![]() |
![]() |
![]() |
|
![]() |
#1 |
~متألقة~
تاريخ التسجيل:
31-01-2010
العمر: 62
المشاركات: 615
![]() |
![]() بسم الله الرحمن الرحيم
أعتزر أختئط فى الترتيب ![]() فقال:" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) يخبر تعالى أن الذين كفروا أي: اتصفوا بالكفر, وانصبغوا به, وصار وصفا لهم لازما لا يردعهم عنه رادع, ولا ينجع فيهم وعظ إنهم مستمرون على كفرهم فسواء عليهم أأنذرتهم, أم لم تنذرهم لا يؤمنون وحقيقة الكفر: هو الجحود لما جاء به الرسول, أو جحد بعضه فهؤلاء الكفار لا تفيدهم < 1-42 > الدعوة إلا إقامة الحجة وكأن في هذا قطعا لطمع الرسول صلى الله عليه وسلم في إيمانهم وأنك لا تأس عليهم ولا تذهب نفسك عليهم حسرات ثم ذكر الموانع المانعة لهم من الإيمان فقال ( خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ) أي: طبع عليها بطابع لا يدخلها الإيمان, ولا ينفذ فيها فلا يعون ما ينفعهم, ولا يسمعون ما يفيدهم ![]() ( وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ) أي: غشاء وغطاء وأكنة تمنعها عن النظر الذي ينفعهم وهذه طرق العلم والخير, قد سدت عليهم فلا مطمع فيهم, ولا خير يرجى عندهم وإنما منعوا ذلك وسدت عنهم أبواب الإيمان بسبب كفرهم وجحودهم ومعاندتهم بعد ما تبين لهم الحق كما قال تعالى " وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ " وهذا عقاب عاجل ثم ذكر العقاب الآجل، فقال ( وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) وهو عذاب النار, وسخط الجبار المستمر الدائم ثم قال تعالى في وصف المنافقين الذين ظاهرهم الإسلام وباطنهم الكفر فقال "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) "يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) " فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) واعلم أن النفاق هو: إظهار الخير وإبطان الشر ويدخل في هذا التعريف النفاق الاعتقادي, والنفاق العملي كالذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله " آية المنافق ثلات: إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان "وفي رواية: " وإذا خاصم فجر " وأما النفاق الاعتقادي المخرج عن دائرة الإسلام فهو الذي وصف الله به المنافقين في هذه السورة وغيرها ولم يكن النفاق موجودا قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم [من مكة] إلى المدينة وبعد أن هاجر, فلما كانت وقعة " بدر " وأظهر الله المؤمنين وأعزهم، ذل من في المدينة ممن لم يسلم, فأظهر بعضهم الإسلام خوفا ومخادعة ولتحقن دماؤهم, وتسلم أموالهم فكانوا بين أظهر المسلمين في الظاهر أنهم منهم وفي الحقيقة ليسوا منهم. فمن لطف الله بالمؤمنين أن جلا أحوالهم ووصفهم بأوصاف يتميزون بها لئلا يغتر بهم المؤمنون, ولينقمعوا أيضا عن كثير من فجورهم قال تعالى " يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ " فوصفهم الله بأصل النفاق فقال ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ) فإنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم فأكذبهم الله بقوله: ( وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ) لأن الإيمان الحقيقي, ما تواطأ عليه القلب واللسان وإنما هذا مخادعة لله ولعباده المؤمنين. والمخادعة: أن يظهر المخادع لمن يخادعه شيئا ويبطن خلافه لكي يتمكن من مقصوده ممن يخادع فهؤلاء المنافقون, سلكوا مع الله وعباده هذا المسلك فعاد خداعهم على أنفسهم، فإن هذا من العجائب؛ لأن المخادع, إما أن ينتج خداعه ويحصل له ما يريد أو يسلم لا له ولا عليه، وهؤلاء عاد خداعهم عليهم وكأنهم - يعملون ما يعملون من المكر لإهلاك أنفسهم وإضرارها وكيدها؛ لأن الله تعالى لا يتضرر بخداعهم [شيئا] وعباده المؤمنون, لا يضرهم كيدهم شيئا فلا يضر المؤمنين أن أظهر المنافقون الإيمان فسلمت بذلك أموالهم وحقنت دماؤهم, وصار كيدهم في نحورهم وحصل لهم بذلك الخزي والفضيحة في الدنيا والحزن المستمر بسبب ما يحصل للمؤمنين من القوة والنصرة ثم في الآخرة لهم العذاب الأليم الموجع المفجع بسبب كذبهم وكفرهم وفجورهم والحال أنهم من جهلهم وحماقتهم لا يشعرون بذلك وقوله: ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) والمراد بالمرض هنا: مرض الشك والشبهات والنفاق لأن - القلب يعرض له مرضان يخرجانه عن صحته واعتداله مرض الشبهات الباطلة, ومرض الشهوات المردية فالكفر والنفاق والشكوك والبدع كلها من مرض الشبهات، والزنا ومحبة [الفواحش و]المعاصي وفعلها من مرض الشهوات ، كما قال تعالى ![]() ![]() وهي شهوة الزنا، والمعافى من عوفي من هذين المرضين فحصل له اليقين والإيمان, والصبر عن كل معصية فرفل في أثواب العافية. وفي قوله عن المنافقين ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ) بيان لحكمته تعالى في تقدير المعاصي على العاصين وأنه بسبب ذنوبهم السابقة يبتليهم بالمعاصي اللاحقة الموجبة لعقوباتها كما قال تعالى: " وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ " وقال تعالى: " فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ " وقال تعالى: " وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ " فعقوبة المعصية, المعصية بعدها كما أن من ثواب الحسنة, الحسنة بعدها قال تعالى: " وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى " < 1-43 > "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) " أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12) أي: إذا نهي هؤلاء المنافقون عن الإفساد في الأرض وهو العمل بالكفر والمعاصي ومنه إظهار سرائر المؤمنين لعدوهم وموالاتهم للكافرين ( قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ) فجمعوا بين العمل بالفساد في الأرض وإظهارهم أنه ليس بإفساد بل هو إصلاح قلبا للحقائق, وجمعا بين فعل الباطل واعتقاده حقا وهذا أعظم جناية ممن يعمل بالمعصية مع اعتقاد أنها معصية - فهذا أقرب للسلامة وأرجى لرجوعه ولما كان في قولهم: ( إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ) حصر للإصلاح في جانبهم وفي ضمنه أن المؤمنين ليسوا من أهل الإصلاح قلب الله عليهم دعواهم بقوله: ( ألا إنهم هم المفسدون ) فإنه لا أعظم فسادا - ممن كفر بآيات الله وصد عن سبيل الله، وخادع الله وأولياءه ووالى المحاربين لله ورسوله, وزعم مع ذلك أن هذا إصلاح فهل بعد هذا الفساد فساد؟ !! ولكن لا يعلمون علما ينفعهم وإن كانوا قد علموا بذلك علما تقوم به عليهم حجة الله وإنما كان العمل بالمعاصي في الأرض إفسادا لأنه يتضمن فساد ما على وجه الأرض من الحبوب والثمار والأشجار والنبات, بما يحصل فيها من الآفات بسبب المعاصي ولأن الإصلاح في الأرض أن تعمر بطاعة الله والإيمان به لهذا خلق الله الخلق, وأسكنهم في الأرض وأدر لهم الأرزاق, ليستعينوا بها على طاعته [وعبادته] فإذا عمل فيها بضده, كان سعيا فيها بالفساد فيها وإخرابا لها عما خلقت له ![]() "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13) أي: إذا قيل للمنافقين آمنوا كما آمن الناس أي: كإيمان الصحابة رضي الله عنهم، وهو الإيمان بالقلب واللسان قالوا بزعمهم الباطل: أنؤمن كما آمن السفهاء؟ يعنون - قبحهم الله - الصحابة رضي الله عنهم بزعمهم أن سفههم أوجب لهم الإيمان, وترك الأوطان ومعاداة الكفار، والعقل عندهم يقتضي ضد ذلك فنسبوهم إلى السفه وفي ضمنه أنهم هم العقلاء أرباب الحجى والنهى فرد الله ذلك عليهم, وأخبر أنهم هم السفهاء على الحقيقة لأن حقيقة السفه جهل الإنسان بمصالح نفسه وسعيه فيما يضرها, وهذه الصفة منطبقة عليهم وصادقة عليهم كما أن العقل والحجا, معرفة الإنسان بمصالح نفسه والسعي فيما ينفعه و[في] دفع ما يضره، وهذه الصفة منطبقة على [الصحابة و]المؤمنين وصادقة عليهم فالعبرة بالأوصاف والبرهان, لا بالدعاوى المجردة, والأقوال الفارغة ثم قال تعالى "وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) "اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) هذا من قولهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم و[ذلك] أنهم إذا اجتمعوا بالمؤمنين أظهروا أنهم على طريقتهم وأنهم معهم فإذا خلوا إلى شياطينهم - أي: رؤسائهم وكبرائهم في الشر قالوا: إنا معكم في الحقيقة وإنما نحن مستهزئون بالمؤمنين بإظهارنا لهم أنا على طريقتهم، فهذه حالهم الباطنة والظاهرة ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله. قال تعالى: ( اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) وهذا جزاء لهم, على استهزائهم بعباده فمن استهزائه بهم أن زين لهم ما كانوا فيه من الشقاء والحالة الخبيثة , حتى ظنوا أنهم مع المؤمنين لما لم يسلط الله المؤمنين عليهم ومن استهزائه بهم يوم القيامة أنه يعطيهم مع المؤمنين نورا ظاهرا فإذا مشى المؤمنون بنورهم, طفئ نور المنافقين وبقوا في الظلمة بعد النور متحيرين فما أعظم اليأس بعد الطمع " يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ ![]() قوله: ( وَيَمُدُّهُمْ ) أي: يزيدهم ( فِي طُغْيَانِهِمْ ) أي: فجورهم وكفرهم، ( يَعْمَهُونَ ) أي: حائرون مترددون, وهذا من استهزائه تعالى بهم ثم قال تعالى كاشفا عن حقيقة أحوالهم " أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) أولئك, أي: المنافقون الموصوفون بتلك الصفات ( الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى ) أي: رغبوا في الضلالة, رغبة المشتري بالسلعة التي من رغبته فيها يبذل فيها الأثمان النفيسة وهذا من أحسن الأمثلة, فإنه جعل الضلالة التي هي غاية الشر, كالسلعة وجعل الهدى الذي هو غاية الصلاح بمنزلة الثمن فبذلوا الهدى رغبة عنه بالضلالة رغبة فيها فهذه تجارتهم, فبئس التجارة, وبئس الصفقة صفقتهم < 1-44 > وإذا كان من بذل ![]() فكيف من بذل جوهرة وأخذ عنها درهما؟ " فكيف من بذل الهدى في مقابلة الضلالة واختار الشقاء على السعادة ورغب في سافل الأمور عن عاليها ؟ " فما ربحت تجارته, بل خسر فيها أعظم خسارة " قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ " وقوله: ( وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ) تحقيق لضلالهم, وأنهم لم يحصل لهم من الهداية شيء فهذه أوصافهم القبيحة ثم ذكر مثلهم الكاشف لها غاية الكشف فقال: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا يتـــــــــبع |
![]() |
![]() |
![]() |
#2 |
~متألقة~
تاريخ التسجيل:
31-01-2010
العمر: 62
المشاركات: 615
![]() |
![]() بسم الله الرحمن الرحيم
![]() " مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ (17) "صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (18) " أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) " يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) ![]() أي: مثلهم المطابق لما كانوا عليه كمثل الذي استوقد نارا أي: كان في ظلمة عظيمة وحاجة إلى النار شديدة فاستوقدها من غيره ولم تكن عنده معدة, بل هي خارجة عنه فلما أضاءت النار ما حوله, ونظر المحل الذي هو فيه وما فيه من المخاوف وأمنها, وانتفع بتلك النار وقرت بها عينه, وظن أنه قادر عليها فبينما هو كذلك إذ ذهب الله بنوره, فذهب عنه النور وذهب معه السرور وبقي في الظلمة العظيمة والنار المحرقة فذهب ما فيها من الإشراق, وبقي ما فيها من الإحراق فبقي في ظلمات متعددة: ظلمة الليل وظلمة السحاب, وظلمة المطر والظلمة الحاصلة بعد النور فكيف يكون حال هذا الموصوف؟ فكذلك هؤلاء المنافقون استوقدوا نار الإيمان من المؤمنين, ولم تكن صفة لهم فانتفعوا بها ![]() وسلمت أموالهم, وحصل لهم نوع من الأمن في الدنيا فبينما هم على ذلك ![]() فسلبهم الانتفاع بذلك النور, وحصل لهم كل هم وغم وعذاب, وحصل لهم ظلمة القبر, وظلمة الكفر وظلمة النفاق, وظلم ![]() وبعد ذلك ظلمة النار [وبئس القرار] فلهذا قال تعالى [عنهم] ( صُمٌّ ) أي: عن سماع الخير ( بُكْمٌ ) [أي]: عن النطق به ( عُمْيٌ ) عن رؤية الحق ( فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) لأنهم تركوا الحق بعد أن عرفوه فلا يرجعون إليه، بخلاف من ترك الحق عن جهل وضلال فإنه لا يعقل, وهو أقرب رجوعا منهم ![]() ثم قال تعالى: ( أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ ) يعني: أو مثلهم كصيب أي: كصاحب صيب من السماء، وهو المطر الذي يصوب أي: ينزل بكثرة، ( فِيهِ ظُلُمَاتٌ ) ظلمة الليل وظلمة السحاب, وظلمة المطر ( وَرَعْدٌ ) وهو الصوت الذي يسمع من السحاب ( وَبَرْقٌ ) وهو الضوء [اللامع] المشاهد مع ![]() ( كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ ) البرق في تلك الظلمات ( مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ) أي: وقفوا. فهكذا حال ![]() إذا سمعوا القرآن وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده جعلوا أصابعهم في آذانهم وأعرضوا عن أمره ونهيه ووعده ووعيده فيروعهم وعيده وتزعجهم وعوده فهم يعرضون عنها غاية ما يمكنهم ويكرهونها كراهة صاحب الصيب الذي يسمع الرعد ويجعل ![]() ![]() فهذا تمكن له ![]() وأما المنافقون فأنى لهم السلامة وهو تعالى محيط بهم, قدرة وعلما فلا يفوتونه ولا يعجزونه بل يحفظ عليهم أعمالهم, ويجازيهم عليها أتم الجزاء ولما كانوا مبتلين بالصمم, والبكم, والعمى المعنوي ومسدودة عليهم طرق الإيمان قال تعالى: ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ) أي: الحسية ففيه تحذير لهم وتخويف بالعقوبة الدنيوية, ليحذروا فيرتدعوا عن بعض شرهم ونفاقهم ( إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) فلا يعجزه شيء ومن قدرته أنه إذا شاء شيئا فعله من غير ممانع ولا معارض وفي هذه الآية وما أشبهها رد على القدرية القائلين بأن أفعالهم غير داخلة في قدرة الله تعالى لأن أفعالهم من جملة الأشياء الداخلة في قوله: ( إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) < 1-45 > ![]() "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) " الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) هذا أمر عام لكل ![]() وهو العبادة الجامعة, لامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه, وتصديق خبره فأمرهم تعالى بما خلقهم له قال تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ) ثم استدل على وجوب عبادته وحده بأنه ربكم الذي رباكم بأصناف النعم, فخلقكم بعد العدم وخلق الذين من قبلكم وأنعم عليكم بالنعم الظاهرة والباطنة فجعل لكم الأرض فراشا تستقرون عليها, وتنتفعون بالأبنية والزراعة, والحراثة, والسلوك من محل إلى محل وغير ذلك من أنواع ![]() وجعل السماء بناء لمسكنكم وأودع فيها من المنافع ما هو من ضروراتكم وحاجاتكم كالشمس, والقمر, والنجوم. ( وَأَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ) والسماء: [هو] كل ما علا فوقك فهو سماء ولهذا قال المفسرون: المراد بالسماء هاهنا السحاب، فأنزل منه تعالى ماء ( فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ ) كالحبوب, والثمار, من نخيل, وفواكه [وزروع] وغيرها ( رِزْقًا لَكُمْ ) به ترتزقون وتقوتون وتعيشون وتفكهون ( فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا ) أي: نظراء وأشباها من المخلوقين فتعبدونهم كما تعبدون الله, وتحبونهم كما تحبون الله وهم مثلكم, مخلوقون, مرزوقون مدبرون لا يملكون مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض ولا ينفعونكم ولا يضرون ( وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) أن الله ليس له شريك, ولا نظير, لا في الخلق والرزق, والتدبير ولا في العبادة ![]() مع علمكم بذلك؟ هذا من أعجب العجب, وأسفه السفه وهذه الآية جمعت بين الأمر بعبادة الله وحده والنهي عن عبادة ما سواه وبيان الدليل الباهر على وجوب عبادته وبطلان عبادة من سواه, وهو [ذكر] توحيد الربوبية المتضمن لانفراده بالخلق والرزق والتدبير فإذا كان كل أحد مقرا بأنه ليس له شريك في ذلك فكذلك فليكن إقراره بأن [الله] لا شريك له في العبادة وهذا أوضح دليل عقلي على وحدانية الباري وبطلان الشرك ![]() وقوله تعالى: ( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) يحتمل أن المعنى: أنكم إذا عبدتم الله وحده اتقيتم بذلك سخطه وعذابه لأنكم أتيتم بالسبب الدافع لذلك، ويحتمل أن يكون المعنى: أنكم إذا عبدتم الله صرتم من المتقين الموصوفين بالتقوى, وكلا المعنيين صحيح وهما متلازمان، فمن أتى بالعبادة كاملة, كان من المتقين ومن كان من المتقين, حصلت له النجاة من عذاب الله وسخطه ثم قال تعالى "وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) " فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) وهذا دليل عقلي على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحة ما جاء به فقال: ( وإن كنتم ) معشر المعاندين للرسول الرادين دعوته, الزاعمين كذبه في شك واشتباه مما نزلنا على عبدنا, هل هو حق أو غيره ؟ فهاهنا أمر نصف، فيه الفيصلة بينكم وبينه وهو أنه بشر مثلكم, ليس بأفصحكم ولا بأعلمكم وأنتم تعرفونه منذ نشأ بينكم, لا يكتب ولا يقرأ فأتاكم بكتاب زعم أنه من عند الله, وقلتم أنتم أنه تقوَّله وافتراه فإن كان الأمر كما تقولون, فأتوا بسورة من مثله واستعينوا بمن تقدرون عليه من أعوانكم وشهدائكم فإن هذا أمر يسير عليكم خصوصا وأنتم أهل الفصاحة والخطابة والعداوة العظيمة للرسول، فإن جئتم بسورة من مثله فهو كما زعمتم وإن لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم غاية العجز ولن تأتوا بسورة من مثله ولكن هذا التقييم على وجه الإنصاف والتنزل معكم فهذا آية كبرى, ودليل واضح [جلي] على صدقه وصدق ما جاء به فيتعين عليكم اتباعه واتقاء النار التي بلغت في الحرارة العظيمة [والشدة] أن كانت وقودها الناس والحجارة ليست كنار الدنيا التي إنما تتقد < 1-46 > بالحطب وهذه النار الموصوفة معدة ومهيأة للكافرين بالله ورسله. فاحذروا الكفر برسوله بعد ما تبين لكم أنه رسول الله. وهذه الآية ونحوها يسمونها آيات التحدي وهو تعجيز الخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن قال تعالى " قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا " وكيف يقدر المخلوق من تراب أن يكون كلامه ككلام رب الأرباب؟ أم كيف يقدر الناقص الفقير من كل الوجوه أن يأتي بكلام ككلام الكامل, الذي له الكمال المطلق والغنى الواسع من كل الوجوه؟ هذا ليس في الإمكان, ولا في قدرة الإنسان وكل من له أدنى ذوق ومعرفة [بأنواع] الكلام إذا وزن هذا القرآن العظيم بغيره من كلام البلغاء ظهر له الفرق العظيم وفي قوله: ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ ) إلى آخره دليل على أن الذي يرجى له الهداية من الضلالة [هو] الشاك الحائر الذي لم يعرف الحق من الضلال فهذا إذا بين له الحق فهو حري بالتوفيق إن كان صادقا في طلب الحق وأما المعاند الذي يعرف الحق ويتركه فهذا لا يمكن رجوعه, لأنه ترك الحق بعد ما تبين له لم يتركه عن جهل, فلا حيلة فيه وكذلك الشاك غير الصادق في طلب الحق بل هو معرض غير مجتهد في طلبه فهذا في الغالب أنه لا يوفق وفي وصف الرسول بالعبودية في هذا المقام العظيم دليل على أن أعظم أوصافه صلى الله عليه وسلم قيامه بالعبودية التي لا يلحقه فيها أحد من الأولين والآخرين كما وصفه بالعبودية في مقام الإسراء فقال: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ) وفي مقام الإنزال فقال: ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ ) وفي قوله: ( أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) ونحوها من الآيات دليل لمذهب أهل السنة والجماعة أن الجنة والنار مخلوقتان خلافا للمعتزلة وفيها أيضا أن الموحدين وإن ارتكبوا بعض الكبائر لا يخلدون في النار لأنه قال: ( أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) فلو كان [عصاة الموحدين] يخلدون فيها لم تكن معدة للكافرين وحدهم، خلافا للخوارج والمعتزلة وفيها دلالة على أن العذاب مستحق بأسبابه وهو الكفر وأنواع المعاصي على اختلافها "وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ " يتـــــــــبع |
![]() |
![]() |
![]() |
#3 |
~متألقة~
تاريخ التسجيل:
31-01-2010
العمر: 62
المشاركات: 615
![]() |
![]() بسم الله الرحمن الرحيم ![]() "وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) " لما ذكر جزاء الكافرين, ذكر جزاء المؤمنين أهل الأعمال الصالحات, على طريقته تعالى في القرآن يجمع بين الترغيب والترهيب, ليكون العبد راغبا راهبا خائفا راجيا فقال: ( وَبَشِّرِ ) أي: [يا أيها الرسول ومن قام مقامه] ( الَّذِينَ آمَنُوا ) بقلوبهم ( وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) بجوارحهم فصدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة ووصفت أعمال الخير بالصالحات لأن بها تصلح أحوال العبد, وأمور دينه ودنياه وحياته الدنيوية والأخروية, ويزول بها عنه فساد الأحوال فيكون بذلك من الصالحين الذين يصلحون لمجاورة الرحمن في جنته. فبشرهم ( أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ) أي: بساتين جامعة من الأشجار العجيبة, والثمار الأنيقة والظل المديد, [والأغصان والأفنان وبذلك] صارت جنة يجتن بها داخلها, وينعم فيها ساكنها ( تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ ) أي: أنهار الماء, واللبن, والعسل, والخمر يفجرونها كيف شاءوا, ويصرفونها أين أرادوا وتشرب منها تلك الأشجار فتنبت أصناف الثمار ( كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ ) أي: هذا من جنسه, وعلى وصفه, كلها متشابهة في الحسن واللذة ليس فيها ثمرة خاصة, وليس لهم وقت خال من اللذة فهم دائما متلذذون بأكلها. وقوله: ( وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ) قيل: متشابها في الاسم مختلف الطعوم وقيل: متشابها في اللون, مختلفا في الاسم وقيل: يشبه بعضه بعضا, في الحسن, واللذة, والفكاهة ولعل هذا هو الصحيح ثم لما ذكر مسكنهم, وأقواتهم من الطعام والشراب وفواكههم ذكر أزواجهم, فوصفهن بأكمل وصف وأوجزه, وأوضحه فقال: ( وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ) فلم يقل " مطهرة من < 1-47 > العيب الفلاني " ليشمل جميع أنواع التطهير، فهن مطهرات الأخلاق مطهرات الخلق, مطهرات اللسان, مطهرات الأبصار فأخلاقهن, أنهن عرب متحببات إلى أزواجهن بالخلق الحسن وحسن التبعل, والأدب القولي والفعلي ومطهر خلقهن من الحيض والنفاس والمني والبول والغائط, والمخاط والبصاق, والرائحة الكريهة ومطهرات الخلق أيضا, بكمال الجمال فليس فيهن عيب, ولا دمامة خلق بل هن خيرات حسان, مطهرات اللسان والطرف قاصرات طرفهن على أزواجهن وقاصرات ألسنتهن عن كل كلام قبيح ففي هذه الآية الكريمة ذكر المبشِّر والمبشَّر, والمبشَّر به والسبب الموصل لهذه البشارة فالمبشِّر: هو الرسول صلى الله عليه وسلم ومن قام مقامه من أمته والمبشَّر: هم المؤمنون العاملون الصالحات والمبشَّر به: هي الجنات الموصوفات بتلك الصفات والسبب الموصل لذلك, هو الإيمان والعمل الصالح فلا سبيل إلى الوصول إلى هذه البشارة, إلا بهما وهذا أعظم بشارة حاصلة, على يد أفضل الخلق بأفضل الأسباب وفيه استحباب بشارة المؤمنين, وتنشيطهم على الأعمال بذكر جزائها [وثمراتها], فإنها بذلك تخف وتسهل وأعظم بشرى حاصلة للإنسان, توفيقه للإيمان والعمل الصالح فذلك أول البشارة وأصلها، ومن بعده البشرى عند الموت ومن بعده الوصول إلى هذا النعيم المقيم نسأل الله أن يجعلنا منهم ![]() ![]() فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27) يقول تعالى ( إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا ) أي: أيَّ مثل كان ( بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ) لاشتمال الأمثال على الحكمة, وإيضاح الحق والله لا يستحيي من الحق وكأن في هذا, جوابا لمن أنكر ضرب الأمثال في الأشياء الحقيرة واعترض على الله في ذلك. فليس في ذلك محل اعتراض. بل هو من تعليم الله لعباده ورحمته بهم. فيجب أن تتلقى بالقبول والشكر. ولهذا قال: ( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ) فيتفهمونها، ويتفكرون فيها. فإن علموا ما اشتملت عليه على وجه التفصيل ازداد بذلك علمهم وإيمانهم، وإلا علموا أنها حق وما اشتملت عليه حق وإن خفي عليهم وجه الحق فيها لعلمهم بأن الله لم يضربها عبثا بل لحكمة بالغة، ونعمة سابغة. ( وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا ) فيعترضون ويتحيرون، فيزدادون كفرا إلى كفرهم ، كما ازداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم ، ولهذا قال: ( يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ) فهذه حال المؤمنين والكافرين عند نزول الآيات القرآنية. قال تعالى: " وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ " فلا أعظم نعمة على العباد من نزول الآيات القرآنية ، ومع هذا تكون لقوم محنة وحيرة [وضلالة] وزيادة شر إلى شرهم، ولقوم منحة [ورحمة] وزيادة خير إلى خيرهم، فسبحان من فاوت بين عباده وانفرد بالهداية والإضلال ثم ذكر حكمته في إضلال من يضلهم وأن ذلك عدل منه تعالى فقال: ( وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ ) أي: الخارجين عن طاعة الله; المعاندين لرسل الله الذين صار الفسق وصفهم فلا يبغون به بدلا فاقتضت حكمته تعالى إضلالهم لعدم صلاحيتهم للهدى كما اقتضت حكمته وفضله هداية من اتصف بالإيمان وتحلى بالأعمال الصالحة والفسق نوعان: نوع مخرج من الدين وهو الفسق المقتضي للخروج من الإيمان كالمذكور في هذه الآية ونحوها ونوع غير مخرج من الإيمان كما في قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا " [الآية] ثم وصف الفاسقين فقال: ( الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ ) وهذا يعم العهد الذي بينهم وبينه ،والذي بينهم وبين عباده الذي أكده عليهم بالمواثيق الثقيلة والإلزامات فلا يبالون بتلك المواثيق بل ينقضونها ويتركون أوامره ويرتكبون نواهيه وينقضون العهود التي بينهم وبين الخلق. < 1-48 > ( وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ) وهذا يدخل فيه أشياء كثيرة فإن الله أمرنا أن نصل ما بيننا وبينه بالإيمان به والقيام بعبوديته وما بيننا وبين رسوله بالإيمان به ومحبته وتعزيره والقيام بحقوقه وما بيننا وبين الوالدين والأقارب والأصحاب وسائر الخلق بالقيام بتلك الحقوق التي أمر الله أن نصلها فأما المؤمنون فوصلوا ما أمر الله به أن يوصل من هذه الحقوق وقاموا بها أتم القيام، وأما الفاسقون، فقطعوها ونبذوها وراء ظهورهم; معتاضين عنها بالفسق والقطيعة والعمل بالمعاصي; وهو: الإفساد في الأرض فـ ( فَأُولَئِكَ ) أي: من هذه صفته ( هُمُ الْخَاسِرُونَ ) في الدنيا والآخرة، فحصر الخسارة فيهم لأن خسرانهم عام في كل أحوالهم; ليس لهم نوع من الربح؛ لأن كل عمل صالح شرطه الإيمان فمن لا إيمان له لا عمل له; وهذا الخسار هو خسار الكفر وأما الخسار الذي قد يكون كفرا; وقد يكون معصية وقد يكون تفريطا في ترك مستحب، المذكور في قوله تعالى: " إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ " فهذا عام لكل مخلوق إلا من اتصف بالإيمان والعمل الصالح; والتواصي بالحق والتواصي بالصبر; وحقيقة فوات الخير الذي [كان] العبد بصدد تحصيله وهو تحت إمكانه ![]() ثم قال تعالى: " كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) " هذا استفهام بمعنى التعجب والتوبيخ والإنكار أي: كيف يحصل منكم الكفر بالله; الذي خلقكم من العدم وأنعم عليكم بأصناف النعم; ثم يميتكم عند استكمال آجالكم ويجازيكم في القبور; ثم يحييكم بعد البعث والنشور ثم إليه ترجعون; فيجازيكم الجزاء الأوفى فإذا كنتم في تصرفه; وتدبيره; وبره; وتحت أوامره الدينية ومن بعد ذلك تحت دينه الجزائي أفيليق بكم أن تكفروا به; وهل هذا إلا جهل عظيم وسفه وحماقة ؟ بل الذي يليق بكم أن تؤمنوا به وتتقوه وتشكروه وتخافوا عذابه وترجوا ثوابه ![]() "هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) " ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا ) أي: خلق لكم, برا بكم ورحمة, جميع ما على الأرض للانتفاع والاستمتاع والاعتبار وفي هذه الآية العظيمة دليل على أن الأصل في الأشياء الإباحة والطهارة لأنها سيقت في معرض الامتنان، يخرج بذلك الخبائث فإن [تحريمها أيضا] يؤخذ من فحوى الآية ومعرفة المقصود منها, وأنه خلقها لنفعنا, فما فيه ضرر فهو خارج من ذلك، ومن تمام نعمته, منعنا من الخبائث تنزيها لنا وقوله: ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ( اسْتَوَى ) ترد في القرآن على ثلاثة معاني فتارة لا تعدى بالحرف، فيكون معناها, الكمال والتمام كما في قوله عن موسى: " وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى " وتارة تكون بمعنى " علا "و " ارتفع " وذلك إذا عديت بـ " على " كما في قوله تعالى: " ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ " " لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ "وتارة تكون بمعنى " قصد " كما إذا عديت بـ " إلى "كما في هذه الآية أي: لما خلق تعالى الأرض, قصد إلى خلق السماوات ( فسواهن سبع سماوات ) فخلقها وأحكمها, وأتقنها ( وهو بكل شيء عليم ) فـ " يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا " و " يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ![]() وكثيرا ما يقرن بين خلقه للخلق وإثبات علمه كما في هذه الآية وكما في قوله تعالى: " أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " لأن خلقه للمخلوقات, أدل دليل على علمه وحكمته, وقدرته هنا وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً يتــــــبع |
![]() |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
![]() |
|
There are no names to display. |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
أحاديث صحيحة وأخرى ضعيفة في فضائل سور القرآن | سلوى محمد | روضة القرآن وعلومه | 4 | 18-11-12 10:53 PM |
[السلسلة الصوتية] كيف تتعلم قراءة القرآن ؟ - للأستاذ الشيخ _ أحمد عامر | الكلمة الطيبة | مكتبة طالبة العلم الصوتية | 11 | 24-03-07 12:55 AM |