الخميس 10 شوال 1445هـ الموافق 20 أبريل 2024م

حياكم الله جميعا 

هذه قناتي في التليجرام ينشر فيها النتاج العلمي والفكري . 


قناة عبد السلام بن إبراهيم الحصين

الحج المبرور

المقالة

Separator
الحج المبرور
1086 زائر
29-10-2011 03:30
د.عبد السلام بن إبراهيم الحصين

الحج المبرور

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فإن الله رحيم بعباده رؤوف بهم، يغفر ذنوبهم ويستر عيوبهم، ويعدهم مغفرة منه وفضلا، وأعد لهم جنات لا يموت ساكنها ولا يبلى، ومن رحمة الله بعباده أن وضع لعباده بيته المعظم العتيق، يقوم بالقيام بتعظيمه دينُهم ودنياهم، فبذلك يتم إسلامهم، وبه تحط أوزارهم، وتحصل لهم بقصده العطايا الجزيلة، وبسببه تنفق الأموال، وتُتقحم من أجله الأهوال، ويجتمع فيه من كل فج عميق جميعُ أجناس المسلمين، فيتعارفون ويستعين بعضهم ببعض، ويتشاورون على المصالح العامة، وتنعقد بينهم الروابط في مصالحهم الدينية والدنيوية.

إنه بيتٌ تهوي القلوب إليه، وترق لذكره، وتخشع عند رؤيته إجلالا لله وتعظيمًا لشعائره، بيت جعله الله مباركًا وهدى للعالمين، مباركًا تعم بركته نواحي الحياتين لمعظميه، ففي الدنيا سعة الأرزاق ووفرتها، ومتعة النفوس، وأمن الأموال والأبدان، قال الله تعالى ممتنًا على أهل مكة: {أولم نمكن لهم حرمًا آمنًا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقًا من لدنا}، وقال تعالى: {أولم يروا أنا جعلنا حرمًا آمنًا ويتخطف الناس من حولهم}، وقال تعالى: {فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}.

وفي ا لآخرة تتجلى بركة هذا البيت على معظميه وزائريه بالفوز بلقاء الله، وحسن الوفادة عليه، يوم لا ينفع مال ولا بنون، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) متفق عليه من حديث أبي هريرة، وقال عليه الصلاة والسلام: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) متفق عليه من حديث أبي هريرة، وفي يوم واحد، يعتق الله فيه من النار ما لا يعتقه في غيره من الأيام، ففي صحيح مسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء)).

فانظر رحمك الله كيف يكون جزاء الله لعباده، ورحمته بهم، وأي ثواب أعظم من أي يكفر الله ذنوبك، ويمحو عيوبك، ويسكنك جنته، فتكون في مقعد صدق عند مليك مقتدر؟!

والحج المبرور ما جمع أربعة أوصاف:

الأول: أن يكون لله خالصًا، لا رياء فيه ولا سمعة، ولا يريد به عرضًا من الدنيا من مال أو جاه أو ثناء، فالله أغنى الشركاء عن الشرك، لا يرضى أن يشرك معه غيره في أي عبادة قولية أو عملية أو قلبية، يقول جل وعلا فيما يرويه رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم عنه: ((من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)) رواه مسلم.

والمخلص هو الذي يكون الله أحب إليه مما سواه، أحب إليه من نفسه، ومن أهله وولده، ومن ماله، ومن الناس أجمعين.

المخلص يحركه حب ربه، والرغبة فيما عنده.

المخلص يراقب الله في كل فعل من أفعاله، وفي كل قول من أقواله، بل وفي كل حركة من حركات قلبه وخطراته؛ لأنه يسمع قول الله تعالى ويؤمن به: {وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب}.

المخلص لا ينظر إلى كلام الناس ولا إلى لومهم، فلا يمنعه من العمل عذل العاذلين ولومهم، ولا يشجعه على العمل ويحثه عليه مدح الناس وثناؤهم، بل شعاره قول ربه ومحبوبه: {إنما نطمعكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورًا}.

الوصف الثاني: أن يكون متبعًا فيه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيحج كما حج نبينا؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((خذوا عني مناسككم))، فمن أراد الحج فعليه أن يتعلم أحكام الحج مناسكه؛ ليحج على بصيرة وعلم، ولا يقع في خطأ أو تقصير، فينقص حجه أو يفسده.

الوصف الثالث: أن تكون نفقته في الحج طيبة، من مال حلال، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا)) رواه مسلم.

الوصف الرابع: أن يجتنب فيه المعاصي، من محظورات الإحرام، أو من المعاصي العامة؛ كالغيبة، والنظر المحرم، والسباب، والشتام، وإيذاء الناس، والتعدي على حقوقهم، وحلق اللحية، وشرب الدخان، والكذب، وسماع الموسيقى، والجماع، أو اللمس بشهوة، قال الله تعالى: {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}.

ومن الفسوق الذي يجب على الحاج أن يجتبه في حجه: أذية الناس بالمزاحمة، وعدم الرفق بمن حوله في حال الطواف، أو السعي، أو رمي الجمرات، فمن المؤسف أن ترى بعض الناس وكأنه في حالة حرب، قد شد عضلاته، واستفرغ قوته، وكأن من حوله أعداء أو بهائم.

ولا يسوِّغ له فعل ذلك أن يرى من حوله يفعله، فليجتنب مواطن الزحام، وليتحل بالحلم والصبر؛ فإن الصبر بالتصبر، والحلم بالتحلم، وليس الحليم إلا من عرض موضعُ جهلٍ فحلم فيه، وليس الصابر إلا من عرض له موطن البلاء فصبر له، وإنما يفعل ذلك التقي المخلص.

إنه لا شيء أسكن لقلب المحب من رؤية آثار حبيبه، والقلوب المؤمنة إنما تسكن حينما تحط رحالها في بيت خالقها الذي تحبه، وتحث مطاياها في الرحلة إلى بيته، والطواف به، وإدامة ذكره، فعند بداية الإحرام تصدع بتلبية النداء الإلهي على لسان الخليل إبراهيم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وعند الطواف بالبيت يشتغل اللسان بالاستغفار والتهليل والحمد والدعاء، وعند السعي بين الصفا والمروة، وعند رمي الجمار، وفي الوقوف بعرفة، وفي سائر مناسك الحج، فإنما وضعت هذه المناسك لتعظيم الله وذكره.

في الحج يتذكر المسلم عظمة هذا الدين وحفظه للحرمات، ورعايته للحقوق، حين يعلم أن نبينا محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم قام خطيبًا في حجته التي حجها، فقال: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم في بلدكم هذا))، فتزداد في نفس المؤمن حرمة إخوانه، ويسعى جاهدًا للحفاظ عليها، فبادر إلى الحج المبرور لتكون من الفائزين.

هذا هو الحج المبرور، الذي ينفع صاحبه، ويحقق للأمة مصالحها.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله.

   طباعة 
0 صوت

روابط ذات صلة

Separator
المقالة السابق
المقالات المتشابهة المقالة التالي

جديد المقالات

Separator
رأس مكارم الأخلاق - ركن المقالات