عرض مشاركة واحدة
قديم 11-03-08, 12:11 PM   #4
سمية ممتاز
جُهدٌ لا يُنسى
Icon56 تفريغ الدرس الثالث كاملا ومدقق..

[بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد..
فمرحباً بكم معاشر الأخوان والأخوات وأسأل الله تعالى أن يجعل هذا المجلس خالصاً لوجهه الكريم ومقرباً إلى مرضاته, وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح..

كان حديثنا أيها الأحبة ؛ آخر ما تحدثنا عنه هو ما يتصل بأركان الإيمان بالأسماء الحسنى , وقلنا إنه يجب على المسلم أن يؤمن بكل اسم سمى الله به نفسه أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم , أن يؤمن بالإسم.

والأمر الثاني : أن يؤمن بما تضمنه هذا الاسم من صفة لله تعالى
والركن الثالث : هو ما سنتحدث عنه هذه الليلة إن شاء الله وهو ما يتعلق بالآثار التي تتعلق بالأسماء الحسنى.
وهذا الركن له تعلق بما قبله , فالإنسان اذا آمن بالإسم لا بد أن يؤمن بما تضمنه هذا الاسم من صفة , ولا يمكن أن يؤمن بالأثر المترتب على ذلك إلا إذا آمن بالصفة؛ وآمن قبل ذلك بالاسم, فلا بد من فهم معاني الأسماء, أن نعرف معانيها وما دلت عليه, فأسماء الله تعالى لها آثار في هذا الخلق الذي نشاهده , ولها آثار أيضاً فيما يتصل بأمر الله عز وجل وحكمه الشرعي وما شرّعه لعباده فمن نظر في هذا وهذا رأى آثار الأسماء الحسنى ظاهرة جلية لا خفاء فيها..
انظروا أيها الأحبة وحديثنا إنما هو عن الأسماء التي لها أثر, الأسماء المتعدية وتعلمون أن من أسماء الله عز وجل ما ليس بمتعدٍ , فاسم الله تعالى: الحي – العظيم؛ هذه من أسماءه غير المتعدية , فهذا نؤمن بالاسم ونؤمن بما تضمنه من الصفة, وقلنا كل اسم يتضمن صفةً, وهناك أسماء متعدية يعني لها آثار متعدية فلا بد من الإيمان بتلك الآثار مع الإيمان بالإسم والإيمان بالصفة التي تضمنها ذلك الاسم.
ولذلك نقول بأن هذه الآثار التي يجب أن نؤمن بها يجب على كل مسلم أن يؤمن بها إجمالاً وأما ما يتعلق بالتفصيل فإن ذلك لا يجب على كل أحد ولكن الناس يتفاضلون في هذا و يتفاوتون تفاوتاً كبيرا وهذا فضل الله تعالى يؤتيه من يشاء, فكل بحسبه والله لا يكلف نفساً إلا وسعها.

أيها الأحبة ..
إذا تأملت أسماء الله تعالى التي تكون متعدية وجدت أن آثارها تترتب عليها ترتُّب الملزوم على لازمه, والمقتضى على مقتضيه, والمرحوم وأسباب الرحمة على الراحم, وكترتب المرزوق والرزق على الرازق, وكترتب المرئيات والمسموعات على السميع والبصير ... وهكذا.
فلا بد من ترتب الآثار على هذه الأسماء المتعدية
ولهذا فإن الحافظ ابن القيم رحمه الله اعتبر العلم بالأسماء الحسنى أنه أصل للعلم بكل معلوم , ووجه ذلك أن كل المعلومات لا تخرج عن أمرين:
إما أن تكون هذه الأشياء التي نعلمها هي من قبيل خلق الله عز وجل فيدخل في ذلك جميع أنواع العلوم التجريبية , العلوم المادية.
وإما أن يكون ذلك من قبيل العلم بأمره جل جلاله فيدخل في هذا العلم بالله عز وجل وأسمائه وصفاته وأحكامه, كل ذلك داخل فيه.
فهذه العلوم إما علم لما كوَّنَه الله عز وجل وخَلَقًه
أو علم بما شرَّعه , فمصدر الخلق إنما هو عن أسماءه تعالى
وهكذا أيضاً مصدر الحُكم والشرع
كما قال الحافظ ابن القيم رحمه الله:

أسماءه على دلت على أوصافه **** مُشتقة ٌ منها اشتقاق معاني
وصفاته دلّت على أسمائه **** والفعل مرتبط ٌ به الأمران
والحُكم نِسبتُها إلى متعلقاتٍ **** تقتضي آثارها ببيان


فأنت لو تصورت الآن في هذا العالـَم , هذا الخلق الذي تشاهده
لو كان الحيوان بِجُمْلَته معدوماً, الله يرزق من؟
( الحيوان يقصدون به كل ما هو نامي فيُدخلون في جملته الإنسان , يعني الأشياء الحية التي فيها روح )
فالله عز وجل يقيمها ويرزقها فأقواتها وقيامها إنما هو بإقامة الله عز وجل لها, فهو الذي يرزق الحيتان في البحر , والديدان تحت الأرض, وهو الذي يرزق سائر المخلوقات بجميع أنواعها ..
فلو تُصُوِّر أنها معدومة فالله يرزق من ؟!
وإذا فُرِضت المعصية والخطيئة منتفية عن العالم
الناس في عِصمة عن المعاصي , فالمغفرة لمن؟؟
عمن يعفو الله تعالى وعلى من يتوب؟
وهكذا أيضاً لو فُرِض أن جميع الناس أغنياء, أنهم مستغنون عن رازق يرزقهم فأين السؤال والتضرع والإفتقار إلى الله عز وجل والإنطراح بين يديه؟ وأين ما يترتب على ذلك من إجابة سؤال السائلين ودعاء الداعين, وجبر كسر الضعيف, أصحاب القلوب المنكسرة؟
وهكذا أيضاً ظهور إفضاله وإنعامه على عبيده
الله تبارك وتعالى من أسماءه العفو الغفور الرحيم الرازق , كل هذه أسماء لله عز وجل , فلو أن الناس كلهم قد استغنوا عن العطاء والرزق , أو أن كلهم ما يعصون الله عز وجل فلمن تكون المغفرة؟ ولمن تكون الرحمة؟ ولمن تكون التوبة؟؟ فمن أسمائه تعالى التواب..
فلن تظهر آثار الأسماء الحسنى وإنما اقتضت حكمته تبارك وتعالى أن يوجد ذلك جميعاً في الخليقة من أجل أن تظهر آثار أسمائه وكمالاتِه عز وجل.
فاسمه الخالق يقتضي مخلوقاً, والبارئ يقتضي مبروءاً , والمصور يقتضي مُصَوَّراً, فلا بد من ذلك أصلاً, فهذه كلها من الأسماء المتعدية التي تقتضي أثراً ينتج عنها
ولذلك يُقال أيها الأحبة : إن أسماءه الغفار والتواب يقتضي مغفوراً له ومن يُتاب عليه .. وهكذا أيضاً أموراً يُتاب منها لا بد من أمور يتوب العبد منها , وهكذا أيضاً من تأمل ارتباط الخلق والأمر بهذه الأسماء الثلاثة كما يمثل الحافظ ابن القيم على الأسماء الأولى التي وردت في أول سورة الفاتحة (( الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين )) فهو يقول الله والرب والرحمن , يقول هذه الأسماء الثلاثة نشأ عنها الخلق والأمر والثواب والعقاب , وهي التي جمعت الخلق وفرقتهم فلها الجمع والفرق , يقول اسم الرب له الجمع
الجامع لجميع المخلوقات
هل يخرج أحد من ربوبية الله؟
الجواب: لا, فهو رب للجميع, للمؤمن وللكافر, وهو رب للجماد والحيوان والنبات , لا يخرج أحد عن ربوبيته تعالى, واجتمع الخلق بهذا الإعتبار تحت صفة الربوبية, وأما صفة الإلهية فقد افترقوا فيها إلى مؤمنين وكفار فلها الفرق , الربوبية لها الجمع
والإلهية لها الفرق.. فصار الناس إلى طائفتين, سعداء وأشقياء , انقسموا إلى مؤمنين وكفار
فالدين والشرع والأمر والنهي مظهره وقيامه من صفة الإلهية
والخلق والإيجاد والتدبير صفة من صفات الربوبية
والجزاء بالثواب والعقاب والجنة والنار من صفة الملك
فالله تعالى أمرهم بإلهيته وأعانهم ووفقهم وهداهم وأضلهم بربوبيته
وعاقبهم بملكه وعدله


وأما الرحمة فهي التعلق والسبب الواصل بين الله عز وجل وبين العباد لا ينفكون عن رحمته بحالٍ من الأحوال, لو تخلى عنهم لهلكوا جميعاً , فالتأليه منهم له والربوبية منه لهم والرحمة هي السبب الواصل بين الخالق والمخلوق بها أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب ووفق من شاء إلى الهدى, وبها أسكنهم دار الكرامة الجنة
وبها رزقهم وعافاهم وأعطاهم وأنعم عليهم..... وهكذا..
فهذه الآثار وهذه الأسباب التي خلقها الله عز وجل هي من لوازم كماله وملكه وقدرته وحكمته , فظهور تأثيرها وأحكامها في عالم الشهادة هو تحقيق لهذا الكمال.
كيف نعرف أن الله تعالى القادر, العزيز, القوي والمتين, يُهلك أقواماً من العُتاد من الضالين من المكذبين من المحادِّين له ولرسله عليهم السلام
فيظهر من ذلك آثار هذه الأسماء
إذا أجدب الخلق تضرعوا إليه فأغاثهم وأعطاهم؛ فتظهر آثار جملة من الأسماء .. الرازق , الرحمن , الرحيم وهكذا... إذن ظهور آثار هذه الأسماء الحسنى هو من جملة كماله المُقدَّس
ولا يمكن أن نُثبت لله أو أن يَثبت لله عز وجل أو أن يثبت العبد الكمالات لله إلا إذا أثبت هذه الآثار في الخلق والأمر , في قضاء الله وقدره , في وعده ووعيده , ومنعه وإعطاءه , وإكرامه وإهانته, وعدله وفضله , كل هذه الأشياء تظهر وتعرِّفنا بالمعبود جل جلاله وهي ناشئة وناتجة بل هي من مقتضيات أسمائه الحسنى
فيظهر نتيجة لذلك أنه العفو المنعم ويظهر سعة حلمه ويظهر أيضاً شدة بطشه , وهكذا اقتضى كماله أنه في كل يوم له شأن
فمن جملة شؤونه أنه يغفر ذنباً ويفرج كرباً ويشفي مريضاً ويفك عانياً وينصر مظلوماً ويُغيث ملهوفاً ويُجير مستجيراً ويجبر كسيراً ويغني فقيراً ويُجيب دعوة ويُقيل عثرة ويُعز ذليلاً ويذل متكبراً ويقسم جباراً ويميت ويحيي ويُضحك ويُبكي, يضحك أقواما ويبكي آخرين, ويخفض ويرفع ويعطي ويمنع .
فإذا عطـّل العبد الرب تبارك وتعالى عن أسمائه الحسنى وصفاته العليا فإنه بذلك يكون معطلاً لإلهيته وربوبيته ورحمته وملكه, قد عطـّله عن كمالاته المقدسة , وبهذا تعرفون شُئم مذاهب المُعَطـِّله الذين نفوا الأسماء والصفات, أو الذين أثبتوا الأسماء وقالوا إنها لاتدل على أوصاف لله تعالى, فهذا تعطيل للربوبية والإلهية والملك والعزة والرحمة الحكمة , كل هذه تتعطل وتنتفي , ولهذا أنكر الله عز وجل على أولئك الذين قالوا ما أنزل الله على بشر من شئ فقال تعالى(( وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شئ)) فإن حكمته ورحمته تقتضي أن يُرسل للعباد رسلاً يبينون لهم ما يحتاجون إليه من الحلال والحرام ويُعرِّفونهم بالمعبود جل جلاله ويُعرَِّفونهم ويشرحون لهم الطريق التي توصلهم إلى ربهم وباريهم وخالقهم تبارك وتعالى..
هذا كله من مقتضيات أسمائه,
والله تعالى قال في حق أولئك الذين أنكروا البعث والمعاد والعقاب (( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه))
لأنهم اعتقدوا أن هذا الخلق هذا الانسان إذا تحول إلى تراب أنه لا يستطيع أحد أن يعيده مرة أخرى إلى هذا الخلق الذي نشاهده (( فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة))
((أئذا كنا عظاماً ورفاتاً أئنا لمبعوثون خلقاً جديدا * قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقاً مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة ))
فلتكونوا أقوى ما يمكن أن يتصوره العقل البشري, حجارة صلبة أو حديد , الله قادر على أن يعيدكم مرة أخرى, فهؤلاء ما قدروا الله حق قدره , أولئك الذين قالوا إنه لا يقدر على إعادة الإنسان بعد أن صارت عظامه رميماً وتحول إلى تراب, وأنكر أيضاً على أولئك الذين جوزوا عليه التسوية بين المختلفين , بين أهل الإيمان وأهل الكفر , بين الأبرار والفجار, بين المجرمين والأخيار
((أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون))
فإن مقتضى الأسماء الحسنى يأبى ذلك , وأخبر أن هذا حكم سئ لا يليق بالله عز وجل ((أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لاإله إلا هو رب العرش العظيم))
نزه نفسه عن هذا الحكم والظن السئ والحسبان الذي تأباه أسماؤ&ه الحسنى وصفاته العلى جل جلاله
وهذا نظائره في القرآن كثيرة
انظر إلى أسمائه تبارك وتعالى : الحميد - المجيد فإن هذه الأسماء تأبى أن يترك الإنسان مهملاً معطلاً سدى لا يُؤمر ولا يُنهى ولا يُثاب ولا يُعاقب , وهكذا أيضاً اسمه الحكيم , فكما أن اسمه الملك يقتضي مملكة وتصرفاً وتدبيراً وإعطاءً ومنعاً وإحساناً وعدلاً وثواباً وعقاباً؛
وهكذا اسمه البر - المحسن - المعطي - المنان, كل هذه تقتضي آثارها وموجباتها, فتصور أولئك الذين فسدت عقائدهم فلا يؤمنون أصلاً بأسماء الله وصفاته , أوأولئك الذين يثبتونها ويقولون هي مجرد أعلام جامدة لا تدل على صفات الكمال
كيف هؤلاء يكون نظرهم واعتقادهم بربهم جل جلاله؟
كيف تقبل عليه قلوبهم؟ وكيف تتوق نفوسهم إلى ألطافه و رحماته وعطائه وبره وكرمه وجوده؟
إذا أصابت الواحد الفاقة أو المرض أو وقع في بلية فإن قلبه كيف يتحرك إلى مولاه ليُخلصه ويرفعه ويُعافيه
وبهذا تعرفون أيها الأحبة أثر فساد الإعتقاد على سلوك الإنسان وعمله وعبادته وتفكيره ونظره في الأمور كلها والمقصود أن الخلق مرتبط بقدرته تعالى تمام الارتباط وهذا يقتضي أن لا يخرج شئ موجود عن قدرته كما أنه مرتبط بعلمه, فعلمه يقتضي أنه تبارك وتعالى قد أحاط بكل شئ علما, وهو أيضاً مرتبط بحكمته وذلك يقتضي أن يقع على أحسن الوجوه وأكملها, كل ما يقع في هذا الكون فإنه وقع على وفق حكمة الله عز وجل وليس ذلك يقع اتفاقاً أو يقع لمجرد مشيئةٍ قد رجحت مِثلاً على مثلٍ بلا رُجحان
كما يقول بعض القدرية الذين لم يُقدِّروا الله عز وجل حق قدره وما عرفوه حق معرفته
تأمل في هذا العالم وأجزاءه كيف صار منتظماً هذا الإنتظام, فإن ذلك يدل على كمال قدرة الخالق سبحانه وتعالى وكمال علمه وكمال حكمته وكمال لطفه .
الحافظ ابن القيم رحمه الله تعالى يمثل هذا العالم هذه الدنيا بالبيت المبني المعد , فيه جميع ما يحتاج إليه ساكنه , فيه مصالحه وآلاته, فالسماء سقفه المرفوع والأرض مهاد و بساط وفراش ومستقر لهؤلاء الساكنين , والشمس والقمر سراجان يُضيئان, والنجوم مصابيح وزينة,
والجواهر والمعادن مخزونة فيه كالدخائر, وظروفالنبات مُهئ لمآربه , وصروف الحيوان مصروفة لمصالحه فمنها الركوب ومنها الحلوب ومنها الغذاء ومنها اللباس والأمتعة والآلات ومنها الحرس الذي يحرسه , كيف ركبه الله عز وجل وكونه وأوجده بهذه الطريقة وبهذا الإنتظام؟؟, وتتحقق بذلك مصالح العباد ويكون محلاً صالحاً لإقامة العبودية لله تعالى وعمارة الأرض , هذا كله لا شك مرتبط بقدرته وحكمته وعلمه ومشيئته وأسمائه وصفاته..



توقيع سمية ممتاز
,,



التعديل الأخير تم بواسطة أم أسماء ; 11-03-08 الساعة 01:38 PM
سمية ممتاز غير متواجد حالياً