الخطوات المباركة إلى الأراضي المقدسة
المقالة

الخطوات المباركة إلى الأراضي المقدسة | ||
الخطوات المباركة إلى الأراضي المقدسة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين، أما بعد: فإن القلوب إذا امتلأت بالحب الصادق تحركت الجوارح بالأفعال الصالحة المباركة، والحب الصادق الخاص لا يصلح أن يكون إلا لمن هو غاية المحبين، ونهاية مقصد الطالبين، إنه حب الله، ثم حب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وحب كل شيء تعلق بهما ودار حولهما، هذا الحب هو الذي يزعج الجوارح لتثور من قعدتها، وتنهض من رقدتها؛ لتنفق المال والوقت، وتبذل غاية الجهد؛ لتصل إلى بيت المحبوب جل وعلا، والمشاعر المقدسة حوله، قال تعالى مخاطبًا عبده وخليله إبراهيم: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق}، روى الطبري في تفسيره عن السدي قال: لما فرغ إبراهيم وإسماعيل من بنيان البيت، أمره الله أن ينادي فقال: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ)، فنادى بين أَخْشَبَيْ مكة: يا أيها الناس! إن الله يأمركم أن تحجوا بيته. قال: فوقرت في قلب كل مؤمن، فأجابه كل من سمعه من جبل أو شجر أو دابة:"لبيك لبيك". فأجابوه بالتلبية:"لبيك اللهم لبيك"، وأتاه من أتاه، فإذا كانت الجمادات الصم التي لا تعقل أجابته، فكيف ستكون إجابة قلب المؤمن المحشو محبة ورغبة وشوقًا وحنينًا؟؟!!! بِقاع طاهرة، ومشاعر مقدسة، حفظها الله من كل شر وسوء، وبارك فيها، وجعلها قيامًا للناس، فلا صلاح لأحوالهم وقلوبهم ودينهم ودنياهم إلا بالقيام بتعظيم هذا البيت وحجه، وإنفاق الأموال في سبيل الوصول إليه، تستسهل النفوس المؤمنة بذل المال في حج بيت الله، وتبذل غاية جهدها في الطواف والسعي، والتنقل بين المشاعر، ورمي الجمار، طاعة لله جل وعلا، وطلبًا للقرب منه، وغفران الذنوب والآثام. واختار الله لهذه الأماكن العظيمة والبقاع الشريفة أشرف الأعمال وأكملها، وهو ذكر الله جل وعلا، فليس الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار إلا لإقامة ذكر الله، وكذا الصلاة روحها ولبها وسر تشريعها ذكر الله تعالى، قال الله تبارك وتعالى في الصلاة: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر}، وقال في الحج: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم، فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرًا}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ))، وركن الحج هو الوقوف بعرفة، ومقصود هذا الوقوف ذكر الله تبارك وتعالى واستغفاره، وتعظيمه وتهليله وتكبيره، قال نبينا صلى الله عليه وآله وسلم: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قتل أنا والنبيون من قلبي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير))، وعند رمي الجمار يكبر الله مع كل حصاة، وحين يطوف بالبيت يكبر الله مع كل شوط، ويذكر الله تبارك وتعالى فيما بين بداية الشوط ونهايته، وعند صعود الصفا والمروة يكبر الله ويوحده، ويهلله ويشكره، ويثني عليه ويستغفره، وبين بداية السعي ونهايته يذكر ربه ويستغفره، بل الحاج والمعتمر من حين يلبس إحرامه، هو مشتغل بذكر الله وتوحيده، وتعظيمه وتكبيره، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، ذكر الله تحيى به القلوب الميتة فتثمر أشرف الأفعال وأطهر السجايا والخلال، كما تحيى الأرض الميتة بالماء المبارك النازل من السماء فتنبت من كل زوج بهيج، وإذا خالطت بشاشة الإيمان القلوب المخبتة صار ذكر الله تعالى لها سجية من السجايا، وطبعًا من الطباع، لا يتكلفونه، ولكنه يجري على شفاههم وتتحرك به ألسنتهم أعظم من حركتها في القيل والقال، وما ضرره أكثر من نفعه. إن المؤمن الذي يبذل ماله لحج بيت الله تبارك وتعالى، إنما يخطو هذه الخطوات المباركة إلى تلك الأماكن الطاهرة بنفس مفلحة، توقت من الشح، وسلمت من البخل، وتطهرت من الشرك والتعلق بغير الله تبارك وتعالى، فما أعظم فلاحها، وما أقرب نجاتها. إن الحج يشبه الجهاد من وجوه كثيرة، وقد أخبرنا حبيبنا صلى الله عليه وآله وسلم بأنه جهاد لا قتال فيه، والله وعد المجاهدين في سبيله أن يهديهم سبيله، وأن يكون معهم بنصره وتأييده وتوفيقه، قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}. اللهم وفقنا لحج بيتك، وإخلاص العمل لك، ومتابعة سنة نبيك. | ||
|
روابط ذات صلة

المقالة السابق | المقالات المتشابهة | المقالة التالي |
جديد المقالات
