الأربعاء 9 شوال 1445هـ الموافق 19 أبريل 2024م

حياكم الله جميعا 

هذه قناتي في التليجرام ينشر فيها النتاج العلمي والفكري . 


قناة عبد السلام بن إبراهيم الحصين

رسالة إلى عروس

المقالة

Separator
رسالة إلى عروس
1232 زائر
07/01/2008
د.عبدالسلام بن إبراهيم الحصين

رسالة إلى عروس (كتبتها إلى إحدى أخواتي بمناسبة زواجها).



فقد كنت حريصًا على أن أجلس معكِ دقائق معدودة، أتبادل فيها أنا وإياك أطراف الحديث عن حياتك الجديدة، لكن الوقت يمضي دون أن نجد هذه الدقائق، فرأيت أن أكتب لك هذه الرسالة لأبث فيها ما كنت أود أن أقوله لك، ولعل الكتابة تكون أحسن؛ لأنها ستبقى إن شاء الله.
أختي العزيزة؛ أنت مقبلة على حياة جديدة، تظهر فيها خبراتك السابقة، وتطبقين فيها معارفك ومعلوماتك وتجاربك التي عشتيها في بيت أبيك، هذه الحياة يكون لك فيها قدر كبير من المشاركة، وتحمُّل المسؤولية، فأنت الآن في الحقيقة قد أقبلت على بناء مشروع عظيم، يُسمى الأسرة، التي هي أولى لبنات المجتمع، فالمجتمع يتكون من أسر، والأسرة تتكون من زوج وزوجة، وكلما كانت الأسرة صالحة ظهر ذلك في المجتمع.

ليس من السهل علينا فراقك، وسنفقد في بيتنا شخصًا محبوبًا، محترمًا، ألفنا وجوده، وتعودنا على رأيته كلما دخلنا البيت، لكن هذه سنة الحياة، التي لا يمكن أن تبقى الحياة إلا بها.
عزيزتي؛ الحياة الجديدة التي تقبلين عليها مليئة بالواجبات، والمفاجآت، ومن المهم أن تعرفي هذه الواجبات، وأن تتعلمي كيفية مواجهة هذه المفاجآت، وتحويلها إلى صالحك.
أما الواجبات؛ فقد حددها الله في آية واحدة، بقوله: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة}، وبين أهميتها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ((المرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيتها)).

فالعشرة الحسنة، والطاعة بالمعروف، وأداء الأمانة، والصدق في التعامل، وحسن الخلق، ولين الجانب، والتواضع، كل ذلك من الواجبات المتبادلة بين الزوجين، لكن الله قد خص الرجال بمزيد فضل في جانب الطاعة بالمعروف، والواجب على المرأة أن تعرف هذا الحق وتقدِّره قدْره.
إن الحياة الزوجية معناها الارتباط بشخص آخر، برباط عظيم هو عقد النكاح، الذي وصفه الله بقوله: {وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا}، كما أن الله وصف الزوجين بأن كل واحد منهما لباس للآخر، وأنه قد جعل بينهما من المودة والرحمة ما هو من أعظم الآيات، والسبب في ذلك أن المعاشرة الزوجية هي أطول العشر، وأكثرها تقابلاً وتداخلاً، فالزوجان يتحولان إلى جسد واحد، ويحملان مشاعر واحدة، ويشتركان في مسؤولية واحدة، ويتحملان نفس الأعباء، ولهذا كان لا بد من وجود الألفة، والمودة، والرحمة، ولولاها لما استطاع أحدهما أن يتحمل الآخر.
وهذه العلاقة الطويلة القوية المتداخلة تعني أن كل واحد من الزوجين لا بد أن يتنازل عن بعض مبادئه وأفكاره وطريقة معيشته لأجل الآخر، وهذا في حدود العادات والمباحات، أما الواجبات؛ فلا يجوز تركها لأحد من الناس، والمحرمات لا يجوز فعلها لأجل أحد من الناس.
من الأمور المهمة في العلاقة الزوجية: الحب، والاحترام، والحب ليس معناه التعلق بالشكل الظاهري للرجل أو المرأة، وإنما معناه التعلق بمعاني جميلة وسامية، وأهم ما يُحب في الإنسان دينه وخلقه، فالرجل الصالح ذو الخلق الحسن يحب لأجل دينه وحسن خلقه، والمرأة الصالحة إنما تحب لأجل دينها وحسن خلقها، ويتحول هذا الحب إلى رابطة قوية تقف بقوة أمام العواصف التي يمكن أن تفسد الحياة الزوجية.

ليس الحب كلمة نقولها بألسنتنا، ولكنه معنى عظيم جدًا، ينبع من القلب، ويجري في عروق النفس، وتنطق به الألسن، وتصدقه الجوارح، فتتحرك بما يوافق رغبة المحبوب.

إن الحب توافق بين المحبوب والمحب، مبني على مواصفات يتحلى بها المحبوب، وهذه الصفات تختلف من شخص لآخر، فلكل إنسان في الغالب رغبة خاصة فيما يحب ويكره.

وأما الاحترام؛ فهو معنى مهم في الحياة الزوجية، فأنت تعلمين أن لكل إنسان اهتمامات، ورغبات، وعادات، ولا يوجد شخص من الناس يحب أن تهان أموره الشخصية، بل هذا من الاحتقار الذي نهى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنه، يقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرًا منهن..}، وقال صلى الله عليه وسلم: ((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)).
إن من أهم الواجبات على المرأة احترامها لاهتمامات زوجها ورغباته، وتقديرها لشخصيته، مع محاولة تصحيح الخطأ الذي يمكن أن يقع منه بالأسلوب الحسن، فالطريقة الصحيحة والأسلوب الجيد في النصح هي أهم ما يجب على المرأة أن تسلكه لكي تغير من عادات أو اهتمامات زوجها التي ترى أنها غير نافعة، أو غير مفيدة، ومن الخطأ مواجهة الشخص بتحقير فعله، أو التقليل من شأنه، فهذا كفيل بتدمير الحياة، وتحويلها إلى جحيم.


من أهم مواصفات المرأة الناجحة أن تُشعِر زوجها بأنه أرفع منها، وأنه يتمتع بقدر كبير من الاحترام والتقدير، وأنه يملك مواصفات ممتازة، وأنها تحترم مشاعره واهتماماته، ثم بعد ذلك محاولتها بالأسلوب الحسن أن تغير بعض العادات أو الأخلاق التي ترى أنها مخالفة للشرع.
حاولي بكل ما تستطيعين ألا تسمحي لأحد من الناس -وبخاصة أقاربك- أن يتدخلوا في حياتك، إلا في حالات خاصة جدًا يتطلب الأمر ذلك، كوني مستقلة في التصرف والنظر، وحاولي أن تُقدِّمي رغبة زوجك على كل رغبة أخرى، إذا لم تكن من المحرمات، وليكن الحوار الهادئ بينك وبين زوجك هو الوسيلة الوحيدة للتفاهم، دون تدخل من أحد، ولا بأس أن تستشيري من ترين أنه عاقل، يمكن أن يرشدك إلى ما ينفعك.


أختي العزيزة؛ ليست المهمة يسيرة، كما أنها ليست صعبة، إنها تحتاج فقط إلى الحب والاحترام، بهذين الأمرين تسير الحياة هادئة، هانئة، سعيدة.

في كثير من الأحيان نسمح للعواطف أن تتصرف في حياتنا دون تدخل للعقل، وهذا خطأ كبير، العاطفة يجب أن تكون مضبوطة بالعقل، والعقل يجب أن يكون مضبوطًا بالدين، وبهذا ينجح الإنسان في حياته، فقبل كل تصرفٍ مهم، يجب أن يكون هناك تفكير جيد، واستخارة، واستشارة، وتأمل في عاقبة هذا التصرف.

هناك فرق كبير بين العزة، والكبر، ليس صحيحًا أن يكون الإنسان ذليلاً، لكننا نخطئ في فهم معنى العزة، ونتكبر ونظن أننا نتعزز، العزة هي علو النفس وثباتها على مبادئها الصحيحة، أما الكبر فهو احتقار الآخرين، وليس من الذلة أبدًا تحبب المرأة إلى زوجها، وتقربها منه، وبذل ما تستطيع لكي تنال رضاه، وطاعته في غير معصية الله.

من المهم أن تطبقي التعاليم والأوامر الشرعية التي درستيها في حياتك، وأن تتزودي دائمًا بالعلم النافع، فليس العلم معلومات نحملها في صدورنا، ولا شهادات نعلقها على حوائطنا، ولكنه معلومات صحيحة نعيشها، ومبادئ قويمة نحيا بها، ونطبقها في واقعنا.

تستطيعين إن شاء الله أن تحققي في أولادك ما لم تحققيه في نفسك، أو لم يحققه زوجك في نفسه، فكم من الآباء والأمهات لم يحملوا مؤهلات علمية، ولم يصلوا إلى مراتب رفيعة في المجتمع، لكنهم أخرجوا ذرية طيبة تفخر المجتمعات بهم، وكم من أم وأب كانوا يحملون شهادات رفيعة، ولهم مراكز مرموقة، لكنهم أخفقوا في التربية، وجنوا على أولادهم.

عزيزتي؛ سوف تفقد الحياة قيمتها، ويتغير طعمها حين نعيش لأجل الدنيا فقط، أو حين نفكر في أنفسنا فقط، الحياة لذيذة بالبذل والعطاء، الحياة ممتعة بالإيمان والتقوى، الحياة هانئة وسعيدة وجميلة بحسن الخلق، وتصافي الأنفس:


ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد


المسلم يعيش في هذه الدنيا لكي يقدِّم للحياة الأخرى ما يرضي الله، ويكون سببًا في دخول الجنة، وبهذا الشعور العظيم يتغلب على كل المعوقات، والصعوبات، والنكبات، ويحولها إلى صالحه.
الدنيا متقلبة، فيها فرح وحزن، وفقر وغنى، وصحة ومرض، ولا يمكن أن تصفى أبدًا، فإذا جعلناها أكبر همنا، فسوف نتقاتل لأجلها، ونتباغض لأجلها، ولأن يأتينا منها إلا ما قُسم لنا.
من المهم جدًا أن يطوِّر الإنسان نفسه، ويستفيد من كل دقيقة في حياته ليجعلها في صالحه، ولهذا لا بد من المحاسبة، والتقويم، فيراجع الإنسان نفسه في السنة مرة واحدة على الأقل، وينظر ماذا حصل في سنته، وماذا استفاد؟ هل تعلم شيئًا جديدًا، وطبقه في حياته؟ هل استفادًا أخلاقًا جديدة؟ هل طور من طريقة تعامله؟ هل قويت علاقته بربه؟ هل استطاع أن يطبق ما تعلمه على واقعه؟
الهدية من المعاني الحلوة، التي تزيد الروابط، وتجمع القلوب، قال صلى الله عليه وسلم: ((تهادوا تحابوا))، والهدية تذهب ما في النفوس من الحقد والضغينة والكراهية، وليست الهدية في شكلها، أو غلاء قيمتها، ولكنها في معناها، ولو كانت شيئًا يسيرًا، فمن المهم جدًا أن يتبادل الزوجان الهدايا في المناسبات السعيدة؛ كالأعياد، والصحة بعد المرض، ومجيء الولد، ونحو ذلك.
أما المفاجئات في الحياة الزوجية؛ فهي كثيرة، بعضها ممتع وشيق، وبعضها مزعج ومنغص، وفي جميع هذه الحالات يجب أن تتمتعي بقدر كبير من الوعي والتعقل، وحسن التصرف في المواقف المحرجة، وأظن أنك -إن شاء الله- تملكين قدرًا كبيرًا من الحكمة والعقل، التي تعينك على ذلك، ولولا أني أحس أني أطلت في الحديث لذكرت لك أهم ما يجب فعله في مثل هذه الحالات.
أخيرًا، يمكن أن ألخص أهم ما يعينك على النجاح في حياتك فيما يلي:


1- {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله}.

2- الحب.

3- الاحترام.

4- التواضع.

5- العفو، والتجاوز عن الأخطاء.

6- التطوير المستمر.

7- الهدية.

8- الحوار الهادئ، والتناقش بين الزوجين بعيدًا عن تدخل الأقارب.

9- البذل والعطاء.

10- الإخلاص، وانتظار الثواب من الله، فمن كان يرجو الله فإن الله لا يضيع عنده شيء، ومن كان يرجو الناس؛ فسيتعب، وينقطع عن الخير.


أسأل الله أن يبارك لك، ويبارك عليك، وأن يرزقك الذرية الطيبة، وأن يجمع بينكما على خير، ومحبة، وألا يفرق بينكما شيء، حتى الموت.


وكتبه أخوك عبد السلام. في 17/5/1425

   طباعة 
1 صوت

روابط ذات صلة

Separator
المقالة السابق
المقالات المتشابهة المقالة التالي

جديد المقالات

Separator
رأس مكارم الأخلاق - ركن المقالات