الإثنين 14 شوال 1445هـ الموافق 24 أبريل 2024م

حياكم الله جميعا 

هذه قناتي في التليجرام ينشر فيها النتاج العلمي والفكري . 


قناة عبد السلام بن إبراهيم الحصين

عن أحكام التحية

المقالة

Separator
عن أحكام التحية
1198 زائر
17-01-2010 07:31
د.عبدالسلام بن إبراهيم الحصين

إن من آداب اللقاء بين الناس أن يحيي بعضهم بعضًا بألفاظ وأفعال مختلفة، وأصل التحية الدعاء بالحياة والبقاء، ثم كثر استعمالها فيما يحيي به الناس بعضهم بعضًا.

وأعلى درجات التحية بالقول أن تقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ لأنه دعاء بالأمن والعافية والرحمة والبركة، وإخبار بالأمن والسلامة من قبلك لمن تسلم عليه، ولهذا اختار الله هذا اللفظ ليكون تحية آدم وذريته من المؤمنين في الدنيا والآخرة.

وأما التحية بغير السلام فإن كانت مما يختص به الكفار؛ فلا تجوز لأنها من التشبه، وقد نهينا عن ذلك، وأما إن كان مما تعارفه المسلمون بينهم ككيف أصبحت، وكيف أمسيت، فلا بأس بها، فروى البخاري عن عَلِي بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه خَرَجَ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ؛ فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَبَا حَسَنٍ! كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا، وعن محمود بن لبيد قال: لما أصيب أَكحُل سعد يوم الخندق فثقل حولوه عند امرأة يقال لها رُفيدة، وكانت تداوي الجرحى، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر به يقول: ((كيف أمسيت؟))، وإذا أصبح: ((كيف أصبحت؟))، رواه البخاري في الأدب المفرد، وعن أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ -وَدَخَلَ عَلَيْهِمْ- فَقَالَ: ((السَّلَامُ عَلَيْكُمْ))، قَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، قَالَ: ((كَيْفَ أَصْبَحْتُمْ؟))، قَالُوا: بِخَيْرٍ، نَحْمَدُ اللَّهَ، فَكَيْفَ أَصْبَحْتَ بِأَبِينَا وَأُمِّنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((أَصْبَحْتُ بِخَيْرٍ أَحْمَدُ اللَّهَ)) رواه ابن ماجه، وعن أبي الأشعث الصنعاني أنه راح إلى مسجد دمشق وهجر بالرواح، فلقي شداد بن أوس والصنابحي معه، فقلت: أين تريدان يرحمكما الله؟ قالا: نريد ههنا إلى أخ لنا مريض نعوده، فانطلقت معهما حتى دخلا على ذلك الرجل، فقالا له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت بنعمة، فقال له شداد: أبشر بكفارات السيئات وحط الخطايا؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله عز وجل يقول: إني إذا ابتليت عبدًا من عبادي مؤمنًا فحمدني على ما ابتليته، فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا، و يقول الرب عز وجل: أنا قيدت عبدي وابتليته، فأجروا له كما كنتم تجرون له وهو صحيح)) رواه أحمد والطبراني في الكبير، ومثل ذلك قول صبحك الله بالخير، ومساك الله بالخير، فإن المقصود بها الدعاء بأن يجعل الله صباحك خيرًا، ومساءك خيرًا، فلا بأس به، إلا أن تكون بدلا عن السلام بالكلية، بحيث يترك السلام ويهجر، وتكون التحية بهذا اللفظ فإنه لا يجوز؛ لأنه إعراض عن التحية التي وضعها الله لعباده، والتي عُلِّق عليها حصول الأجر، ووقوع المحبة بين المسلمين.

وأما قول صباح الخير، والإجابة بصباح النور، أو مساء الخير، والإجابة بصباح النور فإن من أهل العلم من يرى أنها من تحية أهل الشرك، ممن يرون ألوهية الخير والنور، لكن قد جرى عرف كثير من الناس اليوم على قولها بدون اعتقاد هذه الاعتقادات، بل ربما عبروا بغير الخير والنور، كالورد، والفل، ونحو ذلك، وعلى هذا فلا بأس بها إذا كانت بعد السلام، أما إذا جعلت بدلا عن السلام فإنها تحرم حينئذ؛ لأنها تدخل ضمن قوله تعالى: {وإذا جاؤك حيوك بما لم يحيك به الله}، وهذه التحية ليست هي التحية التي اختارها الله لعباده المؤمنين، وإنما السلام هو تحية الله لعباده، فترك السلام بالكلية وهجره واستبدال هذه العبارات به إعراض عما يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وإذا حياك أحد من الناس بهذه التحية فيشرع أن تجيبه؛ لقوله تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها}، وهذا يشمل كل تحية؛ إلا إذا تركت إجابته عقوبة له؛ لكي يتعود البداءة بالسلام، فلا بأس.

وأما التحية بالفعل فمنها المصافحة بالأيدي، وهي مستحبة عند اللقاء فروى البخاري عن قتادة قال: قلت لأنس: أكانت المصافحة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. وفي سنن أبي داود والترمذي عن البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلمين يتلاقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا))، وعن أنس قال: قال رجل: يا رسول الله, الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: ((لا)), قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: ((لا)), قال: أفيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: ((نعم)) رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وعن ثابت البُناني أن أنسًا كان إذا أصبح ادهن يده بدهن طيب؛ لمصافحة إخوانه، رواه البخاري في الأدب المفرد، وعن البراء بن عازب قال: من تمام التحية إن تصافح أخاك، رواه البخاري في الأدب المفرد، وأما المعانقة فلا تفعل إلا عند القدوم من السفر، فعن أنس قال: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا"، رواه الطبراني، وروى البخاري في الأدب المفرد عن جابر بن عبد الله أنه بلغه حديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فابتعت بعيرًا، فشددت إليه رحلي شهرًا، حتى قدمت الشام، فإذا عبد الله بن أنيس، قال: فخرج فاعتنقني.. الحديث.

وأما تقبيل اليد فلا بأس به إذا كان الرجل من الصالحين أو العلماء، أو كان أبًا أو له حق التكريم والتقدير، فروى أبو داود عن ابن عمر أنهم لما قدموا المدينة قبلوا يد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال المروذي: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن قبلة اليد؛ فقال: إن كان على طريق التدين فلا بأس؛ قد قبل أبو عبيدة يد عمر ابن الخطاب رضي الله عنهما، وإن كان على طريق الدنيا فلا, إلا رجلا يخاف سيفه أو سوطه، لكن لا ينبغي للإنسان أن يمد يده للناس ليقبلوها مهما كانت منزلته؛ لما فيه من الكبر والتعاظم ورفع النفس فوق ما تستحق.

ومن التحية المباحة -وهي تدل على تكريم المحيا وتقديره- تقبيل الرأس، ولا بأس بها أيضًا؛ فقد روى الحاكم في مستدركه عن جابر قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر قدم جعفر من الحبشة , فتلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل جبهته, وقال: ((والله ما أدري بأيهما أفرح, بفتح خيبر, أم بقدوم جعفر؟))، وفعلها جمع من الصحابة والتابعين، ولكن لا ينبغي للرجل أن يبادر برأسه إلى الناس كي يقبلوه؛ لما فيه من الكبر والعلو.

ومما اشتهر بين الناس السلام على بعض بعد الصلاة، ومصافحتهم بعضًا كذلك، وهذا لا بأس به ما لم يعتقد أن هذا الموضع مما يستحب السلام فيه؛ فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء، ولكن إن فعله على سبيل التحية واللقاء فلا بأس به.

ومما اعتاده الناس في التحية أن يقوم بعضهم لبعض في ذلك، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من سره أن يمثل له عباد الله قيامًا فليتبوأ بيتًا من النار))، وقال أنس: لم يكن أحد أحب إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ينهانا عن القيام إذا خرج علينا، أو قدم مجلسنا، فلا يجوز للمسلم أن يحب قيام الناس له، لكن إذا كان الرجل قادمًا من سفر، أو دخل المجلس وصافح الجالسين فلا بأس بالقيام إليه لمعانقته ومصافحته، إذا كانت عادة الناس قد جرت بذلك، وكان في تركها وقوع شيء من التباغض والتباعد والتدابر.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله.

   طباعة 
1 صوت

روابط ذات صلة

Separator
المقالة السابق
المقالات المتشابهة المقالة التالي

جديد المقالات

Separator
رأس مكارم الأخلاق - ركن المقالات