سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين
المقالة

سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين | ||
سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فبذكر الطيبين تطيب القلوب، وتصفو النفوس، وتستعذب الألسن الكلام، وتعيش في الدنيا وكأنها في دار السلام، وأي حديث أطيب من ذكر رجلين خرجا من رحم امرأة كانت في صلب سيد البشر، وترائب خير نساء الأرض؟!، وهما ريحانتا النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الدنيا. ألا فاقرؤا سيرة سيدا شباب أهل الجنة بشهادة جدهما محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم. إن ابني هذا سيد! أول هاتين الريحانتين الحسن بن علي رضي الله عنه وأرضاه، وهو أكبر من أخيه الحسين بسنة واحدة، ولد سنة ثلاث من الهجرة في شعبان، ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أتم من عمره سبع سنين، كان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن، وكان يحبه محبة شديدة، ويسأل الله أن يحبه، فمن أحبه فقد أحب النبي صلى الله عليه وسلم ومن أبغضه فقد أبغض النبي صلى الله عليه وسلم، فعن البراء بن عازب قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واضعًا الحسن بن علي على عاتقه وهو يقول: ((اللهم إني أحبه فأحبه))، رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح، ويقول أسامة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذني والحسن، ويقول: ((اللهم إني أحبهما فأحبهما))، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فأقبل الحسن والحسين، عليهما قميصان أحمران، يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما، فوضعهما بين يديه; ثم قال: ((صدق الله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}، رأيت هذين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما))، ثم أخذ في خطبته، وكان الحسن يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس، فيركب على ظهره وهو ساجد، فعن عبد الله بن شداد بن الهاد عن أبيه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر، وهو حامل أحد ابنيه الحسن أو الحسين، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه عند قدمه اليمني فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدة أطالها قال أبي: فرفعت رأسي من بين الناس، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد وإذا الغلام راكب على ظهره، فعدت فسجدت، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الناس: يا رسول الله لقد سجدت في صلاتك هذه سجدة ما كنت تسجدها!! أفشيء أمرت به، أو كان يوحى إليك؟! قال: ((كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته)). وقد سوده رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صغير، فروى البخاري عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أجلس الحسن على المنبر إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرةً، وعليه أخرى، ويقول: ((إن ابني هذا سيدٌ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)). وقد بلغ من كمال عقله وحفظه أن روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الأحاديث، عن أبي الجوزاء قال: سألت الحسن بن علي ما يذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعته يقول: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك؛ فإن الخير طمأنينة، وإن الشر ريبة))، رواه الحاكم، وروى أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة عن الحسن بن علي قال: علمني جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر، ((اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت؛ إنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت))، وهذا الدعاء ندعو به كل يوم في صلاة الوتر. ثم كان محل العناية والتقدير من خليفتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبي بكر وعمر، فعن عقبة بن الحارث، قال: صلى بنا أبو بكر العصر، ثم قام وعلي يمشيان، فرأى الحسن يلعب مع الغلمان، فأخذه أبو بكر، فحمله على عنقه، وقال: "بأبي شبيه النبي، ليس شبيه بعلي"، وعلي يتبسم، وعن محمد بن إبراهيم التيمي: أن عمر ألحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما مع أهل بدر؛ لقرابتهما برسول الله صلى الله عليه وسلم، كان رضي الله عنه سيدًا حليمًا، وسيمًا جميلا، عاقلا رزينًا، جوادًا خيرًا، دينًا ورعًا محتشمًا، كبير الشأن، عف اللسان، فصيح العبارة، ولي الخلافة بعد أبيه سبعة أشهر، ثم حقن الله به دماء المسلمين، واجتمع الناس بسببه على كلمة واحدة، حين تنازل عن الخلافة لمعاوية ابن أبي سفيان، ولم يفعل ذلك ضعفًا ولا ذلا، ولكن رغبة فيما عند الله، وسعيًا في الصلح الذي يحبه الله ورسوله، في صحيح البخاري عن الحسن البصري قال استقبل -والله- الحسنُ بن علي معاويةَ بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها، فقال له معاوية -وكان والله خير الرجلين-: أي عمرو! إن قتل هؤلاء هؤلاءَ، وهؤلاء هؤلاءَ من لي بأمور الناس؟! من لي بنسائهم؟! من لي بضيعهم؟! فبعث الله رجلين من قريش من بني عبد شمس؛ عبدَ الرحمن بنَ سمرة وعبدَ الله بن عامر، فقال: اذهبا إلى هذا الرجل، فاعرضا عليه، وقولا له، واطلبا إليه، فأتياه فدخلا عليه، وتكلما وقالا له وطلبا إليه، فقال لهم الحسن بن علي: إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال، وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها، قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك، قال: فمن لي بهذا؟! قالا: نحن لك به، فما سألهما شيئاً إلا قالا: نحن لك به، فصالحه، قال الحسن البصري: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، والحسن ابن علي إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرةً وعليه أخرى، ويقول: ((إن ابني هذا سيدٌ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين))، ولما بايعه أهل الكوفة جاءه عمرو بن الأصم; فقال: إن الشيعة تزعم أن عليًا مبعوث قبل يوم القيامة، قال: "كذبوا والله، ما هؤلاء بالشيعة، لو علمنا أنه مبعوث ما زوجنا نساءه، ولا اقتسمنا ماله". وتروي كتب التاريخ كيف فعل أهل الكوفة به رضي الله عنه وأرضاه حين خرج لقتال معاوية، فعن عوانة بن الحكم قال: سار الحسن حتى نزل المدائن، وبعث قيس بن سعد على المقدمات، وهم اثنا عشر ألفا، فنادى مناد في عسكره: ألا إن قيس بن سعد قد قتل، فشد الناس على حجرة الحسن، فنهبوها حتى انتهبت بسطه، وأخذوا رداءه، وطعنه رجل من بني أسد في ظهره بخنجر مسموم في أليته، فتحول، ونزل قصر كسرى الأبيض، وقال: عليكم لعنة الله من أهل قرية، قد علمت أن لا خير فيكم، قتلتم أبي بالأمس، واليوم تفعلون بي هذا!! ثم كاتب معاوية في الصلح، ثم خطب في الناس وقال: "يا أهل الكوفة! اتقوا الله فينا، فإنا أمراؤكم، وإنا أضيافكم، ونحن أهل البيت الذين قال الله فيهم: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ}"، فبكى الناس بكاء كثيرًا. ثم إن الحسن لما سلَّم الأمر لمعاوية على حقن الدماء، وعدم مطالبة أحد من الناس بشيء مما كان من القتال فيما سبق، وأن يكون له الأمر من بعده، خرج رضي الله عنه من الكوفة، ونزل المدينة، وعاش فيها تسع سنين، فلما حضرته الوفاة قال للحسين: يا أخي! إن أباك لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم استشرف لهذا الأمر-يعني الخلافة-، فصرفه الله عنه، فلما احتضر أبو بكر، تشرف أيضًا لها، فصرفت عنه إلى عمر، فلما احتضر عمر جعلها شورى، أبي أحدهم، فلم يشك أنها لا تعدوه، فصرفت عنه إلى عثمان، فلما قتل عثمان، بويع، ثم نوزع حتى جرد السيف وطلبها، فما صفا له شيء منها، وإني والله ما أرى أن يجمع الله فينا -أهل البيت- النبوة والخلافة; فلا أعرفن ما استخفك سفهاء أهل الكوفة فأخرجوك، وقد كنت طلبت إلى عائشة أن أدفن في حجرتها; فقالت: نعم. وإني لا أدري لعل ذلك كان منها حياء، فإذا ما مت، فاطلب ذلك إليها، وما أظن القوم إلا سيمنعونك، فإن فعلوا، فادفني في البقيع. فلما مات قالت عائشة: نعم وكرامة. فبلغ ذلك مروان بن الحكم، فقال: والله لا يدفن هناك أبدًا; منعوا عثمان من دفنه في المقبرة، ويريدون دفن حسن في بيت عائشة!!. فلبس الحسين ومن معه السلاح، واستلأم مروان أيضًا في الحديد، ثم قام في إطفاء الفتنة أبو هريرة، فقال للحسين: أنشدك الله ووصية أخيك، فإن القوم لن يدعوك حتى يكون بينكم دماء، فدفنه بالبقيع عند قبر أمه فاطمة. ذلك الحسن بن علي، كان محبًا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عارفًا لقدرهم، لا يسب أحدًا منهم، مات وعمره تسع وأربعون سنة، رضي الله عنه وعن جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والله يحكم بينه وبين من كان سببًا في موته، ومن دس له السم لقتله، ونعوذ بالله من الفتن، ونسأله أن يثبتنا بالقول الثابت. شهيد كربلاء.. وأما الريحانة الأخرى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الدنيا فهو الحسين بن علي رضي الله عنه، وعن أمه، وعن أبيه، ولد سنة أربع من الهجرة، في الخامس من شعبان، سماه جده رسول الله صلى الله عليه وسلم حسينًا، فوافق اسمه مسماه، فقد كان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من صدره إلى قدمه، روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن علي عليه السلام، فجُعل في طست، فجعل ينكت، وقال في حسنه شيئًا، فقال أنس: "كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"، وكان مخضوبًا بالوَسْمة، وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يحبه ويلاعبه ويقول عنه: ((حسين سبط من الأسباط، من أحبني فليحبّ حسيناً))، وفي رواية: ((أحبّ الله من أحبّ حسيناً))، أخرجه ابن ماجه وأحمد والترمذي وحسّنه وصحّحه الحاكم ووافقه الذهبي. كان الحسين وأخوه الحسن ريحانتا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الدنيا، والريحان هو ما تنبسط له النفوس من كل شيء، فتقبل إليه لطيبه وحسنه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمهما، ويشمهما، ويلاعبهما، عن أبي أيوب الأنصاري قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين يلعبان بين يديه، فقلت: أتحبهما يا رسول الله؟! قال: ((وكيف لا، وهما ريحانتاي من الدنيا أشمهما))، ولقد كان بكاؤه يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لشدة حبه له، ورحمته به، وشفقته عليه، ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يباهل نصارى نجران دعا الحسن والحسين وفاطمة وقال: ((هؤلاء بني)). نشأ الحسين في هذه البيوت الطاهرة، بيت جده، وبيت أمه وأبيه، ينهل من الفضائل، ويرتوي من معين النبوة الصافي، ثم كان محل عناية الخلفاء من بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أبي بكر وعمر وعثمان، يقول الحسين: صعدت المنبر إلى عمر، فقلت: انزل عن منبر أبي، واذهب إلى منبر أبيك. فقال: إن أبي لم يكن له منبر! فأقعدني معه، فلما نزل، قال: أي بني! من علمك هذا؟ قلت: ما علمنيه أحد. قال: أي بني! وهل أنبت على رءوسنا الشـعر إلا الله ثم أنتم! ووضع يده على رأسه، وقال: أي بني! لو جعلت تأتينا وتغشانا، ذكرها الذهبي في السير وقال إسناد صحيح، ومن محبة عمر له ولأخيه الحسن أنه جعل لهما مثل عطاء أبيهما خمسة آلاف، وعن الزهري: أن عمر كسا أبناء الصحابة; ولم يكن في ذلك ما يصلح للحسن والحسين; فبعث إلى اليمن، فأتي بكسوة لهما، فقال: الآن طابت نفسي، ولما رأى عمرو بن العاص الحسين بن علي قال: هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء، وكان الحسين يومًا في جنازة فأصابه تراب وغبار فأقبل أبو هريرة ينفض بثوبه التراب عن قدمه. كان رضي الله عنه وأرضاه شديد القلب عند النوائب، ثابت الجأش عند الملمات والمصائب، حج رضي الله عنه خمسًا وعشرين حجة ماشيًا، ونجائبه تقاد معه، قال له أخوه الحسن: وددت أن لي بعض شدة قلبك، فيقول الحسين: وأنا وددت أن لي بعض ما بسط من لسانك. قاتل مع أبيه يوم صفين، فأبلى بلاء حسنًا، وكان في الجيش الذي خرج لفتح قسطنطينية على عهد معاوية سنة إحدى وخمسين، وكان كريمًا سخيًا جوادًا، يعطي عطاءً لا يُعطي أحد مثله، وورث ذلك عنه ابنه علي زين العابدين. ذلكم أيها الإخوة الحسين بن علي رضي الله عنه وعن أمه وأبيه وصلى الله وسلم عليهم جميعًا وعلى جدهم محمد بن عبد الله، كان محبًا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معظمًا لهم، ليس بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء، فهو داخل في هذه الآية: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم}. ولقد راعتنا في الحسين حادثة أنست ما قبلها، وصغرت ما بعدها، وفتحت من النكبات أبوابًا لا يستطاع سدها، حين أغراه أهل العراق بالخروج إليهم، وكتبوا إليه يطلبونه ليتولى أمر الناس، ويرفع الظلم الذي أوقعه بنو أمية، فلما هم بالخروج نصحه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله ابن عمر، وعبد الله بن عباس، وأبوسعيد الخدري، وغيرهم بعدم الخروج، فقال له عبد الله بن عمر: لا تخرج ، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وإنك بضعة منه ولا تنالها، ثم اعتنقه، وبكى، وودعه، فكان ابن عمر يقول: غلبنا بخروجه، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أن لا يتحرك، وقال له ابن عباس: أين تريد يا ابن فاطمة؟ قال: العراق، وشيعتي. قال: إني كاره لوجهك هذا، تخرج إلى قوم قتلوا أباك، وطعنوا أخاك؟! وجاءه أبو سعيد الخدري، فقال: يا أبا عبد الله، إني لك ناصح ومشفق، وقد بلغني أنه كاتبك قوم من شيعتك، فلا تخرج إليهم، فإني سمعت أباك يقول بالكوفة: والله لقد مللتهم وملوني وأبغضتهم وأبغضوني، وما بلوت منهم وفاء، ولا لهم ثبات ولا عزم ولا صبر على السيف. ولكنه رضي الله عنه وأرضاه سار مسيرته تلك وهو يرى أنه مقتول؛ لعلمه أن يزيد بن معاوية لا يمتنع عن حرام لحرمته، وعلم أنه إن لم يبايعه ليستحلن عليه مكة، كما فعل بالمدينة، وكما فعل عبد الملك بن مروان بمكة من بعده، فخرج إلى العراق، حتى بلغ القادسية فلقيه الحر بن يزيد التميمي فقال له: ارجع فإني لم أدعْ لك خلفي خيراً، وأخبره أن عبيد الله بن زياد والي البصرة والكوفة قتل مسلم بن عقيل، فهمَّ الحسين أن يرجع ومعه إخوة مسلم فقالوا: "والله لا نرجع حتى نصيب بثأرنا أو نُقْتَل"، فقال: "لا خير في العيش من بعدكم"، فتابع سيره حتى وصل إلى منطقة الطفّ قرب كربلاء، وكان عدد ما معه من الرجال (45) فارساً ونحو (100) راجل إضافة إلى أهل بيته من النساء والأطفال، حيث إن أهل الكوفة خذلوه ولم يفوا بوعودهم لنصرته، فالتقى بمن معه بجيش عبيد الله بن زياد بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص، وكان معه أربعة آلاف فارس، وجرت بينهما مفاوضات لم تسفر عن اتفاق، فهاجم جيش ابن زياد الحسين ورجاله، فقاتل الحسين ومن معه قتال الأبطال واستشهد الحسين ومعظم رجاله، ووُجد في جسده ثلاثة وثلاثون جرحاً، وكان ذلك في يوم عاشوراء من عام (61هـ) رحمه الله ورضي عنه، ولعن من قتله، ومن رضي بقتله. قتل رضي الله عنه مقبلا غير مدبر، دفاعًا عن نفسه أن تمتهن بالأسر بيد الطغاة الظلمة، ودفاعًا عن ذراريه أن يصيبهم أذى، ولم يبدأ بالقتال حتى بدأ جيش العراق به، لقد قتله شيعته حين غروه وأمَّلوه، ثم خذلوه وتركوه، وخرجوا في الجيش الذي خرج لقتاله، وما زال الصحابة يتذكرون هذه الخيانة والغدر من أهل العراق بعد قتل الحسين، ففي صحيح البخاري عن عبد الرحمن بن أبي نعم قال: كنت شاهدًا لابن عمر وسأله رجل عن دم البعوض، فقال: ممن أنت؟! فقال: من أهل العراق، قال: انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم!!!، وسمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((هما ريحانتاي من الدنيا)). اللهم إنا نشهدك أنا نحب حسينًا ونبرأ ممن قتله، وأعان على قتله، ورضي بقتله. فاللهم احشرنا في زمرة الحسين، وزمرة أبيه وجده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واسقنا من حوض جده شربة لا نظمأ بعدها أبدًا.
| ||
|
روابط ذات صلة

المقالة السابق | المقالات المتشابهة | المقالة التالي |
جديد المقالات
