العودة   ملتقى طالبات العلم > . ~ . بوابة الملتقى . ~ . > فعـــاليات صــــ 1432 ــــيف هــ والاستعداد لشهر رمضان

الملاحظات


 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-09-09, 05:15 AM   #1
إشراف الأقسام العامة
|تواصي بالحق والصبر|
 
تاريخ التسجيل: 19-09-2006
المشاركات: 930
إشراف الأقسام العامة is on a distinguished road
افتراضي

آثار غذاء الروح.

إن الروح إذا تغذت بتفريغ المفسدات، والتزود بهدى الله الذي أنزله لعباده، فإن لذلك آثارًا عظيمة على الجوارح، فتقبل على العبادة بنفس منشرحة، وترى فيها أنسها وراحتها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((وجعلت قرة عيني في الصلاة)).
حتى إن الله تعالى يوكل بها من يوقظها إذا هي غفلت أو تكاسلت، كان العلاء بن زياد له وقت يقوم فيه، فقال لأهله تلك الليلة: إني أجد فترة، فإذا كان وقت كذا فأيقظوني، فلم يفعلوا، قال: فأتاني آت في منامي، فقال: قم يا علاء بن زياد اذكرِ الله يذكرْك، وأخذ بشعرات في مقدَّم رأسي، فقامت تلك الشعرات في مقدَّم رأسي، فلم تزل قائمة حتى مات، قال يحيى بن بسطام: فلقد غسلناه يوم مات وإنهن لقيام في رأسه([1]).
1- فالصوم يغذي في روحك محبة الصلاة؛ لأنها تصلك بالله، الذي أنعم عليك بجميع النعم، وهداك لهذا الدين القويم، ومن عليك بتعليمك القرآن العظيم، ولهذا ورد في الحديث ((أن شرف المؤمن قيامه بالليل))([2]).
2- ومن آثار غذاء الروح أن تجود النفس ببذل المحبوبات طاعة لله تعالى، فتنفق في سبيل الله، وتعطي المحرومين، وتواسي الفقراء والمعدمين، وهي ترجو الخلف من الله، كما قال تعالى {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين}.
3- ومن آثار غذاء الروح الانتصار على العدو، ونشر دين الله في الأرض، ولقد كان شهر رمضان شهر الانتصارات في تاريخ الأمة الإسلامية، بل إن فرضه كان قبل معركة بدر بشهر، ووقعت بدر في شهر رمضان من هذه السنة بعد أن فرض([3])، وكأنه والله أعلم مقدمة بين يدي النصر، ولتكون النفوس قد تربت على الطاعة والصبر، فمن أطاق حبس نفسه عن شهواتها وملاذها، وقهَر عدوه الذي يلازمه ليل ونهار، بل يجري منه مجرى الدم، استطاع مقابلة العدو الظاهر، الذي لا يراه إلا في ساحة المعركة.
وهذا العلاء الحضرمي أراد أن يلحق العدو في جزيرة يقال لها دارين، وليس معه سفن، فارتحل وارتحل معه جيشه، حتى إذا أتوا ساحل البحر اقتحموا على الصاهل والجامل، والشاحج والناهق، والراكب والراجل، ودعا ودعوا، وكان دعاؤه ودعاؤهم: يا أرحم الراحمين يا كريم يا حليم يا أحد يا صمد يا حي يا محيي الموتى يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت يا ربنا، فأجازوا ذلك الخليج بإذن الله جميعًا، يمشون على مثل رملة ميثاء، فوقها ماء يغمر أخفاف الإبل، وإن ما بين الساحل ودارين مسيرة يوم وليلة لسفن البحر في بعض الحالات، فالتقوا بها عدوهم واقتتلوا قتالا شديدًا، ونصرهم الله، فلما فرغوا رجعوا عودهم على بدئهم حتى عبروا، وفي ذلك يقول عفيف بن المنذر:
ألم تر أن الله ذلل بحـــره وأنزل بالكفار إحدى الجلائل
دعونا الذي شق البحار فجاءنا بأعجب من فلق البحار الأوائل([4]).
4- ومن آثار غذاء الروح أن تعف النفس عن مواقعة الشهوات، فالصيام يقوي الإرادة، ويدرب الصائم على أن يمتنع باختياره عن شهواته، فلا يكون عبدًا لشهوته، يلبي نداءها كلما نادته، ويطعمها كلما استطعمته.
ومن يطعم النفس ما تشتهي كمن يطعم النار جزل الحطب([5]).
5- والصوم يغذي في الروح الزهد في الدنيا والتعلق بالله والتوكل عليه، والرضا بما قسم، وعدم التعلق بالدنيا وحطامها، اجتمع بعض الزهاد، ومعهم سليمان الخواص، فتذاكروا الفقر والغنى، فقال بعضهم: الغني من كان له بيت يسكنه، وثوب يستره، وسداد من عيش يكفُّه عن فضول الدنيا، وقال بعضهم: الغني من لم يحتج إلى الناس، فقيل لسليمان: ما تقول أنت في ذلك؟ فبكى وقال: "رأيت جوامع الغنى في التوكل، ورأيت جوامع الفقر في القنوط، والغني حق الغني من أسكن الله في قلبه من غناه يقينًا، ومن معرفته توكلًا، ومن قسمته رضًا، فذلك الغني حق الغني وإن أمسى طاويًا وأصبح معوزًا" فبكي القوم من كلامه([6])
6- ومن آثار غذاء الروح حصول صفة الحياء، فإن الروح المتغذية بعبادة الصيام يحصل لها حياء عظيم من خالقها، إذ كيف تمتنع عما فيه حياتها طاعة له، ثم تقبل على ما فيه هلاكها، وهو ينظر إليها في كلا الحالين؟!! وكيف تقبل عليه في هذا الشهر ثم تنتكس على عقبيها بعده؟! وكيف تمسك عن الطعام وتفطر على لحوم إخوانها؟! وكيف تطيع في النهار وتعصي في الليل؟ ومن تخلق بخلق الحياء فقد فاز بأحسن الأخلاق، واكتسى أجمل الثياب، وتزود بأطيب الأزواد.
7- ومن آثار غذاء الروح التربي على التدرج في الأعمال، وأن يكون الانتقال من صغيرها إلى كبيرها، وأن يكون الإتقان فيها هو أول أركانها، فالنبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها، بعد أن تكون الروح قد أخذت قدرًا كافيًا من الغذاء، وتعودت على الجوع، فيكون الاجتهاد في العشر الأواخر ليختم المؤمن عبادته بمضاعفة عمله، وتوديع هذا الشهر بما يستحقه.
فتتعود النفس على إتقان أعمالها، وتحرص على إتيان البيوت من أبوابها، وتعلم العلم النافع من أهله، واتباع الوسائل الصحيحة لتعلمه، واستكمال الشروط اللازمة له، وفي ذلك حصول الفلاح في الدنيا والآخرة([7]).
8- ومن آثار غذاء الروح مراجعة أحوال العبد في دنياه، ماذا قدم؟ وماذا فعل؟ وبأي شيء سيقبل على الله، وهو الذي يقول {إلى ربك يومئذ المساق}، ويقول {إن إلى ربك الرجعى}.
9- ومن آثار غذاء الروح الترفع عن الوقوع في أموال الناس بالظلم والبغي والباطل، كما قال تعالى {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (188)} [سورة البقرة 2/188].
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه
وكتبه عبد السلام بن إبراهيم بن محمد الحصين

([1]) الروح لابن القيم (1/190).

([2]) رواه الشهاب في مسنده (رقم 151، 746) عن سهل بن سعد، وقال الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة (ج1/ص34): "رواه الخطيب عن سهل بن سعد مرفوعا، وفي إسناده محمد بن حميد كذبه أبو زرعة، رواه عن زافر بن سليمان، وهو ضعيف، قال في اللآلىء: أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق عيسى بن صبيح عن زافر وصححه، قال ابن حجر في الأمالي: تفرد به زافر وهو صدوق سيىء الحفظ كثير الوهم، وفي إسناده محمد بن عيينة وفيه مقال، فالصواب أن الحديث ضعيف لا كما جزم به الحاكم من كونه صحيحا، ولا كما جزم به ابن الجوزي من كونه موضوعا، وله شواهد ولكن بدون قوله واعلم" وقال أيضًا: "ورواه العقيلي عن أبي هريرة وهو موضوع".

([3]) انظر: البداية والنهاية (3/254- 255).

([4]) تاريخ الطبري (2/289- 290).

([5]) انظر: رمضان دروس وعبر (253).

([6]) المستطرف في كل فن مستظرف (307- 308).

([7]) انظر: رمضان موسم تعبئة ومراجعة ومواجهة (52).

التعديل الأخير تم بواسطة إشراف الأقسام العامة ; 07-09-09 الساعة 05:57 AM
إشراف الأقسام العامة غير متواجد حالياً  
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(View-All Members who have read this thread in the last 30 days : 0
There are no names to display.

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:22 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025,Jelsoft Enterprises Ltd.
هذه المنتديات لا تتبع أي جماعة ولا حزب ولا تنظيم ولا جمعية ولا تمثل أحدا
هي لكل مسلم محب لدينه وأمته وهي على مذهب أهل السنة والجماعة ولن نقبل اي موضوع يثير الفتنة أو يخالف الشريعة
وكل رأي فيها يعبر عن وجهة نظر صاحبه فقط دون تحمل إدارة المنتدى أي مسؤلية تجاه مشاركات الأعضاء ،
غير أنَّا نسعى جاهدين إلى تصفية المنشور وجعله منضبطا بميزان الشرع المطهر .