم للحديث، قال: وكنت أستملي له ببغداد فبلغ من حضر المجلس عشرين ألفا وسئل الحافظ أبو العباس الفضل بن العباس المعروف بفضلك الرازي: أيما أحفظ محمد بن إسماعيل أو أبو زرعة؟ فقال: لم أكن التقيت مع محمد بن إسماعيل فاستقبلني ما بين حلوان وبغداد، قال: فرجعت معه مرحلة، وجهدت كل الجهد على أن آتي بحديث لا يعرفه فما أمكنني وها أنا ذا أغرب على أبي زرعة عدد شعر رأسه.
وقال حمد بن عبد الرحمن الدغولي: كتب أهل بغداد إلى محمد بن إسماعيل البخاري كتابا فيه:
المسلمون بخير ما بقيت لهم وليس بعدك خير حين تفتقد
وقال إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة: ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل.
وقال أبو عيسى الترمذي: لم أر أعلم بالعلل والأسانيد من محمد بن إسماعيل البخاري.
وقال له مسلم: أشهد أنه ليس في الدنيا مثلك.
وقال أحمد بن سيار في تاريخ مر: ومحمد بن إسماعيل البخاري طلب العلم وجالس الناس ورحل في الحديث ومهر فيه وأبصر، وكان حسن المعرفة، حسن الحفظ، وكان يتفقه.
وقال أبو أحمد بن عدي: كان يحيى بن محمد بن صاعد إذا ذكر البخاري قال: ذاك الكبش النطاح.
وقال أبو عمرو الخفاف: حدثنا التقي النقي العالم الذي لم أر مثله محمد بن إسماعيل، قال: وهو أعلم بالحديث من أحمد وإسحاق وغيرهما بعشرين درجة، ومن قال فيه شيئا فعليه مني ألف لعنة.
وقال أيضا: لو دخل من هذا الباب وأنا أحدث لملئت منه رعبا!
وقال عبد الله بن حماد الأبلي: لوددت أني كنت شعرة في جسد محمد بن إسماعيل.
وقال سليم بن مجاهد: ما رأيت منذ ستين سنة أحد أفقه ولا أورع من محمد بن إسماعيل.
وقال موسى بن هارون الحمال الحافظ البغدادي: عندي لو أن أهل الإسلام اجتمعوا على أن يصيبوا آخر مثل محمد بن إسماعيل لما قدروا عليه.
وقال عبد الله بن محمد بن سعيد بن جعفر: سمعت العلماء بمصر يقولون: ما في الدنيا مثل محمد بن إسماعيل في المعرفة والصلاح، ثم قال عبد الله: وأنا أقول قولهم.
وقال الحافظ أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة: لو أن رجلا كتب ثلاثين ألف حديث لما استغنى عن تاريخ محمد بن إسماعيل.
وقال الحاكم أبو أحمد في الكنى: كان أحد الأئمة في معرفة الحديث وجمعه، ولو قلت أني لم أر تصنيف أحد يشبه تصنيفه في الحسن والمبالغة لفعلت.
ولو فتحت باب ثناء الأئمة عليه ممن تأخر عن عصره لفنى القرطاس، ونفذت الأنفاس، فذاك بحر لا ساحل له!! وإنما ذكرت كلام بن عقدة وأبي أحمد عنوانا لذلك وبعد ما تقدم من ثناء كبار مشايخه عليه لا يحتاج إلى حكاية من تأخر لأن أولئك إنما أثنوا بما شاهدوا، ووصفوا ما علموا، بخلاف من بعدهم فإن ثناءهم ووصفهم مبني على الاعتماد على ما نقل إليهم، وبين المقامين فرق ظاهر، وليس العيان كالخبر.
راجية الفردوس الأعلى غير متواجد حالياً  
قديم 24-08-08, 03:17 AM   #4
راجية الفردوس الأعلى
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

ذكر جمل من الأخبار الشاهدة لسعة حفظه وسيلان ذهنه واطلاعه على العلل سوى ما تقدم:
ساق صاحب هدي الساري بسنده إلى عدة من مشايخ بغداد يقولون: إن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد، فسمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا وأرادوا امتحان حفظه، فعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوها إلى عشرة أنفس لكل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا ذلك على البخاري، وأخذوا عليه الموعد للمجلس فحضروا وحضر جماعة من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم ومن البغداديين، فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال البخاري لا أعرفه فما زال يلقى عليه واحدا بعد واحد حتى فرغ البخاري يقول لا أعرفه وكان العلماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون فهم الرجل! ومن كان لم يدر القصة يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الحفظ، ثم انتدب رجل من العشرة أيضا فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال: لا أعرفه، فسأله عن آخر فقال: لا أعرفه فلم يزل يلقي عليه واحدا واحدا حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه، ثم انتدب الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من إلقاء تلك الأحاديث المقلوبة، والبخاري لا يزيدهم على "لا أعرفه"، فلما علم أنهم قد فرغوا إلتفت إلى الأول فقال: أما حديثك الأول فقلت كذا وصوابه كذا، وحديثك الثاني كذا وصوابه كذا، والثالث والرابع على الولاء، حتى أتى على تمام العشرة، فرد كل متن إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، فأقر الناس له بالحفظ، وأذعنوا له بالفضل، قلت: هنا يخضع للبخاري فما العجب من رده الخطأ إلى الصواب، فإنه كان حافظا بل العجب من حفظه للخطأ على ترتيب ما ألقوه عليه من مرة واحدة!!!
وروينا عن أبي بكر الكلوذاني قال: ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل، كان يأخذ الكتاب من العلم فيطلع عليه اطلاعة فيحفظ عامة أطراف الأحاديث من مرة واحدة!
وقال غنجار في تاريخه: سمعت أبا القاسم منصور بن إسحاق بن إبراهيم الأسدي يقول سمعت أبا محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم يقول سمعت يوسف بن موسى المروزي يقول كنت بالبصرة في جامعها إذ سمعت مناديا ينادي: يا أهل العلم لقد قدم محمد بن إسماعيل البخاري! فقاموا إليه وكنت معهم، فرأينا رجلا شابا ليس في لحيته بياض، فصلى خلف الأسطوانة، فلما فرغ أحدقوا به وسألوه أن يعقد لهم مجلسا للإملاء فأجابهم إلى ذلك، فقام المنادي ثانيا في جامع البصرة فقال: يا أهل العلم لقد قدم محمد بن إسماعيل البخاري فسألناه أن يعقد مجلس الإملاء فأجاب بأن يجلس غدا في موضع كذا، فلما كان الغد حضر المحدثون والحفاظ والفقهاء والنظارة حتى اجتمع قريب من كذا كذا ألف نفس، فجلس أبو عبد الله للإملاء فقال قبل أن يأخذ في الإملاء: يا أهل البصرة أنا شاب وقد سألتموني أن أحدثكم وسأحدثكم بأحاديث عن أهل بلدكم تستفيدونها ـ يعني ليست عندكم ـ قال فتعجب الناس من قوله، فأخذ في الإملاء فقال: حدثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي رواد العتكي ببلدكم قال حدثني أبي عن شعبة عن منصور وغيره عن سالم بن أبي الجعد عن أنس بن مالك أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله الرجل يحب القوم، الحديث، ثم قال هذا ليس عندكم عن منصور إنما هو عندكم عن غير منصور، قال يوسف بن موسى فأملى عليهم مجلسا من هذا النسق يقول في كل حديث روى فلان هذا الحديث عندكم كذا، فأما من رواية فلان يعني التي يسوقها فليست عندكم.
وقال حمدويه بن الخطاب: لما قدم البخاري قدمته الأخيرة من العراق، وتلقاه من تلقاه من الناس وازدحموا عليه، وبالغوا في بره، قيل له في ذلك: فقال كيف لو رأيتم يوم دخولنا البصرة كأنه يشير إلى قصة دخوله التي ذكرها يوسف بن موسى.
وساق بسنده عن أبي حسان مهيب بن سليم: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: اعتللت بنيسابور علة خفيفة، وذلك في شهر رمضان، فعادني إسحاق بن راهويه في نفر من أصحابه فقال لي: أفطرت يا أبا عبد الله؟ فقلت: نعم. فقال يعني تعجلت في قبول الرخصة! فقلت: أخبرنا عبدان عن بن المبارك عن بن جريج قال قلت لعطاء: من أي المرض أفطر؟ قال: من أي مرض كان، كما قال الله عز وجل:"فمن كان منكم مريضا" قال البخاري: لم يكن هذا عند إسحاق.
وقال محمد بن أبي حاتم الوراق: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: لو نشر بعض أستاري هؤلاء لم يفهموا كيف صنفت البخاري ولا عرفوه، ثم قال: صنفته ثلاث مرات.
وقال أحيد بن أبي جعفر وإلي بخارى: قال لي محمد بن إسماعيل يوما: رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر، فقلت له: يا أبا عبد الله بتمامه، فسكت.
وقال سليم بن مجاهد: قال لي محمد بن إسماعيل: لا أجيء بحديث عن الصحابة والتابعين إلا عرفت مولد أكثرهم ووفاتهم، ومساكنهم، ولست أروي حديثا من حديث الصحابة والتابعين يعني من الموقوفات إلا وله أصل أحفظ ذلك عن كتاب الله وسنة رسوله.
وقال علي بن الحسين بن عاصم البيكندي: قدم علينا محمد بن إسماعيل فقال له رجل من أصحابنا: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: كأني أنظر إلى سبعين ألف حديث من كتابي، فقال له محمد بن إسماعيل: أو تعجب من هذا القول؟ لعل في هذا الزمان من ينظر إلى مائتي ألف ألف من كتابه، وإنما عني نفسه.
وقال محمد بن حمدويه: سمعت البخاري يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحيح وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح.
قال وراقه: سمعته يقول: ما نمت البارحة حتى عددت كم أدخلت في تصانيفي من الحديث، فإذا نحو مائتي ألف حديث.
وقال أيضا: لو قيل لي: تمن لما قمت حتى أروي عشرة آلاف حديث في الصلاة خاصة.
وقال أيضا: قلت له: تحفظ جميع ما أدخلت في مصنفاتك؟ فقال: لا يخفي علي جميع ما فيها، وصنفت جميع كتبي ثلاث مرات.
قال: وبلغني أنه شرب البلاذر، فقلت له مرة في خلوة: هل من دواء للحفظ؟ فقال: لا أعلم، ثم أقبل علي فقال: لا أعلم شيئا أنفع للحفظ من نهمة الرجل، ومداومة النظر.
قال: وأنا أرجو أن يبارك الله تعالى للمسلمين في هذه المصنفات.
وقال البخاري: تذكرت يوما أصحاب أنس، فحضرني في ساعة ثلاثمائة نفس، وما قدمت على شيخ إلا كان انتفاعه بي أكثر من انتفاعي به.
وقال وراقه: عمل كتابا في الهبة، فيه نحو خمسمائة حديث، وقال ليس في كتاب وكيع في الهبة إلا حديثان مسندان أو ثلاثة، وفي كتاب بن المبارك خمسة أو نحوها.
وقال أيضا: ما جلست للتحديث حتى عرفت الصحيح من السقيم، وحتى نظرت في كتب أهل الرأي، وما تركت بالبصرة حديثا إلا كتبته.
قال: وسمعته يقول: لا أعلم شيئا يُحتاج إليه إلا وهو في الكتاب والسنة، قال: فقلت له: يمكن معرفة ذلك؟ قال: نعم.
وقال أحمد بن حمدون الحافظ: رأيت البخاري في جنازة، ومحمد بن يحيى الذهلي يسأله عن الأسماء والعلل، والبخاري يمر فيه مثل السهم، كأنه يقرأ قل هو الله أحد.
وساق صاحب هدي الساري بسنده عن أبي حامد الأعمش الحافظ قال: كنا يوما عند محمد بن إسماعيل البخاري بنيسابور، فجاء مسلم بن الحجاج فسأله عن حديث عبيد الله بن عمر عن أبي الزبير عن جابر قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ومعنا أبو عبيدة الحديث بطوله، فقال البخاري: حدثنا بن أبي أويس حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن عبيد الله فذكر الحديث بتمامه، قال: فقرأ عليه إنسان حديث حجاج بن محمد عن بن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كفارة المجلس إذا قام العبد أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك" فقال له مسلم: في الدنيا أحسن من هذا الحديث ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح تعرف بهذا الإسناد في الدنيا حديثا فقال محمد بن إسماعيل: إلا أنه معلول، فقال مسلم: لا إله إلا الله، وارتعد، أخبرني به، فقال أستر ما ستر الله، هذا حديث جليل رواه الناس عن حجاج بن محمد عن بن جريج، فألحّ عليه، وقبَّل رأسه، وكاد أن يبكي، فقال: اكتب إن كان ولا بد؛ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا موسى بن عقبة عن عون بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفارة المجلس، فقال له مسلم: لا يبغضك إلا حاسد، وأشهد أنه ليس في الدنيا مثلك.
وقال محمد ابن أبي حاتم: سمعته يقول: صنفت كتاب "الاعتصام" في ليلةٍ.

ذكر فضائل الجامع الصحيح وسبب تأليفه سوى ما تقدم في الفصول الأولى وغيرها: قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل: كنت عند إسحاق بن راهويه فقال لنا بعض أصحابنا: لو جمعتم كتابا مختصرا لسنن النبي صلى الله عليه وسلم! فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع هذا الكتاب –يعني كتاب الجامع- .
قال محمد ابن إسماعيل: أخرجت هذا الكتاب -يعني الصحيح- من زهاء ستمائة ألف حديث.
قال أبو الهيثم الكشميهني سمعت الفربري يقول سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: ما وضعت في كتاب الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين.
وعن البخاري قال: صنفت الجامع من ستمائة ألف حديث، في ست عشرة سنة، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله.
وقال أبو سعيد الإدريسي: أخبرنا سليمان بن داود الهروي سمعت عبد الله بن محمد بن هاشم يقول: قال عمر بن محمد بن بجير البجيري سمعت محمد بن إسماعيل: يقول صنفت كتابي الجامع في المسجد الحرام، وما أدخلت فيه حديثا حتى استخرت الله تعالى وصليت ركعتين وتيقنت صحته.
قلت: الجمع بين هذا وبين ما تقدم أنه كان يصنفه في البلاد؛ أنه ابتدأ تصنيفه وترتيبه وأبوابه في المسجد الحرام، ثم كان يخرج الأحاديث بعد ذلك في بلده وغيرها، ويدل عليه قوله إنه أقام فيه ست عشرة سنة، فإنه لم يجاور بمكة هذه المدة كلها، وقد روى بن عدي عن جماعة من المشايخ أن البخاري حول تراجم جامعه بين قبر النبي صلى الله عليه وسلم ومنبره، وكان يصلي لكل ترجمة ركعتين.
قلت: ولا ينافي هذا أيضا ما تقدم؛ لأنه يحمل على أنه في الأول كتبه في المسودة، وهنا حوله من المسودة إلى المبيضة.
وقال الفربري: سمعت محمد بن حاتم وراق البخاري يقول: رأيت البخاري في المنام خلف النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يمشي فكلما رفع النبي صلى الله عليه وسلم قدمه وضع أبو عبد الله قدمه في ذلك الموضع.
وقال الخطيب: أنبأنا أبو سعد الماليني، أخبرنا أبو أحمد بن عدي، سمعت الفربري يقول: سمعت نجم بن فضيل وكان من أهل الفهم يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام خرج من قبره، والبخاري يمشي خلفه، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا خطا خطوة يخطو محمد ويضع قدمه على خطوة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الخطيب: وكتب إلى علي بن محمد الجرجاني من أصبهان أنه سمع محمد بن مكي يقول سمعت الفربري يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال لي: أين تريد؟ فقلت: أريد محمد بن إسماعيل، فقال: أقرئه مني السلام.
وقال شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي: فيما قرأنا على فاطمة وعائشة بنتي محمد بن الهادي أن أحمد بن أبي طالب أخبرهم عن عبد الله بن عمر بن علي أن أبا الوقت أخبرهم عنه سماعا أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الهروي سمعت خالد بن عبد الله المروزي يقول سمعت أبا سهل محمد بن أحمد المروزي يقول سمعت أبا زيد المروزي يقول: كنت نائما بين الركن والمقام فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: يا أبا زيد إلى متى تدرس كتاب الشافعي ولا تدرس كتابي؟ فقلت: يا رسول الله وما كتابك؟ قال جامع محمد بن إسماعيل.
وقال الخطيب: حدثني محمد بن علي الصوري، حدثنا عبد الغني بن سعيد، حدثنا أبو الفضل جعفر بن الفضل أخبرنا محمد بن موسى بن يعقوب بن المأمون قال: سئل أبو عبد الرحمن النسائي عن العلاء وسهيل فقال: هما خير من فليح، ومع هذا فما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب محمد بن إسماعيل.
وقال أبو جعفر العقيلي: لما صنف البخاري كتاب الصحيح عرضه على بن المديني وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهم فاستحسنوه، وشهدوا له بالصحة، إلا أربعة أحاديث، قال العقيلي: والقول فيها قول البخاري، وهي صحيحة.
وقال الحاكم أبو أحمد: رحم الله محمد بن إسماعيل الإمام، فإنه الذي ألف الأصول، وبين للناس، وكل من عمل بعده فإنما أخذه من كتابه، كمسلم فرق أكثر كتابه، وتجلد فيه حق الجلادة، حيث لم ينسبه إليه.
وقال أبو الحسن الدار قطني الحافظ: لولا البخاري لما راح مسلم ولا جاء.
وقال أيضا: إنما أخذ مسلم كتاب البخاري فعمل فيه مستخرجا وزاد فيه أحاديث.

ذكر ما وقع بينه وبين الذهلي في مسألة اللفظ وما حصل له من المحنة بسبب ذلك وبراءته مما نسب إليه من ذلك: قال الحاكم أبو عبد الله في تاريخه: قدم البخاري نيسابور سنة خمسين ومائتين، فأقام بها مدة يحدث على الدوام، قال: فسمعت محمد بن حامد البزار يقول: سمعت الحسن بن محمد بن جابر يقول: سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول: اذهبوا إلى هذا الرجل الصالح العالم فاسمعوا منه، قال: فذهب الناس إليه فأقبلوا على السماع منه حتى ظهر الخلل في مجلس محمد بن يحيى، قال فتكلم فيه بعد ذلك.
وقال حاتم بن أحمد بن محمود: سمعت مسلم بن الحجاج يقول: لما قدم محمد بن إسماعيل نيسابور ما رأيت واليا ولا عالما فعل به أهل نيسابور ما فعلوا به؛ استقبلوه من مرحلتين من البلد أو ثلاث، وقال محمد بن يحيى الذهلي في مجلسه: من أراد أن يستقبل محمد بن إسماعيل غدا فليستقبله فإني أستقبله، فاستقبله محمد بن يحيى وعامة علماء نيسابور، فدخل البلد، فنزل دار البخاريين، فقال لنا محمد بن يحيى: لا تسألوه عن شيء من الكلام فإنه إن أجاب بخلاف ما نحن عليه وقع بيننا وبينه، وشمت بنا كل ناصبي ورافضي ومرجىء بخراسان، قال: فازدحم الناس على محمد بن إسماعيل حتى امتلأت الدار والسطوح، فلما كان اليوم الثاني أو الثالث من يوم قدومه، قام إليه رجل فسأله عن اللفظ بالقرآن، فقال: أفعالنا مخلوقة، وألفاظنا من أفعالنا، قال: فوقع بين الناس اختلاف؛ فقال بعضهم: قال: لفظي بالقرآن مخلوق، وقال بعضهم: لم يقل. فوقع بينهم في ذلك اختلاف، حتى قام بعضهم إلى بعض، قال: فاجتمع أهل الدار فأخرجوهم.
وقال أبو أحمد بن عدي ذكر لي جماعة من المشايخ أن محمد بن إسماعيل لما ورد نيسابور واجتمع الناس عنده حسده بعض شيوخ الوقت، فقال لأصحاب الحديث أن محمد بن إسماعيل يقول لفظي بالقرآن مخلوق، فلما حضر المجلس قام إليه رجل فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في اللفظ بالقرآن مخلوق هو أو غير مخلوق؟ فأعرض عنه البخاري، ولم يجبه، ثلاثا، فألحّ عليه، فقال البخاري: القرآن كلام الله غير مخلوق، وأفعال العباد مخلوقة، والامتحان بدعة، فشغب الرجل وقال: قد قال: لفظي بالقرآن مخلوق.
وقال الحاكم: حدثنا أبو بكر أبي الهيثم حدثنا الفربري قال سمعت محمد بن إسماعيل يقول إن أفعال العباد مخلوقة، فقد حدثنا علي بن عبد الله حدثنا مروان بن معاوية حدثنا أبو مالك عن ربعي بن حراش عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن الله يصنع كل صانع وصنعته" قال البخاري: وسمعت عبيد الله بن سعيد ـ يعني أبا قدامة السرخسي ـ يقول: ما زلت أسمع أصحابنا يقولون إن أفعال العباد مخلوقة قال محمد بن إسماعيل : حركاتهم وأصواتهم وأكسابهم وكتابتهم مخلوقة، فأما القرآن المبين المثبت في المصاحف، الموعى في القلوب، فهو كلام الله غير مخلوق؛ قال الله تعالى: "بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم" قال: وقال إسحاق بن راهويه: أما الأوعية فمن يشك أنها مخلوقة، وقال أبو حامد بن الشرقي: سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن زعم لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع، ولا يجالس، ولا يكلم، ومن ذهب بعد هذا إلى محمد بن إسماعيل فاتهموه، فإنه لا يحضر مجلسه إلا من كان على مذهبه.
وقال الحاكم: ولما وقع بين البخاري وبين الذهلي في مسألة اللفظ انقطع الناس عن البخاري إلا مسلم بن الحجاج وأحمد بن سلمة. قال الذهلي: ألا من قال باللفظ فلا يحل له أن يحضر مجلسنا، فأخذ مسلم رداءه فوق عمامته وقام على رؤوس الناس فبعث إلى الذهلي جميع ما كان كتبه عنه على ظهر جمال.
قلت: وقد أنصف مسلم فلم يحدث في كتابه عن هذا ولا عن هذا.
وقال الحاكم أبو عبد الله: سمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول: سمعت أحمد بن سلمة النيسابوري يقول: دخلت على البخاري فقلت: يا أبا عبد الله! إن هذا رجل مقبول بخراسان، خصوصا في هذه المدينة، وقد لج في هذا الأمر حتى لا يقدر أحد منا أن يكلمه فيه، فما ترى؟ قال: فقبض على لحيته ثم قال: وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد، اللهم إنك تعلم أني لم أرد المقام بنيسابور أشرا ولا بطرا ولا طلبا للرياسة، وإنما أبت علي نفسي الرجوع إلى الوطن لغلبة المخالفين، وقد قصدني هذا الرجل حسدا لما آتاني الله لا غير، ثم قال لي: يا أحمد أني خارج غدا لتخلصوا من حديثه لأجلي.
وقال الحاكم أيضا عن الحافظ أبي عبد الله بن الأخرم قال: لما قام مسلم بن الحجاج وأحمد بن سلمة من مجلس محمد بن يحيى بسبب البخاري قال الذهلي: لا يساكنني هذا الرجل في البلد، فخشي البخاري وسافر.
وقال غنجار في تاريخ بخارى: حدثنا خلف بن محمد قال: سمعت أبا عمرو أحمد بن نصر النيسابوري الخفاف بنيسابور يقول: كنا يوما عند أبي إسحاق القرشي ومعنا محمد بن نصر المروزي، فجرى ذكر محمد بن إسماعيل فقال محمد بن نصر: سمعته يقول: من زعم أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب فإني لم أقله، فقلت له: يا أبا عبد الله قد خاض الناس في هذا فأكثروا، فقال: ليس إلا ما أقول لك،.
قال أبو عمرو: فأتيت البخاري فذاكرته بشيء من الحديث حتى طابت نفسه، فقلت: يا أبا عبد الله ههنا من يحكي عنك إنك تقول لفظي بالقرآن مخلوق، فقال: يا أبا عمرو احفظ عنى؛ من زعم من أهل نيسابور وسمى غيرها من البلدان بلادا كثيرة أننى قلت لفظى بالقرآن مخلوق فهو كذاب، فإني لم أقله، إلا أني قلت أفعال العباد مخلوقة.
وقال الحاكم: سمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه يقول: سمعت محمد بن نعيم يقول: سألت محمد بن إسماعيل لما وقع في شأنه ما وقع عن الإيمان، فقال: قول وعمل ويزيد وينقص والقرآن كلام الله غير مخلوق، وأفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي على هذا حييت وعليه أموت وعليه أبعث إن شاء الله تعالى.

ذكر محنته مع أمير بخارى: قال غنجار في ( تاريخه ) : ... سمعت بكر بن منير بن خليد بن عسكر يقول: بعث الأمير خالد بن أحمد الذهلي والي بخارى إلى محمد بن إسماعيل أن احمل إلي كتاب (الجامع ) و ( التاريخ ) وغيرهما لأسمع منكم، فقال لرسوله: أنا لا أذل العلم، ولا أحمله إلى أبواب الناس، فإن كانت لك إلى شيء منه حاجة، فاحضر في مسجدي، أو في داري. وإن لم يعجبك هذا فإنك سلطان، فامنعني من المجلس، ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة، لأني لا أكتم العلم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار) فكان سبب الوحشة بينهما هذا.
سمعت أبا بكر بن أبي عمرو الحافظ البخاري يقول: كان سبب منافرة أبي عبد الله أن خالد بن أحمد الذهلي الأمير خليفة الطاهرية ببخارى سأل أن يحضر منزله، فيقرأ (الجامع) و ( التاريخ) على أولاده، فامتنع عن الحضور عنده، فراسله بأن يعقد مجلسا لأولاده لا يحضره غيرهم فامتنع، وقال: لا أخص أحدا. فاستعان الأمير بحريث بن أبي الورقاء وغيره، حتى تكلموا في مذهبه، ونفاه عن البلد، ودعى عليهم، فلم يأت إلا شهر حتى ورد أمر الطاهرية ، بأن ينادى على خالد في البلد، فنودي عليه على أتان. وأما حريث، فإنه ابتلي بأهله، فرأى فيها ما يجل عن الوصف. وأما فلان، فابتلي بأولاده، وأراه الله فيهم البلايا.
حدثنا سهل بن شاذويه قال: كان محمد بن إسماعيل يسكن سكة الدهقان، وكان جماعة يختلفون إليه، يظهرون شعار أهل الحديث من إفراد الإقامة، ورفع الأيدي في الصلاة وغير ذلك. فقال حريث بن أبي الورقاء وغيره: هذا رجل مشغب، وهو يفسد علينا هذه المدينة، وقد أخرجه محمد بن يحيى من نيسابور، وهو إمام أهل الحديث، فاحتجوا عليه بابن يحيى، واستعانوا عليه بالسلطان في نفيه من البلد، فأخرج، وكان محمد بن إسماعيل ورعا، يتجنب السلطان ولا يدخل عليهم.
قال الحاكم: سمعت أحمد بن محمد بن واصل البيكندي، سمعت أبي يقول: من الله علينا بخروج أبي عبدالله ومقامه عندنا، حتى سمعنا منه هذه الكتب، وإلا من كان يصل إليه وبمقامه في هذه التواح: فربر وبيكند، بقيت هذه الآثار فيها، وتخرج الناس به.
قلت: خالد بن أحمد الأمير، قال الحاكم: له ببخارى آثار محمودة كلها، إلا موجدته على البخاري، فإنها زلة، وسبب لزوال ملكه.

وفاته: نزل عند أقارب له بها ( بلدة خرتنك على فرسخين من سمرقند) وجعل يدعو الله أن يقبضه إليه حين رأى الفتن في الدين، ولما جاء في الحديث (وإذا أردت بقوم فتنة فتوفنا إليك غير مفتونين)، ثم اتفق مرضه على إثر ذلك فكانت وفاته ليلة عيد الفطر وكان ليلة السبت عند صلاة العشاء وصلي عليه يوم العيد بعد الظهر من هذه السنة أعنى سنة ست وخمسين ومائتين وكفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة وفق ما أوصى به، وحين ما دفن فاحت من قبره رائحة غالية أطيب من ريح المسك ثم دام ذلك أياما ثم جعلت ترى سواري بيض بحذاء قبره وكان عمره يوم مات ثنتين وستين سنة وقد ترك رحمه الله بعده علما نافعا لجميع المسلمين فعلمه لم ينقطع بل هو موصول بما أسداه من الصالحات في الحياة وقد قال رسول الله صلى لله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به) الحديث رواه مسلم .

ذكر تصانيفه والرواة عنه: تقدم ذكر الجامع الصحيح، وذكر الفربري أنه سمعه منه تسعون ألفا، وأنه لم يبق من يرويه غيره، وأطلق ذلك بناء على ما في علمه، وقد تأخر بعده بتسع سنين أبو طلحة منصور بن محمد بن علي بن قريبة البزدوي، وكانت وفاته سنة تسع وعشرين وثلمائة، ذكر ذلك من كونه روى الجامع الصحيح عن البخاري أبو نصر بن ماكولا وغيره.
ومن رواة الجامع أيضا ممن اتصلت لنا روايته بالإجازة إبراهيم بن معقل النسفي، وفاته منه قطعة من آخره رواها بالإجازة، وكذلك حماد بن شاكر النسوي، والرواية التي اتصلت بالسماع في هذه الأعصار وما قبلها هي رواية محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر الفربري.
وشرطه في صحيحه هذا أعز من شرط كل كتاب صنف في الصحيح لا يوازيه فيه غيره لا صحيح مسلم ولا غيره وما أحسن ما قال بعض الفصحاء من الشعراء
صحيح البخاري لو أنصفوه لما خط إلا بماء الذهب
هو الفرق بين الهدى والعمى هو السد بين الفتى والعطب
أسانيد مثل نجوم السماء أمام متون لها كالشهب
بها قام ميزان دين الرسول ودان به العجم بعد العرب
حجاب من النار لا شك فيه يمز بين الرضى والغضب
وستر رقيق إلى المصطفى ونص مبين لكشف الريب
فيا عالما أجمع العالمو ن على فضل رتبته في الرتب
سبق الأئمة فيما جمعت وفزت على زعمهم بالقصب
نفيت الضعف من الناقل ين ومن كان منهما بالكذب
وأبرزت في حسن ترتيبه وتبويبه عجبا للعجب
فأعطاك مولاك ما تشتهيه وأجزل حظك فيما وهب


ومن تصانيفه أيضا: الأدب المفرد، يرويه عنه أحمد بن محمد بن الجليل بالجيم البزار ورفع اليدين في الصلاة
والقراءة خلف الإمام يرويهما عنه محمود بن إسحاق الخزاعي وهو آخر من حدث عنه ببخارى.
وبر الوالدين يرويه عنه محمد بن دلويه الوراق
التاريخ الكبير يرويه عنه أبو أحمد محمد بن سليمان بن فارس وأبو الحسن محمد بن سهل النسوي وغيره
قال البخاري : أخذ إسحاق بن راهويه كتاب التاريخ الذي صنفت فأدخله على عبد الله بن طاهر فقال: أيها الأمير ألا أريك سحرا؟ قال: فنظر فيه عبد الله بن طاهر فتعجب منه، وقال: لست أفهم تصنيفه.
والتاريخ الأوسط يرويه عنه عبد الله بن أحمد بن عبد السلام الخفاف وزنجويه بن محمد اللباد
والتاريخ الصغير يرويه عنه عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الأشقر
وخلق أفعال العباد يرويه عنه يوسف بن ريحان بن عبد الصمد والفربري أيضا
وكتاب الضعفاء يرويه عنه أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابي وأبو جعفر شيخ بن سعيد وأدم بن موسى الخواري.
وهذه التصانيف موجودة مروية لنا بالسماع أو بالإجازة .
ومن تصانيفه أيضا:
الجامع الكبير ذكره بن طاهر
والمسند الكبير
والتفسير الكبير ذكره الفربري
وكتاب الأشربة ذكره الدار قطني في المؤتلف والمختلف في ترجمة كيسة.
وكتاب الهبة ذكره وراقه كما تقدم
وأسامي الصحابة ذكره أبو القاسم بن منده وأنه يرويه من طريق بن فارس عنه وقد نقل منه أبو القاسم البغوي الكبير في معجم الصحابة له، وكذا بن منده في المعرفة، ونقل أيضا من كتاب الوحدان له، وهو من ليس له إلا حديث وأحد من الصحابة.
وكتاب المبسوط ذكره الخليلي في الإرشاد وأن مهيب بن سليم رواه عنه
وكتاب العلل ذكره أبو القاسم بن منده أيضا وأنه يرويه عن محمد بن عبد الله بن حمدون عن أبي محمد عبد الله بن الشرقي عنه.
وكتاب الكنى ذكره الحاكم أبو أحمد ونقل منه
وكتاب الفوائد ذكره الترمذي في أثناء كتاب المناقب من جامعه.

وممن روى عنه:أ) من مشايخه:
عبد الله بن محمد المسندي
وعبد الله بن منير
وإسحاق بن أحمد السرماري
ومحمد بن خلف بن قتيبة
ونحوهم
ب) ومن أقرانه:
أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان
وإبراهيم الحربي
وأبو بكر بن أبي عاصم
وموسى بن هارون الجمال
ومحمد بن عبد الله بن مطين
وإسحاق بن أحمد بن يرك الفارسي
ومحمد بن قتيبة البخاري
وأبو بكر الأعين
ج) ومن الكبار الآخذين عنه من الحفاظ:
صالح بن محمد الملقب جزرة
ومسلم بن الحجاج
وأبو الفضل أحمد بن سلمة
وأبو بكر بن إسحاق بن خزيمة
ومحمد بن نصر المروزي
وأبو عبد الرحمن النسائي وروى أيضا عن رجل عنه
وأبو عيسى الترمذي وتلمذ له وأكثر من الاعتماد عليه
وعمر بن محمد البحيرى
وأبو بكر بن أبي الدنيا
وأبو بكر البزار
وحسين بن محمد القباني
ويعقوب بن يوسف بن الأخرم
وعبد الله بن محمد بن ناجية
وسهل بن شاذويه البخاري
وعبيد الله بن واصل
والقاسم بن زكريا المطرز
وأبو قريش محمد بن جمعه
ومحمد بن محمد بن سليمان الباغندي
وإبراهيم بن موسى الجويري
وعلي بن العباس التابعي
وأبو حامد الأعمشي
وأبو بكر أحمد بن محمد بن صدقة البغدادي
وإسحاق بن داود الصواف
وحاشد بن إسماعيل البخاري
ومحمد بن عبد الله بن الجنيد
ومحمد بن موسى النهرتيري
وجعفر بن محمد النيسابوري
وأبو بكر بن أبي داود
وأبو القاسم البغوي
وأبو محمد بن صاعد
ومحمد بن هارون الخضرمي
والحسين بن إسماعيل المحاملي البغدادي وهو آخر من حدث عنه ببغداد.
راجية الفردوس الأعلى غير متواجد حالياً  
قديم 24-08-08, 03:19 AM   #5
راجية الفردوس الأعلى
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

مجهود مبــــارك من بعض أخواتنا جزاهن الله خيــــــــر
نسأل الله به النفع والقبول
راجية الفردوس الأعلى غير متواجد حالياً  
قديم 28-08-08, 03:18 PM   #6
من حاملي الراية
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

بارك الله فيك أختنا الحبيبة، وجزاك خيرا، وما أحوجنا اليوم وخصوصا ونحن نقرأ كتابه ونرى أثر وبركته على الأمة أن نتعرف على هذه النبذة البسيطة من حياته..
وأتمنى أن تطلع عى هذه السيرة كل الأخوات المشتركات، بل كل المسلمين والمسلمات، فكم فيها من العبر..



توقيع من حاملي الراية
أعتذر عن قلة تواجدي في الملتقى، وأسأل الله أن ييسر لي العودة مجددا..

كنز أهديه إليك على هذا الرابط
http://hatha-alislam.com/

من حاملي الراية غير متواجد حالياً  
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
¤ شِدَّة النَّهَمة، وسموّ الهمة ..يا طالبات الوصول¤ وصال خليفة روضة آداب طلب العلم 2 21-02-14 09:21 PM
[إعلان] صفحة مدارسة فقه الصلاة // قديم لبنى أحمد فقه الصلاة 57 01-01-14 01:34 PM


الساعة الآن 09:59 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .