الإحـســان
ثانيـاً : الإحـسان : لقوله تعالى : {. . . وَكَذَلِكِ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }(1)، وذلك بعد ما أخبر سبحانه عن يوسف وموسى عليهما السلام ، وما آتاهما من العلم ، وأصبغ عليهما من الفضل.
والإحسان كما فـي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ، ومسلم ابن الحجاج ، وأصحاب السنن : (( أن تعبد اللَّه كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك )) (2).
وليس المراد ، ولا المقصود بالعبادة ههنا ما قد علمت ، وعملت فحسب ، بل العبادة : (( اسم جامع لكل ما يحبه اللَّه ويرضاه من الأقوال ، والأعمال الباطنة والظاهرة ))(3).
واقرأ إن شئت قوله تعالى :{ . . . وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }(4)، فهذا من العبادة ؛ أي : مما يحبه اللَّه ويرضاه.
قال ابن رجب رحمه اللَّه تعالى : (( قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في تفسير الإحسان : (( أن تعبد اللَّه كأنك تراه . . . إلخ )) يشير إلى أن العبد يعبد اللَّه على هذه الصفة ، وهي استحضار قربه ، وأنه بين يديه كأنه يراه ، وذلك يوجب الخشية ، والخوف ، والـهيبة ، والتعظيم،كما جاء فـي رواية أبي هريرة : (( أن تخشى اللَّه كأنك تراه )).
ويوجب أيضاً النصح فـي العبادة ، وبذل الجهد فـي تحسينها وإتمامها وإكمالـها )) (5).
قلت ( أبو عبيد العمروني): والخشية ثمرة من ثمار المعرفة والعلم باللَّه الذي أثنى الله على أهله بقوله : { . . . إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِن عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ . . . }(6)، فالخشية رأس الإحسان ، وليست لأحد كما ينبغي إلا لمن قدر اللَّه حق قدره ، ومن جاء بها فقد جاز القنطرة فـي العلم ، والعبادة معاً.
فالعلم باللَّه وما هو عليه من كبرياء ، وعظمة ، وجبروت ؛ يثمر الخشية ، ويولد الخوف ، وذلك مدعاة إلى الإحسان فـي القول ، والعمل.
فعلى هذا الإحسان من روافد العلم ، كما التقوى ، وبالعلم يستزاد من الاثنين معاً ، فلا بد لنيلهما من العلم ، ولا طريق إلى العلم إلا بهما.
فتعرَّف على اللَّه تكن من المحسنين ، وأحسن تكن من العارفين.
وفـي الحديث الذي رواه الإمام مسلم رحمه اللَّه : (( إن اللَّه كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحد أحدكم شفرته ، فليرح ذبيحته )) (7).
وبالجملة فقد اشتمل الإحسان من المعاني على كل جميل ، ضمنه اللَّه قوله : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِـي رَسُولِ اللَّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُواْ اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }(8).
فالأسوة الحسنة التي لنا فـي رسول الله هي مقام الإحسان الذي أنزله الله إياه فـي جميع العبادات ؛ فليس فوق الإحسان إمكان ونبينا صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم كما قد عُلم أكمل الخلق فـي جميع مقامات العبودية ، وقد كان خلقه القرآن كما أخبرت بذلك أمنا عائشة رضي اللَّه عنها والقرآن يهدي للتي هي أقوم وقد كان صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم : (( يصل الرحم ، ويحمل الكل ، ويكسب المعدم ، ويقري الضيف ، ويعين على نوائب الحق )).
ـــــــــــــــــ
(1) سورة يوسف الآية : (22) ، والقصص الآية : (14).
(2) البخاري ( كتاب الإيمان )( باب سؤال جبريل النبي صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان،وعلم الساعة ) ، ومسلم ( كتاب الإيمان )( باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان )( حديث رقم / 1) ، وأبو داود ( كتاب السنة )( باب في القدر )( حديث رقم/ 4695 ) ، والترمذي ( أبواب الإيمان )( باب ما جاء في وصف جبريل للنبي صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم الإيمان والإسلام )( حديث رقم/ 2610) والنسائي ( كتاب الإيمان وشرائعه )( باب نعت الإسلام )( حديث رقم / 4993 ) ، وابن ماجه ( كتاب السنة )( باب في الإيمان )( حديث رقم/ 63 ).
(3) ابن تيمية ( رسالة العبودية )( مجموع الفتاوى )( 10/ 149).
(4) سورة آل عمران الآية : (143).
(5) ابن رجب الحنبلي ( جامع العلوم والحكم )( 1/ 126) تحقيق شعيب الأرناؤوط ، و إبراهيم باجس.
(6) سورة فاطر الآية : ( 28 ).
(7) مسلم ( كتاب الصيد والذبائح )( باب الأمر بإحسان الذبح والقتل،وتحديد الشفرة )( حديث رقم 1955) ، وأبو داود ( كتاب الضحايا )( باب في النهي أن تصبر البهائم والرفق بالذبيحة )( حديث رقم 2814) ، والنسائي ( كتاب الضحايا )( باب حسن الذبح )( حديث رقم 4417، 4418، 4419 ) ، وابن ماجه ( أبواب الذبائح )( باب إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح )( حديث رقم 3170 ).
(8) سورة الأحزاب الآية : (21).