الأحد 13 شوال 1445هـ الموافق 23 أبريل 2024م

حياكم الله جميعا 

هذه قناتي في التليجرام ينشر فيها النتاج العلمي والفكري . 


قناة عبد السلام بن إبراهيم الحصين

رمضان وتربية المراقبة والمداومة

المقالة

Separator
رمضان وتربية المراقبة والمداومة
1235 زائر
10-08-2010 11:35
د.عبد السلام بن إبراهيم الحصين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه، أما بعد:

فاعلم أخي أنك مسافر إلى ربك تبارك وتعالى وموقوف بين يديه، فإياك ثم إياك أن تصل إليه وأنت فقير من العمل الصالح، مجرد من الفضائل، إياك ثم إياك أن تفوتك مواسم الخير دون أن تتزود منها ليوم اللقاء؛ فإنك لن تقف بين يديه إلا بعملك، ف"عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه"، يقول ربنا جل وعلا: {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحًا فملاقيه}، قال قتادة رحمه الله: "إن كدحك يا ابن آدم لضعيف، فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل، ولا قوة إلا بالله"، وهذا شهر رمضان قد أقبل بخيراته وبركاته، ونفحاته ونسماته، موسم عظيم كريم، يضاعف الله فيه لعباده ثواب الأعمال، ويكرمهم بجزيل العطايا والهبات، يحب منهم حتى رائحة الفم بسبب الصوم؛ لأنه أثر العبادة والطاعة، أثر التغلب على الشهوة والشيطان، يحب منهم المداومة على العمل، والاستمرار فيه، والتدرج في طلب الكمال حتى يصل إليه العبد بنفس أبية، وعزم قوي، وإرادة صادقة، فلا يتراجع ولا يتقهقر، ولا ينتكس ولا يرتكس، شهر رمضان يربي النفس على التدرج في الأعمال، وأن يكون الانتقال من صغيرها إلى كبيرها، وأن يكون الإتقان فيها هو أول أركانها، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ هذا الشهر بالقيام وقراءة القرآن، ولكنه كان ينام جزءًا من الليل، ثم إذا دخلت العشر الأوسط زاد في عمله يسيرًا، ثم إذا دخلت العشر الأواخر انقطع للعبادة، ودخل معتكفه، وأحيى ليله، واجتهد اجتهادًا عظيمًا كأنه في سباق مع الوقت، لا يريد أن يضيع عليه من الشهر شيء، وهذا الاجتهاد لا يكون إلا بعد أن تكون الروح قد أخذت قدرًا كافيًا من الغذاء، وتعودت على الجوع، فيكون الاجتهاد في العشر الأواخر ليختم المؤمن عبادته بمضاعفة عمله، وتوديع هذا الشهر بما يستحقه، وفي هذا تربية عملية للنفس على إتقان أعمالها، والحرص على إتيان البيوت من أبوابها، وتعلم العلم النافع من أهله، واتباع الوسائل الصحيحة لتعلمه، واستكمال الشروط اللازمة له، وفي ذلك حصول الفلاح في الدنيا والآخرة.

إن الله لا يريد منا أن نعطش ونجوع، وأن نتعب وننصب، ثم نذهب نلهو ونلعب، ونهمل أعمالنا، ونتهاون في أداء ما طلب منا فعله، ولكنه فرض علينا هذه العبادة العظيمة لنتربى بها على تعليم النفس عادة إتقان العمل، ومراقبة الله وحده فيه، وعدم الخيانة والغش فيه، فالمؤمن يعلم أن الله يراه، مطلع على سره ونجواه، فهو إنما يخاف ربه ويرجوه، كما قال تعالى: {إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كريم}، ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ((رجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله))، فما فاضت العين بالدمع إلا خوفًا من الكبير المتعال، القوي العظيم، الذي وسع علمه كل شيء، وأحاطت قدرته بكل شيء، ما دمعت طمعًا في مدح مخلوق، ولا دمعت خوفًا من عقاب مخلوق، ولكنها دمعت خوفًا من خالق المخلوق وعلام الغيوب، وهذا الذي امتنع عن الفاحشة، وهو يرى الجمال بين يديه، وقوة المنصب تمنع من وصول الخلق إليه، ولكنه رأى ربه الذي لا مهرب للخلق منه إلا إليه، رأى ربه الذي يغار أن تنتهك محارمه، رأى ربه في قوته وعظمته، رآه فكأنه ينظر إليه يقوله له: تبارزني بالمعصية في أرضي، وتحت سمائي، وملائكتي تنظر إليك، وتكتب عملك وتحصي عليك، تبارزني بالمعصية وأنا خالقك ورازقك، ومنعم عليك بالسمع والبصر والفؤاد والصحة والعافية، فلو شئت لأمرضتك وسلبت عافيتك، ولو شئت لطمست عينيك وأعميت بصرك، ولو شئت لمسختك، ولو شئت لنزعت روحك، ولو شئت لخسفت بك الأرض من تحتك، ولو شئت لأنزلت عليك حاصبًا من السماء يدمغك، فوجل قلبه، واقشعر جلده، وتملكه الخوف من ربه، فحال بينه وبين المعصية.

الصيام يربي النفس على عدم الإهمال في العمل، وعلى عدم التهاون والكسل؛ لأن الذي يمتنع عن الطعام والشراب مع حاجته إليه، لا بد أن يعلم أنه يمكن أن يمتنع عن اللعب والإهمال والتسويف مع ضرره عليه، وقد قال الله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} فمن صام طاعة لله ورغبة فيما عنده، وطمعًا في فوائد الصيام وبركاته، فهو عالم يخشى الله حق خشيته، ويرجوه حق الرجاء.

تقبل الله منا ومنكم، ورزقنا بركة هذا الشهر وعظيمة فائدته، وشرح صدورنا لقبول النور الإلهي النازل فيه، وجعلنا ممن يعبده على بصيرة، ويستعين بطاعته على أقداره، إنه سميع مجيب.

   طباعة 
2 صوت

روابط ذات صلة

Separator
المقالة السابق
المقالات المتشابهة المقالة التالي

جديد المقالات

Separator
رأس مكارم الأخلاق - ركن المقالات