![]() |
![]() |
![]() |
|
![]() |
#1 |
جُهدٌ لا يُنسى
|
![]()
متابعة
، ويُستحبّ البدء به في تعليم الناس وفي الخطب سواءً كانت خطبةَ نكاح أو خطبةَ جمعة أو غيرهما. كما يُستحبُّ الحمد عند حصول نعمة أو اندفاع مكروه، سواءً حصل ذلك للحامِد نفسه أو لقريبه أو لصاحبه أو للمسلمين، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أُتي ليلة أُسريَ به بقدحين من خمر ولبن، فنظر إليهما فأخذ اللبن، فقال له جبريل عليه السلام: الحمد لله الذي هداك للفطرة، لو أخذتَ الخمر غَوَت أمَّتُك" صحيح مسلم (رقم:168) ، وفي سنن أبي داود والنسائي بإسناد صحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استجدَّ ثوباً سمّاه باسمه عِمامة أو قميصاً أو رداء ثم يقول : " اللّهمّ لك الحمد أنتَ كسوتنيه أسألك خيرَه وخيرَ ما صُنع له، وأعوذ بك من شرِّه وشرِّ ما صُنع له". سنن أبي داود (رقم:4020)، والسنن الكبرى النسائي (رقم:10141) ـ ويتأكّد الحمدُ إذا عطس العبدُ، والعطاس نعمة عظيمة من نعم الله على عباده؛ إذ به يزول المحتقن في الأنف، والذي قد يكون في بقائه أذى أو ضررٌ على العبد، ولهذا يتأكّد على العبد حمدُ الله على هذه النعمة، روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا عطس أحدكم فليقُل: الحمد لله، وليَقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له: يرحمك الله، فليقل: يهديكم الله ويصلحُ بالَكم" . صحيح البخاري (رقم:6224) ويُستحب للمسلم أن يحمد الله إذا رأى مبتلىً بعاهةٍ أو نحوها، ففي الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن رأى مبتلىً فقال: الحمد لله الذي عافاني ممّا ابتلاك به وفضّلني على كثير ممّن خلق تفضيلاً لم يصبه ذلك البلاءُ". سنن الترمذي (رقم:3432)، وحسّنه الألباني في صحيح الجامع (رقم:6248) كما ينبغي للمسلم أن يكون حامداً لله في سرّائه وضرّائه، وفي شدّته ورخائه، وفي سائر شؤونه، وروى ابن ماجه في سننه، والحاكم في مستدركه عن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يحبّه قال: "الحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات"، وإذا رأى ما يكره قال: "الحمد لله على كلِّ حال". سنن ابن ماجه (رقم:3803)، والمستدرك (1/499)، وصححه العلاّمة الألباني في صحيح الجامع (رقم:4727) فهذه بعضُ المواطن التي يتأكّد فيها الحمد مما وردت به السنة، وسيمرّ معنا بإذن الله الإشارةُ إلى مواطن أخرى، فالحمدُ لله حمداً كثيراً طيّباً مباركاً فيه كما يحبّ ربُّنا ويرضى، حمداً لا ينقطع ولا يبيد ولا يفنى عدد ما حمده الحامدون، وعدد ما غفل عن ذكره الغافلون. أعظم موجبات الحمد العلم بأسماء الرب وصفاته لا ريب أنَّ الحمدَ كلَّه لله ربِّ العالمين، فإنّه سبحانه المحمود على كلِّ شيء، وهو المحمود على ما خلقه وأمر به ونهى عنه، والحمدُ أوسعُ الصفات وأعمُّ المدائح وأعظم الثناء، والطرقُ إلى العلم به في غاية الكثرة؛ لأنَّ جميعَ أسمائه تبارك وتعالى حمدٌ، وصفاته حمدٌ، وأفعاله حمدٌ، وأحكامه حمدٌ، وعدله حمدٌ، وانتقامه من أعدائه حمدٌ، وفضله وإحسانه إلى أوليائه حمدٌ، والخلق والأمر إنّما قام بحمده ووُجد بحمده وظهر بحمده، وكان الغاية منه هي حمده، فحمدُه سبحانه سبب ذلك وغايته ومظهره وحامله، فحمده روح كلِّ شيء، وقيامُ كلّ شيء بحمده، وسريان حمده في الموجودات وظهور آثاره أمرٌ مشهودٌ بالأبصار والبصائر. وقد نبّه سبحانه على شمول حمده لخلقه وأمره بأنْ حَمِدَ نفسَه في أول الخلق وآخره، وعند الأمر والشرع، وحمد نفسه على ربوبيته للعالمين، وحمد نفسه على تفرّده بالإلهية وعلى حياته، وحمد نفسه على امتناع اتصافه بما لا يليق به من اتخاذ الولد والشريك إلى غير ذلك من أنواع ما حمد اللهُ به نفسه في كتابه. ولهذا فإنَّ من الطرق العظيمة الدالة على شمول معنى الحمد وتناوله لجميع الأشياء معرفةَ العبد لأسماء الربِّ تبارك وتعالى وصفاته، وإقرارَه بأنَّ للعالَم إلهاً حيًّا جامعاً لكلِّ صفة كمال، واسمٍ حسنٍ وثناء جميل وفعل كريم، وأنّه سبحانه له القدرة التامَّةُ والمشيئةُ النافذة والعلم المحيط، والسمعُ الذي وسع الأصوات، والبصرُ الذي أحاط بجميع المبصرات، والرحمة التي وسعت جميع المخلوقات، والملكُ الكامل الذي لا يخرج عنه ذرّة من الذرّات، والغنى التامُّ المطلق من جميع الجهات، والحكمة البالغة المشهودة آثارها في الكائنات، والعزّة الغالبة بجميع الوجوه والاعتبارات، والكلمات التامّات النافذات التي لا يجاوزهنّ بَرٌّ ولا فاجر من جميع البريّات، واحدٌ لا شريك له في ربوبيّته ولا في إلهيته، ولا شبيه له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، وليس له من يشركه في ذرّة من ذرّات ملكه، وهو سبحانه قيّوم السموات والأرضين إله الأولين والآخرين، ولا يزال سبحانه موصوفاً بصفات الجلال، منعوتاً بنعوت الكمال، منزَّهاً عن أضدادها من النقائص والعيوب، فهو الحيّ القيوم الذي لكمال حياته وقيّوميّته لا تأخذه سِنةٌ ولا نوم، مالكُ السموات والأرض الذي لكمال ملكه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، العالم بكلِّ شيء الذي لكمال علمه يعلم ما بين أيدي الخلائق وما خلفهم، فلا تسقطُ ورقةٌ إلاَّ بعلمه، ولا تتحرّك ذرّةٌ إلاّ بإذنه، يعلم دبيبَ الخواطر في القلوب حيث لا يطلع عليه الملك، ويعلم ما سيكونُ منها حيث لا يطلع عليه القلب، البصير الذي لكمال بصره يرى تفاصيل خلق الذرّة الصغيرة وأعضاءَها ولحمَها ودمَها ومخَّها وعروقَها، ويرى دبيبَها على الصخرة الصمّاء في الليلة الظلماء، ويرى ما تحت الأرضين السبع، كما يرى ما فوق السموات السبع، السميعُ الذي قد استوى في سمعه سرُّ القول وجهرُه، وسع سمعُه الأصوات فلا تختلف عليه أصوات الخلق ولا تشتبه عليه، ولا يُشغلُه منها سمع عن سمع، ولا تغلطُه المسائل، ولا يبرمُه كثرة السائلين، قالت عائشة رضي الله عنها: " الحمد لله الذي وسع سمعُه الأصوات، لقد جاءت المجادِلة تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني ليخفى عليّ بعضُ كلامها، فأنزل الله عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ واللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}المجادلة : 1 " )، حديث عائشة رواه أحمد في المسند (6/46)، وغيره، وصححه الألباني في تعليقه على السنة لابن أبي عاصم (رقم:625). القديرُ الذي لكمال قدرته يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء، ويجعل المؤمنَ مؤمناً والكافرَ كافراً، والبرَّ برًّا والفاجرَ فاجراً، ولكمال قدرته سبحانه لا يحيط أحدٌ بشيء من علمه إلاّ بما شاء أن يُعلمه إيّاه، ولكمال قدرته خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيّامٍ وما مسَّه من لغوب، ولا يُعجزه أحدٌ من خلقه ولا يفوته، بل هو في قبضته أين كان، ولكمال غناه استحال إضافة الولد والصاحبة والشريك والشفيع بدون إذنه إليه، ولكمال عظمته وعلوّه وسِعَ كرسيُّه السموات والأرض، ولم تسعه أرضُه ولا سمواتُه، ولم تُحط به مخلوقاته، بل هو العالي على كلِّ شيء، وهو بكلِّ شيء محيط، يقول الله تعالى في أوّل سورة يونس: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقاًّ إِنَّهُ يَبْدَؤُا الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ إِنَّ فِي اخْتِلافِ الَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}يونس : 1: 10 . وهو سبحانه يحبُّ رسُلَه ويُحبُّ عبادَه المؤمنينَ وهم يحبُّونه ويحمدونه، بل لا شيء أحبُّ إليهم منه، ولا أشوقَ إليهم من لقاءه، ولا أقرَّ لعيونهم من رؤيته، ولا أحظى عندهم من قربه، وهو سبحانه له الحكمة البالغة في خلقه وأمره، وله النعمة السابغة على خلقه، وكلُّ نعمةٍ منه فضلٌ، وكلُّ نقمةٍ منه عدلٌ، وهو سبحانه أرحمُ بعباده من الوالدة بولدها، وأفرحُ بتوبة عبده من واجد راحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلِكة بعد فقدها واليأس منها. وهو سبحانه رحيمٌ بعباده لم يُكلِّفهم إلاَّ وُسعهم وهو دون طاقتهم، فقد يطيقون الشيء ويضيق عليهم بخلاف وسعهم فإنَّه ما يسعونه ويسهل عليهم ويفضل قدرهم عنه، ولا يعاقب سبحانه أحداً بغير فعله، ولا يعاقبه على فعل غيره، ولا يعاقبه بترك ما لا يقدر على فعله، ولا على فعل ما لا قدرة له على تركه، وهو سبحانه حكيمٌ كريمٌ جوادٌ ماجدٌ محسنٌ وَدودٌ صَبورٌ شَكورٌ، يُطاعُ فيَشكرُ، ويُعصى فيَغفِر، لا أحد أصبر على أذى سمعه منه، ولا أحد أحبُّ إليه المدح منه، ولا أحد أحبُّ إليه العذر منه، ولا أحد أحبُّ إليه الإحسان منه، فهو محسن يحبُّ المحسنين، شَكور يحبُّ الشاكرين، جميلٌ يحب الجمال، طيِّبٌ يحبُّ كلَّ طيِّب، عليم يحب العلماءَ من عباده، كريمٌ يحبُّ الكرماء، قويٌّ والمؤمن القويُّ أحبُّ إليه من المؤمن الضعيف، برٌّ يحبُّ الأبرار، عدلٌ يحبُّ أهل العدل، حييٌّ سِتِّيرٌ يحبُّ أهل الحياء والستر. وهو سبحانه يحبُّ أسماءَه وصفاته ويحبُّ المتعبِّدين له بها، ويحبُّ من يسأله ويمدحه بها، ويحبُّ من يعرفها ويعقلها ويثني عليه بها، ويحمده ويمدحه بها كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لا أحد أحبُّ إليه المدح من الله من أجل ذلك أثنى على نفسه، ولا أحد أغيرُ من الله من أجل ذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحبُّ إليه العذر من الله من أجل ذلك أرسل الرسل مبشِّرين ومنذرين". صحيح مسلم (رقم:2760). وبهذا يُعلم أنَّ من كان له نصيب من معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العليا الواردة في كتابه وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم عَلِمَ تَمام العلم أنَّ اللهَ لا يكون له من ذلك إلاَّ ما يوجب الحمد والثناء، فالحمد موجب أسمائه الحسنى وصفاته العليا وأفعاله الحميدة، ولا يُخْبَرُ عنه سبحانه إلاَّ بالحمد، ولا يُثنى عليه إلاَّ بأحسن الثناء، كما لا يسمّى إلاَّ بأحسنالأسماء، فكلُّ صفة عليَا واسم حسن وثناء جميل، وكلُّ حمدٍ ومدحٍ وتسبيحٍ وتنزيهٍ وتقديسٍ وإجلالٍ وإكرامٍ فهو لله عز وجل على أكمل الوجوه وأتمِّها وأدومِها. فسبحان الله وبحمده لا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه بل هو كما أثنى على نفسه وفوق ما يثني به عليه خلقه. فله الحمد أولاً وآخراً حمداً كثيراً طيِّباً مباركاً فيه كما يُحبُّ ربُّنا الكريمُ ويرضى. أفضلُ صِيَغِ الحمد وأكملُها تقدّم بيانُ فضل الحمد وعظم ثوابه عند الله، والإشارةُ إلى بعض صِيَغه الواردة في القرآن الكريم وفي أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، كقول: {الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} ، وقول: "الحمد لله حمداً كثيراً طيِّباً مباركاً فيه كما يحب ربّنا ويرضى"، ونحو ذلك مما ورد في القرآن الكريم مما حمد به الربُّ نفسه، وما ورد في سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مما حمد به الرسول صلى الله عليه وسلم ربَّه، وهي صيغٌ عظيمةٌ مشتملةٌ على أحسن الحمد وأكمله وأوفاه، وقد ذكر بعضُ أهل العلم أنَّ أفضل صيغ الحمد "الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده"، التعديل الأخير تم بواسطة أثر الخير ; 13-10-09 الساعة 02:18 PM |
![]() |
![]() |
![]() |
#2 |
جُهدٌ لا يُنسى
|
![]()
متابعة
واحتجّ بما ورد عن أبي نصر التمّار أنَّه قال: قال آدم عليه السلام: يا رب شغلتَني بكسب يديّ فعلّمني شيئاً من مجامع الحمد والتسبيح، فأوحى الله إليه يا آدمُ إذا أصبحت فقل ثلاثاً وإذا أمسيت فقل ثلاثاً: "الحمدلله ربِّ العالمين حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، فذلك مجامع الحمد". وقد رُفع ذلك للإمام المحقق ابن قيِّم الجوزية رحمه الله فأنكره على قائله غايةَ الإنكار وبيَّن رحمه الله أنَّ ذلك لم يَرِد عن النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من الصحاح أو السنن أو المسانيد ولا يُعرف في شيء من كتب الحديث المعتمدة، وبَسَط القول رحمه الله في ذلك في رسالة مفردة. قال رحمه الله: "هذا الحديث ليس في الصحيحين ولا في أحدهما ولا يُعرف في شيء من كتب الحديث المعتمدة، ولا له إسناد معروف، وإنَّما يُروى عن أبي نصر التمّار عن آدم أبي البشر، لا يَدري كم بين أبي نصر وآدم إلا الله تعالى، وذكر الحديث المتقدّم ثم قال: فهذا لو رواه أبو نصر التمّار عن سيِّد ولد آدم صلى الله عليه وسلم لما قبلت روايته لانقطاع الحديث فيما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بروايته له عن آدم. وقد ظنَّ طائفة من الناس أنَّ هذا الحمد بهذا اللفظ أكمل حمدٍ حُمِد اللهُ به وأفضله وأجمعه لأنواع الحمد، وبنوا على هذا مسألة فقهيّة فقالوا: لو حلف إنسانٌ ليحمدنَّ اللهَ بمجامع الحمد وأجلِّ المحامد فطريقه في برِّ يمينه أن يقول: "الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده" قالوا: ومعنى يوافي نعمه أي يلاقيها فتحصل النعم معه، ويكافئ ـ مهموز ـ أي يساوي مزيد نعمه، والمعنى: أنَّه يقوم بشكر ما زاد من النعم والإحسان". قال ابن القيِّم رحمه الله: والمعروف من الحمد الذي حمد الله به نفسه وحمده به رسوله صلى الله عليه وسلم وسادات العارفين بحمده من أمته ليس فيه هذا اللفظ ألبتة، وأورد بعض صيغ الحمد الواردة في القرآن ثم قال: فهذا حمدُه لنفسه الذي أنزله في كتابه وعلَّمه لعباده، وأخبر عن أهل جنَّته به، وهو آكد من كلِّ حمدٍ وأفضلُ وأكملُ، كيف يبرُّ الحالف في يمينه بالعدول إلى لفظ لم يحمد به نفسه، ولا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا سادات العارفين من أمته، والنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حمد الله في الأوقات التي يتأكّد فيها الحمد لم يكن يذكر هذا الحمدَ ألبتة كما في حمد الخطبة، والحمد الذي تستفتح به الأمور، وكما في تشهّد الحاجة، وكما في الحمد عقب الطعام والشراب واللباس والخروج من الخلاء، والحمد عند رؤية ما يسرّه وما لا يسرّه..." ثم ساق رحمه الله جملةً كبيرةً مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من صيغ الحمد مما يقال في مثل هذه الأوقات، ثم قال: "فهذا جُملُ مواقع الحمد في كلام الله ورسوله وأصحابه والملائكة قد جُلِّيتْ عليك عرائسها وجُلِبَتْ إليك نفائسها، فلو كان الحديث المسؤول عنه أفضلَها وأكملَها وأجمعَها كما ظنّه الظانّ لكان واسطة عقدها في النظام، وأكثرِها استعمالاً في حمد ذي الجلال والإكرام" 0 وبهذا التحقيق الذي ذكره رحمه الله يتبيّن ضعف هذه الصيغة في الحمد من جهة الرواية، وأنها لو كانت صحيحةً ومشتملةً على أكمل الصيغ لما عدل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما آثر غيرها عليها، قالت عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحبّ الجوامع من الدعاء، ويدَعُ ما سوى ذلك" ، رواه أبو داود وغيرُه. وسبق أن مرّ معنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضلُ الدعاء الحمد لله" ، وبهذا يُعلم أنَّ هذه الصيغة في الحمد لو كانت أكملَ لما تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم إنَّه أيضاً لا يمكن للعبد أن يحمد الله حمداً يوافي نعمة واحدة من نعم الله، فضلاً عن موافاته جميع نعم الله، ولا يمكن أن يكون فعلُ العبد وحمدُه له مكافئاً للمزيد، قال ابن القيّم رحمه الله: "فهذا من أمحل المحال، فإنّ العبد لو أقْدَرَه الله على عبادة الثَّقلين لم يقم بشكر أدنى نعمة عليه... فمن الذي يقوم بشكر ربِّه الذي يستحقه سبحانه فضلاً عن أن يكافئه" . وقال رحمه الله: "... ولكن يحمل على وجه يصح، وهو أنَّ الذي يستحقه الله سبحانه من الحمد حمداً يكون موافياً لنعمه ومكافئاً لمزيده وإن لم يَقدِر العبدُ أن يأتي به" وأحسنُ من هذا وأكملُ ما ثبت في صحيح البخاري وغيره عن أبي أمامة الباهلي أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال: "الحمد لله حمداً كثيراً طيّباً مباركاً فيه غير مكفيٍّ، ولا مودَّع، ولا مستغنى عنه ربّنا" صحيح البخاري (رقم:5459). ، فلو كانت تلك الصيغة وهي قوله: "حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده" أكمل وأفضل من هذه لما عدل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنّه لا يختار إلاّ الأفضل والأكمل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في معنى هذا الحديث: "المخلوق إذا أنعم عليك بنعمة أمكنك أن تكافئه، ونعمُهُ لا تدوم عليك، بل لا بدّ أن يودِّعك ويقطعها عنك، ويمكنك أن تستغني عنه، والله عز وجل لا يمكن أن تكافئه على نعمه، وإذا أنعم عليك أدام نعمَه، فإنّه هو أغنى وأقنى، ولا يُستغنى عنه طرفة عين". وفيه بيانٌ لعظم دلالات الأدعية المأثورة والأذكار الثابتة وعمق معانيها وسلامتها من الخطأ الذي قد يعتري ما سواها، وبهذا تكون السلامةُ وتحصيل الكامل. فالحمد لله بمحامده التي حمد بها نفسه، وحمده بها الذين اصطفى من خلقه حمداً كثيراً طيّباً مباركاً فيه كما يحب ربّنا ويرضى. تعريفُ الحمد، والفرقُ بينه وبين الشكر لا يزال الحديث موصولاً في الكلام عن الحمد، حيث سبق الحديثُ عن فضل الحمد وبيان ثوابه وذكر الأوقات التي يُشرع فيها، وذكر بعض صيغه إلى غير ذلك من أمور مرَّت معنا تتعلّق بالحمد، وسيكون الحديث هنا عن معنى الحمد في اللغة والشرع، والكلام على الفَرق بينه وبين الشكر، والفرق بينه وبين المدح. أما معنى الحمد في اللغة، فهو نقيض الذم، قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: "الحاء والميم والدال كلمةٌ واحدة وأصلٌ واحد يدل على خلاف الذمّ، يُقال: حمدتُ فلاناً أحمده، ورجلٌ محمودٌ ومحمدٌ إذا كثرت خصالُه المحمودة غير المذمومة.. ولهذا الذي ذكرناه سُمِّيَ نبيّنا محمداً صلى الله عليه وسلم " وقال الليث: أحمدت الرجل وجدته محموداً، وكذلك قال غيرُه: يُقال أتينا فلاناً فأحمدناه وأذممناه أي وجدناه محموداً أو مذموماً . وقوله تعالى: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}الصف : 6 ، فيه تنبيه على أنّه صلوات الله وسلامه عليه محمود في أخلاقه وأفعاله ليس فيه ما يُذمّ، وكذلك قوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ} الفتح : 29 ، فمحمّدٌ ههنا وإن كان اسماً له عَلَماً عليه ففيه إشارة إلى وصفه بذلك وتخصيصه بوافر معناه، وأما سواه فقد يُسمَّى بذلك ويكون له حظ من الوصف الذي دلّ عليه هذا الاسم وقد لا يكون، أما الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه فهو محمّدٌ اسماً ووصفاً. فالحمد هو الثناء بالفضيلة وهو أخصُّ من المدح وأعمُّ من الشكر، فإنَّ المدح يقال فيما يكون من الإنسان باختياره ومما يكون منه وفيه بالتسخير، فقد يُمدح الإنسان بطول قامته وصباحة وجهه، كما يُمدح ببذل ماله وشجاعته وعلمه، والحمد يكون في الثاني دون الأول، أي أنَّ الإنسان يُحمد على بذل المال والشجاعة والعلم ونحو ذلك مما يكون منه باختياره، ولا يُحمد على صباحة الوجه وطول القامة وحسن الخِلقة ونحو ذلك مما ليس له فيه اختيار. والشكر لا يُقال إلاَّ في مقابلة نعمة، فكلُّ شكر حمد، وليس كلُّ حمدٍ شكراً، وكلُّ حمد مدح، وليس كلُّ مدح حمداً . قال ابن القيّم رحمه الله: "الفرق بين الحمد والمدح أن يُقال: الإخبار عن محاسن الغير إما أن يكون إخباراً مجرّداً من حبٍّ وإرادة أو مقروناً بحبّه وإرادته، فإن كان الأول فهو المدح، وإن كان الثاني فهو الحمد، فالحمد إخبارٌ عن محاسن الممدوح مع حبِّه وإجلاله وتعظيمه" قد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الحمد والشكر ما حقيقتهما؟ هل هما معنى واحد أو معنيان؟ وعلى أيّ شيء يكون الحمد؟ وعلى أي شيء يكون الشكر؟ فأجاب رحمه الله بقوله: "الحمد يتضمّن المدحَ والثناءَ على المحمود بذكر محاسنه سواء كان الإحسان إلى الحامد أو لم يكن، والشكر لا يكون إلاّ على إحسان المشكور إلى الشاكر، فمِن هذا الوجه الحمد أعمّ من الشكر؛ لأنّه يكون على المحاسن والإحسان، فإنّ الله يُحمد على ما له من الأسماء الحسنى والمثل الأعلى، وما خلقه في الآخرة والأولى؛ ولهذا قال تعالى: {الحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}الأنعام : 1، وقال : {الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الحَمْدُ فِي الآخِرَةِ} سبأ : 1، وقال: {الحَمْدُ للهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ المَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الخَلْقِ مَا يَشَآءُ }فاطر : 1، وأما الشكر فإنّه لا يكون إلاّ على الإنعام، فهو أخصُّ من الحمد من هذا الوجه، لكنه يكون بالقلب واليد واللسان، كما قيل: أفادتكم النَّعماءُ مني ثلاثة يدي ولساني والضمير المحجّبا ولهذا قال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً} سبأ : 13 ، والحمد إنما يكون بالقلب واللسان، فمن هذا الوجه الشكر أعمّ من جهة أنواعه، والحمد أعمّ من جهة أسبابه، ومن هذا الحديثُ: "الحمد لله رأس الشكر، فمن لم يحمد الله لم يشكره" رواه عبد الرزاق في المصنف (10/424)، والبيهقي في الآداب (ص:459) من طريق قتادة: أنَّ عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره. ، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "إنَّ الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها" صحيح مسلم (رقم:2734)") كلامه رحمه الله. وبه يتبيّن أن بين الحمد والشكر عموماً وخصوصاً من وجه، فيجتمعان فيما إذا كان باللسان في مقابلة نعمة، فهذا يُسمَّى حمداً ويُسمَّى شكراً، وينفرد الحمد فيما إذا أثنى العبد على ربّه بذكر أسمائه الحسنى ونعوته العظيمة فهذا يُسمَّى حمداً، ولا يُسمَّى شكراً، وينفرد الشكر فيما إذا استعمل العبد نعمة الله في طاعة الله فهذا يُسمى شكراً ولا يُسمَّى حمداً. إنَّ حمدَ الله هو الثناءُ على الله بذكر صفاته العظيمة ونعمِه العميمة مع حبّه وتعظيمه وإجلاله، وهو مختصٌّ به سبحانه لا يكون إلاّ له، فالحمد كلّه لله رب العالمين؛ "ولذلك قال سبحانه: {الحَمْدُ للهِ} ب لام الجنس المفيدة للاستغراق، فالحمد كلُّه له إمّا ملكاً وإما استحقاقاً، فحمده لنفسه استحقاق، وحمد العباد له وحمدُ بعضهم لبعض ملكٌ له... فالقائل إذا قال: الحمد لله تضمّن كلامه الخبر عن كلِّ ما يحمد عليه تعالى باسم جامع محيطٍ متضمّنٍ لكلّ فرد من أفراد الحمد المحققة والمقدَّرة، وذلك يستلزم إثبات كلِّ كمال يُحمد عليه الربُّ تعالى؛ ولهذا لا تصلح هذه اللفظة على هذا الوجه ولا تنبغي إلا لمن هذا شأنه وهو الحميد المجيد" . وإذا قيل: الحمد كلّه لله، فإنَّ هذا له معنيان: أحدهما: أنّه محمودٌ على كلِّ شيء، وهو ما يُحمد به رسله وأنبياؤه وأتباعهم، فذلك من حمده تبارك وتعالى، بل هو المحمود بالقصد الأول وبالذات، وما نالوه من الحمد فإنّما نالوه بحمده، فهو المحمود أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً. والمعنى الثاني: أن يُقال: لك الحمد كلّه أي التامّ الكامل هذا مختصٌّ بالله ليس لغيره فيه شركه. قال ابن القيّم رحمه الله بعد أن ذكر هذين المعنيين: "والتحقيق أنَّ له الحمد بالمعنيين جميعاً، فله عمومُ الحمد وكمالُه، وهذا من خصائصه سبحانه، فهو المحمود على كلِّ حال، وعلى كلِّ شيء أكمل حمد وأعظمه" . فالحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيِّباً مباركاً فيه كما يحب ربُّنا ويرضى، وكما ينبغي لكرم وجهه وعِزِّ جلاله بمجامع حمده كلِّها ما علمنا منها وما لم نعلم. منقول من كتاب فقة الأدعية والأذكار للشيخ /عبد الرزاق البدر حفظه الله التعديل الأخير تم بواسطة أثر الخير ; 13-10-09 الساعة 02:24 PM |
![]() |
![]() |
![]() |
#3 |
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة |
![]() الحمد لله
لي عودة بإذن الله لقراءته اللهم يسر ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
![]() |
|
There are no names to display. |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
أيهما أولى حفظ القرآن أو طلب العلم الشرعي | مسلمة لله | روضة آداب طلب العلم | 31 | 02-08-16 12:15 PM |
نزول القرآن الكريم وتاريخه وما يتعلق به | طـريق الشـروق | روضة القرآن وعلومه | 8 | 22-12-07 03:50 PM |