الثلاثاء 21 ذو الحجة 1446هـ الموافق 19 يونيو 2025م

حياكم الله جميعا 

هذه قناتي في التليجرام ينشر فيها النتاج العلمي والفكري . 


قناة عبد السلام بن إبراهيم الحصين

مصير الملتزمة؟؟

الاستشارة

Separator
مصير الملتزمة؟؟
1242 زائر
31/03/2008
الشيخ عبدالسلام بن إبراهيم الحصين
السؤال كامل
بداية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا شيخ انا سيدة كنت في السابق أكثر إلتزاما والأن بعد الزواج أصبحت أقل إلتزاما عن ذي قبل في السابق الذي كان يزيد إيمانياتي هو الرفقه الصالحة والكثير وبعد الزواج بحكم زواجي من شخص غير ملتزم أشعر بأنني تأثرت ببعض صفاته السيئة الله يهديه ويصلحه بالرغم من أنني وضعت هذا الأمر نصب عيني وهو عدم التغير من جهة الإلتزام فأصبحت أكثر حقدا وغيبة وكرها للناس فقط أهله أشعر بضيق تجاههم والسبب هو أنني كرهتهم بسبب نصحي لهم فكانوا يسيئون فهمي ومعاملتي وأقسم بأن نيتي صافية ولم أتبع أسلوب الغلظه والسب والشتم ولكن كانت تأخذهم العزة بالإثم ويظهرونني بأنني أنا المخطئة فكيف التعامل معهم لأن الإحتكاك معهم يولد الحساسيات والكره أكثر فما الطريقة التي تساعدني على عدم قطعهم وفي نفس الوقت عدم الإحتكاك بهم أنا حاليا اشترك في دورة للتحفيظ ولكن أعوذ بالله من هذه الصفة السيئة التي استغرب كيف تمكنت من قلبي كيف اتعامل مع الناس بحسن نية ويكون قلبي أبيض ما العمل؟؟ وخاصة أن الملتزم له نظرة من الغير غير سوية ونظرة ظالمة ؟؟
جواب السؤال

وعليك السلام ورحمة الله وبركاته:
فإن المؤمن في هذه الحياة معرض للابتلاء والاختبار، بل الدنيا كلها خلقت لذلك، كما قال تعالى: {وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا}، والابتلاءات التي يبتلي الله بها عباده كثيرة، ومنها أن يعيش المؤمن المحافظ على دينه في مجتمع غير محافظ على دينه، فيرى صورًا متعددة من الانحراف في السلوك والأخلاق والعبادة، مع سخرية واستهزاء، وهمز ولمز، وإعراض وصدود، واتهام بالباطل.
فيكون بين فتنتين:
فتنة المحافظة على دينه رغم سخرية الساخرين.
وفتنة الدعوة إلى الله في وسط معرض متجاهل، متكبر عن الانصياع لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولنا فيمن سبق أسوة حسنة، كما قال تعالى: {فبهدام اقتده}، وقال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر}.
فهذه آسية امرأة فرعون، ضربها الله لنا مثلا؛ حيث كانت في بيت كفر وظلم عظيم، وزوجها فرعون عدو الله، ادعى الربوبية والألوهية، وطغى وبغى، وعلا في الأرض وجعل أهلها شيعًا، وما ضرها ذلك، حيث كانت محافظة على دينها، صابرة على قضاء ربها، راضية بما قسم لها.
والمثل الآخر مريم بنت عمران، قد كانت صالحة قانتة، حبست نفسها لله تعالى، واعتزلت عن قومها في مكان لا يراها الرجال ولا تراهم، فابتلاها الله جل وعلا بهذا الحمل الذي ضاقت به ذرعًا، حتى قالت: {يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيًا منسيًا}، وشق عليها ما يقوله الناس فيها، وهي تحمل من غير زوج، ولكنها رضيت وسلمت وصبرت واحتسبت فأعقبها ذلك خيرًا عظيمًا، وذكرًا حميدًا جليلا، قال تعالى {وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتًا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين، ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين}.
إن العاقبة الحميدة للمتقين القانتين الصابرين، كما قال تعالى: {والعاقبة للمتقين}، وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}.
وإني على يقين إن شاء الله أن مصيرك إلى خير، وأن الله سيجعل عاقبتك حميدة، إن أنت صبرت واحتسبت وجاهدت في سبيل الله حق جهاده.
وإني أستغرب أن ينطوي قلبك على مثل هذه الأخلاق، وأن ينطلق لسانك بالغيبة والنميمة، وليست هذه بأخلاق المؤمنين، فاتقي الله -أختي المباركة- وراقبيه، ولا تدعي شيئا من أوامره، أو تنتهكي شيئا من حرماته لأجل أحد من الناس.
وأهم عوامل الثبات في مثل هذه الحالة التي أنت فيها ما يلي:
أولا: الدعاء، وهو أقوى سلاح وأمضاه، وأعظم وسائل الثبات، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتمي به ليثبت على دين ربه جل وعلا، فكان يقول: ((اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد))، وكان يكثر في سجوده من قول: ((اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك))، وكان يقول في صلاته من الليل حين يفتتحها: ((اللهم رب جبريل وميكائيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)).
وعن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو، يقول: ((رَبِّ أَعِنِّى وَلاَ تُعِنْ عَلَىَّ وَانْصُرْنِى وَلاَ تَنْصُرْ عَلَىَّ وَامْكُرْ لِى وَلاَ تَمْكُرْ عَلَىَّ وَاهْدِنِى وَيَسِّرِ الْهُدَى لِى وَانْصُرْنِى عَلَى مَنْ بَغَى عَلَىَّ رَبِّ اجْعَلْنِى لَكَ شَكَّارًا لَكَ ذَكَّارًا لَكَ رَهَّابًا لَكَ مِطْوَاعًا لَكَ مُخْبِتًا إِلَيْكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِى وَاغْسِلْ حَوْبَتِى وَأَجِبْ دَعْوَتِى وَثَبِّتْ حُجَّتِى وَسَدِّدْ لِسَانِى وَاهْدِ قَلْبِى وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ صَدْرِى)).
ثانيًا: تقوية الصلة بالله بالصلاة وكثرة الذكر؛ قال تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}، وقال تعالى: {فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها}، وقال تعالى: {يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر}، وقال تعالى: {يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا}، فأمر الله نبيه بالصلاة لأنه سيلقي عليه حملا ثقيلا، وهو تبليغ الدعوة إلى الناس، ولن يطيق ذلك إلا بتقوية صلته بالله تعالى.
والعبد أقرب ما يكون من ربه حال الصلاة، وهو في السجود أقرب ما يكون، ولهذا شرع له أن يدعو فيه، وأن يجتهد بالدعاء فيه.
وفي الصلاة راحة القلب، وطمأنينة النفس، وانشراح الصدر، وخروج عن الدنيا ومفاتنها، وعن جميع مشاكلها وهموها، واتصال بالعالم العلوي، ومناجاة لله جل وعلا، ولهذا روي عن المسيح أنه قال: كلموا الله كثيرا، وكلموا الناس قليلا، فقيل له: كيف نكلم الله كثيرًا؟ قال: أكثروا من الصلاة، وروي عن بعض السلف أنه قال: من مثلك يا ابن آدم؟ فُتح الباب بينك وبين الله، كلما أردت أن تكلمه قمت فتوضأت وصليت.
ثالثًا: الصحبة الصالحة، وهي من أهم ما يعين على الثبات، قال تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}، وقال صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن مرآة أخيه، والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه))، ولما أوحى إلى الله موسى: {أن أئت القوم الظالمين، قوم فرعون ألا يتقون}، قال: {رب اجعل لي وزيرا من أهلي، هارون أخي، اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا}، فقال جل وعلا: {سنشد عضدك بأخيك}، والصديق الناصح الصالح يعينك على الطاعة، ويقويك على فعلها، ويحذرك من المعصية، ويراقبك ويسددك، ويشد من عضدك.
رابعًا: تدبر القرآن الكريم؛ لأن فيه قصص الماضين، وأخبار الغابرين، وعقوبة الله للظالمين، ونصره للمؤمنين المتقين، ووعده لأهل الخير بالفوز والفلاح، ووعيده لأهل الشر والفجور بالنار والثبور، وقد أخبر الله في كتابه أن من أهم فوائد القصص التي كان يحكيها لنبيه تثبيت فؤاده على الحق، قال تعالى: {وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك}.
خامسًا: الرضا بالله وبدينه، فمن رضي بالله ربا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولا فقد ذاق طعم الإيما، ومن ذاق طعم الإيمان فقد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدًا، ومن الرضا بالله الرضا بقضائه وقدره، والرضا بأمره ونهيه، والرضا بما قسم لك.
سادسًا: اليقين بأن الهداية بيد الله جل وعلا، وأن حرصنا على هداية الناس لا يلزم منه أن يهتدوا، فقد يريد الله غير ذلك، وقد يكون لهدايتهم موعد لا نعلمه نحن، وقد قال الله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن يهدي من يشاء}، وإنما علمنا وضع البذرة الصالحة، وتعاهدها بالمعاملة الحسنة، ثم إذا شاء الله أنبتها، وإن شاء بقيت في مكانها لم ينتفع بها صاحبها.
ثم بعد ذلك، يجب أن تصاحبيهم بالمعروف، وأن تحسنى إليهم حتى وإن أساؤا إليك؛ لأن هؤلاء أرحامك وأقاربك، وصلتهم والإحسان إليهم مأمور به شرعًا، قال الله تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}، وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيؤن إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: ((إن كنت كما تقول فكأنما تسفهم المل [أي تضع في أفواههم الرمل الحار]، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك)).
أسأل الله لك التوفيق والسداد، والهداية، وأن يثبتك على دينه إلى يوم لقائه..
والله أعلم.

جواب السؤال صوتي
   طباعة 

جديد الاستشارات

Separator