الخميس 23 ذو الحجة 1446هـ الموافق 21 يونيو 2025م

حياكم الله جميعا 

هذه قناتي في التليجرام ينشر فيها النتاج العلمي والفكري . 


قناة عبد السلام بن إبراهيم الحصين

حكم من أتى أحداً من محارمه ، بعقد ، أو بدون عقد

الكتاب

Separator
حكم من أتى أحداً من محارمه ، بعقد ، أو بدون عقد
7593 زائر
07/01/2008
الشيخ عبد السلام بن إبراهيم الحصين

بسم الله الرحمن الرحيم

حكم من أتى أحداً من محارمه ، بعقد ، أو بدون عقد

أولاً: الحد هو عقوبة مقدرة شرعاً في معصية ، والتعزير هو التأديب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة ، والشارع لم يحدد العقوبات إلا في أمهات الجرائم ، وكبائر المعاصي ، وهي سبع ، جاء القرآن منها بست ، وهي : قتل النفس بغير حق ، وقطع الطريق ، والزنا ، والقذف ، والسرقة ، والبغي ، وجاءت السنة بواحد ، وهو حد الشرب( انظر نيل المآرب في تهذيب شرح عمدة الطالب للبسام (2/546)).

ثانياً : وقد ثبت حد الزنا في كتاب الله ، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ، وهو : الرجم للزاني المحصن ، مع الجلد عند بعض أهل العلم ، والجلد والتغريب للزاني البكر .

ثالثاً: ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أحاديث يدل ظاهرها على أن الزنا بالمحارم يخالف حكمه حكم الزنا بغيرهن ، فمن ذلك:
1- عن البراء بن عازب قال : لقيت عمي ومعه راية ، فقلت له : أين تريد؟ قال : بعثني رسول الله  إلى رجل نكح امرأة أبيه ، فأمرني أن أضرب عنقه ، وآخذ ماله.
رواه أبو داود (4457) ، والترمذي (1362) ، وقال : حديث حسن غريب ، والنسائي (3331) ، وابن ماجه (2607) ، وغيرهم.
وقد وقع اضطراب في متنه وسنده ، ولهذا قال المنذري في مختصره لسنن أبي داود (6/268): "قد اختلف في هذا اختلافاً كثيراً" وهذا ما جعل بعض العلماء يضعفه ، لكن له طرق يشد بعضها بعضاً ، والاضطراب الواقع في متنه وسنده يمكن التوفيق بينه ، فقد قال ابن القيم في تهذيب مختصر السنن (6/266- 267): "هذا كله يدل على أن الحديث محفوظ ، ولا يوجب هذا تركه بوجه ، ... والحديث له طرق حسان ، يؤيد بعضها بعضاً" ، وصححه ابن حزم في المحلى (11/253) ، والألباني في إرواء الغليل (2351).
2- عن معاوية بن قرة ، عن أبيه قال : بعثني رسول الله  إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن أضرب عنقه ، وأصفي ماله.
رواه ابن ماجه (2608) ، والنسائي في السنن الكبرى (7224) بلفظ : أن رسول الله بعث أباه جد معاوية، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/150).
نقل ابن حزم في المحلى (11/235) عن ابن معين قوله : "هذا الحديث صحيح"، وقال البوصيري في مصباح الزجاحة (2/324) "إسناده صحيح، رجاله ثقات".
3- عن ابن عباس قال : قال رسول الله  ((اقتلوا الفاعل والمفعول به ، في عمل قوم لوط ، والبهيمة والواقع على البهيمة، ومن وقع على ذات محرم فاقتلوه)).
رواه أحمد (2727، ت/ أحمد شاكر) ، والترمذي (1462) ، وقال : "هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه" ، وابن ماجه (2564) ، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (2/135، مسند ابن عباس ).
وقد اختلف أهل العلم في صحة هذا الحديث ، فصححه ابن جرير في تهذيب الآثار ، وقال : "هذا خبر عندنا صحيح سنده" ، والحاكم في المستدرك ، وحسنه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
قال المنذري في مختصر السنن (6/275) : "أخرج هذا الحديث ابن ماجه في سننه من حديث إبراهيم بن إسماعيل ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، .. وإبراهيم ين إسماعيل هذا هو ابن أبي حبيبة الأنصاري ، مولاهم ، المدني ، كنيته أبو إسماعيل ، قال الإمام أحمد : ثقة ، وقال البخاري : منكر الحديث ، وضعفه غير واحد من الحفاظ". وضعف الحديث أيضاً الذهبي كما في إرواء الغليل (2352).

رابعاً: اختلف أهل العلم فيمن زنى بذات محرم منه ، أو عقد على إحداهن ، على أقوال:
القول الأول: من أتى ذات محرم منه بعقد نكاح ؛ فالعقد شبهة تدرأ الحد ، وعليه التعزير والعقوبة البليغة ، وإن كان بغير عقد ؛ فعليه مثل ما على الزاني بغيرهن.
وممن قال بهذا القول : أبو حنيفة ، وسفيان الثوري.
وضعف هؤلاء حديث ابن عباس ، وأما حديث البراء فقالوا فيه: إنه جاء بالقتل وسلب المال ، وهذا يدل على أنه مرتد ؛ لأنه استحل مثل هذا الفعل ، وليس لأنه أتى ذات محرم منه( انظر: شرح معاني الآثار للطحاوي (3/149)، المبسوط للسرخسي (9/85)، المحلى لابن حزم (11/253)).
القول الثاني : حكمه حكم الزاني بغيرهن ، إن كان محصناً ؛ فالرجم ، وإلا فالجلد والتغريب، وسواء كان بعقد ، أو بغير عقد ، فوجود العقد كعدمه.
وممن قال بهذا القول: أبو يوسف ، ومحمد ، صاحبا أبي حنيفة ، والحسن البصري ، ومالك ، والشافعي ، ورواية عن أحمد إن كان فعله غير مستحل ، وإلا قتل ، وابن جرير الطبري (انظر: شرح معاني الآثار للطحاوي (3/149)، وتهذيب الآثار للطبري (2/147)، وفتح القدير لابن الهمام (5/259)، والمدونة (4/383)، ومعالم السنن للخطابي (6/269) ، ومغني المحتاج للشربيني (4/146)، والمغني لا بن قدامة (12/342)، والإنصاف للمرداوي (26/275)).
وحجة هؤلاء عموم الآيات والأحاديث الواردة في حد الزاني ، وأنها لم تخص ذات محرم بشيء ، وأما ما ورد من الأحاديث ؛ فبعضهم ضعفها ، وبعضهم تأولها ؛ فحمل حديث البراء ومعاوية بن قرة على الاستحلال ؛ وأنه مقتول ردة ، وحمل حديث ابن عباس على اقتلوه بالرجم إن كان محصناً.
القول الثالث: أنه يقتل على كل حال، سواء كان بعقد أو بغير عقد.
وممن قال بهذا القول: مطرف بن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه، وجابر بن زيد أبو الشعثاء ، وأبو أيوب ، وابن أبي خيثمة ، وإسحاق بن راهويه، وأحمد في إحدى الروايات عنه ، واختاره ابن تيمية ، وابن القيم (انظر: جامع الترمذي (4/51)، وتهذيب الآثار للطبري (2/143)، وشرح السنة للبغوي (10/305)، والمحلى لابن حزم (11/254)، والمغني لابن قدامة (12/342)، مجموع الفتاوى (34/177)، زاد المعاد (5/15)).
وحجة هؤلاء ظاهر الأحاديث السابقة ، وقالوا: كل من أتى ذات محرم منه ؛ فحكمه فيما يجب عليه من العقوبة حكم من أتى امرأة أبيه؛ أنه يقتل بالسيف.
القول الرابع: من وقع على امرأة أبيه بعقد ، أو بغير عقد ، أو عقد عليها ولم يدخل بها، فإنه يقتل، ولا بد ، محصناً كان أو غير محصن ، ويخمس ماله ، وسواء كانت أمه ، أو غير أمه إذا كان أبوه قد عقد عليها ، وأما من وقع على غير امرأة أبيه من سائر ذوات محارمه ، فهو زان ، وعليه حد الزنا فقط.
وممن قال بهذا القول : ابن حزم ، كما في المحلى (11/ 256).
وحجته ظاهر أحاديث البراء ، ومعاوية بن قرة ، ولم يتعرض لحديث ابن عباس بذكر.

خامساً : والخلاصة في هذه المسألة : أن من زنى بذات محرم منه فهو زان ، وعليه الحد إجماعاً(حكى الإجماع على ذلك : ابن المنذر في كتابه الإجماع (132) ، وابن القيم في الداء والدواء ، نقله عنه بكر أبو زيد في كتابه الحدود والتعزيرات عند ابن القيم (147))، لكن اختلفوا في صفة الحد ؛ هل هو القتل بكل حال ، أو حده حد الزاني ، على قولين.
أما إذا أتى ذات محرم منه بعقد ؛ فأبو حنيفة يرى أن ذلك شبهة تمنع إقامة الحد ، وخالفه في ذلك الجمهور ؛ فرأو أن وجود العقد كعدمه ، كما سبق.
قال ابن حزم في مراتب الإجماع (132): "اختلفوا في الزاني بمحرمه ، وفي الذمي الزاني بمسلمة ، وفي متزوج امرأة أبيه ، أيحد كل واحد منهم ، أم يقتل على كل حال".
ومراده بقوله أيحد ، أي حد الزنا ، ولا يلزم منه أن يكون القائل بالقتل يراه تعزيراً، بل هو حد ، لكنه حد خاص بالزنى بذوات المحارم. والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

1 صوت
حفظ 66

روابط ذات صلة

Separator

جديد المحتويات

Separator