الإثنين 14 شوال 1445هـ الموافق 24 أبريل 2024م

حياكم الله جميعا 

هذه قناتي في التليجرام ينشر فيها النتاج العلمي والفكري . 


قناة عبد السلام بن إبراهيم الحصين

إن من البيان لسحرًا..

المقالة

Separator
إن من البيان لسحرًا..
1130 زائر
07/01/2008
د.عبدالسلام بن إبراهيم الحصين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإنَّ المعاني الشريفةَ إذا كسَتْها ألفاظٌ فخمةٌ جليلةٌ أسرتِ العقول، وأخذتْ بالألباب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم كلمة ذهبت مثلا: ((إن من البيان لسحرًا))، وجعل الله البيان نعمةً جسيمةً، وموهبةً عظيمةً، فقال تعالى: {الرحْمَنُ، عَلَّمَ القُرْآنَ، خَلَقَ الإنسَانَ، علَّمَهُ البَيانَ}.

وأعلى ذُرى البيانِ ومنتهاه الخطابةُ، وقد كانت من أَولِ وسائلِ النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغِ دعوتِه لقومِه، فحينَ نزَلَ عليه قولُ الله جل وعلا: {وأنذر عشيرتك الأقربين}، صعِدَ نبينا على الصفا، ثم هتف: ((يا صَبَاحَاه))، فاجتمع الناسُ إليه، بين رجلٍ يجيء إليه، وبين آخرَ يبعثُ رسولَه، فلما اجتمعوا قال: ((يا بني عبدِ المطلبِ، يا بني فِهْر، يا بني عبدِ لُؤي، أرأيتم لو أخبرتُكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تُغير عليكم أكنتم مُصَدِّقِيَّ؟!))، قالوا: ما جرَّبنا عليك كذِبًا!!، قال: ((فإني نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديد)) رواه البخاري ومسلم.

ثم كانت الخُطبة ركنًا من أركانِ صلاة الجمعة، تتكرر كُلَّ أُسبوع، يُلزم المسلم بحضورها وسماعِها، ويُنهى عن الحديث عند إلقائها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يولِيهَا اهتمامًا واضحًا، ويَظهر على وجْههِ وبدنِه التأثُّرُ عند إلقاء الخطبة؛ ليكون ذلك أوقع في قلوبِ السامعين، وليشد أنظارهم وعقولهم إليه.

وكان يعلم أصحابه على الخطابةِ ويُدرِّبُهم عليها بقوله وفعله، فكان منهم خطباء، يخطُبون بين يديه عند مَقدَمِ الوُفودِ عليه، منهم قيسُ بن ثابت بن شماس، ولما قدِم وفدُ بني تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قامَ خطيبُهم فخطب، فأجابه قيس بن ثابت، فقال الأقرع بن حابس: إن خطيبَه أخْطَبُ من خطيبنا!!.

إن الخطيبَ في وقوفِه وارتفاعِه يجذِب أبصارَ الناسِ إليه، فإذا تحدث وأبان صرفَ أفئدةَ الناسِ إليه، فحرَّك من النفوسِ كوامِنَها، وأثارَ فيها عواطفها، وصبَّ في عُروقِ المستمعين روحًا جديدة، تبعثُ الميت من عزائمهم، وترفع ما انحط من همهم.

إن الخطيب المفوه، الذي يدعو إلى الحق وينشره، ينسُِجُ للمستمعين من بديع ألفاظه نورًا يُضيء مسالك الحق والهدى، ويوقِدُ في قلوبهم لهيب الحماسة للحق والخير، فتنطلقُ جوارحُهم في دروب العدلِ والإحسان.

لقد كان للخُطبِ أثرٌ عظيمٌ في تاريخِ المسلمين، فكانت سببًا لانتصارات عظيمةٍ، وسببًا لإطفاء نيرانِ فتنٍ كادت تعصف بالمسلمين وتوهِن قُوتَهم، فاجتمع بها شَمْلُهم، والتأَم صَدْعُهُم، بل إن الناظرِ في تاريخِ الأُمم يرى أن بعضَ الخطبِ غيَّرت مسرى حياتِها، وأحدثتْ حدَثًا عظيمًا في مجرى تاريخها، فرفعَتْها بعد الذِّلَّة، ونصرتَها بعد الهزيمةِ.

وإنَّ الخطبَ لا يظهر أثرُها ويعظُم خطرُها إلا بإقامةِ اللسانِ وإصلاحِه، وتدريبِه على الإلقاءِ، وانتقاءِ أشرفِ الألفاظِ، لإنزالها على أشرفِ المعاني.

وإذا كان هذا هو أثر الخطابة في الأنفس، وفي المجتمع، أفلا تستحق أن نعتني بها، ونتنافس في إتقانها، ونتعلم من الألفاظ ما نقيم به المعاني على أحسن وجه وأكمله؟

وكيف تريد من الناس أن يستمعوا للحق الذي معك، إذا لم تبرزه بقالب يأخذ قلوبهم إليه أخذًا؟!!!

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله، وكتبه: عبد السلام بن إبراهيم الحصين.

   طباعة 
0 صوت

روابط ذات صلة

Separator
المقالة السابق
المقالات المتشابهة المقالة التالي

جديد المقالات

Separator
رأس مكارم الأخلاق - ركن المقالات