الإثنين 14 شوال 1445هـ الموافق 24 أبريل 2024م

حياكم الله جميعا 

هذه قناتي في التليجرام ينشر فيها النتاج العلمي والفكري . 


قناة عبد السلام بن إبراهيم الحصين

ما أجمل روح الحياة حين تجري في العروق - قصة تائبة(4)

المادة

Separator
ما أجمل روح الحياة حين تجري في العروق - قصة تائبة(4)
1671 زائر
07/01/2008
الشيخ عبد السلام بن إبراهيم الحصين

في القاع يستوي في نظرك كل شيء..



كنت أظن أن الذكاء والدهاء سيحمياني من الوقوع في الرذيلة، لم أكن أعرف أن عقلي ناقص، وأن العاطفة لم تكن غائبة في الحقيقة، ولكنها كانت حاضرة في بعض المواقف القاتلة...

كان الشباب يراهن بعضهم بعضًا على الإيقاع بي، لكن كانت محاولاتهم تبوء بالفشل..

في السنة الأخيرة من الثانوية تعرفت على شخص لم تطل معرفتي به، وتركته لأنه لم يعجبني، وكان صاحبًا لأحد الذين أعرفهم ...

فراهن على الإيقاع بي، حتى إنه خطط مع شخص آخر أن يعتديا علي بالقوة، لكن صاحبه رفض...

حاول الوصول إلي بشتى الطرق فلم يستطع، لقد كنت خبيرة بألاعيبهم وحيلهم، أعرف الملابس الخادعة التي يلبسونها...

لم يكن لي هم إلا التسلية، وتفريغ الهم الذي أحمله، والهروب من الواقع الذي أعيشه..

لكنه جاءني في ثوب آخر، غير الثوب الذي أعرفه، جاءني في ثوب خاطب، يطلبني بالحلال، تقدم إلى أهلي، فرفضته، لم أثق في طلبه، ظننت أنها وسيلة من أساليبه التي يحاول بها أن يصل إلي...

لكنه فعل شيئًا ما كنت أظن أحدًا يفعله إلا أن يكون صادقًا..

صار يلح إلحاحًا شديدًا، لدرجة أنه كان يبكي بين يدي في بيت أهلي، بل كاد يقبل رجلي...

قلت في نفسي: ما فعل هذا إلا من حب صادق، وإلا فلماذا يذل نفسه، ويبكي هذا البكاء المر ..

وافقت وحددنا موعد الملكة...

وقبل الموعد بيومين طلب مني الخروج معه، لم أعارض أبدًا، فأنا فعلاً قد أحببته، ثم هو سيكون زوجي بعد يومين فقط، إذًا لا مشكلة أبدًا في الخروج..

خرجت معه، وليتني ما خرجت، لقد فقدت أغلى ما تملكه أي فتاه...

بكيت في بادئ الأمر، لكني سرعان ما هدأت بعد كلامه المعسول، وقوله إننا أزواج، ولا حرج في ذلك.

مر اليومان ولم يحضر، وصار يؤجل الموعد الأسبوع تلو الآخر..

وكان يطلب لقاءي ليتمتع بالجسد الذي كان يحلم به كل شخص عرفني ولم يستطع الوصول إليه.

صار يضع العراقيل في طريق زواجنا؛ فمرة يقول: إنه لا يستطيع أن يسكنني في بيت مستقل، ولكنه سيجعلني مع أهله..

ومرة يقول: إن المهر كثير، وأنا لا أستطيع دفعه....

ومرة يقول: إن غرفة النوم لا يمكن أن يوفرها، فيكفي أن أضع سريرًا وبكتًا متواضعًا....

وكنت أتنازل عن كل شيء طلبته، وأرضى بأي شيء ... المهم أن يتزوجني..

لما رأى ذلك صار يُكرِّهني في نفسه، يصرخ في وجهي، يظهر عدم احترامي.. يهملني حين أتصل عليه، حتى دمرني..

اتصل ذات يوم فقال: إنه لا يستطيع الزواج بي، لأن أهله لم يقبلوا بي..

أظلمت الدنيا في عيني.. وأصبت بانهيار عصبي.. ولم يبق على الامتحان إلا أيام.. قررت عدم دخول الامتحان.. لكن أمي رفضت، وأصرت على مواصلة الدراسة...

تخرجت من الثانوية بمجموع لا يؤهلني للدخول إلى الجامعة، فلم تقبلني إلا كلية من كليات التقنية في الدولة...

في الكلية كانت متطلبات الدراسة كثيرة، ولم يكن لدي من المال ما أشتري لباسًا يناسبني... كنت أذهب بملابس متواضعة وبسيطة...، لا أكل إلا وجبة واحدة، مع أننا ربما جلسنا من الصباح إلى المساء، فكنت أؤخر وجبة الإفطار إلى قريب من الغداء...

كنت مثار السخرية من الجميع...

شكوت إلى أهلي ما أجد، طلبت منهم أن يزيدوا في النفقة فتكاليف الدراسة كبيرة...

لكن لم يسمعوا قولي، ولم أر منهم إلا الصدود والإعراض...

كنت أعود إلى البيت فأبكي على حالي، وأذهب إلى الكلية بنفسية محطمة بائسة...

لاحظتْ إحدى المعلمات الفاضلات حالتي تلك، وما أنا فيه، فاتصلت علي ذات يوم .. فاستنكرتْ صوتي، فقالت: مالك؟

قلت: لا شيء..

قالت: كيف؟ وأنا اعرف صوتكِ جيداً...

اضطررت أن أخبرها بما حدث لي من مواقف في الكلية...

طلبت زيارتي فرحبت بها وكانت المفاجأة!!!!!

أحضرت لي مجموعة من الملابس والأحذية وكماليات أخرى..

استغربتْ وانتابني شعوران متناقضان.. ففرحت وبكيت في نفس الوقت..

عزَّت علي نفسي أن أقبل بهذا الشيء وأهلي باستطاعتهم أن يعطوني كل ما أحتاج إليه... رفضت لكنها أصرت وربطت علاقتي بها بقبولي لهذه الأشياء...

كنت أعزها كثيرًا، ولم أرد فراقها؛ لما أكنه لها من احترام وحب وتقدير...

في اليوم التالي تفاجأ الجميع في الكلية بما أنا عليه من أناقة وبهاء ... قلت: إني كنت في الأيام الأولى غير صافية المزاج؛ فلذلك لم أهتم بمظهري، لكني الآن أحسن حالاً...

استمرت معلمتي تجلب لي الملابس الجديدة وتعطيني المال لأنفق على نفسي...

مرت الأيام...وكان من الممكن أن تساهم هذه المعلمة في انتشالي من وحل الرذيلة..

لكني أدركت أنها مهما أعطتني فلن تطيق الاستمرار إلى النهاية ..، ثم كان هناك شيء في نفسي يهيج كلما تذكرت إعراض أبي وقطيعته..

فكرت في مصدر آخر يكون دائمًا...

كان هناك رجل يبلغ السبعين من عمره، كان وحيداً، اهتممت به، وقمت بالسؤال عنه بعد إهمال أبنائه له، فكان يوفر لي كل ما أحتاج إليه، بل ربما أعطاني في الشهر ثلاثة آلاف درهم...

كنت أنظر إليه وكأنه أبي الذي عوضني الله عنه...

ولكني كنت أحلم، كانت نيتي حسنة تجاهه، لكنه كان كسائر الرجال أو الذئاب إن صح التعبير...

في يوم طلبت منه المال لأشتري ملابس العيد، فطلب مني طلبًا، أو بمعنى آخر ساومني علي طلبي هذا..

أراد أن يقبلني... قلت في نفسي: إنه في مقام أبي، فلا بأس...

لكن كانت الصدمة أن قُبلته أرعبتني، قبَّلني قُبلة العاشق، قُبلة من يطلب شيئًا فوق هذه القبلة....

حزنت كثيراً ... أهكذا أنتم أيها الرجال؟؟!!... حتى من شاخ منكم...

لم أملك سوى القبول، حاجتي إلى المال كانت تجعلني أرضى بمثل ذلك...

ثم إني تعودت على نمط من العيش لا أريد أن أنزل عنه..

ضل يساومني عند كل طلب، وكنت أحياناً أقبل وأحياناً لا أقبل...

لكن الشيء الذي أفقدني صوابي طلبه معاشرتي... كرهته وكرهت ماله... وانقطعت عنه ...

بدأت في مواصلة الدراسة على شدة الحال التي أنا فيها... حتى إني كدت أطرد بسبب عدم قدرتي على شراء الجهاز المحمول (لاب تب)..

تدخل أخي.. وقسط المبلغ واشترى لي الجهاز....

مثل هذه المواقف كانت تسندني.. لكنها لم تكن متواصلة...، ولا تصل إلى بعد فوات الأوان، بعد أن تهان كرامتي، وتداس في الأرض...

لم أتم دراستي؛ لأن الشخص الذي دمرني لم يكتف بما فعل أول مرة، بل عاود الظهور في حياتي، وأخذ ينغص علي عيشتي، ويذكرني بالذي حدث بيني وبينه، حتى لم أعد أطيق الحياة...

فاستوى في عيني شريف الحياة ووضيعها، جميلها وقبيحها، كريمها ولئيمها...

صرت أتعرف على الواحد تلو الآخر.. لم تبق كبيرة من كبائر الدنيا لم أفعلها، إلا (المخدرات – شرب الخمر – وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق).

كانت تمر علي الأعياد والمناسبات السارة ولا أشعر بها... بل كانت أثقل علي من الجبال الصم....

ملكتُ المال... امتلأت غرفتي بالملابس والأحذية، من جميع الماركات...

لكني افتقدت طعم السعادة وراحة البال والطمأنينة والأمان والرضا عن النفس..

والمثير في الأمر أن أمي علمت بأمري ولم تكترث له أبداً...

قد لا تصدقون.. لكنه هو الواقع الذي أُشهد الله عليه....

هب أني فقدت شرفي وحيائي، هب أن نفسي هانت علي.. فكيف بك أنت يا أمي...أأهون عليك إلى هذا الحد؟! يهون عليك عرض زوجك، وشرف أبنائك؟!...

أتدرون لماذا لم تكترث به؟؟!!!

لأني أجلب المال، ولا أطلب منهم أي شيء...

لكن أمي كانت تمنع أختي الصغيرتين من الاختلاط بي.. خوفًا عليهما..

رغم أني كنت أخاف عليهما أن يمرا بتجربتي...

يا إلهي ... أي هوان وصلت عليه في عيني أمي؟؟!!

أتلومونني إذا كرهتها، وكرهت رؤيتها...

لم يعد يؤثر في حياتي بعد ذلك شيء، حتى المواقف المحزنة فقدت تأثيرها...

في يوم من الأيام أفقت على اتصال من إحدى صديقاتي تقول: إن فلانة (إحدى صديقاتي) ماتت.
ماتت!!! كيف؟؟!! وأنا كنت معها بالأمس!!!...

قالت: تعرفين فلانة كيف هي ظروفها...

قلت: نعم كانت بنتًا من بين عشرات الإخوة والأخوات الذين أنجبهم أبوها من نساء كثيرات، ونتيجة الإهمال وعدم الإنفاق سارت هي وأخواتها السبع في طريق الضياع..

كن يتعرفن على الشباب ليصرفوا عليهن، وليوفروا لهن الملبس، والأدوات والأجهزة الخاصة بدراستهم في الكلية...

قالت: خرجتْ في ليلة من الليالي لتلبي رغبة صاحبها، ولم يعلم بخروجها غير أخواتها... ولما أدركتْ أن الوقت قد تأخر، ولابد من عودتها رجعت هي وصاحبها بسرعة هائلة، فحصل لهم حادث أليم أودى بحياتهما معًا...

ولما عرف الأهل تبرؤوا منها ....

قلت في نفسي: من كان سبب ضياعها؟؟؟؟!!!! أنتم والله تستحقون البراءة منكم ومن أفعالكم...

أثَّر فينا الموقف، وصار لنا عبرة، لكن لم يكن ذلك إلا كقطرات ندى تبخرت مع حرارة الواقع والشهوة الخفية...

وغرقنا مرة أخرى في دنيانا ولهونا...

لم يبق بيني وبين الله إلا حبل واحد، كان يومًا ما متينًا قويًا فأضعفته بذنوبي وتقصيري..

ضَعُفَ هذا الحبل حتى كاد أن ينقطع، لكنه بحمد الله لم ينقطع...

فجاءت المنحة الإلهية لتقوي هذا الحبل وتشد منه...


تابع ...

   طباعة 
0 صوت

روابط ذات صلة

Separator

جديد المواد

Separator