الإثنين 14 شوال 1445هـ الموافق 24 أبريل 2024م

حياكم الله جميعا 

هذه قناتي في التليجرام ينشر فيها النتاج العلمي والفكري . 


قناة عبد السلام بن إبراهيم الحصين

سفينة الحرية وإيقاظ الهمم

المقالة

Separator
سفينة الحرية وإيقاظ الهمم
1557 زائر
04-06-2010 09:33
د.عبدالسلام بن إبراهيم الحصين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أله وصحبه، أما بعد:

فما أكثر جراحات المسلمين، وما أكثر مآسيهم، دماؤهم مهدرة، وأراضيهم مستباحة، وحقوقهم ضائعة، بين عدو لا يرقب فيهم إلا ولا ذمة، ومناصر لا يملك حولا ولا قوة، ومتربص يفرح بدائرة السوء عليهم.

مهما تقلبَ بصرُك يمنةً ويسرة، ورَجَعَ مرةً بعد أخرى فلن يرى إلا مناظر التعذيب، ومشاهد التقتيل، ولن يسمع إلا قصف الطائرات، وإطلاق الصواريخ وتفجير القنابل، وقذائف الدبابات ورمي الرصاص يدوي في كل ناحية، بينما نحن أمة مهابة الجانب، عظيمة القوة، نطوي البلاد بسيف نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وفتحوا قلوب العباد بكتابه، فنقيم العدل بقوة الحق والبرهان، وقوة السيف والسلطان، إذا نحن أمة مستضعفة، تسلط عليها عدوها من جميع جهاتها، فاستباح محرماتها، وهتك حرمة مقدساتها، فحق فينا قول ربنا جل وعلا: {إن ينصركم الله فلا غالب لكم، وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده}، وقول نبينا صلى الله عليه وسلم: ((لئن تركتم الجهاد، وأخذتم بأذناب البقر، وتبايعتم بالعينة ليلزمنكم الله مذلة في رقابكم لا تنفك عنكم حتى تتوبوا إلى الله وترجعوا على ما كنتم عليه)) رواه أحمد وأبو داود عن ابن عمر، ومن هذه الجراح التي تنزف دمًا جرح بيت المقدس، أولى القبلتين، وثالث المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها، وما يقع لإخواننا فيه من ظلم وقهر، وتسلط وبغي، على أيدي من لعنهم الله على لسان داود وعيسى بن مريم، بعصيانهم وعدوانهم، وما ظنك بقوم قتلوا أنبياء الله، وآذوا رسله؟! آذوا موسى وطعنوا فيه، فبرأه الله مما قالوا، وهو الذي أخرجهم من الظلمات إلى النور، وأنقذهم الله به من تسلط فرعون وبغيه عليهم، وقتلوا كثيرًا من الأنبياء آخرهم يحيى بن زكريا، الذي لم يجعل الله له من قبل سميًا، وسعوا في قتل عيسى وهو أعظم قدرًا من يحيى وأفضل، ومن أولى العزم من الرسل، حتى رفعه الله إليه، واتهموا أمه بالبهتان العظيم، وحاولوا قتل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وناصروا قريشًا ضده، وتحالفوا معها عليه، ونقضوا العهد معه يوم الأحزاب؛ ليطعنوه من الخلف، حين كان مشغولا بقريش من الأمام، فما ظنك بقوم هذا وصفهم أن لا يقفوا أمام هذه السفينة التي جاءت لتمد المحاصرين بالغذاء والدواء، جاؤوا مسالمين، يريدون رفع الظلم، وإنقاذ الأطفال والنساء وكبار السن، لم يحملوا سلاحًا، ولا أعلنوا حربًا، فأي حرب أظلم من هذه الحرب، التي يكون العُزَّل من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ وقودًا لها، أي ظلم أعظم من فرض الحصار الغاشم على قوم لا يريدون إلا أن يعيشوا بعز وأمان، وأن يكون لهم حق العيش بكرامة، دون تسلط عدو يفرض قوته ورأيه ومنهجه عليهم، حين عجز اليهود عن القضاء على المجاهدين مع استخدامهم جميع وسائل القتل والتدمير التي يحملونها في جيوشهم، مما لا يملك المجاهدون عشر معشارها، شرعوا في فرض حصار غاشم على الجميع، ومنعوا كل شيء عنهم، حتى باتوا في سجن كبير، وإنك لو سجنت سجينًا في قفص ما جاز لك أن تمنع عنه الطعام والشراب، والدواء، فكيف يمنع ذلك كله عن مجتمع كامل؟ أي ذل ومهانة ووقاحة يتصف بها اليهود حين يحاربون عزلا، ويقاتلون قومًا مسالمين، وأي شجاعة يتصف بها شخص يرفع السلاح في وجه من لا يملك السلاح، ويظهر قوته أمام من هو أضعف منه بمرات كثيرة، لا والله ليست هذه بشجاعة، وليسوا بأعزة، ولكنهم أذلة، حُكْم الله تعالى وتبارك فيهم لا يفارقهم، {ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباؤوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة}، فكيف يكون من باء بغضب من الله عزيزًا؟!! وكيف يكون من ضربت عليه المسكنة قويًا؟!! ولكن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين الثابتين على الحق، الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، الصادقين في طاعتهم لربهم وتقواهم لخالقهم ومتابعتهم لنبيهم صلى الله عليه وآله وسلم، لقد مات ياسر وزوجه صفية على أيدي كفار قريش فكانوا هم الأعزة، وكفار قريش أذلة، حتى أظهر الله ذلهم في معركة بدر، وليأتين على دولة يهود يوم يظهر فيه ذلهم وانكسارهم على أيدي المؤمنين الذين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، ولا بد من وقوع الأذى وحصول بعض الضرر لمن سمت نفسه للجهاد في سبيل الله، ونصرة إخوانه، فالله يقول: {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله}، ويقول تعالى: {ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون}.

إن محاولة هذه السفينة الدخول إلى ميناء غزة وإيصال المساعدات إلى إخواننا المحاصرين ليدل على أنه يمكن أن نفعل شيئًا لنصرة إخواننا حين نخطط جيدًا، ونحسن استغلال الإمكانات الموجودة، وأن الجهاد لا يتوقف على حمل السلاح فقط بل له صور كثيرة، ومع أن السفينة لم تصل، وقتل بعض من كان فيها، وجرح بعضهم، لكن حصل بها مصالح كثيرة، من أهمها: ما وقع لليهود من فوضى وارتباك في ظلِّ عجزه عن وقف تدهور مكانته الدولية وتراجعها إلى حضيض غير مسبوق، وما حصل في صفوفهم من اضطراب وتفاوت في الآراء، واتهام بعضهم لبعض، ومنها: أن حلفاء إسرائيل وأصدقاءها باتوا يتعاملون معها كما لو كانت عبئًا ثقيلًا على كاهلهم؛ لأن إسرائيل بدت في نظرهم كدولة مارقة، و ظهر زعماؤها كما لو كانوا جرذانًا يديرون منظمة من منظمات العالم السفلي، أكثر مما يديرون كيانًا سياسيًّا، ومنها: أن عددًا من الجامعات في أوروبا أعلنت عن وقف تعاملها مع الأكاديميين الإسرائيليين على خلفية المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل، ومنها: اضطراب العلاقة بين إسرائيل وكثيرًا من حلفائها الأقوياء، وعلى رأسهم تركيا، والتي كان لها معها علاقة عسكرية ومخابراتية قوية، واليوم تشهد كثيرًا من الاضطراب والضعف بسبب هذه المواقف، ومنها: أن مساعدة إخواننا ونصرتهم يمكن أن يكون بصور مختلفة، وطرق متنوعة، بحسب القدرة والاستطاعة، وأن هذه النصرة لا تكون بالخروج على حكام المسلمين، وإحداث الفتن الداخلية، واستهداف المنشآت بدعوى الجهاد في سبيل الله، فأين هؤلاء الذين يزعمون أنهم يجاهدون في سبيل الله ويسفكون الدم الحرام في بلاد المسلمين، ويريدون أن يبدلوا نعمة الأمن خوفًا، ونعمة الاستقرار اضطرابًا، ونعمة التآلف عداوة وخلافًا، أين هم من نصرة إخوانهم في غزة، بل إن المجاهدين في فلسطين من أول المتضررين من هؤلاء المفسدين، الذين يقولون ما لا يفعلون، ويستغلون هذه الأحداث لجمع المال بالباطل، واستعماله ضد ولاة الأمر، فما أبعدهم عن الجهاد في سبيل الله، وما أضرهم على الأمة ومصالحها.

عجل الله الفرج لإخواننا، وجعلنا من أنصار دينه.

   طباعة 
5 صوت

روابط ذات صلة

Separator
المقالة السابق
المقالات المتشابهة المقالة التالي

جديد المقالات

Separator
رأس مكارم الأخلاق - ركن المقالات