العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . أقسام العلوم الشرعية . ~ . > روضة مكتبة طالبة العلم > مكتبة طالبة العلم الصوتية

الملاحظات


إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-07-10, 11:58 PM   #1
طالبة الرضوان
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي هدية رمضان--قلوب الصائمين-لشيخنا الشثري-لأول مرة مفرغ -تابعوا السلسلة


بسم الله الرحمن الرحيم

قلوب الصائمين

سعد ابن ناصر ألشتري

فضائل رمضان
الحمد لله رب العالمين ..فعّال لما يريد ..لا رادَّ لما قضى ولا معقّب لما حكم .. يتصرف في أحوال العباد وجوارحهم كيف يشاء ..إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون ..وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، تتوجه قلوب الموحدين إليه وحده بعباداتهم وسؤالهم وتضرّعهم ..وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله كان يكثر في دعاءه من قول اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ..صلى الله عليه وعلى آله و أصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرا ..


أما بعد فإخواني الكرام ..


أهنئكم دخول شهر رمضان .. شهر الخير والبركة ..شهر زراعة التقوى في قلوب الصائمين ..


وابتدئ معكم في هذا البرنامج في الحديث عن القلوب التي عليها معوّل كبير كما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{ إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم } رواه مسلم .. واسمع لقول الله تعالى: إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (الأنفال: ٧٠ولذلك حرص المؤمنون على دعاء الله تعالى بإصلاح قلوبهم ، فكان من دعائهم { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا } وكان من دعائهم { اللهم حبب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا } ، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم :{ اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، اللهم يا مصرف القلوب اصرف قلبي لطاعتك } وذلك لأن تثبيت قلب العبد على الدين وانصرافه إلى الحق من أعظم أسباب النجاة والفلاح ، والعصمة عن كثير من الذنوب ، ويدلّك على أهمية الاعتناء بالقلب ما يأتي :


أولا ً: أن القلب مصدر الأعمال والاعتقادات قال تعالى( وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :{ ألا إن في القلب مُضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب } .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :[ المقصود بالدعوة وصول العباد إلى ما خُلقوا له من عبادة ربهم وحده لا شريك له ، والعبادة أصلها عبادة القلب المستجمع للجوارح .. فإن القلب هو الملك والأعضاء جنوده ].


وثانيا ً: أن الأجر والثواب يكون على مقدار ما في القلب من النيّة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :{ إنما الأعمال بالنيّات وإنما لكل امرئ ما نوى } .


وثالثا ً: أن القلب سريع التقلّب كما ورد في الحديث { إن قلوب بني آدم بين أصبُعين من أصابع الرحمن يقلّبها كيف يشاء } . قال ابن عمر :[ كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم ــــــــــــــــــ ومقلّب القلوب ] ، وفي حديث أنس : [ مثل القلب كمثل ريشة بأرض فلاة تقلّبها الرياح ] .


ورابعا ً: أن الشياطين تُلقي الوساوس في قلوب العباد ، فتؤثر على عمل العبد ومعتقده وتصوراته ، قال تعالى(وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)


و قال: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)الأنعام: ٤٣. قال ابن عباس :[ إن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا سها وغفل وسوس ، وإذا ذكر الله خنس ].


وخامسا ً: أن القلب أداة يتمكن الإنسان بها من الفهم الصحيح ، والتفريق بين الحق والباطل ،قال تعالى (قلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ" وفي المقابل قال تعالى : (لَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون ﴿26الأحقاف: ٢٦



وقال : (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُون)الأنعام: ١٢٥


وسادساً : أن الله تعالى سيسأل العبد يوم القيامة عن قلبه كما قال تعالى : (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ))الإسراء: ٣٦.
وللصوم تأثير عجيب في القلوب ،وذلك لأن الصوم فيه كسر لشهوة البطن والفرج الموجبة لتصفية القلب ، ثم إن الصائم يبتعد عن المعاصي فيؤثر ذلك في صفاء قلبه ، قال أبو سليمان : [ الرين والقسوة زماما الغفلة ودواءهما إدمان الصوم ] ، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يستطع الباءة والزواج من الشباب بالصوم وقال { فإنه له وجاء } ..


ومن هنا كان للصائم دعوة لا ترد لما في الصوم من كسر الشهوة وحضور القلب والتذلل للرب ، قال ابن القيّم رحمه الله :[ وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة وحميتها عن التخليط الجالب لأهل المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها ، فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها ويعيد إليها ما سلبته منها أيدي الشهوات ، فهو أكبر العون على التقوى ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :{ الصوم جُنّة } والمقصود أن مصالح الصوم لمّا كانت مشهودة بالعقول السليمة والفطر المستقيمة شرعه الله لعباده رحمة بهم وإحسانا ً إليهم وحمية ًلهم وجُنّة ، وقال : إن الصائم ليتصور بصورة من لا حاجة له في الدنيا إلا في تحصيل رضا الله ، وأي حسن يزيد على حسن هذه العبادة التي تكسر الشهوة وتقنع النفس وتُحي القلب وتفرحه وتزهّده في الدنيا وشهواتها وترغّبه فيما عند الله ]..
وقال بعضهم :[ في الصوم غذاء للقلب ، كما يغذي الطعام الجسم ولذلك أجمع مجرّبة أعمال الديانة من اللذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه على أن مفتاح الهدى والصحة هو الجوع لأن الأعضاء إذا وهنت لله نوّر الله القلب .. وصفّى

النفس .. وقوّى الجسم ليظهر أمر الإيمان بقلب العبد ...


أسأل الله جلَّ وعلا أن يجعلنا وإياكم ممن حصّل التقوى بصيامه .. وأسأله جلَّ وعلا أن يتقبّل منا ومنكم الصيام وأن يعيننا في هذا الشهر الكريم على عبادته ...
اللهم اجعل قلوبنا في هذا الشهر الكريم ممن استحضرت عظمتك ، ووجلت منك ورجت ما لديك ..

اللهم يا حي يا قيّوم أصلح شأننا كله .. هذا والله اعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
...




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ







بســم اللــه الـرحــمـن الـرحـيــم

قــلـــوب الصـــائــمــيــــن

فــضــيــلــة الشــيــخ سـعــد ابــن نــاصــر الشــثـــري

التقـــــــــــــوى


الحمد لله رب العالمين .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ..و أشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى أصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا ..
أما بعد ...
فإن التقوى تصدر أصالة من القلب ..كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :{ التقوى ها هنا ، التقوى ها هنا } وكان يشير إلى صدره صلى الله عليه وسلم ، وقد أمر الله تعالى بالتقوى فقال ) واتقُوا اللهَ واعلَمُوا أنَّ اللهَ شَديدُ العِقَاب ( وقال ) وتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيرَ الزَادِ التَقوَى واتَّقُونِي يَا أُولِي الألبَاب ( وقال ) قُل يَا عِبَادِيَ الّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُم للَِّذِينَ أحسَنُوا فِي هَذِهِ الدُنيَا حَسَنة وأرضُ الله ِوَاسِعَة( ، بل إن التقوى هي وصية الله للأمم السابقة ، والأمم اللاحقة ) وللهِ مَا فِي السَمَاواتِ ومَا فِي الأرضِ ولَقَد وَصّينَا الّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وإيَّاكُم أنِ اتّقُوا الله ( .

ومن أجل التقوى ..
بيّن الله الآيات والأحكام ، قال تعالى ) كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللهُ آيَاتِهِ للِنّاسِ لَعَلّهُم يَتَّقُون ( ، والتقوى وضع وقاية بين العبد وغضب الله ، وبينه وبين النار بفعل الطاعات ، وترك الذنوب ، وقد فسّر طلق ابن حبيب التقوى بقوله :{ التقوى العمل بطاعة الله ، على نور من الله ، رجاء رحمة الله ، والتقوى ترك معاصي الله ، على نور من الله ، مخافة عذاب الله }.

ومن أسباب التقوى ..
الصوم ، قال تعالى ) يَا أيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعلَّكُم تَتَّقُون (


قال السمعاني :
{ الصوم وصلة إلى التقوى ،لما فيه من قهر النفس وكسر الشهوات } وقال ابن تيمية :{ مقصود الصوم التقوى } .

وقد أمر الله بالصيام لأجل التقوى ..
وقد قال صلى الله عليه وسلم :{ من لم يدع قول الزور والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه } ، فإذا لم يحصل له مقصود التقوى ، فينقص من أجر الصوم بحسب ذلك ، وقال غيره :{ في الصوم قتل الشهوة حسّا ، وحياة الجسد معنى ، وطهارة الأرواح بطهارة القلوب وفراغها للتفكّر ، والخشية الداعية للتقوى } ،

وقال الشيخ السعدي :
{ ذكر الله تعالى حكمة مشروعية الصوم فقال" لعلّكم تتقون "، فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى ، لأن فيه امتثال أمر الله ، واجتناب نهيه ، فمما اشتمل عليه من التقوى أن الصائم يترك ما حرّم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها من الأمور التي تميل إليها نفسه ، متقرباً بذلك إلى الله ، راجياً بتركها ثوابه ، فهذا من التقوى }.
ومنها أن الصائم يدرّب نفسه على مراقبة الله ، فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه ، لعلمه باطلاع الله عليه .

ومنها
أن الصيام يضيّق مجاري الشيطان ، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم ، فبالصيام يضعف نفوذه وتقل منه المعاصي .

ومنها
أن الصائم في الغالب تكثر طاعته ، والطاعات من خصال التقوى .

ومنها
أن الغني إذا ذاق ألم الجوع ، أوجب له ذلك مواساة الفقراء المعدمين ، وهذا من خصال التقوى .

ما الذي يدفعنا إلى التقوى ..
ما الذي يجعلنا نحرص على أن نكون من أهلها ، ما الذي يدفعنا إلى ذلك ؟! يدفعنا تلك الثمرات التي نحصل عليها بسبب التقوى ، فالتقوى سبب لرضا رب العالمين عن العبد ، ومحبته له ) واللهُ يُحِبُّ المُتَّقِين ( .

التقوى سبب للفهم ، والهداية ، والعلم ،
قال تعالى) ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيبَ فِيهِ هُدَىً لِلمُتَّقِين ( وقال ) إن تَتَّقُوا اللهَ يَجعَل لَكُم فُرقَانَا ويُكَفِّر عَنكُم مِن سَيئَاتِكُم ويَغفِر لَكُم ( .

التقوى سبب دخول الجنّة ،
قال تعالى ) وسَارِعُوا إلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّة ٍعَرضُهَا السَمَاواتِ والأرض أُعِدَّت للمُتَّقِين(.

البرّ والفلاح معلق بالتقوى ،
قال تعالى) ولَكَّنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقَى واتُوا البُيُوتَ مِن أبوَابِهَا واتَّقُوا اللهَ لَعلّكُم تُفلِحُون( .

التقوى سبب لعون الله للعبد ونصرته ،
كما قال تعالى ) واعلَمُوا أنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِين ( ، التقوى سبب للخروج من المآزق وسبب لرغد العيش ) ومَن يَتَّقِي اللهَ يَجعَل لَهُ مَخرَجَا ويَرزُقُهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِب ( .

التقوى سبب للمغفرة والرحمة
) أولَئِكَ الّذِينَ امتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُم لِلتَّقوَى لَهُم مَغفِرَةٌ وَأجرٌ عَظِيم واتَّقُوا اللهَ لَعَلّكُم تُرحَمُون إنَّ أكرَمَكُم عِندَ اللهِ اتقَاكُم ( .

التقوى سبب للبركة في الأرزاق
) وَلَو أنَّ أَهلَ القُرَىَ آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفتََحنَا عَلَيِهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاء ِوالأرض( ، ما ظنك بمن كان الله معه )إنَّ اللهَ مَعَ الّذِينَ اتَّقَوا وَالّذِينَ هُم مُحسِنُون ( .

ولئن أصاب المتقين ما أصابهم ..
إلا أن العاقبة الحميدة لهم ، قال تعالى )والعَاقِبَةُ للِتَّقوَى( وقال ) إنَّ الأرضَ للهِ يُورِثُهَا من يَشَاءُ مِن عِبَادِه والعَاقِبَةُ للِمُتَّقِين ( وقال ) واللهُ وَلِيُ المُتَّقِين(،) ومِن يَتَّقِي اللهَ يَجعَل لَهُ مِن أمرِهِ يُسرَا ( .

فالدافع الّذي يحرك المؤمنين لاستجلاب التقوى أسباب عديدة.. منها :

أولاً : أن الله أمر بها ، والمؤمنون يبادرون إلى امتثال أمر الله ،قال تعالى) واتَّقُوا اللهَ الّذِي أنتُم بِه مُؤمِنُون ( وقال ) يا أيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إلَّا وأنتُم مُسلِمُون ( .

وثانيا ً:
عظم الفوائد المرتبة على التقوى في الدنيا والآخرة ،) ومَن يُطِع اللهَ وَرَسُولَهُ ويَخشَىَ اللهَ ويَتَّقِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُون( ، قال الله تعالى ) ويُنَجِّي اللهُ الّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِم لا يَمَسُّهُمُ السُوءُ ولا هُم يَحزَنُون ( وقال ) فَأمَّا مَن أعطَىَ واتَّقَىَ وصَدََّقَ بِالحُسنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرَى ( .

وثالثاً :
أننا نستشعر بتقوى الله ، مراقبة الله لنا ، فنستحي أن يطلع منّا على ما يخالف التقوى ، قال تعالى) واللهُ عَلِيمٌ بِالمُتَّقِيِن( وقال سبحانه ) واتَّقُوا اللهَ إنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَات ِالصُدُور( . ونحن نعلم أننا عمّا قريب ، سنرجع إلى الله كما قال تعالى ) واتَّقُوا اللهَ واعلَمُوا أنَّكم مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤمِنِين( وقال سبحانه ) واتَّقُوا اللهَ الّذِيِ إليهِ تُحشَرُون( .

ورابعها :
أن التقوى صفة أولياء الله ، الّذين يحبهم الله ويتولّاهم ، ويكونون تحت ولاية الله ، قال تعالى) ألا إنَّ أَولِيَاءَ اللهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم ولا هُم يَحزَنُون الّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُون لَهُمُ البُشرَىَ فِي الحَيَاةِ الدُنيَا وفِي الآخِرَة لا تَبدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيم ( .

لكن .. كيف نحصّل التقوى ؟!


تحصيل التقوى ، يكون بالاتصاف بصفات المتقين ،
قال تعالى) أُعِدّت للِمُتَّقِين الّذينَ يُنفِقُونَ فِي السرَّاءِ والضَرَّاءِ والكَاظِمِينَ الغَيظَ والعَافِينَ عَن النّاسِ واللهُ يُحِبُ المُحسِنين ( ، احصل على التقوى لأنها سبب دخول الجنّة )ولَنِعمَ دَارُ المُتَّقِين جَنَّاتُ عَدن ٍ يَدخُلُونَهَا تَجرِي مِن تَحتِهَا الأنهَار لَهُم فِيهَا مَا يَشَاءُون كَذَلِكَ يَجزِي اللهُ المُتَّقِين( )لَكن الّذِينَ اتَّقَوا رَبَّهُم لَهُم غُرَفٌ مِن فَوقِهَا غُرَفٌ مَبنِيّة تَجرِي مِن تَحتِهَا الأنهَار ( ) إنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وعُيُون ادخُلُوهَا بِسَلام ٍآمِنِين ونَزَعنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِن غِلٍّ إخوَانا ًعَلَى سُرُر ٍمُتَقَابِلِين لا يَمَسّهُم فِيهَا نَصَبٌ ومَا هُم مِنهَا بِمُخرَجِين( .

تحصل التقوى بتدبر القرءان ، وتفهّم معانيه
) واذكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلّكُم تَتَّقُون ( ) ولَقَد ضَرَبَنَا لِلنّاسِ فِي هَذَا القُرءَانِ مِن كُلِّ مَثَل ٍلَعَلّهُم يَتَذَكَّرُون قُرءَانَاً عَرَبِيَّا ًغَيرَ ذِي عِوج ٍلَعَلَّهُم يَتََّقُون( .

تحصل التقوى بالتفكّر في أحوال أهل النار الذين يقول الله فيهم
) لَهُم مِن فَوقِهِم ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ ومِن تَحتِهِم ظُلَل ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بهِ عِبَادَه يَا عِبَادِي فَاتَّقُون(.

ومن سبل تحصيل التقوى .. التعاون من المؤمنين على الخير ،
قال تعالى ) وتَعَاوَنُوا عَلَى البرِّ والتَّقوَى ( .

بإمكانك أيها العبد ..أن تحصّل تقوى الله باستشعار أن الله هو الذي خلقك) اتَّقُوا رَبَّكُمُ الذِي خَلَقَكُم مِن نَفس ٍوَاحِدَه (.

احصّل التقوى بالنظر في نعم الله عليك
) واتَّقُوا اللهَ الّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعلَمُون أَمَدَّكُم بِأنعَام ٍوبَنِين وَجَنَّات ٍوَعُيُون( .
احصل على التقوى من خلال تذكرك ليوم القيامة وأهواله )اتَّقُوا رَبَّكُم إنَّ زَلزَلَةَ السَاعةِ شَيءٌ عَظِيم ( ، تحصل التقوى بسؤال الله ودعاءه أن يجعلك من المتقين ، فإن التقوى نعمة من الله للعبد قال تعالى) ونَفس ٍومَا سَوَّاهَا فَألَهَمَهَا فُجُورَهَا وتَقوَاهَا ( .

اللـــهم أجعلنـــــــا مـــن المتــــــقين .. اللــــــهم أجعلنـــــا من المتقين
وصلى الله على نبينا محمد ...


من بريدي



توقيع طالبة الرضوان
سبحان الله،والحمد لله،ولا إله إلا الله،والله أكبر ..

التعديل الأخير تم بواسطة طالبة الرضوان ; 29-08-10 الساعة 02:59 AM
طالبة الرضوان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-07-10, 03:25 AM   #2
النفس الأبية
~مشارِكة~
افتراضي

شكرا أختي الكريمة والله يعطيكي الف عافيه

اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان .
النفس الأبية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-07-10, 12:50 PM   #4
طالبة الرضوان
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي الإخـــــــــــــــــــــلاص

بسم الله الرحمن الرحيم



قلوب الصائمين



فضيلة الشيخ سعد ابن ناصر الشثري



الإخـــــــــــــــــــــلاص



الحمد لله رب العالمين .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله علبه وعلى أصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيرا ..
أما بعد ..فإن من أعمال القلوب .. الإخلاص ..
قال تعالى في الحديث القدسي :{ أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه } وفي لفظ :{ فأنا منه بريء وهو كله للذي أشرك } ، قال تعالى) مَن كَانَ يُريدُ الحَيَاةَ الدُنيَا وزِينَتَهَا نُوفّي إلِيهِم أعمَالَهُم فيهَا وهُم فِيهَا لا يُبخَسُون أُولَئِكَ الّذِينَ لَيسَ لَهُم فِي الآخِرَةِ إلّا النّار وحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعمَلُون (.
(2) أن النافع الضار ، هو رب العزّة و الجلال ..فكيف نقصد بأعمالنا غيره طلباً للنفع ، قال تعالى) أمِ اتخَذُوا مِن دُونِ اللهِ شُفَعَاء قُل أوَلَوا كَانُوا لا يَملِكُونَ شَيئَاً ولا يَعقِلُون قُل للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعَا لَهُ مُلُكُ السَّمَاواتِ والأرض ِثُمَّ إليهِ تُرجَعُون (.
(3) أن الأجر والثواب على مقدار النيّة والإخلاص { وإنما لكل امرىء ما نوى } .
(4) أن من التمس رضا الله ، رضي الله وأرضى عنه الناس , ومن التمس رضا الناس بسخط الله ، سخط الله عليه ، واسخط الله عليه الناس .
(5) أن الإخلاص يمسح وساوس القلوب ، ويعجز الشيطان أن يصل معه إلى القلب ، فقد قال الشيطان ) فَبِعِزَّتِكَ لأُغوِيَنَّهُم أجمَعِين إلّا عِبَادَكَ مِنهُمُ المُخلَصِين (.
(6) أن المخلصين يبعدهم الله عن المعاصي ، ويعصمهم من الذنوب ، قال تعالى في قصة يوسف عليه السلام ) كَذَلِكَ لِنُصرِفَ عَنهُ السُوءَ والفَحشَاءَ إنَّهُ مِن عِبَادَنَا المُخلَصِين (.
(7) أن الإخلاص سبب لمغفرة الذنوب ، وفي الحديث أن الله تعالى يقول :{ يا ابن آدم لو لاقيتني بملئ الأرض خطايا لا تشرك بي شيئا لاقيتك بملئ الأرض مغفرة } ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية :{ إخلاص الدين لله ،هو الدين الذي لا يقبل الله سواه ، وهو الذي بعث الله به الرسل ، وأنزل به جميع الكتب ، واتفق عليه أئمة أهل الإيمان ،وهذا هو خلاصة الدعوة النبوية ، وهو قطب القرءان الذي تدور عليه رحاه }.
ويتجلّى الإخلاص في الصيام ، إذ إن الصيام ينطلق من النيّة ، فلا صيام لمن لم يبيّت الصوم ولم ينويه بالليل ، والصوم إمساك عن المفطرات بنيّة التقرب لله ،ولا يطّلع على ذلك ولا على الامتناع من المفطرات ،لا يطلع عليه حقيقة إلا رب العزَّة و الجلال ، ولذلك قال الله عز وجل في الحديث القدسي :{ كل عمل ابن آدم له ، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف،إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ،يدع طعامه وشرابه وشهوته من اجلي } أنظر إلى قوله من أجلي ،ولذلك اختص الله بالصيام ورتّب عليه مضاعفة الأجر والثواب .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :{ من صام رمضان إيماناً واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام رمضان إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه } فانظر إلى قوله "إيماناً واحتسابا "فلا تحصل مغفرة الذنب إلا لمن صام رمضان إيماناً واحتسابا ، ولا تحصل مغفرة الذنب إلا لمن قام رمضان إيماناً واحتسابا ، ولا تحصل مغفرة الذنب إلا لمن قام ليلة القدر إيماناً واحتسابا ، فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم "إيماناً واحتسابا "المراد بذلك أن يؤمن العبد أن الله شرع هذا العمل ، وأن يقصد العبد بصومه احتساب الأجر عند الله تعالى ،[ فإيمانا ]أي تصديقاً وإيقانا ً بأن الله هو الذي شرعه وأن الله هو الذي أمر به ، وقوله [ احتسابا ] يعني أن ينوي بعمله الأجر الأخروي، يرغب في ثوابه عند الله تعالى ، قال ابن القيم رحمه الله :{ العامل بغير إخلاص ولا اقتداء ، كالمسافر يملئ جرابه رملا ينقله ولا ينفعه }.
إن للصوم أثراً عجيبا ..في جعل قلب العبد يخلص لله تعالى ، فإن العبد متى انقطعت عنه المواد التي تغذي قلبه بالأمور الفاسدة ، والمعتقدات غير المرغوب فيها ، بدأ يفكر في الإخلاص ،وتوجه قلبه إلى ربه جلَّ وعلا ، خصوصاً أن الصيام يجعل العبد يتفكر في قدرة الله عليه ، ويتفكر في مقارنة العبد لنفسه بغيره ،ثم إنه بعد ذلك يستشعر حاجته لله فيخلص في أعماله .
ثم إن الصيام يجعل مجاري الشيطان تضيق ، فإنه قد ورد في الحديث {أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، فإذا ضيّق العبد مجاري الدم بالصوم ، لن يتمكن الشيطان من ولوج بدنه } فمن هنا تصفّد الشياطين في هذا الشهر، ويستحضر العبد في أعماله نيّة الإخلاص لله تعالى .
فيا أيُّها المؤمنون..أخلصوا نياتكم لله ، في جميع أعمالكم ،إذا أحضرتم طعاماً لأبنائكم فانووا به التقرب لله ،إذا أفطرت يا أيها المؤمن ، فانوي بإفطارك التقرب لله ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا أكلت أكلة السحر فانوي بذلك التقرب لله جلَّ وعلا ..
اللهــــــم إنا نسألك يا ربنا .. أن ترزقنا جميعاً الإخلاص في جميع الأعمال ..
اللهـــــــم اجعلنا لا نريد بأي عمل نعمله غير وجهك الكريـــــــــــم ..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعـــــــــــــــين
طالبة الرضوان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-07-10, 07:31 PM   #5
طالبة الرضوان
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي الزهد

بسم الله الرحمن الرحيم



قلوب الصائمين



فضيلة الشيخ سعد ابن ناصر الشثري

الزهد


الحمد لله الذي جعل الدنيا مزرعة الآخرة ، نحمده سبحانه ونشكره ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا


أما بعـــــــــــــد ...


فإن من عبادات القلوب التي يتقرب بها المؤمنون إلى ربهم -جل وعلا - عبادة الزهد ..


والزهد / عدم رغبة القلب فيما لا ينفع في الدار الآخرة ، بينما الورع / ترك ما يضر في الآخرة .


قال أبو واقد الليثي - رحمه الله تعالى -" تابعنا الأعمال أيها أفضل ، فلم نجد شيئا أعون على طلب الآخرة من الزهد في الدنيا "


وقال الحسن البصري :" ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال ، وإضاعة المال ، ولكن الزهد أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك ، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أصبت بها أرغب بك منها فيما لو لم تصبك "


الزهد هو النظر في الدنيا بعين الزوال، بحيث تصغر الدنيا في عينيك فيسهل عليك الإعراض عنها .


الزهد سفر القلب من وطن الدنيا ، وأخذه في منازل الآخرة .


ومتعلق الزهد ستة أشياء لا يستحق العبد اسم الزهد حتى يزهد فيها :-


* يزهد العبد في المال ، ويعلم أن المال ليس مقصودا لذاته ، وإنما هو وسيلة لغيره .


* يزهد في الصور وفي الرياسة وفي الناس وفي النفس و كل ما دون الله ، وليس المراد بالزهد في الدنيا أن يرفض العبد الدنيا بكمالها ، وأن لا يتملكها ، فقد كان سليمان وداوود -عليهما السلام - من أزهد أهل زمانهما


ومع ذلك كان لهما من المال والملك والنساء مالهما .


وكان النبي صلى الله عليه وسلم من أزهد البشر على الإطلاق ، ومع ذلك كان له تسع نسوة .


* العلم مع الزهد والعبادة يلطف القلب ويرققه ، ويزيل عنه ما فيه من الجفاء والغلظة .


* يشمل الزهد ، الزهد في الحرام وهو فرض عين بحيث يعرض المرء عن المعاصي والذنوب .


* ويشمل الزهد ، الزهد في الشبهات وله مراتب عديدة يختلف حكمها .


* ويشمل الزهد ، الزهد في الفضول بترك ما لا يعني من الأقوال ، وأعمال الجوارح ، وما لا ينفع في الآخـرة .


* ويشمل الزهد ، الزهد في النيات والإرادات بأن يقصد المرء بعمله كله وجه الله والدار الآخرة .


قال سفيان الثوري : " الزهد في الدنيا قصر الأمل، وليس بأكل الغليظ ، ولبس العباءة "


وقد أمر الله بالزهد في مواطن كثيرة من كتابه :


كما قال سبحانه : { وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى }[طه : 131]


وقال تعالى :{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص : 80]


وقال سبحانه :{ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ * مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ }[الشورى : 19،20]


وقال: { مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ } [النساء : 134].




وفي الســــــــــنن :-


قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من كانت الدنيا همه ، فرق الله عليه أمره ، وجعل فقره بين عينيه ، ولن يأتيه من الدنيا إلا ما كتب له ، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله أمره ، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة "


وفي الصحيح : " إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة ، إلا من أعطاه الله خيرا ، فنفح فيه يمينه وشماله وبين يديه وخلفه ، وعمل فيه خيرا كثيرا "


** ويعين على الزهد أن يعرف المرء أن الدنيا زائلة عما قريب ، وأنها لن تبقى ،ولذلك حذرنا الله من الاغترار بها، وفي الحديث " كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تزهد في الدنيا ، وتذكر الآخـرة "


** ومما يعين على الزهد أن يكون المرء صادق اليقين ، تام الإيمان بالدار الآخرة ، المحتوية على النعيم المقيم ، والشقاء الدائـم ، مما يجعل المرء يزهد فيما يقلل مشيته إلى جنة الخلد .


وفي الحديث الصحيح " يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ، ثم يقال : يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط ؟ هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول : لا والله يا ربي ، ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا


من أهل الجنة ، فيصبغ صبغة في الجنة ، فيقول الله له :يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط ؟ هل مر بك شدة قط ؟ فيقول : لا والله يا ربي ما مر بي بؤس قط ، ولا رأيت شدة قط .



** ومما يعين على الزهد أيضا أن يعرف العبد أن الزهد لا يمنع من نعم الله في الدنيا ، بل زهده فيها يجعل الدنيا تأتيه وهي راغمة .


فالزهد لا يمنع من استعمال الدنيا في مراض الله ، والزهد لا يمنع من وصول نعم الله إلى عبد الله ، بل زهده في الدنيا يكون من أسباب تنعم الله على العبد


ولا يمنع الزهد من وصول ما كتبه الله إلى العبد ، كما أن حرص العبد على الدنيا لا يجلب له من الدنيا ما لم يقدر له فيها ..


ولذلك علينا أن نكون من الزاهدين ، بحيث نعمل الأسباب تقربا لله لا محبة في الدنيا ، ونكتسب رغبة في أن نغني أنفسنا عن خلق الله ، لا محبة للفخر والرياء والرفعة في الدنيا .


** ومما يعين على الزهد أن يعرف العبد حقيقة الدنيا ، وأن يتلفت إلى ما حوله من النعم ، وأنها عما قريب منتقلة عنه ، فكم من صاحب مال كثير زال عنه ماله ، وكم من صاحب شركات عظيمة زالت عنه شركاته


قال تعالى : {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ} [النحل : 96].



* ويعين على الزهد أن يقارن العبد بين الدنيا والآخرة ، فإن نعيم الآخرة دائم ، ونعيم الدنيا زائل ، ونعيم الآخرة صاف غير مكدر ، ونعيم الدنيا مكدر بالمصائب ، قال تعالى : {قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى} [النساء : 77].


وفي سنن ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ازهد في الدنيا يحبك الله ، وازهد فيما أيدي الناس يحبك الناس ".


والزهد فيما ينفع في الدار الآخرة ليس من الدين في شيء ، فإن بعض الناس يعتقد أن ترك نعم الله وتحريم المباحات من الزهد ، وهذا فهم خاطئ ، مغاير لدين الإسلام ليس من الدين في شئ ، بل صاحبه قد اعتدى على شرع الله بتحريم ما أحل الله ، فيكون داخلا في قول الله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة : 87]


قال محمد بن كعب القرضي :" إذا أراد الله بعبد خيرا أزهده في الدنيا ، وفقهه في الدين ، وبصره عيوبه ، ومن أوتيهن فقد أوتي خيرا كثيرا في الدنيا والآخـرة "


قال الله تعالى : {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ : 37]


فمن كانت دنياه معينة على طاعة الله ، سببا من أسباب الإقدام على أنواع القربات ، فإنه حينئذ يكون من الزاهدين ، لأنه لم يقصد الدنيا وإنما قصد بما اكتسبه الآخرة ، أما من كان مراده الدنيا ليفاخر الناس ، وليباهي بما عنده


فإنه حينئذ ليس من الزهد في شئ ...


أسأل الله - جلا وعلا - أن يجعلنا وإياكم من الزاهدين ..


اللهم يا حي يا قيوم عرفنا بحقيقة الدنيــا ، واجعلنا يا حي يا قيوم ممن استعمل الدنيا لتكون سلما لرفعة الدرجة في الآخرة .


هذا والله أعلم وصلى الله على نبيه محمد وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الديـــــــن ..



طالبة الرضوان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-07-10, 07:51 PM   #6
محبة العلم والعلماء
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
ولو انني اوتيت كل بلاغة ... وافنيت بحر النطق في النظم و النثر.
لما كنت بعد القول الا مقصرا... ومعترفا بالعجز عن واجب الشكر.

شكر الله لك صنيعك
وجعله المولى في ميزان حسناتك

دمت بود



توقيع محبة العلم والعلماء
[gdwl]نعم يا رفيقي في طريق النور! إن مكابدة القرآن في زمان الفتن، تلقيّاً، وتزكيةً، وتدارساً، وسيراً به إلى الله في خلوات الليل؛ هو وحده الكفيل بإشعال مشكاته، واكتشاف أسرار وحيه، والارتواء من جداول روحه، والتطهر بشلال نوره.. النور المتدفق بالحياة على قلوب المحبين، فيضاً ربانيا نازلاً من هناك، من عند الرحمن، الملك الكريم الوهاب!

[/gdwl]
محبة العلم والعلماء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-07-10, 03:28 AM   #7
الراجية رضى الرحمان
~مشارِكة~
 
تاريخ التسجيل: 24-11-2009
الدولة: مكـــــــــة المكــــــــرمــــــــة
المشاركات: 46
الراجية رضى الرحمان is on a distinguished road
افتراضي

قال علي رضي الله عنه:

((التقــوى هي الخــوف من الجليــــل،والعمــل بالتنزيــل،والقــناعــة بالقليــل،والإستــعداد ليــوم الرحيــــل))

وقال سفيــان الثوري رحمــه الله:

إنمــا سمـوا متقــين لأنهم اتقــوا ما لا يتــقى

قال أبو العلاء المعري:

تحلّــى بــتـقـوى أو تحـلّــى بعــفةٍ **** فذلك خيــــر من ســوار وخــلخــال


بـــوركت جهــودك أختــاه وجــزاكِ الله خيـــــراً



توقيع الراجية رضى الرحمان
[SIGPIC][/SIGPIC]
الراجية رضى الرحمان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-07-10, 11:21 PM   #8
طالبة الرضوان
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

محبة العلم والعلماء ،الراجية رضى الرحمن بارك الله فيكما عزيزتاي..
طالبة الرضوان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-07-10, 11:26 PM   #9
طالبة الرضوان
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي الإنــــابـــــة

بســم اللــه الــرحـمــن الـرحــيـم


قــلـــــــــوبـــ الصـائــمــيـن


فـضـــيلـــة الشــيـــخ ســعـــد ابــن ناصــــــر الشــثــري


الإنــــابـــــة



نحمد الله بقلوبنا ،وننيب إليه بأفئدتنا ..ونصلّي ونسّلم على رسول الله المنيب إلى ربه...

أما بعد..

فإن من عبادات القلوب ، الإنابة إلى علاّم الغيوب،

و الإنابة إقبال القلب على الله عزّ وجلّ وحده ، وانجذاب دواعي القلب لمراضي الله .

قال قتادة :{ المنيب هو التائب المقبل على الله} ،

وقال ابن زيد:{ الإنابة هي الرجوع إلى الطاعة والنزوع عمّا يُضادّها من معاصي الله}.

ومن أنواع العبادة .. الإنابة وهي التوجه إلى الله ،وهي التوبة النصوح ، وهي الرجوع إلى الله تعالى ، وفي المسند من حديث جابر رضي الله عنه مرفوعا :{ لا تمنوا الموت ، فإن هول المطلع شديد ، وإن من السعادة أن يطول عمر العبد ويرزقه الله الإنابة}.

إنابة أولياء الله .. هي إنابة لإلهيته ، إنابة عبودية ومحبة ، وتتضمن أربعة أمور :

·محبة الله .

·والخضوع له .

·والإقبال عليه .

·والإعراض عمّا سواه .

فلا يستحق اسم المنيب الا من اجتمعت فيه هذه الأربع الخلال .

الإنابة .. هي عكوف القلب على الله عزّ وجل ، كاعتكاف البدن في المسجد لا يفارقه ، وحقيقة ذلك .. عكوف القلب على محبة الله ، وعلى ذكره بالإجلال والتعظيم له ، مع عكوف الجوارح على طاعته بالإخلاص له والمتابعة .

كثيرا ً ما يتكرر في القرآن ذكر الإنابة والأمر بها ، والإنابة هي الرجوع إلى الله ، وانصراف دواعي القلب ودواعيه إليه ، وهي تتضمن المحبة والخشية ، فإن المنيب محباً لمن أناب إليه .. خاضع إليه ، خاضع له ، خاشع ذليل.

وقد أمر الله عزّ وجل بالإنابة ..وحثّ عليها ، كما قال سبحانه ) وأنِيبُوا إلىَ رَبِّكُم وَأسلِمُوا لَه مِن قَبلِ أن يَأتِيَكُمُ العَذاب ثُمَّ لا تُنصَرُون (.

الإنابة إلى الله : صفة أولياء الله وأنبياءه وأصفياءه ..قال تعالى)إنَّ إبرَاهِيمَ لَحَلِيم ٌأوّاهٌ مُنِيب ( ،)وَقَالَ شُعَيب إن أُرِيدُ الا الإصلاحَ مَا استَطَعت ومَا تَوفِيقِي الا بِالله عَلَيهِ تَوكلّتُ وإليهِ أُنِيب (.

الإنابة إلى الله : سبب من أسباب صفاء الذهن , وقدرته على الاعتبار والتفكّر ، فإن الله تعالى لما ذكر الآيات الكونية في سورة ق ، ذكر منها ) أفَلَم يَنظُرُوا إلىَ السَمَاءِ كَيفَ بَنينَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوج ( إلى قوله سبحانه )تبصِرَة ً وذِكرَى لكلِّ عَبدٍ مُنِيب ( ، فالعبد المنيب ينفعه الله ـ جلّ وعلا ـ بالذكرى ، وقال سبحانه ) هُوَ الذِي يُرِيِكُم آياتِهِِ وَيُنَزّلُ لَكُم مِن السَمَاء ِرِزقَا وَمَا يَتَذَكّرُ إلا مَن يُنِيب ( ، وقال) أفَلَم يَرَوا إلى مَا بَينَ أيدِيهِم وَمَا خَلفَهُم مِنَ السَمَاء ِوالأرض إن نَشَاء نَخسِف بهُمُ الأرض أو نُسقِط عَلَيهِم كِسَفَاً مِنَ السَمَاء ِإنَّ في ذَلِكَ لآيةً لِكلِّ عَبدٍ مُنِيب(.

الإنابة إلى الله : من أسباب دخول الجنّة ، قال تعالى) وأُزلِفَتِ الجَنّةُ لِلمُتقِينَ غَيرَ بَعِيد* هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُل ِأوَّابٍ حَفِيظ* مَن خَشِيَ الرَّحمَنَ بِالغَيبِ وَجَاءَ بِقَلبٍ مُنيِب* ادخُلُوهَا بِسَلام ٍذَلِكَ يَومُ الخُلُود (.

الإنابة إلى الله .. سبب للهداية ..وطريق من طرق الاستقامة ..قال تعالى) قل إن الله يُظّلُ مَن يَشَاء ويَهدِي إليهِ مَن أَنَاب (، وقال سبحانه)اللهُ يَجتَبِي إليهِ مَن يَشَاء وَيهدِي إليهِ مَن يُنيِب (.

صلاح القلب وفلاحه وسعادته معلّق بالإنابة إلى الله ..الإنابة إلى الله ، سبب لخيري الدنيا و الآخرة ، وقد بشّر الله تعالى أصحاب الإنابة فقال سبحانه ) والّذينَ اجتَنَبُوا الطَاغُوتَ أن يَعبُدُوهَا وَأنَابُوا إلى الله لَهُم ُالبُشرَى فَبَشّر عِبَاد (.

وقد ذكر الله في كتابه العظيم في غير موضع ، أن من تمام نعمة الله على عباده المؤمنين .. أن ينزل بهم الشدّة والضر مما يلجأهم إلى توحيده ، فيدعون الله مخلصين له الدين ، ويرجون الله ـ جلَّ وعلا ـ لا يرجون أحداً سواه ، وتتعلق قلوبهم بالله وحده لا بغيره ، وحينئذ ٍ ، يحصل لهم من التوكل عليه ، ومن الإنابة إليه ، ومن حلاوة الإيمان وذوق طعمه ، والبراءة من الشرك ما هو أعظم نعمة عليهم من زوال المرض أو الخوف أو الجذب ، أو حصول اليسر وزوال العسر في المعيشة ، فإن تلك الأمور لذّات بدنية ، ونعم دنيوية قد يحصل للكافر منها ، أعظم مما يحصل للمؤمن .

وأما ما يحصل لأهل التوحيد المخلصين في دينهم ، فأعظم من أن يتمكن مرء من الحديث عن وصفه ، أو أن يعبّر عن كنهه مقال ، أو يستحضر تفصيله بال ، وكل مؤمن له من ذلك نصيب بقدر إيمانه .

وأصل الإنابة .. محبة القلب وخضوعه وذله للمحبوب المراد .. وكمال الإنابة يكون بالفرح والسرور بالقرب منه جلّ وعلا .

الإنابة إلى الله من أحب أنواع العبودية لله .. وإنما تتحقق الإنابة إلى الله ببذل النفس لله.. وتقديم محبة الله على كل ما سواه .

والعلم يورث الخشية ..والزهد يورث الراحة ..والمعرفة تورث الإنابة ..

ومن أعظم أسباب انشراح الصدر..أن ينيب العبد إلى ربه سبحانه وتعالى ، وأن يقبل عليه ، فحينئذٍ لا شيء أشرح لصدر العبد من ذلك .

والناس في إنابتهم إلى الله على درجات متفاوتة ...* فمنهم المنيب إلى الله بالرجوع إليه من المخالفات والمعاصي ، وهذه الإنابة مصدرها مطالعات الوعيد .. والحامل عليها العلم والخشية والحذر.

*ومن الناس من يكون منيبا إلى الله بالدخول في أنواع العبادات والقربات.. فهو ساع ٍ فيها بجهده ، قد حبب إليه فعل الطاعات وأنواع القربات ، وهذه الإنابة مصدرها الرجاء ومطالعة الوعد ..ومصدرها استحضار الإنسان للثواب ، ومحبة الكرامة من الله ، وهذا القسم ابسط نفوساً من أهل القسم الأول ، وأشرح صدورا .. وجانب الرجاء ومطالعة الرحمة والمنّة أغلب عليهم ، و الا فكلّ واحد من الفريقين منيب بالأمرين جميعا .

*ومن العباد من يكون منيب إلى الله بالتضرع والدعاء والافتقار إلى الله ، والرغبة إليه سبحانه ، وسؤال الحاجات كلها منه .. ومصدر هذه الإنابة هو شهود الفضل والمنّة والغنى التام والكرم والقدرة الكاملة .

فمن كان عارفاً بأن الله ـ جلَّ وعلا ـ متصف بذلك ، فإنه سينزل بالله حوائجه ، ويعلّق به آماله ، فإنابة هذا القسم من هذه الجهة مع قيامهم بالأمر .

ولكن إنابتهم من هذه الجهة قاصرة ،لأن الإنابة ينبغي أن تكون من جهة الخوف ، و من جهة الرجاء ، ومن جهة التضرع ، ومن جهة المحبة .

ولذلك فإن من ينيب إلى الله في وقت الشدائد .. فإنه لم يرزق الإنابة الخاصة ..وحينئذٍ تكون إنابة هذا القسم إنابة اضطرار لا اختيار .

* وأما أعلى أنواع الإنابة ..فإنابة الروح بجملتها إلى الله في جميع الأوقات ، بحيث يكون العبد دائم الاتصال بالله ، دائم الرجوع إليه سبحانه ..اعترافاً بنعمه ، وأملاً في فضله ،وخوفاً من عقابه ، ورجاءاً لكرمه ، مع تضرعه بإزالة ما يحصل لديه من المصائب ، ومن أنواع المكروهات ..



أسأل الله جلَّ وعلا أن يجعلنا و إياكم منيبين إليه سبحانه .. ممن يستحضر نعمة الله عليه ..ويستحضر قدرة الله عليه في جميع أوقاته .

هذا والله أعلم .. وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
طالبة الرضوان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-07-10, 12:22 PM   #10
طالبة الرضوان
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

بســم اللـه الــرحـمــن الــرحــيـم

قـــلـــوب الصـــــــائــميـــن


فــضــيلــة الشـيـخ سـعــد ابـن نـاصــر الشــثـري


تـــدبــّر القـــــــــــــرءان

الحمد لله الذي أنزل القرآن شفاء لما في الصدور .. وهدى وموعظة للمتقين .. وأشهد أن لا إله إلا الله كلامه صدق وحق مبين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين ، صلى الله عليه وعلى آله و أصحابه وسلم تسليماً كثيرا .
أما بعد ..

فإن من عبادات قلوب المؤمنين ، تدبر القرآن ، وخصوصاً في شهر رمضان ، قال تعالى
) شهرُ رَمَضَان الّذي أُنزِلَ فِيهِ القُرآن هُدىً لِلنّاسِ وَبيّناتٍ من الهُدَى والفُرقَان(.


ومن أعظم القُربات
، وأعظم المواعظ ، وأفضل أسباب حياة القلوب .. تدبر القرآن ، والتفكّر في قصصه ومواعظه ، وحججه وبيّناته وأدلّته
) لَو أنزَلنَا هَذَا القُرءَانَ عَلَى جَبَل ٍلَرَأيتَهُ خَاشِعَاً مُتَصَدِّعَاً مِن خَشيَةِ الله (.


أيها المؤمن
.. اسمع ربك وخالقك المتصرف في الكون يقول ) وكَم أهلَكنَا قَبلَهُم مِن قَرن ٍهُم أشدُّ مِنهُم بَطَشَا فَنَقّبُوا فِي البلادِ هَل مِن مَحِيص إنَّ في ذَلِكَ لَذكرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أو ألقَى السَمعَ وَهُوَ شَهِيد(.


قال ابن القيّم رحمه الله في تفسير هذه الآية
:{ الناس ثلاثة رجال : رجل قلبه ميت ، فذلك الذي لا قلب له ، فليست هذه الآية ذكرى في حقّه ، وهو بمنزلة الأعمى الذي لا يبصر . والثاني رجل له قلبه حي مستعد ، لكنه غير مستمع للآيات المتلّوه التي يخبر الله بها عن الآيات المشهودة ، إما لعدم ورودها إليه ، أو لوصولها إليه وقلبه مشغول عنها بغيرها ، فهذا أيضاً لا تحصل له الذكرى ، مع استعداده ووجود قلبه ، فهو بمنزلة البصير الذي يشاهد جهة غير الجهة التي يستفيد من النظر إليها والثالث رجل قلبه حي ،حي القلب ، مستعد ، تُليت عليه الآيات ، فأصغى بسمعه وألقى السمع وأحضر القلب ، ولم يشتغل بغيره ، فهو شاهد القلب ، مُلقى السمع ، فهذا الذي ينتفع بالآيات المتلُوة والمشهودة .}


فمن كان له قلب وقّاد
، يستخرج العبر ويتفهّم المعاني من الكتاب العزيز، فهذا الذي يكون للآيات القرآنية نور في قلبه وهؤلاء هم أكمل خلق الله ، وأعظمهم إيماناً وبصيرة .

وقال تعالى) أفلا يَتَدَبّرُونَ القُرآن أم عَلَى قُلُوبٍ أقفَالُهَا ( وهذا إنكار على من يعرض عن تدبر القرآن ، وقال )أفَلا يَتَدَبّرُونَ القُرآن ولَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ اللهِ لَوَجَدُوا فيهِ اختِلافَاً كَثيرَا(.
وقال ) أفَلَم يَدبّرُوا القَولَ أم جَاءَهُم مَا لَم يَأتِي آبَاءَهُمُ الأوَلِين( وقال ) كِتَابٌ أنزلنَاهُ إليكَ مُبَارَكٌ لِيَدَبّرُوا آيَاتِهِ ولِيَتَذَكَّرَ أولُوا الألبَاب(.

وقد ذم الله جلَّ وعلا المعرض عن هذا القرآن
، بما يشمل المعرض عن تدبّره ، قال تعالى) ومَن أظلَمُ مِمّن ذُكِّرَ بِآياتِ رَبّهِ فَأعرَضَ عَنهَا ( وقال) ومَن أظلَمُ مِمّن ذُكّرَ بآياتِ رَبّهِ ثُمَُّ أعرَضَ عَنهَا ( .

ومن لم يشتغل بتدبّر آيات هذا القرآن العظيم ، أي لم يشتغل بتفهّمها وإدراك معانيها والعمل بها ، فإنه معرض عنها ، غير متدبر لها ، فيستحق الإنكار والتوبيخ المذكورة في هذه الآيات .

وترك تدبر القرآن من أنواع هجر القرآ
ن الداخل في قول الله تعالى
) وَقَالَ الرَسُولَ يَا رَبّي إنّ قَومِي اتَّخَذُوا هَذَا القُرآنَ مَهجُورا(.


قال العلّامة الشنقيطي
:{ الحق الذي لا شك فيه ، أن كل من له قدرة من المسلمين ، على التعلم والتفهم وإدراك معاني الكتاب والسنّة ، يجب عليه تعلمهما ، والعمل بما علم منهما }.


إن من أعظم ما يدعو الإنسان إلى التدبر في كتاب الله
، ما احتواه هذا الكتاب من الخير العظيم ، قال تعالى
) يا أيُّهَا النّاسُ قَد جَاءَكُم بُرهَانٌ مِن رَبِّكُم و أَنزَلنَا إليكُم نُورَاً مُبِينَا ( وقال )قد جَاءَكُم مِنَ اللهِ نُورٌ وكِتَابٌ مُبِين يَهدِي بهِ اللهُ مَنِ اتّبَعَ رِضوَانَهُ سُبُلَ السّلام ويُخرِجُهُم مِنَ الظُلُمَاتِ إلى النورِ بِإذنِهِ ويَهدِيهِم إلى صِرَاطٍ مُستَقيم ( وقال )ما كُنتَ تَدرِي مَا الكِتابُ ولا الإيِمَان ولَكَن جَعلنَاهُ نُوراً نَهدِي بِه مَن نَشَاءُ مِن عِبَادِنَا ( ، فإذا كان القرآن نورا .. فكيف تعمى بصيرة عاقل عن الاستضاءة بذلك النور .


ومن فضل الله علينا في عصرنا الحاضر
، أن استجد لنا من وسائل التقنية وألآت الاتصال ، ما يمكّن المرء من قراءة القرءان وسماعه ، وتدبره في أي مكان ، مما يسهّل عليه فهم القرءان وتدبره .


قال الثعالبي
:{ تدبر القرءان كفيل لصاحبه بكل خير }


وقال ابن سعدي
:{ كتاب أنزلناه إليك مبارك ، فيه خير كثير وعلم غزير ، فيه كل هدى من ضلالة ، وشفاء من داء ، ونور يستضاء به في الظلمات ، وفيه كل حكم يحتاج إليه المكلفون ، وفيه من الأدلة القطعية على كل مطلوب ، ما كان به أجلَّ كتاب طرق العالم منذ أنشئه الله ، ليدبروا آياته (أي هذه الحكمة من إنزاله ) ليتدبر الناس آياته فيستخرجوا علمها ، ويتأملوا أسرارها وحكمها ، فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه ، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة ، تدرك بركته وخيره }.

وهذا يدل على الحث على تدبر القرءان وأنه من أفضل الأعمال ، وأن القراءة المشتملة على التدبر، أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود .

وبحسب لب الإنسان وعقله
.. يحصل له التذكر والانتفاع بهذا الكتاب .


وقال ابن القيم
:{ فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته ، من تدبر القرءان وإطالة التأمل فيه ، وجمع الفكر على معاني آياته ، فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرها ، وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما ومآل أهلهما ، وتضع في يده مفاتيح كنوز السعادة ، والعلوم النافعة ، وتثبّت قواعد الإيمان في قلبه ، وتريه أيام الله في الأمم السالفة ، وتبصّره بمواقع العبر ، وتشهده عدل الله وفضله ، وتعرّفه ذاته وأسماءه وصفاته ، وأفعاله وما يحبه وما يبغضه ، وصراطه الموصل إليه }. ومفتاح حياة القلوب ، تدبر القرءان ، والضراعة بالأسحار ، وتوبة العبد وتركه للذنوب .


والذي يدعوا لتدبر القرءان عدد من الأمور .. منها :


أولاً
: طاعة أمر الله جلَّ وعلا الذي أمر بتدبر القرءان ، قال تعالى) إنّا جَعَلنَاهُ قُرءَانَاً عَرَبِيَاً لَعَلّكُم تَعقِلُون (.

وثانيها : أن تدبر القرءان ،يعرف العبد بمعالم الخير والشر ، وطرقهما وثمراتهما ، ومآل أهلهما ، وكيفية التمييز بينهما .
وثالثها : أن تدبر القرءان ، يثبّت الإيمان في القلب ، ويرسّخه بقواعد متينة .
ورابعها : أن تدبر القرءان ، يزيد في عقل الإنسان ، من خلال مطالعة عواقب الأمور ،ومعرفة ما حلّ بالأمم السابقة .
وخامسها : أن بتدبر القرءان ، يعرف المرء معاني أسماء الله الحسنى ، ويتعرف على ما يحبه الله ويرضاه ، ويستجلب بذلك رضا رب العالمين وخير الدنيا وال آخرة .
وسادسها : أن المرء بتدبر القرءان ، يتمكن من تطبيق القرءان على نفسه ، بل وتعرّفه صفات نفسه ، ليتمكن من معالجتها بما يناسبها . وبتدبر القرءان ، تزول كثير من وساوس الشياطين ، ويتمكن المرء من صد هذا العدو عنه .
وأما الوسائل المعينة على تدبر القرءان ..فترتيل القرءان ، وحسن قراءته ، واختيار الأوقات المناسبة لقراءته ، وتفريغ القلب من المشكلات وقت قراءته ، ومراجعة تفسيره من السنّة النبوية ، وكلام أهل اللغة وما كتبه المفسّرون الموثوقون .
وأعظم من ذلك كله .. ســــــــؤال العـبد لـربه أن يـفـهمـه مـعـاني كـتـابـه .

وأما ثمرات تدبر القرءان
..فحدّث ولا حرج .. ثمرات تدبر القرءان ، أعظم من استيعابها من مثلي ،إذ إنني أُعلن عجزي عن استتمام ذكرها



فتدبّر القرءان إن رمت الهدى

فالعلم تحت تدبر القرءان
أسأل الله ـ جلَّ وعلا ـ أن يرزقنا وإياكم قلوباً تفهم كتاب الله .. وتعرف معانيه وتدرك أسراره .. كما أسأله ـ جلَّ وعلا ـ أن يفتح علينا وعليكم من أبواب فهم القرءان ما يقربنا إلى رضاه ، ويرفع درجاتنا عنده ، ويعلي منزلتنا في جنته ، ويجعلنا من المقربين عند رسله ، كما أسأله جلَّ وعلا أن يفتح لنا أسرار كتابه .

هذا ، والله أعلم ..

وصلّى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ....

التعديل الأخير تم بواسطة طالبة الرضوان ; 31-07-10 الساعة 12:24 PM
طالبة الرضوان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وماذا بعد رمضان ؟؟ رقية مبارك بوداني روضة الفقه وأصوله 4 20-08-13 08:16 AM


الساعة الآن 02:07 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .